منذ سيطرة القوات التركية والفصائل المسلحة التابعة لها على مدينة عفرين في شمال سوريا بتاريخ 18 آذار/مارس 2018، تشهد المنطقة سلسلة متواصلة من الانتهاكات الممنهجة بحق السكان الكرد الأصليين. هذه الانتهاكات لم تقتصر على أعمال السلب والنهب في الأيام الأولى للعملية العسكرية، بل اتخذت لاحقًا أشكالًا أوسع وأكثر استمرارية، شملت الاستيلاء على الممتلكات الخاصة والعامة، التهجير القسري، والاعتداء على المدنيين بهدف تغيير البنية السكانية للمنطقة وإضعاف الوجود الكردي التاريخي فيها.
تُعدّ عفرين الكردية في سوريا، واحدة من المدن المتماسكة الكتلة السكانية، حيث حافظ سكانها الأصليون على ملكيات واسعة للأراضي الزراعية، البساتين، وخاصة أشجار الزيتون ومصادر الدخل المرتبطة بها. ومع بدء العملية العسكرية التركية وما تبعها من دخول الفصائل المسلحة، اضطر عشرات الآلاف من الأهالي إلى النزوح نحو مناطق الشهباء وأطراف حلب. ولاحقا انتقلوا قسرا إلى ريف الرقة والحسكة في المقابل، قامت تركيا بتوطين أعداد كبيرة من العائلات القادمة من مناطق سورية أخرى داخل عفرين، فيما عُرف بسياسة التغيير الديموغرافي.
رغم سقوط حجة بقاء المستوطنين في عفرين مع سقوط نظام بشار الأسد ومرور أكثر من سبع سنوات على الاحتلال التركي لعفرين، ما تزال الانتهاكات مستمرة بشكل يومي تقريبًا. إذ يواصل المستوطنون، وغالبيتهم مسلحون أو مرتبطون بفصائل عسكرية، السيطرة على المنازل والمزارع والبساتين التي تعود ملكيتها للأهالي الأصليين ويرفضون العودة لقراهم وبلداتهم. ورغم محاولات قسم من النازحين العودة إلى منازلهم في عفرين بعد تطمينات ووعود من عدة أطراف وبعد أن كانوا يخشون ذلك في السنوات الأولى، إلا أنهم غالبًا ما يواجهون عراقيل متعددة مثل رفض المستوطنين إخلاء العقارات، أو فرض مبالغ مالية ضخمة مقابل السماح لهم باستخدام ممتلكاتهم الخاصة.
أنماط الانتهاكات الموثقة
1. الاستيلاء على الممتلكات
* الاستحواذ على منازل المدنيين الكرد وتحويلها إلى مساكن للمستوطنين أو مقار عسكرية.
* مصادرة الأراضي الزراعية والبساتين وحرمان أصحابها الأصليين من جني محاصيلهم أو الوصول إليها.
* السيطرة على المحال التجارية وإجبار أصحابها على تركها تحت التهديد.
2. العنف والتهديد
* استخدام القوة والعنف الجسدي لإرهاب السكان الأصليين ومنعهم من المطالبة بحقوقهم.
* توثيق حالات اعتداء بالضرب، وإطلاق نار متعمد لتخويف الأهالي.
3. الخطف والاعتقال التعسفي
* تسجيل حالات عديدة من خطف المدنيين الكرد مقابل طلب فدية مالية.
* احتجاز مواطنين دون مذكرات قضائية أو أسباب قانونية، مع إخضاع بعضهم للتعذيب والإهانة.
4. الابتزاز المالي
* مطالبة الأهالي بدفع مبالغ مالية كبيرة كشرط لاستعادة منازلهم أو أراضيهم.
* فرض ضرائب وإتاوات غير قانونية على الأنشطة الزراعية والتجارية.
5. منع عودة النازحين
* رفض السماح لعدد كبير من النازحين بالعودة إلى قراهم ومنازلهم.
* في حال تمكن البعض من العودة، يُجبرون على مشاركة ممتلكاتهم مع مستوطنين أو الخضوع لشروط قاسية.
الآثار الإنسانية والاجتماعية
أدت هذه الانتهاكات إلى تفاقم معاناة السكان الكرد في عفرين، حيث خسر العديد منهم مصادر رزقهم الأساسية، وتعرضوا للتشريد والحرمان من أبسط حقوقهم في السكن والعمل. كما خلقت حالة من الخوف الدائم بسبب ممارسات الخطف والاعتقال، ما جعل البيئة المحلية غير آمنة وغير مستقرة. وإضافة إلى ذلك، ساهمت هذه السياسات في تمزيق النسيج الاجتماعي للمنطقة، عبر إحلال سكان جدد على حساب السكان الأصليين.
تدل المعطيات المتوفرة على أن الانتهاكات في عفرين ليست حالات فردية معزولة، بل هي جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافي للمنطقة، وحرمان السكان الأصليين من حقوقهم الأساسية. وعليه، نوصى بما يلي:
* مطالبة القوات المسيطرة بضمان وقف جميع أشكال الانتهاكات فورًا ومغادرة المنطقة وتشكيل قوى أمن داخلي من أبنائها عناصر وقيادة.
* إعادة الممتلكات المغتصبة إلى أصحابها الشرعيين دون شروط وتعويضهم.
* الإفراج عن جميع المعتقلين تعسفيًا وضمان حمايتهم من التعذيب وتعويضهم.
* السماح للمهجرين بالعودة إلى منازلهم بشكل آمن وكريم.
* تدخل المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان لتوثيق هذه الانتهاكات ومساءلة المسؤولين عنها.