جريمة حرب أم ضدّ الإنسانية؟ هذا ما يقوله القانون الدولي بشأن استهداف المدنيين والمستشفيات في شمال شرق سوريا

مع استهداف طيران الاحتلال التركي المدنيين في شمال شرق سوريا في هجوم بدءه منذ الخامس من اكتوبر الجاري، ومع قصفه المستشفيات والبنية التحتية الحيوية، وإيقاع أكثر من 45 شهيد واصابة العشرات عاد إلى الواجهة مصطلح “جريمة حرب”.

ولا تنحصر بشاعة استهداف الهجمات التركية عامة في العدد الهائل للضحايا المدنيين الذين يسقطون، بل لكونها أيضاً تستهدف بشكل ممنهج “البنية التحتية الحيوية” وهو ما تحدث عنه علانية ولأول مرة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في 4 أكتوبر أي قبل شن الهجمات بيوم واحد فقط. تحظر كل القوانين الدولية هذا، لا بل تنصّ جميعها على إبقاء المراكز الحيوية لا سيما المشافي خارج دائرة النزاع المسلح، لأنه يُعتبر جريمة حرب واضحة.

ماذا يقول القانون الدولي عن جريمة الحرب؟
للحرب قوانين خاصة وضعتها اتفاقيات دولية مختلفة، من معاهدة فرساي عام 1919، مروراً باتفاق لندن عام 1945 واتفاقية جنيف 1949، وصولاً إلى نظام روما عام 2013؛ جميعها نصوص صنّفت الجرائم بشكلٍ واضح تماماً، ولو تباين بين واحدٍ وآخر.

بموجب المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي، على النحو المنصوص عليه في اتفاقية جنيف 1949، وفي البروتوكولين الإضافيين لعام 1977، الأمر واضح: الاستهداف المتعمد للمدنيين محظور.

فالمادة الثالثة من اتفاقية جنيف الثالثة تحظر بشكلٍ واضحٍ الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، خاصةً القتل بجميع أشكاله، ضدّ الأشخاص الذين لا يشاركون مباشرةً في النزاعات المسلحة.

كما أن المادة 51 من البروتوكولين الإضافيين تنصّ على أنه “لا يجوز للمدنيين أن يكونوا هدفاً للهجوم، وأعمال العنف التي تهدف إلى نشر الرعب بين السكان المدنيين -أو التهديد بها- محظورة”.

وفقاً للمادة الثالثة التي تنصّ عليها اتفاقية جنيف، ففي حالة قيام نزاعٍ مسلح، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق الأحكام التالية كحدٍّ أدنى:

1) الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر. ويعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، من دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو أي معيار مماثل آخر.

وفيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، يحظر الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، خاصةً القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب،

2) يتم جمع الجرحى والمرضى والاعتناء بهم. ويجوز لهيئة إنسانية غير متحيزة، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن تعرض خدماتها على أطراف النزاع.

وعلى أطراف النزاع أن تعمل فوق ذلك، عن طريق اتفاقات خاصة، على تنفيذ كل الأحكام الأخرى من هذه الاتفاقية أو بعضها. وليس في تطبيق الأحكام المتقدمة ما يؤثر على الوضع القانوني لأطراف النزاع.

أما المادة الرابعة من اتفاقية جنيف، فتشير بوضوح إلى أن “الأشخاص الذين تحميهم الاتفاقية هم أولئك الذين يجدون أنفسهم في لحظةٍ ما، وبأي شكلٍ كان، في حالة قيام نزاعٍ أو احتلال، تحت سلطة طرفٍ في النزاع ليسوا من رعاياه أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها”.

وفقاً لكلّ ما سبق أن ذُكر، لا يُمكن أن يُصنّف العدوان التركي على شمال شرق سوريا بمصطلحٍ أقلّ من مصطلح “جريمة حرب”.

جريمة حرب أم جريمة ضد الإنسانية؟
بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت الحاجة لوضع قوانين دولية واضحة فيما يتعلق بالحروب والنزاعات المسلحة. وكان أول التصنيفات قد ظهر في قوانين المحاكم العسكرية الدولية، التي أقامتها دول الحلفاء في نورمبرغ وطوكيو.

وخلال وضع هذه القوانين، ظهرت عقبة التصنيفات بين مصطلحات ثلاثة: جرائم حرب ، إبادة جماعية ، جرائم ضد الإنسانية .
تختلف تعريفات جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية، وآليات المعاقبة على كلّ تصنيف، اختلافاً جزئياً بين اتفاقية جنيف والقوانين التي أرستها المحاكم الجنائية الدولية.

ووفقاً لقانون المحكمة الجنائية الدولية، يشكل أي فعل من الأفعال التالية ما يمكن تصنيفه بـ”جريمة ضد الإنسانية”، متى ارتُكب في إطار هجومٍ واسع النطاق أو منهجي، وتوجّه ضدّ أية مجموعة من السكان المدنيين: القتل العمد ، الإبادة ، إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان
السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية ، اضطهاد أية جماعة محدّدة أو مجموع محدّد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية..إلخ ، الاختفاء القسري للأشخاص ، جريمة الفصل العنصري .

الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبّب عمداً في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية.

أما جرائم الحرب، فتشير المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إلى أنها الانتهاكات الجسيمة لاتفاقية جنيف 1949، وهي أي فعل من الأفعال التالية:

القتل العمد :
-تعمُّد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة
-إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها، من دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك
-الإبعاد أو النقل غير المشروعين، أو الحبس غير المشروع
كذلك، فإن جرائم الحرب هي تلك الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة، في النطاق الثابت للقانون الدولي، وهي أي فعل من الأفعال التالية:
-تعمُّد توجيه هجمات ضدّ السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضدّ أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية.
– تعمُّد توجيه هجمات ضدّ مواقع مدنية، أي المواقع التي لا تشكل أهدافاً عسكرية.
– تعمُّد شنّ هجمات ضدّ موظفين مستخدمين أو منشآت وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام.
– تعمُّد شنّ هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح، أو عن إصابات بين المدنيين، أو عن إلحاق أضرار مدنية أو عن إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية.
– قيام دولة الاحتلال، على نحو مباشر أو غير مباشر، بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها، أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها.

ما يعني أن تركيا وفق ماسبق ذكره ارتكبت بالفعل جرائم حرب، فهي -وبمجرد احتلالها للأراضي السورية- ارتكبت جريمة حرب. وتطول لائحة الانتهاكات التي تنصّ عليها قوانين المحكمة الجنائية الدولية وتعتبرها جرائم حرب. فكيف وإن ذهبنا للتذكير بقائمة لا تنتهي من الجرائم ارتكبها الجيش التركي بحق السوريين، أو جرت تحت أعين وبمشاركة جنوده من عمليات اعدام ميدانية، وتمثيل بالجثث والخطف والنهب والاستيلاء على ممتلكات الأهالي وتهجير ممنهج للسكان وعمليات قصف المدن والبلدات الآهلة بالسكان وقصف وتدمير متعمّد للبنية التحتية والمراكز الحيوية واستهداف وقتل سكان القرى والبلدات الحدودية وقائمة طويلة لا تنتهي من الجرائم.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك