لم تلقَ قضية التغيير الديمغرافي في عفرين أهميةً كبيرةً، نظراً إلى استحالة عمل المنظمات السورية البحثية والحقوقية والاعلامية هناك بسبب الهيمنة الأمنية التركية.
فكانت الدراسة التي أصدرتها منظمة باكس من بين الدراسات والتقارير القليلة حول التغيّرات في عفرين. حيث تقوم تركيا والفصائل الموالية لها بالتضييق على الأهالي لدفعهم إلى مغادرتها بسبب السياسات الأمنية.
فعمليات الخطف مثلاً أجبرت بعض المخطوفين الذين دفعوا فديات مالية، على مغادرة منطقة عفرين والتوجّه إلى منبج أو شرق الفرات، على اعتبار أنهما أكثر أمناً. ويشكّل نقل المهجّرين قسراً من الغوطة وحمص ودرعا إلى عفرين، خطّةً تركيةً تهدف إلى توطينهم بشكلٍ دائم، الأمر الذي ساهم في تغيير التركيبة السكانية القومية في عفرين لصالح العرب والتركمان.
يبلغ عدد سكان منطقة عفرين ٥٢٣٢٥٨ نسمة، استناداً إلى إحصاء العام ٢٠١٢، في حين يُقدَّر عدد السكان المحليين الأكراد بنحو ٣٥٠ ألف نسمة قبل معركة “غصن الزيتون”، نظراً إلى إقامة قسمٍ كبيرٍ منهم في مدينة حلب، يُضاف إلى هذا العدد نحو ١٥٠ ألف نازحٍ من المناطق السورية كافة، وقسمٌ من الذين فرّوا من حلب الشرقية بسبب المعارك في العامَين ٢٠١٢ و٢٠١٣، ليبلغ بذلك العدد الإجمالي للأكراد والنازحين إلى عفرين نصف مليون.
عقب السيطرة على عفرين من قبل القوات المسلحة التركية، وجد النازحون في منطقة الشهباء، أنفسهم في وضع صعب. فالنظام السوري منع تدفّق عشرات آلاف المهاجرين إلى مدينة حلب. لكن قلّةً قليلةً من هؤلاء تمكّنت من دفع رشاوى كبيرة لقوات النظام لتتيح لها العبور إلى حلب عبر حواجزها، في حين سمحت هذه القوات بالعبور لحاملي الهويات الشخصية ذات القيد المدني الصادر في حلب، من أبناء المدينة والمسيحيين والأرمن، الذين كانوا يقيمون في عفرين، رافضةً عبور مَن يحمل هويةً صادرةً في عفرين.
كذلك منعت فصائل المعارضة والقوات التركية من التسلّل عبر الطرق الفرعية من منطقة الشهباء والعودة إلى عفرين، لكن قسماً صغيراً منهم استطاع العبور بعد دفع رشاوى لفصائل المعارضة السورية المتمركزة على خطّ الجبهة بين عفرين ومنطقة الشهباء.
استناداً إلى بياناتٍ تحقّقت منها منظمات حقوقية في كانون الثاني ٢٠١٩، لا يزال 250 ألفاً من أكراد عفرين مهجّرين قسراً، من بينهم قرابة الـ٧٠ ألف طفل و٤٥ ألف امرأة. ويضمّ المهجّرون من عفرين أكثر من ٥ آلاف لاجئ إلى خارج سوريا، ونحو ١٤٥ ألف نازح داخلي، من بينهم ٦٠ ألف نازح يشكّلون ١٢٥٠٠عائلة في مخيّمات منطقة الشهباء (برخدان، وسردم، وعفرين، والشهباء) شمال حلب.
وبينما لم تعلن قيادة الشرطة أو المجالس المحلية عن وجود أيّ إحصاءٍ لعدد الأكراد المتبقّين في عفرين، يؤكّد ناشطون أكراد أن العدد المتوقّع في أواخر نيسان ٢٠١٩ هو حوالى ١٥٠ ألف كردي، بعد أن كان الإحصاء غير الرسمي في العام ٢٠١٨ حوالى ٥٠٠ ألف.
بعد انهيار مناطق خفض التصعيد في الغوطة الشرقية في نيسان ٢٠١٨، وريف حمص الشمالي في أيار ٢٠١٨، وتهجير الفصائل إلى ريف حلب الشمالي، وجدت تركيا الفرصة سانحةً لتوطين المهجّرين في منطقة عفرين بحجّة أنهم طُرِدوا من بيوتهم، فنقلت أعداداً كبيرةً منهم من منطقة الباب إلى عفرين.
وتعارضت شهادات المهجّرين، إذ قال بعضهم إنهم تلقّوا معاملةً حسنةً في عفرين من قبل القوات التركية والجيش الوطني، فيما قال بعضهم الآخر إنهم عومِلوا بشكل سيّء في منطقة الباب من أجل تشجيع الباقين على الانتقال إلى عفرين.
وقد بلغ عدد المهجّرين والنازحين إلى عفرين ٨٧٩٣٦، يشكّل مهجّرو الغوطة ٥١ بالمئة منهم، والنازحون من محافظة حلب ٢٠ بالمئة، وذلك بحسب إحصاءٍ دقيقٍ غير منشورٍ أجراه المجلس المحلي لعفرين بحلول أواخر أيار ٢٠١٩. تُضاف إلى ذلك الإحصاء ٢٦٠٠ عائلة نزحت لغاية أيار ٢٠١٩ بسبب المعارك في ريف حماة الشمالي. هذا ونقل فصيل السلطان مراد أُسَر مقاتليه في “درع الفرات” إلى ناحية شران التي يسيطر عليها، والتي نُقِلت إليها أيضاً حوالى ٦٠٠ عائلة نازحة من مخيم البل شرق أعزاز، فيما تُقدَّر الأُسَر التركمانية النازحة بنحو ٦٠٠ أسرة.
وطالت السياسات التركية مهجّري الغوطة، وحمص، ودير الزور، وغيرها. فحلّت تركيا، في ١٧ أيار ٢٠١٩، هيئات المهجّرين التي كانت تعطي أوراقاً ثبوتيةً وسندات إقامة للمهجّرين بهدف الحفاظ على قيودهم الأصلية، وأجبرت هؤلاء على استخراج هويّات من مجلس عفرين، ما اعتبروه خطوةً لتوطينهم نهائياً في المنطقة، وسلخهم عن ديارهم، وإلغاء حقّهم في العودة مستقبلاً.