أعلنت المفوضية الدولية السامية التابعة للأمم المتحدة للتحقيق في الجرائم في سوريا، الأربعاء، أنّ تركيا انتهكت المعايير الدولية لحقوق الإنسان خلال قيامها بعملية “غصن الزيتون” العسكرية في عفرين.
وقالت المفوضية في بيان اليوم، إنّ “هناك احتمالا أنّ القوات الجوية التركية لم تتخذ الإجراءات الاحتياطية اللازمة عند قيامها بشن الغارات الجوية التي بدأت في 20 أغسطس، وهو ما يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان”.
وورد في تقرير اللجنة بعض الحالات، التي أدت من خلال هجمات القوات الجوية التركية، والقوات البرية إلى سقوط ضحايا من المدنيين، وتدمير المرافق الطبية والمنازل السكنية والأسواق.
وفي مارس الماضي أشارت اللجنة إلى أن قصف القوات الجوية التركية والجيش السوري الحر لمنطقة عفرين أدى إلى مقتل 20 مدنياً من بينهم نساء وأطفال، فيما أصيب 30 آخرون.
وقامت القوات الجوية التركية في 22 شباط/فبراير، حوالي الساعة الثامنة والنصف مساءً، بشن هجمات على قافلة من الحافلات الكبيرة والصغيرة والسيارات كانت تقل المئات من المتظاهرين عبر جبل الأحلام بالقرب من قرية باسوطة. وقُصفت القافلة في ثلاثة أماكن منفصلة، ما أسفر عن وفاة سائق على الأقل وجرح 12 شخصاً آخرين. وزعمت القوات التركية في بيان أصدرته في 23 شباط/فبراير أنّه جرى قصف قافلة تنقل إرهابيين وأسلحة وذخائر. وبيَّن شهود بالتفصيل كيف أنّ القافلة كانت تبغي جلب الأغذية واللوازم الطبية إلى عفرين. ولدى فحص مجموعة من الأدلة الهامة، لاحظت اللجنة أنّ القافلة كانت تضم ناشطين وممرضين وأحد الأطباء، فضلاً عن متظاهرين ونساء وأطفال. وعلى الرغم من فحص صورة ملتقطة بطائرة بلا طيار نشرتها وزارة الدفاع التركية( )، لم يكن بالإمكان التحقق من وجود مقاتلين أو أسلحة أو ذخيرة.
لقراءة التقرير كاملا باللغة العربية
لقراءة التقرير باللغة الانكليزية
مجتزئ من التقرير:
محافظة حلب
14- شنت القوات المسلحة التركية وحلفاؤها من أفراد الجيش السوري الحر عملية غصن الزيتون في 20 كانون الثاني/يناير. واستمرت العمليات الجوية والبرية شهرين وجرى معظمها في منطقة عفرين، بعيداً عن المدينة. وإبان دخول القوات المسلحة التركية والجماعات المسلحة التابعة لها إلى مدينة عفرين في منتصف آذار/مارس، كانت القوات الكردية قد تخلت عن السيطرة على المدينة، في مجهود لتجنب حرب المدن وعدم تعريض السكان المدنيين للخطر. ولذلك، تركزت غالبية الهجمات الهادفة إلى الاستيلاء على عفرين على الضواحي الريفية للمنطقة، بعيداً عن المناطق المأهولة جداً بالسكان المدنيين.
15- وحاولت القوات الجوية التركية، لدى شن الغارات، استخدام طائرات متطورة وذخائر دقيقة. وكان القسم الأكبر من القوات البرية يتألف من جماعات مسلحة منتسبة إلى الجيش السوري الحر من مناطق مجاورة داخل الجمهورية العربية السورية، وكانت هذه الجماعات تضم أحرار الشام، وفيلق الشام، وجيش النخبة، وجيش الشرقية، والجبهة الشامية، وجماعة نور الدين الزنكي. وكانت القوات البرية مجهزة ومسلحة كقوات مشاة خفيفة. وعلى العكس من ذلك، كانت الوحدات التركية مسلحة تسليحاً ثقيلاً، وكانت تقوم بنشر دبابات وناقلات جنود خفيفة وعدة أنواع من المدفعية.
16- وكانت مقابلها قوات وحدات حماية الشعب الكردي، التي كانت مسلحة في معظمها بأسلحة مشاة خفيفة. وخلال شباط/فبراير، حاولت أعداد أصغر من القوات الموالية للحكومة الدخول إلى عفرين دعماً للقوات الكردية، ولكنها أُوقفت بعمليات قصف من المدفعية التركية. وفي 18 آذار/مارس، أعلنت القوات التركية الاستيلاء رسمياً على مدينة عفرين.
17- وحصلت اللجنة على معلومات أولية من السلطات التركية بشأن عدة أحداث أشير إليها أدناه. ووقت كتابة هذا التقرير لم يكن قد ورد رد على الطلب الذي قدمته اللجنة للحصول على المزيد من الإيضاحات بشأن أحداث محددة، باستثناء ورود مذكرة عامة (المرفق الثالث). وقد ألحقت بعض الغارات الجوية والهجمات البرية الضرر بالأعيان المدنية والأعيان المشمولة بحماية خاصة في محافظة حلب، بما في ذلك المرافق الطبية، وأحد الأسواق، ومنازل. وقبل عملية غصن الزيتون، قامت القوات الكردية المتمركزة في جنوب غرب المنطقة، في 18 كانون الثاني/يناير، حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً، بقصف مستشفى للأمراض النفسية في إعزاز، وهو مستشفى الأمراض النفسية الوحيد الذي يعمل خارج سيطرة الحكومة والذي يعالج فيه 157 من المرضى لفترات طويلة. وأدى القصف إلى إلحاق الضرر بقسم النساء في المستشفى. وأصيبت 11 امرأة بجروح وتوفيت امرأة واحدة في وقت لاحق.
18- إلا أن الوطأة العظمى للأعمال القتالية التي جرت في شمال غرب الجمهورية العربية السورية قد تحمّلها بالدرجة الأولى المدنيون الذين كانوا يسكنون في منطقة عفرين وقت القيام بعملية غصن الزيتون، والذين كان يزيد عددهم على 000 320 شخص. وفي 21 كانون الثاني/يناير، حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر، أصابت عدة غارات جوية نفذتها القوات الجوية التركية مزرعة دواجن تقع بين جلبول ومريمين. وقُتل جراء الغارات 11 مدنياً، منهم أربعة عمال مزارع، وامرأة وأطفالها الستة ،كانوا قد شُردوا من إدلب قبل ذلك بعدة أسابيع، وجرح سبعة أشخاص آخرين. واستعرضت اللجنة معلومات عما بدا من وجود خنادق على طول الجانب الشمالي من المزرعة، مما يدل على إمكانية استخدامها لأغراض عسكرية.
19- وفي 21 كانون الثاني/يناير أيضاً، تعرض موقع تل عين دارا الأثري، الذي يبعد أقل من 2 كيلومتر عن قرية عين دارا و10 كيلومترات عن مدينة عفرين لعمليات قصف. وألحق الهجوم ضرراً بالموقع الخاضع لحماية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، بما في ذلك مدخل الموقع والبهو الرئيسي فيه. وعلى الرغم من أن الحكومة التركية أنكرت مسؤوليتها عن الهجوم، فإن وزارة الثقافة السورية حملتها مسؤولية تدمير الموقع . ويجب الحرص بشكل خاص على تجنب إلحاق ضرر بالمعالم التاريخية، ما لم تكن مستخدمة كأهداف عسكرية.
20- وقامت القوات الجوية التركية في 22 شباط/فبراير، حوالي الساعة الثامنة والنصف مساءً، بشن هجمات على قافلة من الحافلات الكبيرة والصغيرة والسيارات كانت تقل المئات من المتظاهرين عبر جبل الأحلام بالقرب من قرية باسوطة. وقُصفت القافلة في ثلاثة أماكن منفصلة، ما أسفر عن وفاة سائق على الأقل وجرح 12 شخصاً آخرين. وزعمت القوات التركية في بيان أصدرته في 23 شباط/فبراير أنه جرى قصف قافلة تنقل إرهابيين وأسلحة وذخائر. وبيَّن شهود بالتفصيل كيف أن القافلة كانت تبغي جلب الأغذية واللوازم الطبية إلى عفرين. ولدى فحص مجموعة من الأدلة الهامة، تلاحظ اللجنة أن القافلة كانت تضم ناشطين وممرضين وأحد الأطباء، فضلاً عن متظاهرين ونساء وأطفال. وعلى الرغم من فحص صورة ملتقطة بطائرة بلا طيار نشرتها وزارة الدفاع التركية( )، لم يكن بالإمكان التحقق من وجود مقاتلين أو أسلحة أو ذخيرة.
21- وقُبيل انتهاء الحملة العسكرية، أدى تشديد عمليات القصف الجوي والبري على مدينة عفرين إلى فرار الآلف من المدنيين. وفي 15 آذار/مارس، حوالي الساعة الثامنة مساءً، كانت العشرات من السيارات مصطفة لمغادرة مدينة عفرين، وإذ بالقوات الجوية التركية تقصف نقطة تفتيش قريبة من قرية تورندة، فأودى القصف بحياة ما لا يقل عن خمسة أشخاص، منهم امرأة مُسنة، ورجل في أواسط الثلاثين من العمر، وصبي.
22- وطوال اليوم التالي، في 16 آذار/مارس، واصلت القوات الجوية التركية ووحدات الجيش السوري الحر التابعة لها تصعيد عمليات القصف فوق مدينة عفرين. وروى شهود أنّهم لاحظوا في حوالي الساعة العاشرة والنصف صباحاً، طائرات مقاتلة تحوم فوق حي المحمودية، وأن الطائرات شنت هجوماً مقابل سوق للماشية حيث كان العشرات من المدنيين مصطفين في سيارات ينتظرون مغادرة المدينة. وأسفرت الضربة عن مقتل ما لا يقل عن 20 مدنياً، منهم نساء وأطفال وأشخاص مسنون، وجرح ما لا يقل عن 30 آخرين. وقام الشهود بدفن بعض الضحايا في اليوم التالي، وكان بينهم سبع نساء وطفل صغير على الأقل. ولقد أكدوا أنهم لم يتمكنوا”بسبب الفوضى التي تلت ذلك” من إقامة مراسم الدفن.
23- وفي 16 آذار/مارس أيضاً، في حوالي الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، تعرض المستشفى الرئيسي في مدين عفرين للقصف مرتين على الأقل. وأسفرت عمليتا القصف عن مقتل تسعة مدنيين على الأقل، بينهم ثلاث نساء، وجرح 20 آخرين. ولم تصدر تحذيرات قبل عمليتي القصف. ووفقاً لشهود، لم تكن هناك منشآت عسكرية داخل المشفى أو بالقرب منه.
24- ربما لم تتخذ القوات الجوية التركية، لدى القيام بضربات جوية ابتداءً من 20 كانون الثاني/يناير، جميع التدابير الاحترازية الممكنة قبل شن هجمات معينة، في انتهاك للقانون الدولي الإنساني.
25- وحال الإعلان عن الاستيلاء على منطقة عفرين، خضعت الإدارة العامة لتغييرات هامة على صعيدي المنطقة والقرى التابعة لها على السواء. ووصف المقيمون الحياة في ظل السلطات الجديدة وأشاروا إلى إنشاء هياكل حكم جديدة، وإلى قيام القوات التركية والجماعات المسلحة التابعة لها بإنشاء مجالس محلية جديدة تحل محل الإدارة الذاتية المحلية. وعُيّن أيضاً قضاة جدد؛ ولاحظ شهود أن القضاة يتلقون رواتب بالليرة التركية تدفعها تركيا. وفي أواخر أيار/مايو، أُدخل جهاز شرطة مدنية يتألف بصورة رئيسية من أعضاء سابقين في جماعات مسلحة. وأفاد المقيمون باستمرار بأنهم لم يكونوا يعرفون بالضبط من كان المسؤول عن الأمن والنظام العام وبأن وجود الجماعات المسلحة أدى إلى العديد من الانتهاكات.
26- وأفاد المقيمون بحدوث أنماط من الاعتقالات وعمليات الضرب والاختطاف التي قامت بها الجماعات المسلحة المنتسبة إلى الجيش السوري الحر والتي أصبحت، بدءاً من استيلائها على مناطق معينة، مشهورة بالقيام بعمليات الاعتقال والاحتجاز التعسفي. وذكر البعض أيضاً أنّ فصائل الجيش السوري الحر ألقت القبض عليهم وأبقتهم في الحبس الانفرادي مدّة مطولة من الزمن، وزعم آخرون أيضاً أنّ ضباطاً أتراكاً استجوبوهم. وتلقت اللجنة روايات تفيد بأن 29 شاباً في قريتي ميدانو وسوتيو اعتقلوا واختفوا على يد أفراد الجماعات المسلحة في 22 آذار/مارس. وأشار العديد من الأفراد أيضاً إلى الطريقة التي كان يُستهدف بها مؤيدوا وحدات حماية الشعب الكردي والأعضاء السابقون في الإدارة المدنية وأفراد أسرهم، والصحفيون والنشطاء والأشخاص الذين يعتبرون مؤيدين لحكومة الجمهورية العربية السورية.
27- ولم تكن الجماعات المنتسبة إلى الجيش السوري الحر تخبر مطلقاً الأشخاص الذين تحتجزهم بالمكان المحتجزين فيه، ولم يكن باستطاعة المحتجزين، في كثير من الأحيان، التعرف على آسريهم. ووصف آخرون أوضاع الاحتجاز غير الإنسانية، بما في ذلك اكتظاظ الزنزانات وعدم توفر سوى الحد الأدنى من الأغذية. وتحقق اللجنة في تقارير تتحدث عن وفاة أشخاص كانوا رهن الاحتجاز لدى جماعة العمشات المسلحة.
28- وأفاد العديد من المقيمين بأن أفراد الجماعات المسلحة، عندما دخلوا مدينة عفرين في آذار/مارس، قاموا بعمليات نهب واسعة النطاق وبالاستيلاء على منازل المدنيين. ووصف الضحايا كيف نُهبت البيوت إلى درجة أنّها “جردت من الأثاث والأجهزة الكهربائية وكل أدوات الزينة”. وذكر شهود أنّ القوات التركية كانت أحياناً موجودة على مقربة من الأمكنة التي كانت تحدث فيها عمليات النهب، ولكنها لم تفعل شيئاً لمنعها. ووردت تقارير أخرى عن نهب مستشفيات وكنائس وضريح يزيدي. وفيما يتعلق بهذا الأخير، تلقت اللجنة أيضاً تقارير عن تدمير مواقع دينية يزيدية أخرى في اعتداءات بدت ذات صبغة طائفية.
29- وسُلبت سيارات المقيمون أيضا التي اضطروا إلى شرائها ثانية بمبلغ يتراوح بين 000 2 و000 5 دولار. وأفاد بعض الشهود بأن عمليات النهب لم يقم بها حصرياً أفراد الجماعات المسلحة، وإنما أيضاً المواطنون، وخاصة بعد سقوط عفرين مباشرة، مما يدل على أنه لم تكن هناك أيّة جهة فاعلة ترغب في فرض النظام العام أو تقدر على ذلك. وأبلغ ضحايا قضايا النهب إلى “شرطة عسكرية” التي أُنشئت حديثاً وتتألف بصورة رئيسية من مقاتلين سابقين في الجيش السوري الحر، أو إلى لجان أنشأتها الجماعات المسلحة، ولكن لم تقم لا هذه ولا تلك فعلياً بمحاولة اعادة الأشياء المنهوبة.
30- وعلاوة على قضايا النهب، وثَّقت اللجنة أنماطاً من الاستيلاء على المنازل، وخاصة من مالكيها الأكراد الذين فروا تجنباً للاشتباكات. ومنع أفراد الجماعات المسلحة العائدين من استرداد ممتلكاتهم وأخبروهم بأنّه لا يحق لهم أن يعيشوا في المنطقة بسبب دعمهم الحقيقي أو المفترض لوحدات حماية الشعب الكردي. وعندئذ، استخدمت الجماعات المسلحة المنازل لأغراض عسكرية، أو كأماكن سكن لمقاتليها وأفراد أسرهم. واستولى المقاتلون وأفراد أسرهم الذين وصلوا من الغوطة الشرقية عبر إدلب بعد إجلائهم (A/HRC/38/CRP.3، الفقرات 68-70) على أماكن إقامة المواطنين الأكراد الذين فروا. ويبدو أن أفراد الجماعات المسلحة قاموا بصورة منهجية بوضع نقوش على المنازل المصادرة.
31- في وقت كتابة هذا التقرير، لم تكن اللجنة قادرة على أن تؤكد بدقة إلى أيّ مدى كانت عفرين أو ضواحيها خاضعة لسيطرة القوات التركية أو الجماعات المسلحة. وقد ارتكب أفراد الجماعات المسلحة المختلفة، مراراً، جريمة الحرب المتمثلة في النهب في عفرين، وهذا يشكل انتهاكاً خطيراً لحق الإنسان في التمتع بالممتلكات والملكية( ). وإذ تبيَّن أنّ أفراد لجماعة مسلحة كانوا يتصرفون تحت القيادة والرقابة الفعلية للقوات التركية، فإن الانتهاكات المرتبكة يمكن أن تُنسب إلى القادة العسكريين الأتراك الذين كانوا، أو كان ينبغي أن يكونوا، على علم بتلك الانتهاكات( ).