المادة 51 من الفقرة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة.. تَعرَّف “ذريعة” تركيا لتبرير هجومها بسوريا


14 كانون الثاني أعلنت وزارة الدفاع التركية شن هجوم جوي واسع النطاق استهدف العشرات من البلدات والمدن السورية والعراقية. ولتبرير هذا الهجوم استندت تركيا إلى “المادة 51 من الجزء 7 من ميثاق الأمم المتحدة” التي تتعلق بحق الدفاع عن النفس.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استند على ذات المادة لتبرير هجومه المدمر على أوكرانيا.

ما المادة 51:
تنص المادة 51 من الجزء السابع من ميثاق الأمم المتحدة على أنّه “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء “الأمم المتحدة” وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فوراً، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال، فيما للمجلس -بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق- الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه”.

إساءة استخدام المادة:
تركيا سبق وأن تذرعت باستخدام هذه المادة في تدخلها السابق في سوريا، وشنّت ثلاث هجمات تبين لاحقا أنّ الغاية الأساسية من ورائها كان احتلال هذه المناطق وتهجير سكانها الأصليين تمهيدا لتوطين 3 ملايين شخص تزعم تركيا أنّهم يقيمون في أراضيها، كما عمدت إلى تدمير مختلف الهياكل الإدارية والأمنية في المناطق السورية التي احتلتها وعوضت عنها بهياكل موالية لها واعتمدت على قواعد أساسية تتعلق بفرض التتريك وتغيير أسماء القرى والبلدات الى التركية وغير ذلك. كما أنّها استخدمت ذات المادة في التدخل العسكري في قبرص وشرق المتوسط وإقليم ناغورني كاراباخ وكذلك في ليبيا وتستخدمه في التدخل في العراق وإقامة العشرات من القواعد العسكرية.

ولتوضيح الجوانب الغامضة للمادة 51 أنشأ كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة مجموعة عمل عام 2004 أصدرت تقرير “عالم أكثر أماناً: عملنا المشترك”.

وتنشأ المشكلة الأساسية في هذه المادة في الحالة التي يجري فيها تقييم التهديد المعني، كالحالة التركية واستغلالها المتكرر لتلك المادة في تبرير مطامحها في الغزو والتدخل الخارجي.

أولاً: مزاعم تركيا في استنادها على المادة 51 لتبرير هجومها الوحشي مؤخرا على سوريا والعراق والذي خلف مقتل وإصابة 60 شخصاً على الأقل ودمرت فيه مشافي ومحطات طاقة ومياه ومخازن حبوب وتم استهداف البنية التحتية فهي غير سليمة على الإطلاق، فالجزء الثالث من المادة 51 لا ينطبق بتاتا: “تقليدياً (…) يمكن للدولة المهددة أن تشن عملية عسكرية شريطة أن يكون العدوان وشيكاً، وألا توجد طريقة أخرى لتجنب التهديد وأن يكون التدخل العسكري متناسباً”. وهو ما لم يتم أصلا.

قوات سوريا الديمقراطية التي تعرضت مناطقها بشكل أساسي للاستهداف لم تشن أي عدوان على تركيا، وكل مزاعم ربط تفجير شارع التقسيم في اسطنبول بهذه القوات لا يستند لأيّة تحقيقات صحيحة، فلم يتم صدور أيّة نتائج نهائية للتحقيق، ولم يتم الكشف عن ملابساته، ولم تشكل أيّة لجان محايدة لتشارك في هذه التحقيق.

أضف أنّ تركيا اختارت على عجل الرد العسكري واستهداف البنية التحتية والمدن الآهلة بالسكان ومخيمات النازحين، هي الطريقة المثلى التي تعتمدها تركيا بشكل أساسي في سوريا والعراق، وارتباط البلدين بطموحات تركيا في إقامة ما تسميه “منطقة آمنة”.

لعل فشل الصفقات التي إرادتها تركيا مع واشنطن ومع موسكو ومع طهران بمطامح إقامة ما تسميه تركيا (المنطقة الآمنة) يدفع للاعتقاد بوجود رابط بين الهجوم التركي وتلك المطامع وهو المشروع الذي ظل أردوغان يروج له منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا (2013)، لغايات تبدو للمجتمع الدولي خبيثة لذا رفض تمويله أو دعمه لكونه يستهدف تهجير ثلث سكان سوريا من أهالي تلك المناطق من الكرد الذين لا يخفي أردوغان كراهيته مقابل توطين آخرين من اللاجئين وهم ورقة الرئيس التركي والقنبلة الموقوتة التي يود استغلالها في وجه الغرب تحديدا.

كما أنّ التدخل العسكري التركي عبر قصف 82 هدفا غير متناسب إطلاقاً بحسب ذات المادة حيث تبين أنّ من بين تلك الأهداف عبارة عن مشافي و محطات طاقة ومياه ومراكز خدمية وبنى تحتية وصوامع تخزين الحبوب، وهو ما يدعم الاتهامات الموجهة لتركيا في أنّها تهدف لضرب استقرار المنطقة وتهجير سكانها.

وبالعودة لأحداث سابقة نجد أنّ تركيا سبق أنّ كررت ذات المزاعم ونسبت هجماتها إلى المادة 51 ونذكر الهجوم الذي شنته في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 قبيل الانتخابات، وهجوم قبل الاستفتاء على الدستور في نيسان 2017، وفي 2018 حزيران قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية، وقبل شهر واحد من انتخابات مارس 2019 المحلية، والهجوم الحالي يأتي قبل 7 أشهر من الانتخابات الرئاسية.

ثانيا: تنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بالدفاع عن النفس على ما يلي: ” ليس في هذا الميثاق ما يخل بالحق الأصيل في الدفاع عن النفس الفردي أو الجماعي إذا وقع هجوم مسلح ضد أحد أعضاء الأمم المتحدة، إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لصون السلم والأمن الدوليين “.

وهنا نجد أنّ تصريحات المسؤولين الأتراك برمتها تربط الهجوم الأخير والذي جاء بعد سلسلة طويلة من النقاشات والصفقات والمساعي التي حاولت تركيا عبرها اقناع موسكو \ ايران من جهة وواشنطن من جهة أخرى منحها ضوء الأخضر لاكمال مخطط ربط المناطق التي تحتلها في شمال سوريا وإقامة منطقة متصلة تمهيدا لمخطط كشف عنه الرئيس التركي في الجمعية العامة للأمم المتحدة بتوطين 3 ملايين لاجئ فيها كلها تبرر وتربط هجوم ليلة 20 نوفمبر بأحداث تفجير شارع تقسيم دون الكشف كما أشرنا لنتائج التحقيقات.

لم تواجه تركيا أي تهديد وشيك من قوات سورية الديمقراطية ووحدات حماية الشعب والتي أكدت في عدة بيانات بأنّهم ملتزمون بالدفاع عن النفس داخل سوريا. وبما أنّه لا يوجد أي تهديد حقيقي، فإنّ رد تركيا – أي قصف المدن في جميع أنحاء المنطقة والتهديد باستخدام الوكلاء الجهاديين لغزو الأراضي التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية – لا يتناسب بأي حال من الأحوال مع القانون الدولي.

وعلى الرغم من المزاعم التركية على العكس من ذلك، فمن الواضح أنّ الدفاع عن النفس التقليدي أو الاستباقي لم يبرر إطلاق الهجوم. كما وانّ تركية لم تبلغ مجلس الأمن الدولى – وهو شرط آخر في المادة 51- عن نتائج التحقيق وتلقيها أي تهديدات أو خروقات مقنعة، وهي لم تبلغ مجلس الأمن أيضاً بالعملية العسكرية.

استهداف المدنيين:
سير الهجوم العسكري التركي وغيرها من الهجمات لا يفي بالمعايير الدولية المتصلة بالحرب. فبموجب نظام روما الأساسي، فإنّ ” توجيه الهجمات عمدا ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد الأفراد المدنيين الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية” يعتبر جريمة حرب. حيث قامت الطائرات التركية بإلقاء الصواريخ على المدن والبلدات السورية وقرب المخيمات ودمرت مشفى ومخازن حبوب ومحطات توليد الطاقة كما أنّ القصف تسبب في مقتل 12 مدنيا بينهم صحفي.

توصية:
– يجب على جميع الدول الفاعلة في الشأن السوري لاسيما الولايات المتحدة وروسيا أن يتخذوا خطوات فورية لوقف الهجمات التركية وإنهاء تواطؤهم في جرائم الحرب التي ترتكبها تركيا ضد المدنيين. حيث لم يكن قصف المدنيين ممكنا بدون الضوء الأخضر الروسي الأمريكي وفتح المجال الجوي السوري أمام الطائرات التركية. كما وأنّ هذه الطائرات قد اشترتها تركية من الولايات المتحدة.

  • يجب على صناع السياسة في الولايات المتحدة أن يتصرفوا فورا لحظر مبيعات الأسلحة في المستقبل – وعلى جميع الحكومات الأخرى التي تستخدم معداتها العسكرية في العمليات التركية أن تفعل الشيء نفسه ولا سيما المانيا. ويتعين على الدول التي تعمل بالفعل كشركاء لقوات سورية الديمقراطية على الأرض فى سوريا – وخاصة الولايات المتحدة وروسيا – أن تقدم مساعدتها وتدعم الاستقرار بدلا من محاولة عكس مسارها والتعاون مع أردوغان.
  • على المدى الطويل، يجب على الدول والمنظمات الدولية ذات الصلة أن تبدأ عملية المساءلة القانونية عن جرائم تركيا في سوريا. وفي حين أنّ تركيا ليست طرفا في نظام روما الأساسي، لاتزال هناك عملية لإحالة إجراءاتها إلى المحكمة الجنائية الدولية. وتنص المادة 14 من نظام روما الأساسي على أنّه يجوز لأي دولة طرف في المعاهدة أن ” تشير إلى المدعي العام حالة يبدو أنّها ارتكبت فيها جريمة أو أكثر من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة تطلب إلى المدعي العام التحقيق في حالة الغرض من تحديد ما إذا كان ينبغي توجيه تهم إلى شخص معين أو أكثر بارتكاب هذه الجرائم “.

من الواضح أنّ تركيا ارتكبت وترتكب جرائم ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في سوريا و العراق. الصور ومقاطع الفيديو والشهادات من سكان المنطقة الذين يشهدون على الجرائم تؤكد ذلك. فأيّة دولة من الدول ال 123 التي صدقت على نظام روما الأساسي يمكن – بل ينبغي أن تبدأ – بجمع الأدلة لإحالة. يجب على شعوب تلك الدول الضغط على حكوماتها للقيام بذلك.

إنّ تصرفات تركيا في سوريا والعراق وهجماتها المتكررة هي مثال واضح على جرائم ضد الانسانية، وفق منظور القانون الدولي لحقوق الإنسان والمنظمات الدولية. وإذا كان العالم يؤمن بقيم مؤسساته، فإنّه سيسمي هذه الجرائم على ما هي عليه، ويعمل على وقفها، ويضمن المساءلة.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك