في 22 آب 2018 ظهرت امرأة في مقطع فيديو وهي تتهم أحد قيادات المعارضة السورية المسلحة الموالية لتركيا باغتصابها، المرأة هي زوجة لأحد عناصر الفصيل الذي يتزعمه القيادي ( محمد الجاسم ، الملقب بأبو عمشة ) الذي يعتبر أحد أكثر الميليشيات قربا ودعما من المخابرات التركية ، وهو نفسه المتهم بالاغتصاب.
التسجيل المصور لامرأة تدعى “إسراء يوسف خليل” وهي من أهالي ريف حلب الشمالي وزوجة مقاتل في لواء السلطان مراد التابع لـ”درع الفرات” المدعوم من تركيا تحدثت فيه عن تعرضها للاغتصاب بقوة السلاح عدة مرات من قبل القيادي في اللواء ذاته والمدعو محمد الجاسم الملقب أبو عمشة.
وقالت إسراء إنّه كان يتردد إلى منزلهم قيادات وعناصر في اللواء وتقوم بغسيل لباسهم وتقوم بالطبخ لهم عند الحاجة، في حين أنّ زوجها تعرض لإصابة في قدمه خلال إحدى المعارك وتعمل إلى جانبه لتأمين دخل إضافي.
وأشارت إسراء إلى أنّ أبو عمشة زار منزلهم وقام بإرسال زوجها للأمنية لكي يحولوه إلى المشفى للعلاج، واستغل وجودها مع زوجة شقيق زوجها لوحدهم مع طفلتها في المنزل، ليقوم بفعلته تحت التهديد بتصفية زوجها والعائلة بأكملها، بينما كان شقيق أبو عمشة (سيف) ينتظره أمام الباب وقام بفصل الكهرباء عن المنزل.
واستمرت اسراء بسرد الروايات حول فضائح القيادي أبو عمشة وإقدامه مع قيادات أخرى في لواء السلطان مراد على اغتصاب العديد من النساء في منطقة الشيخ حديد تحت تهديد السلاح وجميعهن زوجات مقاتلين في الفصيل.
و
بيّنت إسراء إنّها كانت حاملاً في شهرها الثالث وخسرت طفلها بعد عملية الاغتصاب، وأضافت أنّ العديد ممن اغتصبن كن حوامل وأسقطن، وهن أساساً زوجات مقاتلين في الفصيل نفسه.
وتزامن اتهام “أبو عمشة ” مع تواجده في السعودية حيث كان يؤدي مناسك الحج، ويتمركز فصيله في قرية الشيخ حديد بريف عفرين التي شهدت أيضاً عدة حالات اغتصاب لنسوة بعضهن زوجات لعناصر في “درع الفرات” وحالات لقتل تحت التعذيب وخطف.
إلى أين وصل التحقيق، وأين اختفت إسراء؟
بعد انتشار التسجيل المصور، وحديث إسراء عما تعرضت له، اضطرت قيادات الجيش الوطني للتدخل تحت الضغط وادعت أنّه تمّ تشكيل لجنة بتاريخ 29 آب 2018 مؤلفة من العقيد هيثم العفيسي، والقاضي فراس النجار من المحكمة العسكرية في “الجيش الوطني”، وقائد الشرطة العسكرية في عفرين وقتها العقيد حسن الحسين، وقائد الشرطة العسكرية في منطقة راجو المقدم جراح الكماري، وأحمد حافظ مندوباً عن الأركان، وتعهدوا بإصدار تقرير وحماية المرأة التي تعرضت للتهديد من عناصر وقيادات العمشات. وتوارت عن الأنظار. وتعهدوا بإصدار تقريرها خلال أيام، وهو ما لم يحدث، لكن المرأة (إسراء) منذ ذاك الوقت اختفت، ولا أحد يعلم مصيرها، خطفت قتلت نفيت لا أحد يعلم…
لا معلومات مطلقا عنها، ونحن في مركز توثيق الانتهاكات شمال سوريا، كنا قد تابعنا قضية إسراء وقتها، وتمكنا من الاتصال بها كانت قد أبدت شكوكها من اللجنة، وإنّها لا تأمن على حياتها، وقالت إنّها اضطرت للخروج على الإعلام، بعدما شاهدت مغتصبها (أبو عمشة ) في السعودية وهو يؤدي مناسك الحج، وأنّها كانت فرصتها لكشف جريمته، وجرائمه أولا لأنّها أدركت أنّه بعيد الآن ولن يستطيع أذيتها. إسراء كانت خائفة، وبالفعل اختفت بعد تلك المحادثة القصيرة، ومازال مصيرها لليوم مجهولا، لكن مصدر مقرب من أسرتها أكد أنّ ملثمين اقتحموا مكان إقامتها، بعد يومين فقط من تشكيل تلك اللجنة، وأنّها استأمنت هيثم العفيسي الذي تحدثت معه عبر الهاتف وأخبرته بمكان إقامتها، لتخطف بعد ساعات، المصدر لم يكن يشك في إمكانية قتلها ودفنها في مكان مجهول لطمس الفضيحة ووأدها، خاصة وأنّ المتورط فيها المدعو أبو عمشة يعتبر أحد صبيان المخابرات التركية، وهو محمي من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
تسلسل زمني…محاولات الالتفاف على القضية، وتسجيل اعترافات تحت التهديد:
من هم العمشات؟
ينضوي “لواء السلطان سليمان شاه” تحت راية الفيلق الأول في “الجيش الوطني” المعارض والمدعوم من تركيا، يتزعمه محمد حسين الجاسم الملقب بأبو عمشة وأغلب مقاتليه ينحدرون من القومية التركمانية في حماة، وغالب مقاتليه الآن انتقلوا إلى ليبيا بأوامر تركية بينهم قائد الفصيل.
تأسس الفصيل أواخر 2011 تحت مسمى “لواء خط النار” في المنطقة الغربية لريف حماة، لمواجهة الجيش السوري بعد دخول الأزمة إلى مرحلة الصراع المسلح.
وفي أوائل 2016 أعلن عن تسمية لواء خط النار بـ “لواء السلطان سليمان شاه” نسبه إلى الجد المؤسس للإمبراطورية العثمانية، ويرجع تسمية الفصيل بالعمشات نسبة إلى قائده أبو عمشة.
تلقى الفصيل دعمه العسكري والمادي من غرفة عمليات “موم” التي تأسست على الأراضي التركية من قبل دول إقليمية وغربية لدعم الفصائل المعارضة في مواجهة القوات الحكومية.
وبلغ تعداد مقاتليه أثناء تواجده في ريف حماة وإدلب حوالي 700 مسلح، تلقوا مقابل ذلك مبلغ مالي تراوح بين 100-150 دولار أمريكي شهرياً لكل عنصر.
وشارك الفصيل في عدة معارك ضد القوات الحكومية، من ضمنها معركة أحياء حلب الشرقية أو ما عرف بملحمة حلب الكبرى التي قادتها هيئة تحرير الشام /جبهة النصرة سابقاً/ لفك الحصار عن تلك الأحياء، إلى جانب معركة درع الفرات التي شنتها القوات التركية ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”ر 24 آب/أغسطس 2016.
ونقلت مصادر في خريف 2016 أن علاقات وثيقة جمعت الفصيل مع الاستخبارات التركية، حتى أن عناصر الاستخبارات التركية كانت محاصرة في مقرات لواء السلطان سليمان شاه في حي الحيدرية بمدينة حلب، أثناء فرض القوات الحكومية الحصار على الأحياء الشرقية للمدينة في العام ذاته، وخرجوا مع مسلحي المعارضة صوب ريف حلب الغربي بعد الصفقة الروسية التركية لتسليم المدينة إلى القوات الحكومية.
وشارك اللواء في معركة غصن الزيتون الذي قادته تركيا ضد وحدات حماية الشعب الكردية في منطقة عفرين 20 كانون الثاني/ يناير 2018، ولعب دوراً رئيسياً في العمليات البرية إلى جانب القوات التركية.
ويظهر الفصيل بشكل علني موالاته للحكومة التركية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أكثر من مناسبة، من بينها مباركة فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية العام الماضي.
وفي 1 أيلول/ سبتمبر 2019 تم تداول شريط مصور، يمجد فيه قائد الفصيل محمد الجاسم أبو عمشة تركيا، وجاء فيه ” من لايشكر الناس لايشكر الله، لم يبقى معنا إلا تركيا.. الذي حرق صورة الرئيس المسلم رجب طيب أردوغان لايمثل الشعب السوري وهم من عملاء وأذناب النظام”
وقال أبو عمشة “العلم التركي يا أخوة هو تاريخنا وتاريخ أجدادنا الذين قاتلوا وأسماء شهدائنا موجودين في تركيا عندما قاتلنا الاستعمار معاً، العلم التركي يمثل دماء الشهداء العرب والأتراك وبالأخص السوريين” مردداً مع من حوله “هذا العلم ماينداس ينباس وينحط ع الراس”.
وجاء حديثه رداً على قيام متظاهرين بحرق صورة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وسط إحدى التظاهرات الشعبية في شمال غرب سوريا، إزاء الصمت التركي المتبع حيال ملف إدلب، الذي شهد تصعيداً من قبل القوات الحكومية والروسية.
وفي أواخر نيسان/أبريل 2019 خرّج الفصيل في ناحية شيخ الحديد “شيه” بمنطقة عفرين كتيبة تحمل اسم “أحفاد أرطغرل”.
تركيا دعمت الفصيل لتشكيل كتيبة أشبال أرطغرل وأعلن عنها في حفل حضره أعضاء من الائتلاف المعارض في اسطنبول، وقادة في الجيش الوطني، وذلك ضمن عرض عسكري على أنغام الموسيقى العثمانية، والشعارات والأعلام التركية التي رفعت في الحفل وإشارات على لباس عناصر الكتيبة.
يتهم الفصيل بتهجير سكان أكراد من مناطقهم، ضمن خطة شملت تفريغ 70 قرية كردية شمال الباب من أهلها، حيث تعرضت أغلب القرى الكردية للتغيير الديموغرافي في المنطقة الممتدة بين جرابلس وإعزاز، وزيادة عمليات التطهير العرقي بعد عملية “درع الفرات” في 2016، كما طرد العوائل الكردية من قرية “نعمان”، وأسكن بدلاً منهم أكثر من 200 فرد من العوائل التركمانية من ريف حمص.
واعترف لواء السلطان سليمان شاه، في 2017، بتهجير السكان الكرد من قريتي سوسنباط وقباسين في ريف حلب الشمالي، قائلاً ” تم توطين 60 عائلة قدمت من حمص، ومن مخيمات جرابلس في منازل الكرد”.
في 15 نيسان/أبريل 2017 طردت حركة أحرار الشام من مدينة جرابلس كتائب تابعة للواء السلطان سليمان شاه باتجاه قرية الغندورة.
وذكر ناشطون معارضون إنّ حركة أحرار الشام قامت بطرد كتائب تابعة للواء سليمان شاه بعد معارك استمرت أكثر من يوم، تبادل فيها الطرفان القتل والأسر.
وكان أبو عمشة قائد لواء سليمان شاه المدعوم تركياً، قال إنّ تنظيمه تعرض للاعتداء من قبل حركة أحرار الشام والجبهة الشامية، واشتبكوا بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وتصدت فصائل “سليمان شاه وصقور الشمال وفرقة السلطان مراد وفرقة الحمزة” لذاك الهجوم.
يرفع قيادات وعناصر الفصيل ذاته أعلام تركية على عرباتهم، إلى جانب تزيينا بصور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، في منطقة عفرين في خطوة لاستفزاز السكان الكرد في عفرين.
وكباقي الفصائل المشاركة في عملية غصن الزيتون التركية في منطقة عفرين، شارك الفصيل في أكبر عملية سرقة جماعية في عفرين.
وفي منتصف أيلول/ سبتمبر 2018 استولت عناصر اللواء على محصول الزيتون العائد لسكان عفرين عبر حواجزها المنتشرة في ناحية شيخ الحديد أو كما يعرف لدى السكان المحليين بـ ناحية شيه.
إلى جانب فرض مبالغ مالية تراوحت بين 500-4000 دولار أمريكي على كل عائلة كردية بقيت في منزلها في قرى قرمتلق وسنارة وأنقلة مركز الناحية ذاتها.
علاوة على ذلك ومع حلول فصل الشتاء 2018 أقدم عناصر الفصيل ذاته على قطع أشجار الزيتون الخضراء، بعد الاستيلاء عليها، وبيعها كحطب التدفئة في أسواق إدلب.
وأقدم عناصر الفصيل على اختطاف مواطن في قرية ألكانا في ناحية شيخ الحديد، وطالبوا ذويه بدفع مبلغ 20 ألف دولار أمريكي للإفراج عنه.
وبحسب منظمات حقوقية فإنّ حوالي 600 مواطن تعرضوا لعملية خطف وتعذيب وقتل ودفع فدية مالية مقابل حريتهم على يدي عناصر الفصيل.