مع اقتراب موعد دخول قانون “سيزر” خيز التنفيذ في آب 2020 وما يعنيه ذلك، بدأت قوات سوريا الديمقراطية، والتحالف الدولي نقاشات جديدة لكيفية تفادي تبعات القانون على مناطق شمال شرق سوريا، أي مناطق الإدارة الذاتية، النقاشات تشمل آلية انتقال التمويل المخصص لقوات سوريا الديمقراطية، والمنظمات.
الكولونيل مايلز كاغينز، الناطق الرسمي باسم التحالف الدولي ضد داعش، الذي تقوده الولايات المتحدة، زار منطقة الإدارة الذاتية أمس، واليوم وبحث مواضيع عديدة مع القادة المحليين وانفردت وكالة نورث بريس في إجراء لقاء خاص مع مايلز كشف فيه أنّ التحالف أطلق مبادرة لتأمين المزيد من فرص العمل للسكان المحليين من خلال توفير خدمات البيع والتسهيلات الأخرى من أجل تأمين المصادر الأساسية للعيش.
ونقلت الوكالة عن كاغينز قوله إنّ هذه المبادرة تعتبر الأولى من نوعها لمساعدة الاقتصاد، لأنّه بمثابة محاربة داعش، “فعند وجود اقتصاد قوي وحكومة محلية قوية ومجتمع موحد وفرص عمل متوفرة للشباب والشابات”، من غير المرجح أن تتحول إلى الإرهاب، وبالتالي فإنّ الوضع الاقتصادي مرتبط بالأمني في المنطقة.
والتحالف “يحاول الوصول إلى أساليب جديدة من أجل دعم عملياتنا مع قوات سوريا الديمقراطية”.
ويحاول التحالف الدولي إفساح المجال أمام الأعمال المحلية للتنافس من أجل العقود الخدمية التي تدعم قوات التحالف الدولي في هذه القاعدة. “نحن نعتقد أنّه من المهم أن نفعل أي شيء قدر المستطاع من أجل حماية المدنيين هنا من تهديد داعش”.
وفي ردّه على سؤال حول إعادة تموضع القوات الأمريكية في تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي في المنطقة قال الكولونيل “كان هناك توتر في المناطق الحدودية وقمنا بإبعاد قواتنا عن المناطق الحدودية و تمت إعادة تموضعهم في مناطق الحسكة ودير الزور، حيث أتممنا شراكتنا مع قوات سوريا الديمقراطية هناك وذلك لهدف واحد وهو القضاء على داعش”.
وكشف عن أنّ اتخاذ قرار إعادة تموضع قوات التحالف جاء “ضمن جزء من المناقشات الثنائية التي جرت بين قادة الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا”.
وشدد الكولونيل على التزام التحالف العسكري بشراكتهم مع قوات سوريا الديمقراطية، “كان هناك إعجاب شديد من قبل قوات التحالف تجاه قوات سوريا الديمقراطية”، (….) كان التحالف يمتلك قواعد في المدن الشمالية والغربية كمنبج والطبقة والرقة وكوباني وقاعدة صرين، “وقمنا بإغلاق هذه المواقع ونقلنا قواتنا إلى الجانب الشرقي من المنطقة.”، لكن “شراكتنا مع قوات سوريا الديمقراطية استمرت، وهذه الشراكة مرئية في محافظات الحسكة ودير الزور، لكن كما أشرت سابقاً، مهمتنا هي هزيمة داعش”.
وعن آلية الشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية أوضح كاغينز “أحياناً تقدم قوات التحالف الدولي مساعدات لقوات سوريا الديمقراطية فيما يتعلق بالمجال الاستخباراتي، وأحياناً بطرق أخرى كإرسال شاحنات تحمل العلم الأمريكي. هذه العلاقة مستمرة رغم ابتعادنا”.
وقال “الآن مثلاً، أتحدث إليكم وأنا متواجد في قاعدة لقوات سوريا الديمقراطية، ومحاط برجال أمن تابعين لقوات سوريا الديمقراطية مع تكتلات صغيرة لقوات التحالف الدولي. وهذا دليل واضح للشراكة”.
وعن مسألة انسحاب التحالف خلال الفترة الماضية قال الكولونيل “عند مغادرة قوات التحالف حسب البعض أنّه سينهار كل شيء وأنّ داعش سيعود من جديد ويجتاح المناطق ويسيطر عليها، ولكن نظراً للبنية التنظيمية لقوات سوريا الديمقراطية التي ظهرت لمكافحة داعش منذ خمس سنوات، فقد استمر التماسك والثبات والوحدة رغم وجود الضغوط من عدة أفراد أو مجموعات إرهابية من داعش، بقي التحالف شريكاً في هذا المجال”.
لكنه قال أيضاً “أنا لست هنا لأضمن ما سيفعله التحالف الدولي، ومن حسن الحظ استطاع التحالف الدولي أن يجد في قوات سوريا الديمقراطية شراكة قوية. أود فقط أن أقول لك أننا باقون هنا لاستكمال هزيمة داعش وحماية البنية الحيوية التحتية التي اعتاد داعش أن يكسب منها أموالاً طائلة من أجل تمويل أعماله الإرهابية، هذه هي التزاماتنا طالما نحن هنا”.
وفي رده على سؤال حول عدد جنود التحالف في المنطقة قال الكولونيل، “يمتلك التحالف الدولي حوالي 600 جندي في الحسكة ودير الزور، وهذا عدد ليس بكثير، بالمقابل تمتلك قوات سوريا الديمقراطية حوالي 20 ،30 أو 40 ألف حسبما أعتقد في المنطقة الممتدة ما بين منبج وديرك وجنوباً إلى الباغوز.”
وكشف الكولونيل عن وجود “تعقيدات كثيرة” في هذه المنطقة، لا سيما مع الوجود الروسي والذي تسبب مؤخراً بظهور تنافس بينهم وبين قوات التحالف في مسألة مناطق النفوذ وخارطة سير الدوريات “نحن نتحدث مع الروس يومياً عبر الهاتف ونتبادل الرسائل معهم لنعلمهم عن وجهتنا على الأرض، والروس أيضاً يعلموننا إلى أين ذاهبون. أحياناً يجري تصادم بيننا على الطريق، ولكنني أؤكد لك أنّه في كل حادثة يحاول التحالف دوماً أن لا يصعّد الموقف وأن ينهي التصادم بشكل سلمي”.
وأضاف، “كل طرف يذهب في الاتجاه المختلف عن الآخر. وهذا هو الحال دوماً، ففي أوقات كثيرة ترى مرور عربات أمريكية بجانب أخرى روسية دون أيّة مشاكل نظراً لوجود قرارات خاصة متعلقة بمرور القوافل ومهمات الطلعات الجوية”.
وكشف أيضاً عن عدم وجود قوات للتحالف في منبج والطبقة والرقة، “لقد خرجنا منها وأعلم أنّ قوات سوريا الديمقراطية ملأت الفراغ هناك وأنّهم يواصلون القضاء على خلايا داعش النائمة هناك”.
وحول مشكلة وجود نحو عشرة آلاف من عناصر داعش في سجون قوات سوريا الديمقراطية، قال الكولونيل، “لا وجود لجنود التحالف في مراكز الاحتجاز، فقط نقدم بعض النصائح لهم عن كيفية التصرف، ولكنها مسؤولية قوات سوريا الديمقراطية بالنهاية”.
في حين أقر بعدم وجود حل لهذه المشكلة حتى الآن ، “ما من حل سريع حتى الآن ولكن هناك حاجة إلى ذلك”.
وقال “إنني مهتم جداً بالتركيز على الحقائق، والحقيقة هي أنّ الولايات المتحدة من ضمن التحالف الدولي ملتزمة بالشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية في الحسكة ودير الزور”.
وأضاف الناطق باسم التحالف الدولي الكولونيل مايلز كاغينز ، “الحقيقة هي أنّ الدول الأخرى في هذه المنطقة متورطة قصداً في قصف عشرات الآلاف من المدنيين، ولا أعرف ما السبب. لذلك يواصل التحالف شراكته مع قوات سوريا الديمقراطية”.
ماهو قانون قيصر (سيزر)؟
يفرض قانون قيصر عقوبات اقتصادية الذي أقرته الولايات المتحدة، على الحكومة السورية، وعلى الدول التي تدعمها لا سيما ايران وروسيا، وكل شخص أو جهة، أو دولة تتعامل معه، وتعتبر هذه العقوبات حال تطبيقها، الحد الأعلى ما دون التدخل العسكري المباشر الذي يمكن أن تتعرض له أي دولة.
والاخطر في القانون أنّ يضع روسيا وإيران وجهاً لوجه أمام العقوبات الأمريكية.
أما التغيير الحقيقي في الموقف الأمريكي، فسيكون على صعيد العلاقة مع روسيا، التي تحاشت الإدارة الأمريكية معاقبتها حتى الآن على جرائمها في سوريا. حيث ستكون جل المؤسسات الروسية عرضة للعقوبات، ابتداء من الجيش الروسي وقيادته وصولاً إلى منتجي الأسلحة ورجال الأعمال والمقاولين العسكريين الخاصين وصناعة الطاقة، جميعهم قد يقعون فريسة للعقوبات الأمريكية عندما يجري تفعيل قانون قيصر.
انعكاسات قانون قيصر على الحكومة السورية:
لا شك أنّ تأثير قانون قيصر على النظام في سوريا، مرتبط بشكل مباشر بالظروف المصاحبة لتطبيقه. لكن ثمة عوامل أساسية تشير إلى جدية بل مصيرية أثر القانون على النظام. منها:
أولاً، حصول القانون على تأييد الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يعطي انطباعاً بدعم المشرعين الأمريكيين للخطوات المرتقبة من قبل الإدارة فيما يتعلق بالوضع في سورية، ويفرض دوراً أمريكياً مؤثراً في مسار العملية السياسية من ناحية الضغط على روسيا وحلفائها، وأيضاً الضغط على حلفاء الولايات المتحدة لمنعهم من ممارسة أي سياسة تعارض سياسات واشنطن.
ثانياً، تهدف الإدارة الأمريكية من خلال قانون قيصر إلى جر دمشق للعملية السياسية، وإجباره على الرضوخ للقرارات الدولية. وفي هذا السياق فإنّ القانون لا يقتصر على التهديدات فحسب، بل ألقت أمام دمشق بجزرة “مُقيدة” تشمل تعليق العقوبات في حال تخلى عن سياساته الحالية، وساعد على إيجاد بيئة مناسبة لانطلاق العملية السياسية بما في ذلك الإفراج عن المعتقلين السياسيين، ووقف الهجمات الجوية والبرية، ومسائلة مرتكبي جرائم الحرب، ووقف استخدام السلاح الكيماوي والإفصاح عن مخزوناته، والسماح بعودة طوعية آمنة وكريمة للاجئين.
ثالثاً، ينسجم القانون إلى حد كبير مع قراري مجلس الأمن 2118 و2254، ويُلقي بمسؤولية التنفيذ والالتزام على سوريا وكل من روسيا وإيران، وبالتالي فهو يجعل من الروس “شركاء تحت طائلة المسؤولية والمحاسبة”، كما يُعزز من مدى العقوبات المفروضة على إيران لتشمل المؤسسات والهيئات ذات الصلة “غير المعلنة” بها، وتتحرك عبر يافطات مختلفة في لبنان وقبرص ودول أخرى.
رابعاً، تبدو الظروف الدولية الحالية مواتية لتطبيق القانون، كونه ينسجم مع سياسة الضغط القصوى على إيران وتحجيم أذرعها في العراق ولبنان، كما أنّه يرغم حكومة بوتين على ممارسة ضغط ملموس على النظام، الذي يبدي تمنعاً أكبر للدخول في مفاوضات اللجنة الدستورية، التي يعني إخفاقها ضربة لجهود الأمم المتحدة في ظل بدائلها المحدودة.
خامساً، تساعد الأزمة الاقتصادية القصوى التي يعاني منها النظام، وانهيار الليرة السورية أمام الدولار، في تقليص خياراته في مواجهة أي عقوبات أمريكية جديدة عليه، والتي يتوقع أن تشمل ركائزه العسكرية والاقتصادية والسياسية، مما يعني أنّ أركان النظام ستكون لهم حساباتهم الخاصة بعد إدراكهم لمحدودية قدراته في التصدي للعقوبات والعزلة المفروضة عليه، إضافة لعدم قدرة إيران وروسيا على مساعدته نظراً لأزماتهما الداخلية.
سادساً، في حال أصرَّ النظام على اتباع سياسة العنف العسكري والتشدد السياسي، فإنّ القانون بما يحتويه من عقوبات شاملة، قد يشكل بوابة لتفكيك النظام، عبر دفع الخاضعين له والواقعين تحت تأثيره للتمرد على سلطاته، مع تزايد أزماته المعيشية وعجزه عن تقديم حلول واقعية وملموسة، وتعوِّل الإدارة الأمريكية على أن تؤدي إجراءاتها لإضعاف قدرة النظام على السيطرة الداخلية لدفع قطاعات من مؤيديه لرفع صوتهم والمطالبة بوضع حد للأزمة عبر المفاوضات والحلِّ السياسي.
لا شك أنّ قانون سيزر قد شكل فرصة ذهبية لقوى المعارضة السورية، لجهة صد اندفاعات بعض الدول والأطراف نحو بناء علاقات مع دمشق، كما أنَّه عزز من الضغوط المفروضة على النظام.
ومن شأنه أيضاً، أن يحبط محاولات روسيا لإعادة الإعمار أو عودة اللاجئين دون حل سياسي مستدام. لكن تأثير القانون الأكبر، سيكون في عودة الدور الأمريكي إلى موقع المبادرة والتأثير، بعد فترة من الغياب وعدم الوضوح في ظل الحديث عن انسحاب عسكري أمريكي شبه كامل من سوريا.