حراقات النفط معاناة اخرى تلاحق الشمال السوري

انتشرت حرّاقات النفط البدائية في الشمال السوري، بعد انقطاع إمدادات الوقود منذ أواخر عام 2011، ليعتمد الأهالي على وسائل بديلة كالخشب. ثمّ وبعد سيطرة فصائل مسلحة على حقول لإنتاج النفط السوري في عام 2013، وبدأ نقل النفط نحو مناطق إدلب وريف حلب، فكانت حراقات النفط البدائية التي ما زالت مصدراً للوقود المكرّر حتى الآن.

وفي ريف إدلب، تنتشر حراقات النفط البدائية المعدة لتكرير النفط بشكل كبير، ويتجاوز عددها 400 تنتشر في مناطق عدة. وفي منتصف عام 2018، ففي معارة النعسان في ريف إدلب الشمالي تم احصاء 150 حراقة بدائية تعمل في البلدة، وكل محطة تكرير (حراقة) في حاجة إلى عدد من عمال التنظيف والصيانة والحرق وآخرين، ما يؤمن دخلاً لنحو 1500 عائلة من أبناء البلدة. وتجاوز عدد محطات التكرير البدائية في إدلب 470 محطة، إضافة إلى نحو 270 محطة تنتشر في منطقة درع الفرات في ريف حلب الشمالي.

لكن أخطار هذه المحطات ليست آنية فحسب، ولا تزول مع توقف العمل فيها. كما أن تأثيرها وضررها يدومان عشرات السنوات، سواء على الإنسان أو الحيوان وحتى البيئة المحيطة. الخطر بحسب الخبراء يزداد كلّما زاد عدد سنوات عمل هذه المحطات من دون مراعاة عامل السلامة. فبعض الأمراض بدأت تظهر أعراضها بشكل مباشر على العاملين في هذا المجال هي السل والسرطان والموت اختناقاً بالغازات السامة، كما وأنها بدأت تظهر على سكان القرى والبلدات القريبة.

كما وقد ينتج عنها مشاكل وراثية “الغازات السامة المنبعثة من هذه الحراقات لدى الجيل الأول أو الثاني من أبناء المنطقة المحيطة، أو العاملين في هذا المجال، قد تتسبب في حدوث ولادات لأطفال مشوهين”.

فالمواد المنبعثة وحسبما يقوله المهندس البيئي محمد إسماعيل تترسّب في التربة المحيطة في منطقة الحراقات، وتؤدي إلى أمطار حمضية ضارة جداً، وتؤثّر على النباتات والزراعة في المنطقة.

وبحسب دراسات أجريت مؤخراً في الصين عن الانبعاثات الناتجة عن محطات تكرير حديثة للنفط، فقد يتحول لون أوراق النبات بعد مدة طويلة من اللون الأخضر إلى اللون الأسود نتيجة ترسبات وتراكم المواد السامة في التربة. والغاز الأشد خطورة هو غاز كبريت الهيدروجين، الذي يؤثر على الخلايا العصبية بشكل كبير وقد يؤدي إلى الوفاة. والخطر الأشد على البيئة هو الرصاص وشوائب النفط الخام التي قد تصل إلى المياه الجوفية.

مشكلة أخرى تتعلق بغياب نسبة الحماية والامان للعاملين فيها، فعدا عن ساعات العمل الطويلة 15-20 ساعة يوميا،  حيث تستخدم خزانات تقل سماكتها عن ستة ميليمترات في وقت ينصح فيه الخبراء بالحد الادنى وهو 11 ميلي، كما أن عملية اللحام تكون غير مدروسة. والخطر الثاني الذي يؤدي إلى وفيّات وأمراض خطيرة للعاملين في هذا المجال، هو عملية تنظيف الخزان. ويحدث أن يدخل أحد العاملين إلى داخل الخزان عبر فتحة ضيّقة لا تتجاوز الأربعين سنتيمتراً، وتكون حرارة الخزان نحو 50 درجة مئوية، ويقوم بتجريف الرواسب الصلبة من أرض الخزان وجوانبه، وتكون الغازات السامة كثيفة بشكل كبير جداً داخل الخزان، ولا يملك العامل غير ارتداء كمامة.

وفي معارة النعسان في ريف إدلب، تصل إلى المراكز الصحية يومياً نحو 10 إصابات من جرّاء عمليات تكرير النفط في المحطات البدائية، بالإضافة إلى أكثر من 20 طفلاً نتيجة استنشاقهم الغازات والانبعاثات السامة الناتجة عن هذه المحطات. ويصل عدد المصابين بأمراض الجهاز التنفسي شهرياً إلى نحو 700 إصابة. وفي إدلب التي يتجاوز عدد السكان فيها حالياً نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون، فإنّ أكثر من 21 في المائة من السكان والمهجّرين مهددّون بالإصابة بأمراض الجهاز التنفسي بسبب محطات التكرير، كما تؤكد منظمات مدنية.

 

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك