أنقرة والأكراد راضون.. الاتفاق الأمريكي التركي بشأن المنطقة الآمنة في سوريا يُرضي الجميع إلا دمشق

بعدما وصل الخلاف بين واشنطن وأنقرة للتهديدات المتبادلة بشأن الوضع في شمال سوريا، تم التوصل لاتفاق على إنشاء ممر للسلام بالمنطقة ومركز مشترك لإدارتها، ما هي تفاصيل الاتفاق بين تركيا وأمريكا بشأن المنطقة الآمنة شمال سوريا؟ وهل لبَّى المطالب التركية؟ والكردية وما موقف دمشق منه؟

جاء هذا الاتفاق بعد ثلاثة أيام من المفاوضات المتوترة بين مسؤولين أتراك وأمريكيين أملاً في منع هجوم تركي على وحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على مناطق شاسعة من شمال سوريا وتعتبرها أنقرة خطرا على امنها القومي .

تفاصيل الاتفاق بين تركيا وأمريكا بشأن المنطقة الآمنة شمال سوريا

أعلنت وزارة الدفاع التركية، في بيان، استكمال المباحثات مع المسؤولين العسكريين الأمريكيين حول المنطقة الآمنة المخطط إنشاؤها شمال سوريا التي جرت في مقر وزارة الدفاع التركية بأنقرة مع مسؤولين عسكريين أمريكيين، بين 5 و7 أغسطس/آب الجاري.

وذكر بيان صادر عن السفارة الأمريكية في تركيا أن المحادثات بين الوفود العسكرية الأمريكية والتركية بشأن خطط لتنسيق إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا أفضت للاتفاق على التالي.

أ) التنفيذ السريع للتدابير الأولية لمعالجة المخاوف الأمنية لتركيا.

ب) الوقوف في مركز للعمليات المشتركة في تركيا في أقرب وقت ممكن من أجل تنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة معاً.

ج) أن تصبح المنطقة الآمنة ممراً للسلام، وأن يبذل كل جهد ممكن حتى يتمكن السوريون المشردون من العودة إلى بلدهم.
وقالت وزارة الدفاع التركية إنه تم التوصل إلى اتفاق لتنفيذ التدابير التي ستتخذ في المرحلة الأولى من أجل إزالة الهواجس التركية، في أقرب وقت.

اتفاق على وقع التهديدات
وجرت هذه المحادثات على وقع تهديدات تبادلها الطرفان.
إذ حذر وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر يوم 6 أغسطس/آب 2019 من شن تركيا أي عملية عسكرية أحادية بمناطق شرق الفرات في شمال سوريا، وقال إن واشنطن ستمنع أي توغل أحادي تركي في سوريا من شأنه أن يؤثر على المصالح المشتركة للولايات المتحدة وتركيا وقوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل قوامها وتقودها وحدات حماية الشعب الكردية في مناطق بالشمال السوري.

ورد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتلويح بعملية عسكرية في القريب العاجل ضد وحدات حماية الشعب الكردية شرق نهر الفرات في سوريا، متحدياً رفض واشنطن أي تحرك عسكري ضد حلفائها الأكراد السوريين.

وأدى التوصل لهذا الاتفاق إلى تجنب البلدين مزيداً من التصعيد في التوتر في علاقتهما التي عانت كثيراً من الأزمات وآخرها أزمة شراء أنقرة لصواريخ إس 400 من روسيا وإخراج واشنطن لتركيا من برنامج إنتاج الطائرة إف 35.

هل لبى الاتفاق المطالب التركية؟
لم يعرف بعد كل تفاصيل الاتفاق، ولكن من الواضح أنه لبى بعض المطالب التركية التي لم توافق عليها واشنطن في السابق.

وكانت تركيا تعتزم إنشاء منطقة آمنة على طول الحدود مع سوريا وبعمق 32 كيلومتراً، ستضم مدناً وبلدات من 3 محافظات سورية، هي حلب والرقة والحسكة، بهدف مواجهة تصاعد نفوذ قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها قوات حماية الشعب الكردية التي تقول أنقره إنها على علاقة وثيقة مع حزب العمال الكردستاني الذي يطالب بالحكم الذاتي للاكراد في تركيا.

وتريد تركيا أن تكون المنطقة الآمنة بعمق يتراوح بين 30 و40 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، وتمتد من شرق الفرات بريف حلب الشرقي وصولاً إلى الحدود العراقية، وهذه المنطقة تخضع الآن لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل الوحدات الكردية عمودها الفقري.

هل يلبي الاتفاق مطالب الاكراد:

في مقابلة مع اذاعة voanews الأمريكية، قال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية إن قواته تأمل في أن تلعب الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا في تهدئة التصعيد الحالي في شمال سوريا.

وقال “نعتقد أن الولايات المتحدة هي القوة الرئيسية القادرة على التأثير على موقف تركيا ووقف تهديداتها ضدنا”.

وقال عبدي: “الولايات المتحدة هي قائد تحالف الناتو، ولذا فهي تتمتع بالضغط على تركيا ضمن إطار الناتو”. “في الوقت نفسه ، تتمتع بعلاقات قوية مع قوات سوريا الديمقراطية من خلال التحالف المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية. لذا فإن الولايات المتحدة تعرف كلا الجانبين جيدًا وهي القوة الوحيدة التي يمكنها منع الحرب وتجمع جميع الأطراف معاً.

يقول عبدي إنه بسبب تهديدات تركيا، تمكن مقاتلوا داعش من تجميع صفوفهم وشن هجمات كبيرة ضد مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية في شرق سوريا.

وقال: “ستستفيد داعش من هذا التدخل [التركي]”، “في الواقع ، يستفيد داعش الآن من هذه التهديدات التركية المستمرة بزيادة هجماته على المناطق التي حررناها مؤخرًا.”

وأضاف: “إذا اندلعت الحرب مع تركيا، فلن يكون أمام قواتنا خيار سوى الانسحاب من تلك المناطق للتركيز على خطوط الدفاع على طول الحدود [مع تركيا]”.

وقال عبدي إن قوات سوريا الديمقراطية لن تسمح بوجود عسكري تركي كامل في شمال سوريا.

واضاف “لا يمكننا قبول الوجود التركي في منطقتنا إلا في إطار قوة دولية، بطريقة لا تشكل تهديدًا للشعب الكردي”.

وقال “الولايات المتحدة نجحت حتى الآن في منع الحرب. ننظر إلى هذا بشكل إيجابي لكن لا يوجد اتفاق نهائي بعد. الاجتماعات والمناقشات مستمرة ونحن جزء منها.”

واختتم قائلاً: “سندعم جميع الجهود التي بذلها السيد جيفري وأظهرنا الكثير من المرونة لدعم هذه الجهود”.

كما وحذر بدران جيا كرد القيادي الكردي في لقاء مع رويترز إن وقوع هجوم تركي سيؤدي إلى ”صراع كارثي“ يبذل المسؤولون في قوات سوريا الديمقراطية أقصى ما في وسعهم لمنع حدوثه من خلال المحادثات مع الدول الأجنبية لكن ”الصمت الأوروبي لا يخدم الاستقرار والحل السياسي والقضاء على الإرهاب، وكذلك الموقف الروسي غير جدي لعرقلة أي عدوان محتمل على مناطقنا“.

وأضاف ”ومن الجانب الأمريكي، هناك محاولات وجهود لعرقلة الهجوم التركي ولكن بحاجة إلى حزم وحسم ودعم دولي“.

وقال آلدار خليل، وهو سياسي كردي كبير، إنه لا يتوقع أن تتراجع واشنطن وحلفاؤها عن مساعدة قوات سوريا الديمقراطية في مكافحة الخلايا النائمة لتنظيم الدولة الإسلامية من أجل تأمين المنطقة.

اضاف نشعر بالارتياح للاتفاق الأميركي-التركي الرامي إلى إقامة مركز عمليات مشتركة لشمال سوريا، لكنه اعتبر أن تفاصيل الاتفاق لا تزال غامضة.

وقال خليل لوكالة “فرانس برس”: “هذا الاتفاق قد يكون بداية أسلوب جديد، ولكن نحن نحتاج لمعرفة التفاصيل”. وأضاف “سنقوم بتقييم الأمر حسب المعطيات والتفاصيل وليس اعتمادا على العنوان”.

وقال: “أردوغان مصر في جميع الأحوال على إنهاء وجودنا”.

وأضاف ”هذه التهديدات هي خطيرة وجدية ولها تداعيات خطيرة على سوريا والمنطقة“.

وتابع قائلا ”نحن لا نريد حربا مع أي طرف لكن في حال تعرضنا لأي هجوم لن نكون متفرجين، وخيار الدفاع عن الذات هو خيارنا بكل تأكيد“.

من سيدير مركز العمليات؟
من أهم بنود الاتفاق أنه إنشاء مركز عمليات مشترك من أجل إقامة منطقة آمنة شمال سوريا.

مساحة وعمق المنطقة قضية جوهرية
وقال أويتون أورهان، خبير سوريا في مركز دراسات الشرق الأوسط (ORSAM) ومقرّه أنقرة، إن البيان الخاص بالمنطقة الآمنة يشير إلى أن كلا الجانبين قد أحرزا تقدماً في الجولة الأخيرة من المناقشات.

ويبدو أن الوفد العسكري الأمريكي توصل إلى اقتراح يرضي تركيا علماً بأن نقاط الخلاف الرئيسية كانت على عمق المنطقة ومستويات السيطرة فيها.

من المحتمل أن تكون الولايات المتحدة قد قدمت بعض التنازلات على العمق، حسبما يرى أورهان.

ويرجح أن الجيش التركي سيكون له دور ووجود أكثر جدية في المنطقة مقارنة بالمناقشات السابقة.

ويقول أورهان: «يمكننا أن نقول إن التهديدات العسكرية التركية كانت فعالة في إطلاق الجمود في القنوات الدبلوماسية».

الليرة تعزز وضعها.. ولكن لا نأمن مواقف الأمريكيين
ولكن مصدراً تركياً مقرّباً من الحكومة التركية طالب بتوخي الحذر، مذكراً بالتنفيذ المتوقف لخارطة الطريق الخاصة بمنبج التي تم التوصل إليها بين البلدين العام الماضي.

إذ تقول تركيا إن الولايات المتحدة لم تفِ بوعدها بإخلاء وحدات حماية الشعب الكردية من المدينة.

وقال المصدر لموقع موقع Middle East Eye: «نحتاج إلى تفاصيل وخريطة طريق ملموسة. لأن الأمر مازال غامضاً».

وعززت الليرة التركية بعد الإعلان عن الاتفاق، الذي جاء بعد تعليقات وزير الدفاع التركي أن الولايات المتحدة كانت تقترب من وجهات نظر أنقرة بشأن المنطقة الآمنة.

الأسد غاضب من الاتفاق، والأكراد أبدوا ارتياحاً بتحفظ
من جانبها، أبدت دمشق الخميس رفضها «القاطع والمطلق» للاتفاق الأمريكي التركي الرامي إلى إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا محملة الأكراد «مسؤولية» ذلك، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن مصدر في وزارة الخارجية السورية.

وقال المصدر الرسمي بحسب الوكالة: «تعرب الجمهورية العربية السورية عن رفضها القاطع والمطلق للاتفاق الذي أعلن عنه الاحتلال الأمريكي والتركي حول إنشاء ما يسمى المنطقة الآمنة، والذي يشكل اعتداءً فاضحاً على سيادة ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية».

وأضاف المصدر أن «بعض الأطراف السورية من المواطنين الأكراد التي فقدت البصر والبصيرة وارتضت لنفسها أن تكون الأداة والذريعة لهذا المشروع العدواني الأمريكي التركي تتحمل مسؤولية تاريخية في هذا الوضع الناشئ».

المصدر: وكالات

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك