(فائق السرية!… مخيم مجهول للجهاديين الفرنسيين في إدلب) هو عنوان تحقيقنا عن جهاديين فرنسيين يعيشون في مخيم خفي عن العالم يدعى “مخيم الفرنسيين” شمال إدلب، محاط بأسوار عالية، وأسلاك شائكة تُخفي وراءها تفاصيل حياة مقاتلين سابقين في صفوف داعش، والمخيم يأتمر بأوامر أميرٍ فرنسي (من اصول سنغالية) الذي يعتبر أخطر الجهاديين المطلوبين للسلطات الفرنسية أسمه “عمر أومسن”. وتعتبره السلطات الفرنسية أخطر الجهاديين الفرنسيين وأكثرهم نجاحاً في استقطاب وتجنيد عناصر جديدة، فهو المسؤول عن تجنيد أكثر من 80 بالمائة من الجهاديين الناطقين بالفرنسية ممن ذهبوا إلى سوريا أو العراق، وكان أول من أطلق فيديوهات دعائية تحفز الشباب في فرنسا على الانضمام إلى “الجهاد” في سوريا.
اوسمن أو كما يعرف باسم “أبو عائشة ديبوزان” واسم “عمر ديابي” يبلغ من العمر 45 عاما ولد في السنيغال وانتقل للعيش في فرنسا عندما كان طفلا حيث كبر وترعرع في نيس، وقضى في السجن بضع سنوات بتهم جنائية في شبابه، قبل أن يذهب إلى سوريا في العام 2013 ويترأس “كتيبة جهادية” هناك ومتزوج من 3 نساء يعشون معه ضمن المخيم.
ونشر اومسن سلسلة من مقاطع الفيديو تحت اسم “19 HH” (نسبة للـ19 شخصا الذين قاموا بهجمات الـ11 من سبتمبر) وبين أتباعه ينظر إلى اومسن على أنّه زعيم روحي.
و”مخيم الفرنسيين”، معزول كليا عن العالم وهو خط أحمر لدى “هيئة تحرير الشام” التنظيم الجهادي المسيطر على المنطقة، والتواصل مع الجهاديين وأسرهم من المحرمات. والحديث عن المحرمات قد يأخذك إلى جحيم “هيئة تحرير الشام” المعروفة سابقا باسم جبهة النصرة في سوريا، فلا يتحدث أحد على الإطلاق عن “مخيم الفرنسيين” شمال إدلب، ولا عن الفرنسيين الموجودين هناك مع عائلاتهم منذ سنوات.
يقع “مخيم الفرنسيين” في جبل حارم بريف إدلب الشمالي، يتواجد ضمن مخيم آخر يعيش فيه نازحون مدنيون سوريون يطلق عليه “المخيم الأزرق” وهو محاذٍ للشريط الحدودي مع تركيا، وأطلق عليه اسم “المخيم الأزرق” نظراً لخيامه الزرقاء.
إذاً مخيم الجهاديين الفرنسيين يقع ضمن “المخيم الأزرق” محاطاً بسورٍ عالٍ، وأسلاك شائكة تمنع أي شخص من الاقتراب.
تم إنشاء المخيم الأزرق عام 2014، وبحسب أهالي المخيم فغالبية السكان هم من المدنيين النازحين من ريف حماه الشمالي، ويقدر عدد الخيام بـ 200 خيمة، لكل عائلة خيمة واحدة، فيما زاد عدد السكان ابتداء من عام 2018 بسبب موجات النزوح المتوالية وقصف النظام السوري للقرى خاصة في جنوبي ريف إدلب، ليزيد عدد سكان المخيم ويقارب ال 300 خيمة حالياً.
يسكن في مخيم الفرنسيين سبعون شخصاً غالبيتهم مقاتلون سابقون لدى تنظيم داعش، بعضهم لديه أكثر من زوجة، ومعهم أطفالهم أيضاً، حسب التقرير الذي استند لشهادات من المنطقة.
يقول أبو محمد وهو اسم مستعار لأحد سكان المنطقة “كانوا يعيشون في فرنسا قبل انتقالهم إلى سوريا، يبدو على وجوه البعض أصولهم العربية أو الأفريقية فيما يحمل بعضهم سحنة أوروبية”. يضيف أبو محمد الذي يتردد غالباً على المخيم الأزرق إنّ بعض سكان مخيم الفرنسيين هم موظفون سابقون يسيرون الشؤون المدنيّة أو الإدارية في تنظيم داعش، فيما غالبيتهم مقاتلون سابقون.
وقال إنّ أغلب هؤلاء كانوا يعيشون في القرى التي سيطر عليها التنظيم الجهادي في بداية الحرب بسوريا، كقرية الدانا، وقرية زرزور والزردنا والزنبقي بريف إدلب الشمالي، وبعد انسحاب التنظيم من إدلب، سلم العديد من الجهاديين الأجانب أنفسهم لجبهة النصرة التي سيطرت على جزء كبير من إدلب في أوقات لاحقة. اعتزل بعضهم القتال وتم جمعهم في قرية “إسقاط الزهراء” ومن ثم تم تأمين سكنهم في مخيم الفرنسيين الذي تم إنشاؤه داخل المخيم الأزرق على الحدود السورية التركية في حارم شمال إدلب.
سكان “مخيم الفرنسيين” مفصولون عن سكان المخيم الأزرق الكبير، يقول مالك أحد سكان المخيم الأزرق إنّ مسلحين من “فرقة الغرباء” يقومون على حراسة البوابة الرئيسية وجوانب المخيم، يضيف مالك: “يضعون شروطاً صارمة على الدخول والخروج، فيسمح فقط لعمّال النظافة، وموظفي المنظمات الإغاثية بالدخول والخروج، فيما اعتاد مجاهدو “فرقة الغرباء” على الحركة بحرية داخل وخارج المخيم، وحتى الذهاب للقتال على الجبهات والعودة منها في كثير من الأحيان ولكن يتمكن بعض أهالي المخيم الأزرق من الدخول لمخيم الفرنسيين عندما يكون هناك عمل يؤدونه هناك”.
يسكن أهالي “مخيم الفرنسيين” في غرف مسبقة الصنع، والتي تبدو نادرة في المخيمات الأخرى في المنطقة كلها، وقال سكان المخيم الأزرق إنّهم شاهدوا غرفاً أسمنتية قام ببنائها أهالي المخيم بعد تكفلت المنظمة الراعية للمخيمين بالمصاريف واسمها منظمة “خيرات الإنسانية”، وطلب أهالي المخيم الأزرق تخصيص غرف مسبقة الصنع أو مواد أولية ليتمكنوا من الاستعاضة عن خيامهم الهزيلة بجدران بسيطة ولكن أحداً لم يستجب لمطالبهم.
أيمن الحلاق وهو أحد الأشخاص الذين عملوا سابقاً مع منظمة “خيرات الإنسانية”، وهي المنظمة التي تتولى أمور كل من المخيم الأزرق ومخيم الفرنسيين، وتشرف على كل الاحتياجات المتعلقة بالطعام والخدمات العامة. يقول “لدى مخيم الفرنسيين ثلاثة طباخين يعملون ضمن خيمة تم إنشاؤها على أنّها مطبخ”، يؤكد أيمن أنّ الطباخين الثلاثة فرنسيون من أصول عربية وأحدهم دمشقي الأصل يطلقون عليه اسم “أبو همام الدمشقي”.
يسكن في مخيم الفرنسيين طبيب فرنسي من أصول ألبانية يطلق عليه الأهالي اسم (أبو ظفير) بحسب مالك أحد سكان المخيم الأزرق، فيما يتردد على المخيم ممرض كل عدة أيام. وعندما يكون هناك مشاكل صحية نسائية، أو حالات ولادة فيتم استقدام إحدى القابلات الشعبيات من المخيم الأزرق، وقال مالك: “يتم نقل المرضى بسيارة إسعاف للمشفى في بعض الأحيان، ولكن الحراسة ترافق المريض وتكون مشددة من قبل مسلحي فرقة الغرباء”.
يقول مالك “يتم تعليم الأطفال الصغار في مخيم الفرنسيين دروساً دينية إسلامية (الشريعة الإسلامية)، باللغة العربية وأحياناً بالفرنسية”، يتعلم الأطفال لمدة ثلاث ساعات يومياً في خيمة كبيرة يديرها أستاذ يدعى (أبو معاوية الجزراوي) وهو فرنسي من أصول جزائرية. ويُفصل الصبية عن الفتيات أثناء التعليم بالطبع، ويقول مالك إنّه شاهد خيمة مخصصة لتعليم الفتيات الصغيرات في المخيم تقوم بمهمة التعليم فيها معلمة أخري.
“السوبر جهادي” عمر ديابي.. أميراً على مخيم الفرنسيين
أخطر الجهاديين المطلوبين للسلطات الفرنسية “عمر أومسن او أميسان”، المعروف باسم “عمر ديابي”، يعيش في مخيم الفرنسيين مع زوجاته الثلاثة وعدد من أولاده، ينصّب نفسه أميراً على مخيم الفرنسيين، ويطلق عليه الأهالي اسم “أبو عائشة ديبوزان”، وكان عمر ديابي قد اعتاد الخروج من المخيم والإقامة في بيوت بمناطق مختلفة من ريف ادلب، لكنه لا يخرج من المخيم منذ قرابة العام.
تعتبره السلطات الفرنسية أخطر الجهاديين الفرنسيين وأكثرهم نجاحاً في استقطاب وتجنيد عناصر جديدة، فهو المسؤول عن تجنيد أكثر من 80 بالمائة من الجهاديين الناطقين بالفرنسية، وكان أول من أطلق فيديوهات دعائية تحفز الشباب في فرنسا على الانضمام إلى الجهاد في سوريا.
نشأ عمر أومسن في مدينة “نيس” جنوب فرنسا، بعد أن انتقل للعيش هناك مع عائلته من السنغال، وقضى في السجن بضع سنوات بتهم جنائية في شبابه قبل أن يقرر الذهاب إلى سوريا عام 2013 ويترأس كتيبة جهادية.
أمير المخيم والطفلة الأوروبية
حصلنا على معلومات حصرية من داخل مخيم الفرنسيين حول الطفلة الفرنسية البلجيكية “ياسمين”، والتي تم تسليمها للسفارة البلجيكية منذ عام ونصف. الطفلة كانت محتجزة من قبل أمير مخيم الفرنسيين “عمر ديابي” داخل مخيم الفرنسيين نفسه ولفترة طويلة، وذلك بعد مقتل أبيها (مهدي البلجيكي) أثناء قتاله في صفوف “فرقة الغرباء”، وكان “ديابي” يساوم والدتها لدفع فدية مالية كبيرة لقاء تسليم الطفلة.
في ذلك الوقت قامت هيئة تحرير الشام بمداهمة مخيم الفرنسيين واعتقال سبعة رجال. وتم اعتقال “عمر ديابي” نفسه قرب بلدة أطمة بريف ادلب، بتهمة اختطاف الطفلة ياسمين، ثم وافقت “فرقة الغرباء” على تسليم الطفلة لحكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) ، مقابل إخلاء سبيل الجهادي الشهير “عمر أومسن”.
وحصلنا على صور لتسليم الطفلة ياسمين للسفارة البلجيكية في تركيا، بحضور مندوبين عن الحكومة التركية، وقال إبراهيم ساشو المسمى حينها كوزير عدل لدى حكومة الإنقاذ، خلال مؤتمر صحفي عقد في معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية ، وإلى جانبه الطفلة “ياسمين”، “هناك دعوى قضائية قدمت من قبل الأم البلجيكية (ذات أصول مغربية) تطلب حضانة ابنتها بعد مقتل أبيها، وحكم القضاء بتسليم الطفلة للأم لأنها الأحق كون الطفلة كانت تعيش لدى أصحاب والدها, لكن ما لم يذكره أن الطفلة كانت محتجزة فعلاً لدى “عمر ديابي” أشهر جهادي فرنسي على الإطلاق.
ووالد الطفلة (فرنسي من أصل سنغالي) جاء إلى إدلب قبل في نبسان 2017، بصحبة ابنته “ياسمين” دون رضى والدتها (بلجيكية ذات أصول مغربية)، التي لم تأت إلى سوريا، وكان يقاتل في صفوف “هيئة تحرير الشام”.
وأبقى الوالد الطفلة ياسمين بعهدة رفاقه في مجموعة متطرفة (فرقة الغرباء) يقاتل في صفوفها تتبع لـ “هيئة تحرير الشام”، ويحمل عناصرها الجنسية الفرنسية مقرها حارم بريف إدلب، قبل أن يُقتل في إحدى المعارك ضد حركة أحرار الشام.
وبعد مقتله بأشهر، انشقت (فرقة الغرباء) عن “تحرير الشام” وانضمت إلى فصيل “حراس الدين” المرتبطة بتنظيم “القاعدة” والذي كان يقودها الفرنسي ذو الأصول السنغالية عمر أومسن المعروف بـ عمر ديابي الذي ادعى انه الوصي على البنت مطالبا عائلتها في بلجيكيا بفدية مالية كبيرة لتسليمها لهم.
ليست ياسمين الطفلة الفرنسية – البلجيكية الوحيدة التي عادة من سوريا إلى أوروبا، هناك أكثر من 250 طفلاً فرنسياً محتجزين في مواقع متعددة في سوريا بحسب فرانس 24، عاد منهم إلى فرنسا بضعة أطفال فرنسيين خلال العام الفائت لتستلمهم الخدمات الإجتماعية الفرنسية.
ماري دوزي محامية فرنسية تمثل عشرين عائلة فرنسية وتتعامل مع قضايا أكثر من ستين طفلاً في المحاكم الفرنسية خلال السنتين الأخيرتين، تطالب بإعادة الأطفال الفرنسيين الموجودين في سوريا والعراق إلى فرنسا وتعتبر أن هؤلاء الأطفال قد يصبحون “قنابل موقوتة” فيما لو بقوا في سوريا لأن هذا ما تريده بعض الأمهات والآباء والجماعات الإرهابية التي يتواجدون بينها.
الحكومة الفرنسية لا تبدي استعداداً واضحاً لاستعادة مواطنيها، الذين يبدو أنه من الصعب جداً حصولهم على محاكمات عادلة في سوريا حيث لا يوجد سلطات قضائية أو نظام حكومي متماسك يسمح بذلك.
نقاش حادٌ في فرنسا بسبب قضية الجهاديين الفرنسيين وعائلاتهم الموجودة في مخيم الهول بسوريا وفي العراق، لا يوجد تعاطف شعبيٌ واسع مع هؤلاء، ويتعرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لضغوط كبيرة بعد الحكم على فرنسيين بالإعدام في العراق بتهمة الإنضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية.
فرنسا دولة تعارض عقوبة الإعدام، ولكنها تفضل الإبقاء على الجهاديين في الشرق الأوسط ومحاكمتهم هناك لا في فرنسا فقد رفضت الحكومة الفرنسية استعادة مقاتلي الدولة الإسلامية وزوجاتهم.
ووصفتهم بأنهم “أعداء” الأمة، قائلة إنهم يجب أن يواجهوا العدالة سواء في سوريا أو العراق، ويقول محامون بأن فرنسا تخالف في منعها مواطنيها الفرنسيين من العودة والحصول على محاكمة في فرنسا نص الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان الذي يقول “لا يجوز حرمان أي إنسان من حق الدخول إلى أراضي الدولة التي يحمل جنسيتها”.
حاولنا التواصل مع الحكومة الفرنسية بخصوص “مخيم الفرنسيين” ومدى معرفتها أو معالجتها لقضايا مواطنيها العالقين في ادلب، لكننا لم نحصل على أي جواب، وفيما تتداول وسائل الإعلام الفرنسية الحديث عن الفرنسيين الموجودين في مخيم الهول، يبقى ملف الجهاديين الفرنسيين وعائلاتهم الموجودة في “مخيم الفرنسيين” شمال إدلب طي الكتمان.. طي الحل.. إلى أجل غير مسمى.