نقلت وكالة هاوار للأنباء عن مصادر أمنية أنّها تمكنت من إلقاء القبض على شبكة استخباراتية تعمل لصالح تركيا في ناحية عين عيسى التي تتعرض منذ شهر لهجوم من قبل مسلحين موالين لتركيا.
وباتت الشبكة الاستخباراتية المؤلفة من 28 شخصًا، بينهم امرأة في قبضة الأجهزة الأمنية بشكل كامل، وذلك بعد أن عملت القوى الأمنية على مدار أيام على رصد ومتابعة الأشخاص الناشطين حتى إلقاء القبض على جميع الأعضاء.
ويأتي هذا في وقت تتعرّض فيه ناحية عين عيسى لعمليات قصف وهجمات عنيفة تشنّها المجموعات المسلحة الموالية لتركيا.
أسماء كامل أعضاء الخلية وهم: محمد جاسم حسون (أبو عساف). المعتصم بالله حميد الحبيب، محمد جاسم يحيى، أحمد جاسم يحيى، حسن محمد عبو، صلاح حسن عبد الله، راشد حسين شريف، ندى مصطفى العبو، إبراهيم رمضان خلف، عماد حسن علي (اللّقب شنكالي الأصل عراقي)، عبد العزيز زيد السالم (اللقب دوشكا)، عبد العزيز عيسى الجاسم، علي شيخ دعبس، أحمد علي الخضر، منصور خفان (اللقب أبو الدير)، إبراهيم محمد التلجي (اللقب سيف)، عبد المؤمن عويس موسى، زياد محمد التلجي، علي حسين الجاسم، شحود محمد العموري، محمد عيدان الهويداني، عبد المجيد محمد شهاب، عبد الله سليمان سليمان، حسين محمد رشيد، عبد الرزاق علي حمان، خضر نور الدين صادق، عيسى عبد العيسى، خليل ظاهر محمد علي.
ألقت الأجهزة الأمنية في مناطق شمال وشرق سوريا قبل أيام القبض على شبكة مؤلفة من 28 شخصًا، تابعة للاستخبارات التركية نشطت في ناحية عين عيسى التابعة لإقليم الفرات.
ونسلط الضوء في هذا الملف على اعترافات مسؤول الشبكة الاستخباراتية التي ارتكبت الكثير من الجرائم لصالح المرتزقة وجهاز الاستخبارات التركي.
“الجنرال الصغير” لقب أطلقه قادة في الاستخبارات التركية على محمد جاسم الحسون الملقب بين أصدقائه باسم “أبو عساف”، الذي أدار الشبكة الاستخباراتية المؤلفة من 28 شخصًا.
بدأت رحلته عندما ذهب إلى تركيا، حيث تسكن أسرته في الأيام الأخيرة من عام 2017، وهناك التقى علي محمد الحمود الملقب باسم “أبو حيدر النعيمي” الذي يعمل مع تركيا ضمن صفوف المجموعات المرتزقة.
‘التدريب في معسكر للعملاء داخل الأراضي التركية’
يقول “أبو عساف” إن “أبو حيدر النعيمي” هو من اقترح عليه فكرة العمل لصالح الاستخبارات التركية ضمن صفوف ما يسمى بـ “الجيش الحر”، وهو وافق على الفكرة بسبب كرهه للشعب الكردي وبدافع الحصول على المال.
كان يجب ألا تعلم أسرته بطبيعة العمل الذي يقبل عليه، لذا وضع “أبو حيدر النعيمي” خطة محكمة للتمويه على “الجنرال الصغير”.
الخطة كانت وضع “أبو عساف” في السجن، وذلك لأنه قبل الذهاب إلى تركيا كان قد أدى الخدمة في واجب الدفاع الذاتي، لذا، فإن الفكرة كانت أن السلطات ستقرر سجنه كونه مقاتل سابق في قسد قبل تسوية أوضاعه.
وعليه، فقد خضع “أبو عساف” للسجن في سجن حلوان المركزي لمدة 22 يومًا، ثم أطلق سراحه والتقى مرة أخرى مع “أبو حيدر النعيمي” الذي ذهب به إلى معسكر العملاء.
المعسكر كان في ميناء مدينة مرسين التركية بالقرب من سوقٍ للسمك وحديقة كبيرة، حيث كان عشرات السوريين في قاعات كبيرة، شباب وشابات ونسوة كبار من مختلف المناطق السورية، ولاسيما مدن الشمال السوري.
أطفالٌ وعناصرٌ لداعش في المعسكر!
يقول المرتزق أبو عساف إنه شاهد أكثر من مرة عددًا من الأطفال داخل المعسكر الذي تلقوا فيه التدريبات على يد الاستخبارات التركية.
واستطاع فيما بعد أن يعرف أن هؤلاء أطفال مشردون ويتامى جمعتهم الاستخبارات التركية لتأهيلهم وتوكيل مهام إليهم مستقبلًا، وأعمارهم تراوحت بين السادسة والعاشرة.
وكان ما لفت انتباهه أيضًا هو وجود عناصر سابقين في داعش إلى جانبه في الدورات التي خضعوا لها، كان بعضهم من ناحية سلوك التابعة لمدينة كري سبي/ تل أبيض المحتلة، وما يزالون يحتفظون بنفس الأسلوب المتشدد الذي يتعامل به مرتزقة داعش مع بعضهم، وحتى نمط الثياب كان نفسه.
يقول “أبو عساف” إنه عندما أتى على ذكر “داعش”، فإن القائمين على الدورة طلبوا منه ألا يذكرهم بهذا اللفظ، وأن يشير إليهم بالاسم الذي يطلقه الدواعش على أنفسهم “الدولة الإسلامية”.
كما أن الأتراك، كما يقول “أبو عساف”، كانوا يقولون عن الدواعش إنهم “أصدقاؤنا” أو “إخواننا”.
‘مراحل تدريبية عدة لـ 3 أشهر داخل المعسكر
استمرت رحلة التدريب ضمن معسكر العملاء 86 يومًا، حسب ما يقول أبو عساف، وذلك على 3 مراحل.
“الجنرال علي” كان ضابط الاستخبارات التركية المشرف على عمليات تجنيد السوريين، يقول “أبو عساف” إنه من “عرب أورفا” ووالدته سورية، وإلى جانبه كان هناك سوريون قياديون في صفوف المرتزقة، أمثال إبراهيم أحمد المصطفى الملقب بـ “أبو شجاع” ومحمود العقبة وأحمد التركي، الذين كانوا من بين الكوادر المشرفة على التدريب.
كان “الجنرال علي” هو من أطلق لقب “الجنرال الصغير” على أبو عساف، ووعده أن يصبح في المستقبل “جنرالًا كبيرًا”، إذا ما تطور عمله الاستخباراتي.
ضمن الدورة، تلقى “أبو عساف” ورفاقه دروس تعلم اللغتين الكردية والتركية، لكنه يقول بأنه لم يستطع إتقان أية لغة منهما.
المراحل الثلاثة خضع لها “أبو عساف”، في المرحلة الأولى كانوا 15 شخصًا، وفي المرحلة الثانية كانوا 20 شخصًا، والمرحلة الأخيرة اجتمع فيها 40 شخصًا.
في المرحلة الأولى جرى تعليمه كيفية العمل على تحديد المواقع والتقاط الصور والتدابير الأمنية الواجب اتخاذها أثناء العمل.
وفي المرحلة الثانية، جرى تعليمه كيفية العمل بشكل منفرد في حال انعدام مجموعة عمل.
أما المرحلة الثالثة، وكانت مرحلة تم جمع جميع الخاضعين للدورة فيها، فجرى فرز الجميع للمهمات.
تحريض ضد الكرد!
وعلى عكس النظرة تجاه داعش، كان الضباط الأتراك ومن معهم من قادة المرتزقة، يبثون أفكارًا في عقول المتدربين تظهر الكرد كأعداءٍ للعرب والإسلام، وتظهر تركيا الحامية الأولى للمسلمين.
يقول “أبو عساف” إن القائمين على الدورة أظهروا لهم صورة، تظهر كيف يرمي مقاتلون يلبسون زي قوات سوريا الديمقراطية أعلام داعش، لم تظهر ملامح وجه المقاتل في الصورة، وقالوا للمتدربين أن ينظروا كيف يعادي الكرد الإسلام متمثلًا بنهج داعش! وبالنسبة لهم، فإن “داعش أرحم من الكرد والكرد ليس لهم قضية عندنا”.
وللقيام بعملياتهم الاستخباراتية، تركزت الدروس في الدورة على جانب مهم، وهو كيفية التودد والتقرب من الشخصيات القيادية وخاصة من الكرد.
‘بداية العمل الميداني’
أنهى “الجنرال الصغير” الدورة التدريبية، واستلم مبلغ ألف ليرة تركية، وبعد نحو 4 أشهر من دخوله الأراضي التركية، عاد “أبو عساف” إلى سوريا، ولكن هذه المرة باسم مختلف ومهمة مختلفة.
عملت الاستخبارات التركية على إيصاله إلى سوريا بداية شهر أيار عام 2018، وكانت مدينة كري سبي/تل أبيض هي أولى المدن التي بدأ “الجنرال الصغير” العمل فيها.
في كري سبي، عمل “أبو عساف” على نقل إحداثيات مواقع المؤسسات والنقاط العسكرية والمعلومات حول الأشخاص إلى الاستخبارات التركية.
هنا، سجلت الاستخبارات التركية اسمه كـ “عسكري” يعمل بشكل رسمي ضمن ما يسمى بـ “الجيش الحر”، وأصبح له راتب شهري تتسلمه عائلته في مدينة رها (شانلي أورفا) ومقداره 600 ليرة تركية، أي ما يعادل حوالي 123 دولار امريكي حينها.
وقد أرسلوا له في البداية ألف ليرة تركية و50 ألف ليرة سورية، اشترى منها هاتفًا مع خط اتصال تركي.
كان سعد شويش البطحاوي وأبو حيدر النعيمي والجنرال علي في تواصل مستمر مع “أبو عساف” ويلقنونه التوجيهات اللازمة بين الحين والآخر.
‘الانتقال إلى عين عيسى’
بعد احتلال مدينة كري سبي/ تل أبيض وقراها في أواخر تشرين الأول عام 2019، انتقل “أبو عساف” للعمل لصالح الاستخبارات التركية في عين عيسى، ومن هناك نقل المعلومات حول المواقع والأشخاص والتحركات إلى الجانب التركي كما كان الحال في كري سبي.
عندما كان الاحتلال ما يزال يتقدم جنوبًا، تسلل “أبو عساف” إلى المناطق المحتلة، والتقى أبو حيدر النعيمي والجنرال علي في قرية خربة الرز داخل منزل ابن عم “أبو حيدر” ويسمى “عبدالناصر النعيمي”، ودار الحديث عن مراحل العمل القادمة.
يقول “أبو عساف” بأن “أبو حيدر” و”الجنرال علي” طلبوا منه تطوير العمل، و “هزّ الكرد” في المراحل القادمة، وهناك تلقى أول تهديداته من الجنرال الذي قال له “إذا فكرت في خيانتنا، سنخسر عليك هذه الطلقة”، كان يتحدث وهو ينظر إلى طلقة يحملها بيده.
دام بقاؤه حينها لثلاثة أيام، وطوال تلك الفترة بقي يتلقى التوجيهات من قادة المرتزقة والاحتلال حول طبيعة العمل في الفترة المقبلة.
جرى توجيه “أبو عساف” للعمل على تصوير وإعطاء مواقع قوات قسد على طول الطريق الدولي من حاجز أم البراميل إلى عين عيسى، إضافة إلى جميع المواقع العسكرية والإدارية داخل الناحية ومن بينها مواقع قوات حكومة دمشق.
المرحلة الثانية.. إنشاء وإدارة شبكة استخباراتية!
بعد أن تطور عمله وازداد التنسيق بينه وبين الاستخبارات التركية وقادة المرتزقة، انتقل “الجنرال الصغير أبو عساف” إلى المرحلة الثانية، وهي تجنيد شبكة استخباراتية وإدارتها.
كان صلاح حسن عبدالله وراشد حسن شريف وحسن محمد عبو أول من قبلوا العمل معه، وقد كلفهم “أبو عساف” بالعمل على تحديد المواقع وتصويرها ونقلها للاستخبارات التركية.
وفيما بعد اتسعت هذه الشبكة لتشمل جميع الذين تمكنت الأجهزة الأمنية من اعتقالهم قبل أسابيع.
سعيٌ لإفراغ الجبهة وإحراق المحاصيل الزراعية!
لم تقتصر مهام “الجنرال الصغير” على نقل المعلومات والإحداثيات والصور فقط، بل تجاوز عمله ذلك النطاق، إذ سعى إلى مساعدة الأتراك في إفراغ الجبهة من المقاتلين المرابطين فيها.
يقول “أبو عساف” “كنت أتحدث مع العسكريين وأحرضهم على الفرار من الجبهة، ذلك ما كان من شأنه أن يضعف قوات سوريا الديمقراطية، ويحدث انهيارات في صفوف القوات الأمامية”.
وشهدت مناطق التّماس خلال الصيف المنصرم حرائق كبيرة التهمت مساحات واسعة من الحقول الزراعية العائدة ملكيتها للأهالي، وكانت نقاط انطلاق الحرائق هي مناطق الاحتلال، أو أن المرتزقة كانوا يطلقون القذائف والرصاص صوب الحقول لتندلع النيران فيها.
إضافة إلى ذلك، يقول “أبو عساف” إنهم طلبوا منه أن يتقدم إلى مناطق التّماس، ويقوم بإحراق المحاصيل عبر إطلاق الرصاص الحارق صوبها.
كان المرتزقة ينسقون معه إبان إطلاق الرصاص، وذلك غالبًا ما كان يحدث بشكل متزامن، كي لا يشعر أحد بخروج الطلقات من هذا الجانب.
الانتقال إلى التفجيرات.. يأتي بالعبوات الناسفة من المناطق المحتلة!
في عين عيسى، وعندما كانت القذائف تسقط على القرى وأطراف الناحية، كان المرتزقة يتواصلون معه للسؤال عن مواقع سقوط القذائف، وعما إذا كانت تسقط في الأهداف المرجوة أم لا.
وبعد الاكتفاء من نقل المعلومات والمواقع والصور، وجهت الاستخبارات التركية “أبو عساف” للعمل على تنفيذ التفجيرات باستخدام العبوات الناسفة في عين عيسى.
في ذلك الحين، كان عناصر الشبكة الآخرون يواصلون إمداده بالصور والمواقع والمعلومات.
يقول “الجنرال الصغير” بأنه نفذ 3 تفجيرات في عين عيسى، أحدها استهدف حاجز قوى الأمن الداخلي في مدخل الناحية.
كان “أبو عساف” يتسلل إلى المناطق المحتلة ليأتي بالعبوات الناسفة جاهزةً، كان لديه موقعان يتسلل عبرهما، أحدهما بالقرب من صوامع الشركراك، والآخر في قرية صكيرو على الطريق الدولي شرق عين عيسى.
العبوات التي كان يحصل عليها كانت مجهزة بعداد رقمي، وعبوات أخرى مزودة بأجهزة التفجير عن بعد.
أحيانًا، وعند الذهاب لإحضار العبوات الناسفة، كان “الجنرال علي” و”سعد شويش البطحاوي” و”تركي العساف” يأتون للالتقاء به ليعطوه التوجيهات اللازمة، ثم يعود، وفي الغالب كان التسلل إلى المناطق المحتلة يحدث ليلًا.
كان كل فرد يحصل على مبلغ يراوح بين 200 دولار إلى 400 دولار أمريكي لقاء كل عملية تفجير يتم تنفيذها.
طبيعة العمل حين تتعرض المنطقة لهجومٍ تركي!
طوال رحلة العمل الاستخباراتي، كان “أبو عساف” ومن معه من عناصر الشبكة التي أدارها، يحملون هواتف مزودة ببرامج تمنع الهواتف من التعرض للاختراق أو المراقبة.
“الجنرال الصغير” يقول إن طبيعة عملهم عندما تندلع المعارك في المنطقة ستكون ضرب نقاط قوات سوريا الديمقراطية من الداخل.
وعناصر الشبكة التي يديرها، ينضمون إلى صفوف المرتزقة بمجرد تقدمهم واحتلالهم المنطقة.