يسعى النظام التركي إلى ترسيخ احتلاله لمناطق الشمال السوري، ويتضح هذا المشهد من خلال غزوه بلغته ومؤسساتها هذه المدن.
من الكتب المدرسية، مروراً بلافتات الطرقات، وصولاً إلى شركات الكهرباء والبريد والصيرفة والهاتف، والساحات تغزو تركيا بلغتها ومؤسساتها وصور رئسيها واسماء قتلا جنودها المشهد في مدينة إعزاز وعفرين والباب وجرابلس الواقعة تحت سيطرة ميليشيات مسلحة سورية مدعومة من أنقرة.
وانتشرت صور للأعلام التركية وقتلى الجنود الأتراك الذين شاركوا في معارك “درع الفرات” و”غصن الزيتون” إضافة لصور الرئيس التركي في جميع أنحاء المنطقة حتى اسماء الساحات تم تغييرها واطلق اسم “أردوغان” على احدها وسط مدينة عفرين.
ودخلت اللغة التركية لتصبح اللغة الثانية بعد العربية في مناهج الطلاب التدريسية، وأرسلت ملايين النسخ المطبوعة من أجل تزويد المدارس بها، وتتم عملية توزيع الكتب المدرسية من قبل معلمين أتراك بالتعاون مع منظمة آفاد الموجودة مقراتها في عفرين وجرابلس والباب وإعزاز ومارع وأخترين والراعي.
كما وبدأ عشرات آلاف السوريين بتعلم اللغة التركية التي تجعلهم من المرشحين لنيل وظائف مستقبلية ضمن المشاريع التي تقام في المنطقة.
التعليم استأنفت في مدارس منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، الأحد، مع انتهاء العطلة الانتصافية وكان ملاحظا الاهتمام التركي الرسمي بذلك رغم أنّه طقس روتيني للطلبة….الاحصاءات التركية اشارت إلى أنّ 350 ألف طالب وطالبة في مدن الباب واعزاز وجرابلس وعفرين (تتبع محافظة حلب) والمناطق التابعة لها، توافدو إلى المدارس.
وسائل إعلام تركية اهتمت بتغطية المناسبة، كما وأرسلت الحكومة التركية والي هاتاي/لوء اسكندرون / راهمي دوغان” إلى عفرين للاشراف على بداية الفصل الدراسي، والتقى بعدد من المدرسين السوريين على خلفية “اعتماد اللغة التركية كمادة في المناهج الدراسية المقررة في مدارس المدينة”.
وذكرت وكالة “الأناضول” التركية، الأربعاء، بحسب ما ترجم عكس السير، أنّ “زيارة الوالي التركي جاءت إثر إعادة افتتاح المدارس في منطقة عفرين مجدداً، واعتماد مادة اللغة التركية في المناهج الدراسية، حيث التقى بعدد من مدرسي المادة السوريين”. وأضافت الوكالة أنّ دوغان تحدث مع المدرسين داخل ثانوية “باشا كاراجا”، وهي إحدى مدارس “إمام خطيب” التركية، قبل أن يغادر مدينة عفرين متمنياً النجاح للمدرسين.
عين تركية على المنهاج
يشير تقرير المناهج المعتمدة في مديريات وزارة التربية في “الحكومة المؤقتة” أنّ التعديلات التي أجريت على المناهج تراوحت بين الحذف والإضافة والتنقيح والاستبدال مع الحفاظ على المحتوى العلمي بشكل كامل (الفيزياء، الرياضيات، العلوم الطبيعية، الكيمياء، اللغتان الإنكليزية والفرنسية).
وطالت هذه التعديلات مواد التاريخ والجغرافيا والقومية، إذ ألغيت المادة الأخيرة بشكل كامل، وتمّ تنقيح منهاج التاريخ، من حيق التركيز حول فترة وجود العثمانيين في الوطن العربي، إذ تم، على سبيل المثال، إزالة أي كلمات تشير إلى “احتلال عثماني” واستبدالها بـ “حكم” عثماني.
إضافة إلى ذلك، لا تحتوي خرائط سوريا الموجودة في كتب المعارضة على لواء اسكندرون، الذي ضمته تركيا في ثلاثينيات القرن الماضي.
ويرتبط هذا التوجّه بكون تركيا هي المقرّ الأساسي لـ “الحكومة المؤقتة” ومكان طباعة المناهج المدرسية المرتبطة بها، كما يتم تدريس مناهج “الحكومة المؤقتة” في بعض المدارس السورية ضمن تركيا، فيما تبسط الأخيرة سلطة عسكرية في بعض مناطق الشمال السوري.
الهوية السورية
قبل انطلاق الثورة كان التعليم في المرحلة الابتدائية يتضمن تعليم اللغتين العربية والإنكليزية وباقي المواد، مثل العلوم والرياضيات، وكان مستوى التعليم متوسطًا، وكان التعليم متوفراً من حيث المناهج والكادر التدريسي”. لكن هذا الوضع لم يستمر بعد احتدام الصراع، إذ تضرر قطاع التعليم بشكل مباشر في أغلب المناطق السورية، في ظلّ تدهور الوضع الأمني وتسرّب المعلمين وانقطاع الطلّاب عن المدارس.
وتشير احصائيات نشرتها منظمة “يونيسيف”، التابعة للأمم المتحدة، أنّ العامين الأولين من الثورة شهدا مقتل 222 معلماً ومعلمةً في مختلف أنحاء سوريا، إضافة إلى تدمير نحو ثلاثة آلاف مدرسة، لكن هذا العدد تضاعف مرات عدّة منذ ذلك الوقت.
وقال (صالح عقيل) مدير التربية والتعليم في مدينة “بزاعة”، إنّ”الكوادر التعليمية تنقسم إلى مدرسين ومجازين وطلاب معاهد، وتقوم مديرية التربية بإجراء دورات متتالية لهم بهدف رفع السوية التعليمية من الناحيتين التعليمية والتربوية وصقل مهاراتهم بشكل عام تحت إشراف أساتذة مختصين”.
وأضاف (عقيل) “تعتمد المدارس في التعليم على مناهج سورية معدلة من قبل الحكومة السورية المؤقتة، باشراف تركيا”.
كتاب واحد وسلطتان
علي رضا ألتون إل، مدير برنامج “التعلم مدى الحياة” في وزارة التعليم التركية، في لقاء مع صحيفة “الشرق الأوسط” في أيلول الماضي، قال إنّ“الوزارة تعمل على نقل تجربة التعليم في تركيا، وبخاصة نظام التعليم الإلكتروني إلى مناطق درع الفرات خلال فترة قصيرة”. ولم يمر وقت طويل حتى أصدرت المكاتب التعليمية في مجلس محافظة حلب الحرة العام الماضي قراراً يقضي بإدراج اللغة التركية ضمن المناهج الدراسية ابتداءً من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الثانوية.
إضافة إلى ذلك، تسمّى العديد من المدارس بأسماء تركية، نسبة إلى قتلى في بعض المعارك خلال عملية درع الفرات، وغصن الزيتون فضلًا عن الجمع بين علَمي الثورة وتركيا على أغلفة “الجلاءات” المدرسية.
واعترفت الحكومة السورية المؤقتة من خلال تصريح لوزير التربية والتعليم فيها بأنّ المناهج يجري تعديلها لتتوافق مع سياسة الحكومة التركية. وأنّ التعديلات على المناهج لم تطل المادة العلمية، بل ما يتعلّق منها بالناحية العقائدية.
نائب رئيس “المجلس المحلي” في منطقة “شيا”، أحمد خليل، قال: إنّ “مدارس المنطقة ستطبق المناهج التعليمية التابعة لـ(وزارة التربية) في (الحكومة السورية المؤقتة)، كما سيتم تخصيص دروس باللغة التركية في هذه المدارس”. خليل تحدث عن إمكانية السماح بتدريس مادة واحدة فقط باللغة الكردية في بعض المدارس مع استحالة ذلك في ظل سياسة التتريك والتعريب التي تمارسها تركيا وفصائلها السورية في المنطقة .
من جهته قال نائب رئيس “المجلس المحلي” في ناحية “بلبلة”، محمد سيدو، إنّ “الاستعدادات جارية بهدف تأهيل الكوادر التدريسية، وسيتم الإعلان عن أسماء المدرسين الذين يقع عليهم الاختيار قريباً”. وأشار سيدو إلى أنّه “سيتم افتتاح مدرستين ثانويتين في ناحية (بلبلة)، واحدة في البلدة ذاتها، والأخرى في قرية (كوتانا) التابعة لها، إلى جانب 5 مدارس إعدادية، و30 مدرسة ابتدائية في هذه المنطقة”.
مشيراً إلى “افتتاح 10 مدراس للتعليم العاجل (مدارس مخصصة لتعويض الطلاب الذين فاتهم العام الدراسي)، في الناحية ذاتها، بالتعاون مع (منظمة جودي) ومكتب التعليم التابع لـ(المجلس المحلي) في بلبلة”.
أطفال عفرين النازحين يواصلون الدراسة في المخيمات:
بحسب خطة الإدارة الذاتية قبل الحرب التركية وغزو مدينة عفرين، قد تضمنت تأهيل 324 مدرسة، وبلغ عدد الطلاب 49 ألف طالب/طالبة، وعدد الكوادر التدريسيّة تجاوز 2625 معلم/معلمة. الوضع المستقر لم يدم فبتاريخ 20 كانون الثاني 2018، في منطقة عفرين ومع اعلان تركيا الحرب نتج عنها نزوح قرابة 350 ألف من السكان، وتدمرت 68 مدرسة من أصل 318 مدرسة، بالإضافة لمقتل 30 من الطلبة ومدرسين اثنين وإصابة عشرات الطلبة والمدرسين بجراح.
بتاريخ 27 كانون الثاني من العام الماضي أصدرت الإدارة الذاتية في عفرين قراراً بإغلاق كافة المدارس بسبب شدة القصف وتصاعد الهجمات التركية…
في المخيمات المنتشرة بريف حلب، يسكن غالب أهالي عفرين بانتظار تحرير مدينتهم للعودة…بحدود 13500 طالب/ة بدأوا بالالتحاق بصوف الدراسة في المراحل الدراسية الثلاث (الابتدائية والإعدادية والثانوية) ضمن 64 مدرسة توزعت في ناحية شيراوا ومناطق “الشهباء”
زهيدة معمو وهي منسقة لتنظيم شؤون المدارس قالت :” قررنا كلجنة التعليم للمجتمع الديمقراطي الاستمرار في العمل لتوفير فرص لتعليم أطفالنا…نظمنا أنفسنا وأعدنا الطلبة إلى المدارس، وكانت البداية بفتح المدارس تحت الخيم وكان الطلبة متجاوبين معنا من خلال إرادتهم وإصراراهم على مواصلة تعليمهم، وبهذه الروح المسؤولة وقوة الإرادة تمكنا من إتمام المراحل الدراسية لطلبة عفرين “.