خلاف بين كبار ضباط الجيش التركي حول العملية العسكرية شرق الفرات

في الوقت الذي كانت فيه تركيا تتفاوض مع الولايات المتحدة لوضع خريطة طريق للمنطقة الواقعة شرق نهر الفرات ومنبج، وتنسق مع موسكو للحصول على ضوء أخضر من أجل عملية عسكرية محتملة ضد القوات الكردية، نشأ تطور غير عادي في تركيا وبالتحديد في مؤسسة الجيش. حيث تم نقل كل من الجنرال المتقاعد إسماعيل متين تيمل، القائد الذي يدير جبهات العراق وسوريا، وبنى سمعة لمهاراته القيادية خلال عمليات درع الفرات وغصن الزيتون في سوريا. اضافة الى العميد مصطفى باروت، قائد اللواء كوماندوز الرابع إلى وظائف مكتبيّة.

وذكرت وسائل الإعلام التركية أنّ كلا القائدين تم ابعادهما بسبب اعتراضاتهم على خطط لشن حملة عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية شرقي الفرات. وقد أظهر التحرك ضد القائدين البارزين، والذان كانا ينال دائما ثناءا وتقديرات ايجابية من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التناقضات والخلافات التي تفصل بين كبار قادة الجيش في تركيا، وتعمق الخلاف بينهم وبين القادة السياسيين وهو ما يمهد لانقلاب عسكري يجري الحديث عنه في تركيا.

وقد لخص دينيز زيرك، وهو كاتب صحفي مرموق ودبلوماسي، اعتراضاتهم في عدة نقاط:

-التهديد الذي تواجهه تركيا الآن يختلف عما واجهناه في عمليات درع الفرات وعفرين. تتلقى وحدات حماية الشعب (YPG) اليوم دعماً كبيراً من الولايات المتحدة. هم الأفضل ومجهزون جيدا بالسلاح والعتاد ومدربون.

-لم يعد الدعم الدولي الذي حصلت عليه تركيا في عمليتيها السابقين متوفرا. ترسل كل من الولايات المتحدة وروسيا رسائل واضحة تتضمن تحذيرات جديدة صدرت من البنتاغون ومن البيت الأبيض ومن العواصم الغربية عامة. —يمكن أن تعمل الظروف المناخية والطوبوغرافية ضد هدفنا المتمثل في الحد الأدنى من الإصابات.

-تحاول الولايات المتحدة تكليف تركيا بقيادة الحرب ضد الدولة الإسلامية. لكن ليس مطلوبا من تركيا محاربة داعش بعيدا عن حدودها ولا يمكنها القيام بذلك أصلا.

في تركيا توحد الجيش مع القادة السياسيين حتى الآن تجاه مختلف القضايا، وكان التوغل في سوريا خطوة مقبولة منهم، ولكن خلال الأيام الماضية أعرب ضباط متقاعدون عن عدم ارتياحهم لسياسة الحكومة وتصرفات الرئيس.

القرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا ومن ثم تكليف تركيا بالتعامل مع بقايا داعش أثار تساؤلات حول عملية تركيا وشيكة شرق الفرات حيث أنّها ترافقت مع تصاعد وتيرة التهديدات التركية التي حشدت آلاف المسلحين السوريين على الحدود.

ترامب عرض أن تقوم بتركيا بقيادة حملة ضد تنظيم داعش، لكن لا تتوفر أيّة حدود مشتركة، أقرب نقطة تقع على بعد 290 كم ولا يمكن بأي حال للجيش التركي التحرك خلالها ضمن أرض معادية. تركيا لا ترغب في قتال داعش، وإنّما هدفها الاساسي هو القضاء على الأكراد وقواتهم العسكرية، ومؤسساتها في شمال شرق سوريا. وهي تسعى منذ سنوات لإقامة ما تقول إنّها منطقة عازلة بعمق 10-40 كيلومتر (6-25 ميل) بين نهري دجلة والفرات، حيث تنتشر وحدات حماية الشعب المسلحة والمدربة جيدا. ليس لدى تركيا أي طموح للذهاب إلى عمق الأراضي السورية ب 300 كم والوصول إلى دير الزور لمحاربة داعش.

تسائل قادة الجيش عن الحكمة من إرسال القوات التركية والطريقة، طالما أنّه ليس لتركيا أيّة اهداف في الوصول لتلك النقطة البعيدة، حيث ستكون كذلك على تماس مع الجيش السوري، وهو ما يهابه الرئيس التركي كونه ملتزم بهدم التعرض لهم بحسب الإتفاق مع روسيا.

في حين أنّ السؤال الحاسم حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستسمح لتركيا أصلا بالهجوم على الأكراد، السيناتور ليندسي غراهام، ثم ترامب، وأخيرا بولتون قد أعربا عن وجهات نظر كانت بالنسبة للأتراك صدمة. بعد اجتماعه مع ترامب، قال غراهام ، انسحاب جنود الولايات المتحدة من سوريا متعلق ب “الهزيمة الكاملة لتنظيم الدولة الاسلامية، ضمان ادأن لا تتمدد ايران لهذه المناطق، حماية الأكراد”. في اجتماعه الوزاري في الثاني من كانون الثاني (يناير) ، قال ترامب: “نريد حماية الأكراد “.

ومع ذلك ، إذا كانت خطة تركيا للمنطقة مدمرة كما حدث في عفرين، فكيف سيحمي الأمريكيون الأكراد؟ إذا كانت المنطقة العازلة وفق التفسير التركي نشطة، فكيف سيتم تأمينها بدون صدامات؟ كيف يمكن للولايات المتحدة ، التي تخطط لسحب قواتها البالغ قوامها 2000 جندي من الميدان، أن تفرض المنطقة العازلة؟

تحاول روسيا إقناع أنقرة بالتخلي عن خطة المنطقة العازلة، المستحيلة التطبيق والقبول من خلال نشر الجيش السوري في منبج وشرق الفرات. وفقاً للخطة الروسية، عندما يأتي الجيش السوري، ستنتهي سيطرة وحدات حماية الشعب.

من جهة أخرى، تشك تركيا في أنّ الأكراد سيبتكرون صيغة للبقاء في المنطقة أو تحت حماية الجيش السوري. في حين تكافح تركيا بين الخطط الأمريكية والروسية، هناك عنصر آخر يجعل المسألة أكثر تعقيدًا: تريد واشنطن نشر قوات سعودية وإماراتية ومصرية في المنطقة، وهي قوات على خلافات مع تركيا. الخطة جعلت بالفعل مسؤولين أتراك يشعرون بالخيبة مجددا. التقارير التي تقول إنّ مصر تحاول إقناع الأكراد ودمشق بالتفاوض جعلت تركيا أكثر توتراً.

إبعاد إيران عن سوريا ليس مصدر قلق حقيقي لتركيا في الوقت الراهن. هناك أيضا تساؤلات حول احتمال نجاح عملية برية شرق الفرات. كانت الكفة في عفرين تميل لصالح الجيش التركي وفق الضباط الاتراك، المدينة كانت تحت الحصار ومعزولة، وكانت وحدات حماية الشعب (YPG) غير مجهزة جيدا بالسلاح والذخيرة.

لكن في شرق الفرات وحدات حماية الشعب (YPG) مجهزة بالأسلحة الأمريكية والخبرة المكتسبة في معركتها مع داعش.  مع الأخذ في الاعتبار الظروف الميدانية ، لا يوجد ضمان للسيطرة على مساحة 450 كيلومتر (حوالي 280 ميل) وضمان استقرارها فهي أراضي الدولة عدوة ويكن شعبها العداء لتركيا.

قضية أخرى مهمة وهي المسلحين السوريين الذي تمولهم وتدربهم انقرة، المشاهد التي يرسلوها لوسائل التواصل الاجتماعي والتهديد بذبح الأكراد والانتقام من العرب الذين تحالفوا معهم اضافة إلى ما ارتكبوه من سرقات والاعتداء حتى على جثث النساء في عفرين ساهمت في تكوين نظرة سلبية لدى المجتمع والاعلام الدولي تجاههم وسيكون الموقف رافضا لأي مشاركة ودور لهؤلاء الذين لن يتقبلهم الناس كذلك.

بذلك نحن أمام وضع معقد، وهي القراءة التي ينقلها المعارضون لأي مغامرة عسكرية جديدة ويشبونها أسوة «صاري قاميش» التي ادت لمقتل 90 ألف جندي عثماني قبل 104 عاما، خلال الحرب العالمية الأولى، حينها تولى «أنور باشا» قيادة الجيش العثماني في منطقة «صاري قامش»، التابعة حالياً لولاية قارص، حيث قرر شنَّ هجوماً على الجيش الروسي الذي احتل أراض عثمانية في «حرب 93» التي جرت بين عامي 1877-1878، فصدرت أوامر بتجهيز الجيش رغم كل التحذيرات من القادة العسكريين الذين أكدوا لـ أنور باشا، أنّهم لن يتمكنوا من تحقيق النصر في ظل ظروف الشتاء القاسية. إﻻ أنّ أنور أمر ببدء المعركة وانتهت الحملة العسكرية نهاية قاسية، حيث توفي فيها عشرات آلاف الجنود العثمانيين من شدة البرد، كما أسر آلاف آخرون ليلقوا حتفهم فيما بعد في منافيهم بسيبيريا وأوكرانيا.

فهيم تاستكين بتصرف

 

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك