تنتشر الأسلحة الناريّة الخفيفة والمتوسّطة كالرشّاشات والبنادق الآليّة بكثرة بين الناس في منطقة درع الفرات التي تسيطر عليها تركية /احتلال / في ريف حلب. ولا يقتصر أمر حيازة الأسلحة على عناصر الفصائل السورية التابعة لتركيا والتي كانت تقاتل سابقا تحت راية الجيش السوريّ الحرّ ولا بيد قوّات الشرطة والأمن العامّ، بل هي منتشرة أيضاً بين المدنيّين في مدن المنطقة وبلداتها والمخيّمات التي يقطنها آلاف المدنيّين، كذلك تكثر الدكاكين التي تبيع الأسلحة إلى الناس في المنطقة، وكان لظاهرة فوضى السلاح أثر سلبيّ على المجتمع المحلّيّ في المنطقة، وتسبّبت في مقتل عدد من المدنيّين وجرح عدد آخر في المخيّمات والبلدات المأهولة بالسكّان، أثناء الشجارات التي عادة ما تحصل بين المدنيّين، أو في ما بين الفصائل المسلحة.
وقد خرجت عدة تظاهرات في مدينة جرابلس واعزاز تطالب فيه قادة الفصائل بالخروج من المدن، ونقل معسكراتهم ومقراتهم وأسلحتهم من الاحياء السكنية بدون استجابة.
وشهد مخيّم سجو الواقع قرب مدينة أعزاز في ريف حلب الشماليّ في 13 تشرين الأوّل/أكتوبر، اشتباكات أسفرت عن مقتل طفل وجرح نحو 12 مدنيّاً، بينهم أطفال ونساء، وقد جرت الاشتباكات بين مدنيّين مسلّحين من عائلتين تقطنان المخيّم، العائلة الأولى تدعى العساسنة، والعائلة الثانية تدعى الشعيطات. كما وقضى مدنيان وأصيب أكثر من 25 آخرين في الاشتباكات العنيفة التي اندلعت في 30 أيار بين الفصائل في مدينة جرابلس.
وفي محاولة للحدّ من هذه الظاهرة التي باتت مقلقة للغاية بالنسبة إلى آلاف المدنيّين في ريف حلب، قام المجلس المحلّيّ لبلديّة السلامة، أو ما يسمّى بتجمّع قرى ريف أعزاز في ريف حلب الشماليّ الذي تتبع له 14 قرية صغيرة، بإصدار قرار في 16 تشرين الأوّل/أكتوبر 2018، يأمر فيه بتفتيش المخيّمات بحثاً عن الأسلحة ومصادرتها، واعتقال كلّ شخص مسلّح في المخيّمات، ومنع دخول أيّ قطعة سلاح إلى المخيّمات، حيث سيتمّ توقيف أيّ شخص يحوز على سلاح ضمن المخيّمات، وقد حدّد المجلس في قراره مدّة زمنيّة لكي يبدأ العمل لتنفيذ القرار، وهي 24 ساعة من تاريخ صدور القرار.
في ظلّ الانتشار الواسع للأسلحة في منطقة درع الفرات في ريف حلب في يد المدنيّين والمسلّحين، يبدو أنّ أمر ضبط هذه الفوضى صعب للغاية، ويحتاج إلى قوانين رادعة وزمن طويل حتّى يتمّ تحقيق هذه الغاية. ليس هناك أرقام وإحصاءات. محمود عبّاس، وهو مقيم في مخيّم سجو، حيث قال: “يبدو أنّه من الصعب سحب السلاح بهذه السهولة من أيدي المدنيّين في ريف حلب ومن المخيّمات، كمخيّم سجو على سبيل المثال الذي خصّه القرار، هناك أعداد كبيرة من البنادق والأسلحة الفرديّة لدى العائلات هنا في المخيّم، الأمر يحتاج إلى وقت طويل وإلى تطبيق دقيق للقرار، ومعاقبة الأشخاص الذين لا يطبّقونه”.
لكن المشكلة ليست فقط في السلاح المتواجد مع الأهالي وإنّما في فوضى السلاح عند الفصائل المسلحة وحوادث الاقتتال المنتشرة، كما وأنّ عناصر الفصائل يتحركون في المدينة بكامل عتادهم العسكري.
وأضاف عبّاس: “في الحقيقة، أنا أشعر بالقلق بشكل دائم هنا في مخيّم سجو، أنا وعائلتي معرّضان في أيّ لحظة لأن نكون هدفاً لرصاصة طائشة تخترق خيمتنا، العائلات هنا تستخدم الأسلحة في أيّ شجار قد يندلع في ما بينها، حتّى لو كان أمراً ليس ذا أهمّيّة، كذلك تستخدم الأسلحة في شكل كبير في المناسبات، ففي الأعراس يطلق الشبّان الطائشون آلاف الرصاصات في الهواء تعبيراً عن الفرح، إنّه أمر مخيف للغاية، ويسبّب الخوف والهلع لدى الأطفال، نتمنّى أن تنتهي هذه الظاهرة السيّئة، وتتحمّل فصائل الجيش السوريّ الحرّ والشرطة مسؤوليّاتها في ضبط فوضى السلاح”.
وفي قرار آخر مشابه للقرار السابق، قام المجلس المحلّيّ لمدينة أعزاز في ريف حلب الشماليّ، في 11 تشرين الأوّل/أكتوبر بإصدار تعليمات إلى مديريّة الشرطة وقوى الأمن العامّ، تتعلّق بقرارات أمنيّة عدّة حول تجارة السلاح وحيازته بين سكّان المدينة. التعليمات التي أصدرها المجلس نصّت على استحداث مكتب الأسلحة والذخائر التي يتبع إلى قسم الأمن الجنائيّ، ومهمّته منح رخص السلاح للأشخاص الراغبين في اقتناء أسلحة فرديّة، وكذلك يقع على عاتق الشرطة إقفال كلّ محلّات بيع السلاح في المدينة، ومطالبة من يرغب في مزاولة المهنة الحصول على ترخيص من مكتب الأسلحة والذخائر في قسم الأمن الجنائيّ التابع إلى الشرطة، كما يكلّف المكتب بمراقبة محلّات بيع السلاح وتنظيمها. وأصدر المجلس تعليمات أخرى طالب فيها المواطنين الراغبين في إقامة حفل زفاف، بوجوب الحصول على ترخيص، بعد التعهّد بعدم إطلاق عيارات ناريّة أثناء الحفل.
قد لا تتمكّن قوّات الشرطة والأمن العامّ من ضبط انتشار الأسلحة في تلك المنطقة حيث تحتلها تركيا، ويبدو أنّ تركيا أيضا غير مهتمة بهذا الشأن ووقف الاقتتال والفلتان الأمني والفوضى الذي يشكل مصدر قلق ورعب لدى المواطنيين.