تشهد منطقة عفرين ومحيطها، الخاضعة لسيطرة فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، تصاعداً خطيراً في الانتهاكات بحق المدنيين الكُرد، وسط تواطؤ بعض الفصائل المسلحة والمستوطنين القادمين من مناطق أخرى في الاستيلاء على ممتلكات السكان الأصليين، وابتزازهم مادياً، واختطافهم واحتجازهم تعسفياً.
وفاة مواطنة كردية بسبب القهر وحرمانها من منزلها
في حادثة مأساوية، توفيت المواطنة الكردية خانم نجار، والدة لطفلين من ذوي الإعاقة وزوجة المواطن مصطفى خالد من أهالي قرية قُربة – ناحية جنديرس، يوم الثلاثاء 20 أيار/مايو 2025 إثر جلطة قلبية، بعد محاولات متكررة لاستعادة منزلها الذي استولى عليه مستوطن يُدعى أحمد موسى (الملقب “أبو محمد”)، وهو من ريف حلب.
ورغم عودتها إلى قريتها منذ نحو ستة أشهر، لم تفلح خانم في استرجاع منزلها، في ظل حماية يوفرها فصيل أحرار الشرقية للمستوطن، حيث تسيطر الميليشيا على القرية بإشراف مباشر من الاستخبارات التركية.
تجدر الإشارة إلى أن قرى عفرين، ومنها قُربة، تشهد عمليات استيطان منظّمة تستهدف السكان الكُرد الأصليين، من خلال التضييق عليهم، ومصادرة منازلهم، وسرقة محاصيلهم، ما يؤدي إلى تهجيرهم مجدداً في ظل صمت دولي مريب.
اعتداء جسدي وفرض إتاوات على مواطن كردي
في حادثة أخرى تعكس حجم الانتهاكات التي تُمارس ضد العائدين إلى مناطقهم، تعرض المواطن الكردي إدريس عثمان عمر سيمو، وهو نجل المختار السابق لقرية عُمر سيمو – ناحية شران، لاعتداء جسدي وإهانة يوم الجمعة 16 أيار/مايو، من قبل قيادييْن في فصيل جيش النخبة التابع لـ”الجيش الوطني”، وهما مصطفى عوض رحال ويوسف محمد صطوف.
الاعتداء جاء بعد أن باع إدريس محصوله من ورق العنب (اليبرق)، حيث طالبه العنصران بدفع “إتاوة” مالية مقابل السماح له بالعمل، وحين رفض، تعرّض للضرب والتهديد بغرض ترهيبه. في اليوم التالي، تقدم إدريس بشكوى رسمية برفقة وجهاء القرية والمختار إلى مركز الأمن العام في بلدة شران.
وعلى إثر الشكوى، توجهت دورية من الأمن العام من مدينة حلب إلى القرية، وطالبت الفصيل بوضع حد لتصرفاته، كما نُقل أن وزارة الدفاع السورية أصدرت تعليمات تلزم الفصائل بالانضمام إلى ما يُعرف بـ”الجيش السوري الجديد” خلال مهلة عشرة أيام من تاريخ القرار.
وتفيد المعلومات بأن ذات الفصيل سبق أن فرض على المواطن إدريس إتاوة قدرها 50 تنكة زيت زيتون كمقابل للحماية خلال موسم الزيتون المقبل، في سابقة تُجسّد واقع الجباية القسرية التي تُفرض على المدنيين الكُرد تحت غطاء أمني وعسكري.
احتجاز تعسفي لثلاثة شبان كرد في منطقة الشهباء
في سياق الانتهاكات المستمرة، لا يزال مصير ثلاثة شبان كرد مجهولاً بعد اعتقالهم من قبل ما تُعرف بـ”القوة المشتركة” (فصيلا الحمزات والعمشات) ضمن غرفة عمليات “فجر الحرية”، وذلك منذ سيطرتها على أجزاء من منطقة الشهباء في 2 كانون الأول/ديسمبر 2024.
ووفق مصادر محلية، جرى اعتقال الشقيقين رشيد كيلو (35 عاماً) وجانيار كيلو (25 عاماً)، من أهالي قرية أرندة – ناحية شيه والمقيمين في قرية سوركه – ناحية راجو، أثناء وجودهم في مدينة تل رفعت. كما تم اعتقال الشاب محمد عثمان (35 عاماً)، من القرية نفسها، أثناء وجوده في مدينة عفرين، وجميعهم بتهمة “التعامل مع الإدارة الذاتية السابقة”.
المعتقلون محتجزون منذ ذلك الحين في مراكز احتجاز غير قانونية، أبرزها مبنى دائرة النفوس في تل رفعت، دون توجيه تهم واضحة أو عرضهم على أي جهة قضائية.
تعكس هذه الوقائع الموثّقة واقعاً مأساوياً يعيشه المدنيون الكرد في عفرين ومحيطها، حيث تُمارس بحقهم سياسات التهجير الممنهج، والاستيطان القسري، والانتهاكات اليومية، من دون أن تتوفر أي حماية قانونية أو رقابة دولية فعلية.
وفي ظل غياب آليات المحاسبة، ورفض الجهات المسيطرة التجاوب مع شكاوى المدنيين، تتصاعد المخاوف من تفريغ المنطقة من سكانها الأصليين، وتحويلها إلى ساحة للابتزاز والتمييز العرقي والطائفي، الأمر الذي يُنذر بمزيد من التدهور في الواقع الإنساني والحقوقي شمال غرب سوريا.