مع تصاعد الأزمة السورية منذ عام 2011، لجأ ملايين السوريين إلى الدول المجاورة هرباً من الحرب والدمار وبحثا عن ملاذ آمن. تركيا، التي استقبلت أكبر عدد من اللاجئين السوريين، باتت وجهة رئيسية لهم خاصة وأنها كانت طرفا في هذه الحرب. ومع ذلك، تشير تقارير وشهادات إلى معاملة قاسية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من قبل الجندرما التركية، تصل إلى مستوى جرائم حرب.
شهادات حية:
في حوار مع بعض اللاجئين الذين نجوا من محاولات عبور الحدود إلى تركيا، يتحدث “أحمد” (اسم مستعار) عن تجربته المؤلمة قائلاً: “كنا مجموعة من عشرة أشخاص نحاول العبور إلى تركيا. اعترضتنا الجندرما وبدأوا في ضربنا بقصد اقتل بأعقاب البنادق والهراوات. “جوان” أشار أنهم تعرضوا لإطلاق نار مباشر من القناصة الأتراك رغم توقفهم ورفعهم رايات بيضاء وأنهم يودون العودة لسوريا خاصة بعدما تم اصابة صديق له برصاصة في الظهر، افقدته القدرة على الحركة “حاليا يعيش على كرسي متحرك وهو عاجز عن الحركة” جوان لم يتردد في وصف الحالة “لقد كانوا يستهدفوننا بقصد القتل أو اصابتنا بالعجز “”الشلل””.
وتشير 6 مقابلات أخرى اجريناها مع مهاجرين حاولوا عبور الحدود التركية أن الجندرما التركية استخدمت القوة المفرطة وغير المبررة ضدهم “اللاجئين السوريين” .. “تعرضنا للضرب والتعذيب، وأُطلق النار على بعضنا، مما أدى إلى إصابات خطيرة ووفيات.”
إحصائيات وأرقام:
ارتفع عدد السوريين الذين قتلوا برصاص الجندرما التركية إلى 566 سورياً، بينهم (106 طفلاً دون سن 18 عاماً، و 69 امرأة)، وذلك حتى 3 آب 2024 وأصيب برصاص الجندرما 3108 شخصاً وهم من الذين يحاولون اجتياز الحدود أو من سكان القرى والبلدات السورية الحدودية أو المزارعين، وأصحاب الأراضي المتاخمة للحدود حيث يتم استهدافهم من قبل الجندرما بالرصاص الحي.
منذ بداية العام الجاري (2024) قتلت الجندرما التركية 13 مهاجرا، ووثقت إصابة 33 آخرين.
وخلال عام 2023 قتلت الجندرما 41 شخصاً فيما تجاوز عدد الذين أصيبوا خلال محاولة اجتياز الحدود إلى 133 شخصاً، بينهم إصابات بإعاقة دائمة نتيجة الضرب الوحشي بالعصي والبواريد والركل وإلقائهم خلف الساتر الحدودي وهم ينزفون.
وخلال عام 2022 قتلت قوات حرس الحدود التركية 48 مهاجراً سورياً بينهم 5 أطفال وامرأتين ضمن مناطق سورية متفرقة واقعة قرب وعلى الحدود مع تركيا، كما أصابت 121 مدنياً بينهم 36 طفلاً و 40 امرأة عبر استهدافهم بطلقات مميتة من قناصين مدربين يستهدفون المهاجرين، أو سكان القرى القريبة من الحدود بشكل متكرر.
القانون الدولي وجرائم الحرب:
تعتبر الانتهاكات الموثقة من قبل الجندرما التركية جرائم حرب وفقاً للقانون الدولي. يُعرِّف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جرائم الحرب بأنها “الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف”، والتي تشمل “القتل العمد، التعذيب، المعاملة اللا إنسانية.”
ردود الفعل الدولية:
تستغل تركيا صمت وهدوء المجتمع الدولي عن انتهاكاتها للمضي فيها أكثر، رغم أن تلك الاعتداءات أثارت ردود فعل حيث طالبت الأمم المتحدة بفتح تحقيقات مستقلة وشفافة في هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها. في تصريح للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، دعا المفوض السامي “فيليبو غراندي” إلى “ضرورة حماية اللاجئين وضمان عدم تعرضهم للعنف والانتهاكات.” لكن ذلك يظل دون المطلوب.
يبقى مصير اللاجئين والمهاجرين السوريين مأساوياً في ظل استمرار هذه الانتهاكات. وعلى المجتمع الدولي أن يتحرك بشكل عاجل لضمان حماية حقوق هؤلاء اللاجئين وإنهاء معاناتهم. تحقيق العدالة لهم لا يعد مجرد واجب إنساني، بل هو ضرورة أخلاقية لضمان عدم تكرار هذه الجرائم.