وسط تصاعد التوترات التركية الروسية في إدلب وموقف إيراني الأكثر حزماً في المنطقة، يدرس الأكراد السوريين بصمت خياراتهم في حالة تصاعد النزاع ولا يستبعدون احتمال القتال مع القوات الحكومية السورية.
لقد بدت تركيا هادئة إلى حد ما الشهر الماضي عندما انتزع الجيش السوري معرة النعمان من المعارضة، وهو هجوم بدأ على خلفية موجة من الاتصالات بين الدبلوماسيين ومسؤولي الجيش والمخابرات في موسكو. علاوة على ذلك، أبلغ المسؤولون الأتراك قادة الميليشيات الموالين أن الطرق السريعة M4 و M5 الإستراتيجية يجب أن يتم افتتاحها، في اجتماعات عقدت في مدينتي عنتاب والريحانية في 15 يناير وهو ما كان إشارة واضحة لنية تركيا الضغط على المعارضة لتسليم الطريق ضمن محادثات أجرتها مع روسيا .
لكن الجيش السورية لم يتوقف في معرة النعمان، انتقل إلى هدفه التالي، وهو مدينة سراقب، وبدا أن تركيا تسير على قدم وساق وتسعى لمنع سقوط المدينة ، التي تقع على تقاطع الطرق السريعة M5 و M4. بدأت بإرسال تعزيزات إلى إدلب، وهي الخطوة التي جاءت بعد أن زار الجنرال تود وولترز، قائد القيادة الأمريكية الأوروبية، أنقرة في 30 يناير لمناقشة الوضع في سوريا، لكن القوات الحكومية السورية قتلت ثمانية جنود أتراك، في 3 فبراير بالقرب من سراقب. وحث المسؤولون الروس أنقرة على العودة إلى خط وقف إطلاق النار خلف 12 مركزًا للمراقبة في المنطقة، سيطرت القوات السورية على حوالي 100 موقع في غضون أسبوع، من دون تهديدات تركيا بالتدخل. واستولى الجيش السوري بسهولة على سراقب، ثم حاصروا سبع قواعد عسكرية تركية، بما في ذلك ثلاث نقاط تفتيش تم إنشاؤها مؤخرًا، اعتبارًا من 8 فبراير.
استمرت تركيا في إرسال تعزيزات إلى إدلب، حيث عبرت مئات المركبات الحدود. وعقد مسؤولوا الاستخبارات الأتراك اجتماعًا آخر مع حوالي 40 من قادة المتمردين في ريحانية، وأخبروهم أن المفاوضات مع روسيا قد فشلت وعليهم “الاستعداد للأسوء”. وقال مصدر حضر الاجتماع لرويترز إن المتمردين رؤا مدينة إدلب بأنها “حمراء” وهو ما يعني أن تركيا قد رضخت لموسكو وقبلت بتسليم المدينة.
كل هذه التطورات في الشمال الغربي لها صداها على الشرق من نهر الفرات، حيث يستعد الأكراد السوريون بصمت للسيناريوهات المحتملة. في خضم التصعيد في إدلب، شن الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا هجمات في منطقتي تل أبيض ورأس العين لكنه فشل في تشكيل تحد خطير للأكراد. وفي الوقت نفسه، يدرس الأكراد كيفية الاستفادة من التوازنات الجديدة في حالة حدوث خلاف روسي تركي أوسع.
دفعت ضربات طبول الحرب التركية على إدلب الأكراد إلى التفكير في خيار التعاون مع الجيش السوري في هجمات في نهاية المطاف لاستعادة المناطق الواقعة إلى الغرب من نهر الفرات. النقطة المحورية للأكراد هي منطقة عفرين، التي احتلتها تركيا في مارس 2018 كجزء من الجهود الرامية إلى إعاقة الحراك الكردي للحكم الذاتي في سوريا. ووفقًا لمصادر كردية سورية اتصلت بها المونيتور، يمكن تلخيص التقييمات الكردية على النحو التالي:
-تعلم الأكراد درسًا جيدًا من الهجوم التركي الذي أطلق عليه اسم “نبع السلام” في أكتوبر ، والتي من خلالها احتلت تركيا مدينتي تل أبيض ورأس العين، وبذلك حصلت على موطئ قدم شرق الفرات. لقد تعززت قناعتهم بأنه لا يمكن الثقة بالولايات المتحدة، ومن الخطأ الاعتماد عليها مجددا.. وأنهم يجب ألا يتجاهلوا روسيا ولا يمكن التوصل إلى تسوية إلا من خلال المفاوضات مع دمشق.
-مع تركيز القوات الأمريكية على حقول النفط في رميلان والحسكة ودير الزور في الشمال الغربي، يجري تطبيق فكرة فتح مساحة أكبر لروسيا دون قطع العلاقات مع الولايات المتحدة. هناك حتى حديث عن اقامة قاعدة جديدة لروسيا، التي انتشرت قواتها في العديد من المنشآت التي أخلتها الولايات المتحدة، في محاولة لتشجيعها على الضغط على دمشق لصالح الأكراد.
-يمكن أن يحصل الأكراد على مساحة جديدة للمناورة إذا تسبب التصعيد المستمر في إدلب في انهيار الشراكة الروسية التركية. لا يستبعد أن تدعم “قوات سوريا الديمقراطية” “الجيش السوري” إذا تحولت الاشتباكات في إدلب إلى حرب مفتوحة الجيش السوري وتركيا. وقتها قد يتم فتح جبهات جديدة في تل رفعت ومنبج ضد مثلث درع الفرات الخاضع للسيطرة التركية بين اعزاز وجربلس والباب، بالإضافة إلى تحركات عسكرية محتملة في مناطق تقع شرق الفرات حيث الجيش التركية وميليشياته وفي عفرين.
ومع ذلك، كل هذا مرتبط بقبول دمشق خوض مفاوضات مع قوات سوريا الديمقراطية، وهو الحوار الذي ترعاه موسكو بين الجانبين بعد عملية “نبع السلام”، والتي أسفرت عن عودة الجيش السوري إلى مناطق معينة من الحدود مع سوريا.
إذا لم تتطور الأمور في إدلب إلى مواجهة بين الجيشين السوري والتركي، وواصل الجيش السوري التقدم إلى عفرين، قد يستمر الأكراد في الانضمام إلى الحملة في تلك المرحلة. في الوقت الحاضر، تعمل روسيا على تسهيل العمليات التي تشنها القوات الكردية ضد الجماعات المدعومة من تركيا التي تسيطر على عفرين.
رغم ذلك قد تقرر روسيا في وقت ما، التوقف عن حماية المنطقة، وتسمح لتركيا بالتحرك هذا الأمر قد يؤدي إلى تطورات مفاجئة في أي مكان يتواجد فيه الجيش التركي.
بدلاً من ذلك، إذا اتفقت تركيا وروسيا على خط جديد لوقف إطلاق النار بعد إعادة فتح الطريقين السريعين M4 و M5، فقد تعود موسكو إلى استراتيجيتها الخاصة بمراعاة المخاوف التركية بشأن القضية الكردية. بالنسبة للأكراد ، فإن هذا يعني المزيد من الانتظار. لكن التغييرات السريعة في إدلب أضعفت من احتمال قيام روسيا بمنح ضوء أخضر لاجتياح مدينة كوباني مقابل صفقة إدلب، وهو سيناريو يأخذه الأكراد بجدية الآن.
في هذه الأثناء ، يظهر جانب جديد وهو الدور الايراني في سوريا، وهو ما لا يرغب الأكراد في مناقشته حتى الآن، استخدمت الولايات المتحدة الوجود الإيراني لتبرير بقائها في سوريا وفعلت إسرائيل الشيء نفسه لضرب أهداف على الأراضي السورية. لكن منذ مقتل قائد قوة القدس قاسم سليماني في أوائل شهر يناير، تعهدت إيران بطرد القوات الأمريكية من العراق وسوريا كجزء من استراتيجية أوسع نطاقًا “للانتقام”، والتي يبدو أنها جلبتها إلى جبهات إدلب وغرب حلب. جنبا إلى جنب مع حزب الله، الجماعات الموالية لإيران، شاركت في القتال الأخير في المنطقة. علاوة على ذلك، تعهد علي أكبر ولايتي، كبير المستشارين للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي، بأن “الحكومة السورية وحلفاءها من جبهة المقاومة سوف ينتقلون من إدلب إلى شرق الفرات لطرد الأمريكيين “.
الإستراتيجية الإيرانية تهم الأكراد عن كثب. إيران مهتمة بتحقيق تقارب بين الاكراد ودمشق على حساب واشنطن، وإيران تدعم تلبية المطالب الكردية على مستوى “معقول” وإيران ظلت حريصة في علاقاتها مع الأكراد السوريين منذ بداية الأزمة السورية. بينما ترى روسيا أن التقارب بين أنقرة ودمشق هو اختصار لإغلاق الجبهات المستمرة والانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار، إلا أن إيران تشعر بالغضب من أن روسيا قد فتحت مجالًا كبيرًا لتركيا.
ومع ذلك ، إذا حافظت قوات سوريا الديمقراطية على شراكتها مع الولايات المتحدة ، فقد تواجه خطر تكرار سيناريو إدلب في شرق الفرات على حساب الأكراد.
مع كل ما قيل، فإن العامل الرئيسي الذي يحدد المشاعر الحالية بين الأكراد هو شعورهم بعدم اليقين. وبالتالي، لا أحد على استعداد لإعلان موقف واضح حتى الآن، مع القيام بتقييمات عامة.