عادت تركيا مجددا لإثارة ملف مدينة تلرفعت الواقعة على بعد 35 كم شمال مدينة حلب وتسيطر عليها وحدات حماية الشعب بالإضافة لانتشار محدود لقوات من الحكومة السورية وجنود روس في المدينة التي تحيط بمدينتي نبل والزهراء الشيعيتين، والتي تفرض ميليشياتها ايرانية حمايتها.
إبعاد وحدات حماية الشعب عن المدينة يشكل هاجسا تركيا لاسيما وأنّها كانت قد تعهدت للميليشيات السورية التي تقاتل معها قبل اعلان حملة لغزو مدينة عفرين بأنّ تلرفعت ستكون الوجهة الثانية للعمليات العسكرية التركية قبل أن تجابه بالقوات الروسية والايرانية وقوات الحكومة السورية في المنطقة الاستراتيجية، والتي نزح اليها قرابة 300 ألف من سكان عفرين هاربين من القصف التركي والانتهاكات التي مارستها قواتها وعناصر الفصائل السورية المدعومة من قبلها.
لكن بالإضافة إلى ذلك يشكل الضغط الروسي لتنفيذ تركيا تعهدتاها بشأن تطبيق بنود اتفاق سوتشي المتعلق بإدلب وتأخر تنفيذ التعهدات عن الجدول الزمني يشكل ورطة لتركيا حيث جوبهت بمعارضة هيئة تحرير الشام تنفيذ الإتفاق الذي تضمن إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين مناطق المعارضة ومناطق سيطرة النظام بعرض 15 إلى 20 كيلومتراً تحت إشراف الطرفين خالية من الأسلحة الثقيلة ومقاتلي المعارضة وبموجب الاتفاق سيتم فتح الطريقين السريعين” M4″ و”M5″ الماران من إدلب والذين يربطان حلب بدمشق واللاذقية إضافة لخطة لفتح طريق يربط مدينة عينتاب التركية بمدينة حلب.
لكن هناك ميليشيات سورية ممولة من إيران مثلما هو الحال في ريف حلب الشمالي ولا يمكن تجاهل دورها خاصة في تلك المنطقة من شرقي حلب، لكن أيضاً هناك الفيلق الخامس الذي شكلته روسيا وتم إرسال تعزيزات له إلى محيط تل رفعت ومحيط منطقتي نبل والزهراء شمال حلب، لبناء حواجز ترابية عند ما يعرف بطريق غازي عنتاب- حلب.
وهناك استماتة روسية- إيرانية لإعادة فتح هذا الطريق وسط ممانعة إيرانية على تسليم تل رفعت إما للمعارضة السورية أو إلى ميلشيات مقربة من تركيا لأنّهم يريدون مقابل تلك المنطقة أن تسلم المعارضة نحو 14 قرية تقع في غرب بلدتي نبل والزهراء.
وتسعى أنقرة بالتعاون مع موسكو لما تقول بأنّه إرساء للسلام في إدلب، وتحاول بالاتفاق معها وضع التدابير الفنية والتكتيكية الواجب اتخاذها من أجل تطبيق اتفاق سوتشي مع كسب المزيد من الوقت ومحاولة عقد صفقة أخرى مع موسكو وطهران ضد قوات سوريا الديمقراطية سواء اكانت في شرق الفرات أم ريف حلب الشرقي.
وفي هذا السياق اتفق وزيرا الدفاع التركي خلوصي أكار، والروسي سيرجي شويغو، خلال اتصال هاتفي اليوم السبت، على مواصلة العمل المشترك من أجل تحقيق السلام واستمراره في إدلب وتل رفعت السوريتين.
وذكرت مصادر في وزارة الدفاع التركية لوكالة الأناضول للأنباء التركية الرسمية، أنّ الوزيرين بحثا في اتصال الهاتفي قضايا تتعلق بالأمن الإقليمي، في إطار الاتفاق الموقع في مدينة سوتشي الروسية بين البلدين حول سورية.
وأكدت المصادر أنّ الوزيرين حددا التدابير الفنية والتكتيكية الواجب اتخاذها ميدانيا.
يشار إلى أن أكار، ورئيس جهاز الاستخبارات التركي هاكان فيدان، عقدا الثلاثاء الماضي لقاء مع الوزير شويغو، ومسؤولين روس آخرين بمدينة سوتشي الروسية المطلة على البحر الأسود.
وفي سبتمبر الماضي، أعلن الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، في منتجع سوتشي، اتفاقا على إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين المناطق التي تسيطر عليها القوات السورية ومناطق المعارضة في إدلب.
ويعد الاتفاق ثمرة لجهود تركية للحيلولة دون تنفيذ النظام السوري وداعميه هجوما عسكريا على إدلب، آخر معاقل المعارضة، حيث يقيم نحو 4 ملايين مدني، بينهم مئات الآلاف من النازحين.
ويتمركز الآلاف من عناصر قوات سوريا الديمقراطية، في تل رفعت بالإضافة إلى قوة صغيرة للنظام السوري فيها، وعشرات من أفراد الشرطة العسكرية الروسية.
ورغم أنّ روسيا أعلنت في سبتمبر 2017 أنها أقنعت “ي ب ك” بتسليم تل رفعت للنظام إلا أنّ ذلك لم يحدث، إذ يواصل انتشاره في المدينة.
وتسيطر هيئة تحرير الشام على غالبية محافظة إدلب، وتتواجد فصائل أخرى أبرزها حركة أحرار الشام في المناطق الأخرى. وكانت قوات النظام سيطرت على بعض المناطق في أطراف المحافظة بداية العام الحالي خلال هجوم في ريفها الشرقي.
كما تسيطر هيئة تحرير الشام ومجموعات جهادية أقل نفوذاً منها على ثلثي المنطقة المنزوعة السلاح، التي تشمل جزءاً من محافظة إدلب مع ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي الشرقي.
وأعرب وزير الخارجية السوري وليد المعلم الإثنين عن عدم رضاه إزاء تنفيذ الاتفاق. وقال، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) “لا يزال الإرهابيون متواجدين بأسلحتهم الثقيلة في هذه المنطقة وهذا مؤشر على عدم رغبة تركيا بتنفيذ التزاماتها”.
وتشهد سوريا منذ العام 2011 نزاعاً مدمراً تسبب بمقتل أكثر من 360 ألف شخص وبدمار هائل في البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.