على مدار يومين عقد وفد امريكي فرنسي سلسلة لقاءات مع قادة قوات سوريا الديمقراطية والادارات الذاتية بهدف مناقشة التطورات في شرقي الفرات في ظل التهديدات التركية، والتي تزامنت مع تهديدات من روسيا والنظام السوري.
وفيما يبدو أنها إشارة مُوجّهة لأنقرة تتضمن دعما لقوات سوريا الديمقراطية في مناطق شرقـ زار وفد فرنسي وأميركي منطقة عين عيسى الواقعة في القطاع الشمالي الغربي من ريف الرقة للاجتماع بقيادة قوات سورية الديمقراطية المعروفة باسم (قسد).
مصادر قريبة من الاجتماع كشفت أن الجانب الامريكي الفرنسي اكد على أن السياسة الامريكية تجاه سوريا وفي الشرق الأوسط اصبحت واضحة وهي أن القوات الأميركية باقية في سوريا لفترة طويلة لتحقيق ثلاثة أهداف: القضاء على «داعش»، وضمان عدم عودته، العمل للوصول إلى حل سياسي بموجب القرار 2254 بإطلاق مسار سياسي وتشكيل لجنة دستورية في سوريا وحل المشكلات التي أدت إلى قتل نصف مليون شخص وتهجير نصف الشعب السوري، إضافة إلى «خروج القوات الإيرانية».
وان التحالف الدولي لا يوافق انقرة ويعتبر «وحدات حماية الشعب» شريك ومكون أساسي في «قوات سوريا الديمقراطية» التي تحارب «داعش» شمال شرقي سوريا.
وصعّدت تركيا من لغة التهديد تجاه شرق الفرات حيث تنتشر القوات الامريكية وقوات من التحالف الدولي الى جانب قوات سوريا الديمقرطية حيث هدّد الرئيس أردوغان بشن هجوم في مناطق شمال شرق سوريا المحاذية لبلاده.
وتزامنت تهديدات أنقرة مع استهداف القصف التركي خلال الأيام الأخيرة مواقع لوحدات حماية الشعب، العمود الفقري لقوات سوريا الديموقراطية، التي تقاتل الجهاديين الى جانب واشنطن.
وسارعت الولايات المتحدة الأميركية، شريكة تركيا في الحلف الاطلسي، إلى احتواء التوتر، في اطار سعيها للحفاظ على المقاتلين الأكراد، الذين يشكلون شريكاً رئيسياً لها في قتال تنظيم الدولة الاسلامية.
محللين يقولون إنّ توقيت تهديداته الأخيرة يجعلها تبدو أكثر جدية الآن حيث قصف جيشه مواقع عسكرية كردية في مناطق كوباني وتل أبيض وخاصة أن الظروف مؤاتية لأنقرة الآن على الساحة الدولية.
فعلى صعيد الملف السوري، أبرمت تركيا اتفاقية مع روسيا في سبتمبر جنبت هجومًا كانت القوات السورية تعد له على إدلب (شمال غرب)، آخر أبرز معاقل الفصائل المعارضة في البلاد.
وعلى الصعيد الدولي، انخرطت أنقرة في مواجهة دبلوماسية ضد السعودية، التي تعد مركز ثقل إقليمي، تسعى من خلالها إلى البروز من خلال التحقيق في قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي، الذي قتل في قنصلية بلاده في إسطنبول.
كما تحسنت علاقتها مع واشنطن بعد فترة من الفتور، بعد الإفراج عن القس الأميركي أندرو برانسون في أكتوبر.
ويسعى أردوغان من خلال قصف المناطق الكردية في الشمال إلى اختبار مستوى تقبل الولايات المتحدة لهجوم محتمل.
ويقول الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد نيكولاس هيراس “إنه يحاول معرفة إلى أي مدى يمكنه المضي في عملية عسكرية شرقي الفرات قبل أن تعترض الولايات المتحدة”.
وتصنف تركيا وحدات حماية الشعب الكردية على أنها جماعة “إرهابية”، بينما تعتبرها واشنطن حليفاً استراتيجياً في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ويسبب تصاعد اللهجة إحراجاً للولايات المتحدة، خاصة وأن قوات سوريا الديموقراطية تسعى لإنهاء هجومها على آخر جيوب التنظيم في شرق سوريا، لكنها علقت عملياتها بعد القصف التركي.
ويقول الباحث في مركز “سنتشوري فاونديشن” آرون لوند “إن الولايات المتحدة تشعر بالحرج فهي تريد إنهاء الهجوم على التنظيم”.
وأضاف أن اعتماد الأميركيين على القوات الكردية في القتال ضد الجهاديين يعطي هذه القوات “تأثيرا كبيرا على القوة العظمى” الأميركية.
وبعد أيام قليلة من إعلان قوات سوريا الديموقراطية تعليق عملياتها العسكرية، قام الجنود الأميركيون بتسييير دوريات للمرة الأولى في المناطق الحدودية الكردية التي قصفها الجيش التركي.
كما سيرت القوات الأميركية والتركية أيضا دوريات مشتركة قرب مدينة منبج الشمالية في إطار “خارطة طريق” وضعها الحليفان لنزع فتيل التوتر.
واعتبر الباحث في الشؤون السورية فابريس بالانش أنه “إذا تنازلت الولايات المتحدة لتركيا، فلن يعود بإمكانها الاعتماد على الأكراد”.
ويرى الخبير في الشؤون الكردية موتلو جيفير أوغلو أن تعليق القتال “رسالة واضحة” من قوات سوريا الديمقراطية إلى التحالف الدولي.
وأشار الخبير إلى أنهم يقولون لهم “نحن نقاتل معا، ونحن شركاء، وعندما نواجه تهديدات عليكم صدها”.
وقال جيفر أوغلو إن العديد من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية المرابطين على جبهة دير الزور ينحدرون من بلدات يسيطر عليها الأكراد على الحدود التركية.
وبين الخبير أن “منازلهم وعائلاتهم تعرضت للهجوم” وفي هذه الظروف “من الصعب التركيز على القتال، الصعب أساسا”.
وتعرضت قوات سوريا الديموقراطية، بعد أن تمكنت من التقدم في مناطق عدة، لنكسة في نهاية أكتوبر بسبب الهجمات التي قام بها الجهاديون وسوء الأحوال الجويّة.
واعتبر الباحث في المعهد الأطلسي أرون شتاين أن التنظيم سيخسر في نهاية المطاف وإن منحته التوترات مهلة، مشيرا إلى أن “التنظيم هزم عسكريا ولو استمر بالمقاومة. إن الولايات المتحدة ستنهي المهمة في نهاية الأمر”.