الانتهاكات والتمييز يلاحق الكرد داخل الأراضي المحتلة.. هذا ما يواجهونه في عفرين مقارنة بعوائل المسلحين الذين نقلهم تركيا للإقامة فيها

تظاهرات كردية ضد الاحتلال التركي والميليشيات السورية

تكشف الأرقام والبيانات الصادرة عن لجان المتابعة وفرق التوثيق وبيانات منظمات الأمم المتحدة تراجعاً حاداً في نسبة السكان الأصليين في منطقة عفرين مقارنة بالأعوام الفائتة لا سيما وأنّ ثلثي الأهالي من السكان الأصليين نزحوا عنها بفعل الهجوم والعمليات العسكرية التركية واحتلال المدينة وما رافق ذلك من جرائم وانتهاكات طالت السكان.

ورغم أنّ الائتلاف السوري وحكومته المؤقتة شكلوا لجان وأصدروا بيانا يدعون فيها النازحون الذين تتجاوز أعدادهم 250 ألفا أغلبهم يقطن في 5 مخيمات في ريف حلب في أوضاع مأساوية فإنّ العدد القليل من الذين استجابوا وعادوا لمنازلهم كانوا ضحايا الخطف والقتل والاعتقال ولم يتمكنوا من استعادة ممتلكاتهم ومنازلهم وأراضيهم ومحلاتهم التي استولى عليها المسلحين الموالين لتركيا “الجيش الوطني”.

كما أنّ الأهالي الذين فضلوا البقاء لم يسلموا من تلك الانتهاكات بأي حال، حالات كثيرة من الابتزاز والخطف والضرب والاعتقال والاغتصاب ومصادرة الممتلكات وفرض إتاوات وغير ذلك تثقل كاهل المواطن العفريني. ولجأت بعض العوائل من تطويع أبنائها ضمن الأجهزة الأمنية لحماية نفسها لكن حتى ذلك لم يفلح في حمايتهم.

وتشير تقديرات فريقنا أنّ عدد سكان عفرين قبل الاحتلال التركي آذار 2018 وصل لحدود نصف مليون نسمة (الأرقام الرسمية الصادرة عن الحكومة السورية ذكرت رقم 350 ألفا لكن ولأسباب سياسية ظلت الحكومات السورية تذكر الأرقام الأقل من الحقيقية حين إحصاء عدد سكان المناطق الكردية). كما ونتيجة لتوفر ظروف حياة أفضل وفرص عمل واستقرار نسبي نزح غالب سكان حلب وريفها للإقامة في عفرين مع تصاعد القتال في حلب بين الجماعات المسلحة المتعددة وحكومة الرئيس السوري بشار الأسد تدفق النازحين نحو عفرين منذ عام 2012 . اضطر هؤلاء لاحقا ومع الحصار الذي فرضته الميليشيات المسلحة باسم الجيش الحر ولاحقا الهجوم التركي الجوي والبري للنزوح مجددا مع أهالي عفرين وقسم قليل منهم ظل في الأماكن التي يقيمون فيها.

حاليا مع مرور 5 سنوات على الاحتلال التركي لمنطقة عفرين فإنّ تعداد قاطنيها يتجاوز 700 ألف منهم بحدود 600 ألفا من المواطنين السوريين الذين نظمت تركيا نقلهم من مختلف المناطق السورية للإقامة في عفرين عبر صفقات وتسويات عقدتها مع روسيا وإيران بموافقة الحكومة السورية، قسم كبير من هؤلاء هم من المسلحين الذين سلموا أسلحتهم للجيش السوري بموجب تلك الصفقات وانتقلوا مع عوائلهم عن طريق رحلات برية أشرفت إيران وروسيا على تسييرها باتجاه عفرين من الغوطة الشرقية والقابون وريف دمشق ودرعا وحمص وحماة وإدلب، غالب هؤلاء احتلوا منازل الكرد المهجرين في عفرين واستولوا على ممتلكاتهم، ويمارسون أنماط متعددة من الانتهاكات بحق سكان عفرين الأصليين.

يقيم عشرات الآلاف من هؤلاء، من ضمنهم العناصر المسلّحة وأسرهم، في منازل “الكرد” المهجّرين قسراً بعد أن استولوا عليها بما فيها من أمتعة، مثلما استولوا على حقوقهم وممتلكاتهم غير المنقولة، كما وتواصل تركيا وقطر بناء المزيد من المستوطنات على أراضي مستولى عليها (20 مستوطنة) في مدن وبلدات وقرى كردية لتوطين من لم تسعهم البيوت الجاهزة ضمن سياسة ممنهجة للتغيير الديمغرافي والتلاعب بالهندسة الاجتماعية للمنطقة عبر جلب المهجرين من مختلف المدن السورية وترحيل السوريين من المدن التركية قسرا وتوطينهم في منطقة عفرين بعد تهجير أصحابها وهو ما اعترفت به وسائل إعلامية تركية حكومية.

التمييز ضد السكان الأصليين:
تسجل يوميا حوادث متعددة عن حالات التعدي والتجاوزات والتمييز بحق سكان عفرين الأصليين الذين هم بلا حماية مقابل مستوطنين غالبية أفرادها انضموا لميليشيات مسلحة تحكم المدينة.

رغم أنّ حمل وتجارة الأسلحة رائجة في المنطقة وتوجد محلات علنية لبيعه لكن لا يسمح لسكان عفرين الأصليين بشرائه أو حمله، حتى الأسلحة الفردية التي تستخدم للحماية الشخصية يمنع اقتنائها.

أكثر من 80 % من الأسر العفرينية تعيش في حالة فقرٍ على الأرجح، وذلك مقارنةً مع أسر المستوطنين الذين ينالون حصة الأسد من المعونات والمساعدات ودعم المجالس المحلية والمنظمات. يتم حرمان سكان عفرين باعتبارهم ليسوا نازحين، فيما توزع المعونات بشكل كبير على المستوطنين.

أضف أنّ فرص التوظيف والعمل ضمن المنظمات والمؤسسات الخدمية والأجهزة الأمنية تكاد تكون معدومة بالنسبة لأهالي عفرين، وخاصة الأجهزة الأمنية حيث يتم حظر قبول أيّة طلبات توظيف من السكان الأصليين، في وقت يشغل فيه غالب المستوطنين مثل هذه الوظائف وذات الأمر بالنسبة للتوظيف ضمن صفوف الجيش الوطني، حيث أنّ كل قادة وعناصر هذا الجيش ومختلف الفصائل والميليشيات والأجهزة الأمنية في عفرين هو من خارجها وليس فيهم ولا شخص واحد من عفرين.

هذا يخلق تحديات خطيرة في سوق العمل، إذ تصل نسبة من لديهم وظائف من العفرينيين إلى 5% فقط مقارنةً بنسبة 90% بين نظرائهم المستوطنين. هذا يدفع للتأكيد أنّ العفرينين هم “شريحة المجتمع الأكثر عرضةً للفقر”، وذلك بسبب “وضعهم كأقلية” في مدينة كانوا فيها الأكثرية المطلقة، فهم معرضون للإقصاء بشكل كبير جداً.

“يُشكل العفرينيون اليوم أقليةً تحدّدت وضعيتها بناءاً على ظروف الحرب، والدمار، والتهجير ، والاعتقالات والخطف. وينظر مجتمع المستوطنين المدعومين من الميليشيات المسلحة عامةً إلى العفرينيين باعتبارهم جزءاً من “كردستان” الخطيرة؛ لهذا ستظل فكرة كونهم أعداء تخيُّم فوق رؤوسهم”.

كما أنّ العفرينين الذين مازالوا يسكنون مدينتهم، غالبهم من الكبار في السن، حيث يضطر غالب الشباب للهجرة لكونهم عرضة للخطف والاعتقال في أي لحظة، فقط لأنهم عفرينيون كرد.

ويشتكي العفرينيون عموماً من القوانين التمييزية والممارسات التي ترتكبها الميليشيات المسلحة الموالية لتركيا وأجهزتها الأمنية في حقهم، ويشتكون منذ وقت طويل، من أنّهم يواجهون صعوبةً في الوصول إلى الإسكان والخدمات العامة والصحة والتعليم وسوق العمل.

السيطرة التركية على منطقة عفرين تزيد من حدة التوتر العرقي في سوريا:
بعد الهجوم الذي شنه الجيش التركي والميليشيات السورية في يناير 2018 على مدينة عفرين السورية، ازدادت التوترات العرقية في المنطقة سوءاً.

وشكل خضوع أجزاء من شمال سوريا للسيطرة التركية بحكم الأمر الواقع في أعقاب حملتين عسكريتين: واحدة، أطلق عليها اسم درع الفرات، واستهدفت مناطق عزاز والباب وجرابلس؛ الهجوم الثاني، المسمى “غصن الزيتون”، استهدف منطقة عفرين، التي كانت مستقرة؛ آمنة.

تسببت الحملات التركية في نزوح السكان المحليين في الوقت الذي تم توطين عشرات الآلاف من الأشخاص الذين جرى نقلهم من ريف دمشق ومناطق أخرى في سوريا إلى هذه المناطق وجرى توطينهم في منازل سكان عفرين المهجرين قسرا كما وقام هؤلاء بالاستيلاء على أراضي المهجرين وممتلكاتهم.

التوترات العرقية في عفرين:
نظرا للظروف المعيشية والعلاقات بين الأشخاص النازحين داخليا والمجتمعات المضيفة في المدن الثلاث: عزاز والباب وعفرين.

يمكن ملاحظة أنّه يمكن التمييز بوضوح بين الوضع في عزاز والباب من جهة، وبين عفرين من جهة أخرى.

“كانت عفرين معروفة بمستوى عال من الاستقرار وقلة التوترات العرقية. وقد تفاقم هذا إلى حد كبير نتيجة للتدخل التركي”.

الأشخاص النازحين الذين تم توطينهم في عفرين يتلقون معاملة تفضيلية على السكان المحليين المتبقين، وإنّ هؤلاء يتمتعون بالمزيد من الأمن الشخصي، وعدم الاعتقال والخطف وأنّه يمكنهم ممارسة سُبل عيشهم والتمتع بحرية الحركة وممارسة تقاليدهم الخاصة.

كما يتعرض سكان عفرين الأصليين للممارسات التمييزية وانتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة على أيدي الميليشيات المسلحة. يشعر السكان الأصليون في منطقة عفرين بالعزلة، وهم يعادون صراحة النازحين. كما لا يشعر الأشخاص النازحون إلى عفرين بأنّهم في وطنهم، وبالتالي ظهر تمزق النسيج الاجتماعي في المنطقة.

قضايا الإسكان والأراضي والممتلكات ذات أهمية خاصة. يعيش العديد من السكان الأصليين في عفرين تحت تهديد مستمر من عمليات الإخلاء والمصادرة واعتقال والنهب من قبل الميليشيات المحلية. علاوة على ذلك ، فإنّ الأشخاص النازحين إلى عفرين يقيمون الآن في منازل المهجرين قسراً من عفرين.

يجب اتخاذ اجراءات عاجلة لتحقيق الاستقرار وتحسين الوضع في عفرين. يمكن للاتحاد الأوروبي اتخاذ العديد من الاجراءات من تلقاء نفسه، بالإضافة إلى مطالبة الحكومة التركية بالقيام بنفس الشيء بوصفها دولة تحتل المدينة وتفرض وصايتها على كل مفاصل الحياة فيها.

نوصي بالسماح لوكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية بإرسال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى شمال غرب سوريا؛ وإنشاء آلية يمكن للسكان المحليين من خلالها تقديم شكاوى بشأن انتهاكات الميليشيات المسلحة “الغريبة عن المدينة”؛ اضافة لإنشاء آلية لمعالجة قضايا الإسكان والأراضي والممتلكات المستولى عليها من قبل المجموعات المسلحة المدعومة من انقرة؛ وتنفيذ استثمارات إضافية من قبل الدول الأوروبية المانحة لتنفيذ مشاريع بناء السلام المحلية.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك