بتاريخ 11 يونيو 2013 شنت ميليشيا “لواء جند الرحمن” بقيادة عامر النكلاوي، لجانب جماعات مسلحة تقاتل تحت أسم «الجيش الحر» و «جبهة النصرة» هجوما مسلحا عنيفا استهدف بلدة حطلة بمحافظة دير الزور شرق سوريا بعد 3 أيام من حصارها.
وبلدة حطلة في ريف ديرالزور كان يقطنها 20 ألف نسمة، وهي عبارة عن تجمعين رئيسين: تجمّع الشيخ علي، وتجمّع الرجا، لم يكن يوجد فيها أو بالقرب منها أيّة نقطة عسكرية أو أمنية، ولا حتى تنظيمٌ لما يُسمى باللجان الشعبية.
عاش الناس في حطلة تجانساً مذهبيّاً ملفتاً؛ فأهلها أصلاً من قبيلةٍ ونسبٍ واحد؛ والعذوبة الصوفيّة التي تشتهر بها تلك المنطقة لم تكن لتتصادم يوماً مع الولاء الشيعيّ لعائلات تعيش معاً منذ عشرات السنوات.
وارتكبت تلك الجماعات مجزرة راح ضحيتها 60 شخصا غالبهم نساء وأطفال ومسنون، والبلدة استهدفت لإشعال الفتنة لكون بعض قاطنيها من المسلمين “الشيعة”، واضطر الناجون من الأهالي للنزوح جراء هذه المجزرة.
وعمد المسلحون الى حرق المنازل ودور العبادة، وتم استهداف عدد من وجهاء القرية وعوائلهم ومن بين القتلى السيد إبراهيم السيد وزوجته وابنتاه (4 سنوات وسنتان)، والسيد سجاد حسين الرجا وزوجته، وأبناء السيد حسين الرجا وهم من طلبة العلوم الدينية وممن ساهموا أكثر من مرة بعقد مجالس المصالحة.
وننقل شهادات عن سكان تواجدوا في القرية في تلك الفترة، منهم أحمد جمعة، الذي قال «فجر الثلاثاء، بدأ الهجوم المكثف بعد ثلاثة أيام من الحصار والقصف الهدوم استهدف حواجز اللجان الشعبية، لم يستطع أفراد اللجان الشعبية الصمود طويلاً لعدم قدوم المؤازرة من الجيش وانتهاء الذخيرة، ما أدى الى مقتل عدد كبير منهم وأسر الباقي وقتلهم لاحقا».
وتابع جمعة «تم اقتحام البيوت وقتل ما تبقى من الأهالي الذين لم يتمكنوا من الهروب خاصة المسنين، بينهم عدد من الأطفال والنساء، ولم يتركوا شيئاً إلا قاموا بحرقه أو قتله، حيث لم يسلم منهم حتى المواشي وتم حرق عشرات المنازل بالكامل».
هذا وبثّ المسلحون أشرطة فيديو على موقع «يوتيوب» تظهر «احتفالاتهم» بمقتل «60 شيعياً على الأقل في قرية حطلة».
وفي أحد هذه الأشرطة، يظهر قرابة 12 مسلحاً في باحة منزل، حيث وضعت جثة واحدة على الأقل، وعليها غطاء أصفر اللون. ويقوم أحد المسلحين بكشف الجثة، ليظهر وجه شاب مصاب بطلق ناري في الرأس. ويقول المصور «هذه فطائس الشيعة (…)».
وفي شريط ثان، يظهر قرابة عشرة مسلحين يرفعون رشاشاتهم عالياً، ويقول المصور «ها هم المجاهدون يحتفلون بدخول بيوت الروافض. الله أكبر. تم حرق جميع بيوت المرتدين»، بينما تظهر بعض المنازل وهي تحترق.
فيديو آخر يظهر فيه رجل الدين السلفي «شافي سلطان العجمي» وهو يحمل الجنسية الكويتية، التحق بصفوف الجماعات المسلحة السورية في ديرالزور ويظهر العجمي في الفيديو ويحيطه عشرات المسلحين وتظهر في القرب من المكان جثث لاطفال ومدنيين قتلى وقال : «اليوم أخذنا قرية الحطلة ونحرنا السيد حسين الذي كان في الحطلة بالسكاكين ونحرنا ولده معه».
وثبت القضاء الكويتي لاحقا تورط شافي العجمي وأخوه حجاج العجمي في جمع تبرعات تجاوزت مليون ونصف مليون دولار وارسالها للجماعات الارهابية في سوريا بما فيهم جبهة النصرة، اضافة لقيامه بالعمل على تجنيد الكويتيين وارسالهم الى سوريا وتجنيدهم. كما وتم ادراج اسميهما ضمن قوائم العقوبات الأمريكية كداعمين لمنظمات الإرهابية. وكلاهما مازالا يقضيان مدة الحبس (7) سنوات.
دور مجلس الداعمين في المجزرة
نشطت الحركات الكويتية الداعمة للميليشيات المسلحة في سوريا حيث كان “مجلس الداعمين” قد تشكل لتولى مهمة توفير التمويل بعشرات ملايين الدولارات، وتم تشكيل هذا المجلس في كانون الأول 2012، ومن أبرز أعضائه: “الدكتور فهد الخنة، الدكتور عثمان الخميس، الدكتور فرحان الشمري، الدكتور نايف العجمي، محمد ضاوي وعبد المانع الصوان” وقام هذا المجلس حينها بدور رئيسي في تمويل عدد من الميليشيات المسلحة، وأبرزها “حركة أحرار الشام”، وكان المجلس المذكور الجهة الداعمة لتشكيل ما سُمي بـ”غرفة عمليات دمشق” في أيلول العام 2013 ، سبقتها بقرابة الشهرين “حملة الكويت الكبرى” التي تزامنت مع مجزرة “حطلة” وذلك لتجهيز ما أطلق عليهم “12 ألف غازٍ إلى سوريا”، حيث جمع القائمون على الحملة أكثر من 8 مليون دينار كويتي (ما يعادل 30 مليون دولار)، ومن أبرز مروجي الحملة كان “النوّاب في البرلمان الكويتي وقتها: وليد الطبطبائي، جمعان الحربش، مبارك الوعلان، فلاح الصواغ، بدر الداهوم، نايف المرداس وحمد المطر”، إضافة إلى المشايخ: “شافي العجمي، عبد العزيز الفضلي وحجاج العجمي” وآخرين.
وساهم هؤلاء في دعم تشكيل “غرفة عمليات الساحل” لدعم فصائل ريف اللاذقية الشمالي، وملتقى “العجمان ويام لنصرة أهل الشام” الذي تولى الدعم المالي واللوجستي، إلى جانب وجود مقاتلين كويتيين من أبناء القبيلتين في سوريا.
رغم أن البعض من هؤلاء اعتقل لكن البقية مازالوا يواصلون دعم الميليشيات وجمع تبرعات ويدعمون بشكل مشاريع اقامة المستوطنات في منطقة عفرين ودعم الميليشيات التي تسيطر عليها والمسؤولة عن ارتكاب جرائم حرب وتهجير قسرية بحث السكان الاصليين من الكرد كما سبق أن دعموا تلك الميليشيات لتهجير السكان الشيعة من قراهم.
شهادات لناجين من المجزرة :
الطفلة “فاطمة” التي وقعت في الأسر، وافرج عنها لاحقا بعد وساطة عشائرية تعيش الآن في منطقة السيدة زينب في ريف دمشق، فقدت والدها ووالدتها في المجزرة، يستذكر جد فاطمة الستيني محسن الرجا، أثناء حديثه تلك الجريمة التي شهدتها قرية حطلة وقال: “واجه الأهالي بما توفر من سلاح لايكاد يُذكر تشكيلات جبهة النصرة المهاجمة التي كانت تمتلك مختلف أنواع العتاد العسكري وعديد من العناصر المدربة بالآلاف، وكان ابني معصوم، والد فاطمة معلم اللغة الفرنسية ممن واجهوا العدوان ومعه زوجته بتول، التي ساندته بالرغم من فارق الإمكانات” مضيفاً أن “المسلحين تمكنوا من دخول منطقة سكننا، فقُتل ابني وزوجته حينها ثم قتلوا طفلتهما لجين ذات العامين، واختطفوا فاطمة” موضحاً أنهم تمكنوا من استعادة فاطمة فيما بعد وساطات عشائرية.
أحد أبناء القرية “علي عيسى الهلال”، قال أن الهجوم استهدف منطقة يتجاوز عدد سكانها الـ40 ألف نسمة، وقال: “ما توفر لدينا من سلاح هو عدة بنادق اضطررنا كما أغلب أبناء دير الزور لامتلاكها لغرض حماية أنفسنا وأملاكنا مع تزايد حالات الخطف والسرقة، والتي جاءت كنتيجة لانحسار سلطة الدولة، ففي تلك الفترة خرجت أغلب مناطق دير الزور عن السيطرة، لتبقى فقط ثلاثة أحياء مع نهاية ذاك العام” مضيفاً أن “هجوم جبهة النصرة بدأ بعد عصر يوم 10 حزيران من ذلك العام، حينها كنّا متحصنين بمنازلنا، هم كان لديهم مختلف أنواع الأسلحة من مضادات وبنادق كلاشينكوف، إضافة إلى القناصات، حيث وضعوا قناصين لمسافة أقل من كيلو متر واحد من أعلى مبنى معهد تعليمي خاص”.
وأضاف عيسى أنه خسر والده الذي كان في العقد التاسع من العمر، والذي كان مشاركاً في المفاوضات التي أجراها وجهاء القرية مع “النصرة” لإنهاء هذا العدوان، لكن “النصرة” أقدمت على قتله.
شهادة أخرى ترويها مريم “7 جثث جرّتها السيارات على إسفلت شوارع مدينة الميادين طوال ساعات، كان أحدهم “إبراهيم السايح” الذي تشهد المنطقة بأسرها طيبته وسعيهُ الدؤوب في خدمة الناس. وخلافاً لكلّ الأعراف القبلية المقدّسة هناك؛ فقد قام المسلحون بشنق أربع نساءٍ على أعمدة الكهرباء داخل القرية!!”
تضيف في شهادتها التي روتها لها إحدى صديقاتها في الميادين “بعد استجوابٍ عنيفٍ مع شيخ القرية (ابراهيم الملا عيد) دام لدقائق فقط؛ قتلوه… أخرجوا جميع من كان في البيت إلى ساحته (الحوش)؛ وبعد وابلٍ من التكبير والتهليل، عمد المسلحون إلى ابتداع لونٍ فريدٍ من الوحشية؛ حيث روّعوا الزوجين بأن ذبحوا الأطفال الثلاثة تباعاً أمام أعين أبيهم وأمّهم!! الولد الأكبر مرتضى (20 عاماً)، أخوه مصطفى (18 عاماً)، وأختهم الصغرى (7 أعوام).
تقول “قُتل الشيخ الذاهل أمام جثث أبنائه دون أن يلتفت إلى قاتليه أصلاً.. رشقاتٌ كثيفةٌ من الرصاص أردتهُ صريعاً، الكلّ سعى لأخذ نصيبٍ من أجر هذا القتل الطائفيّ، حتى لم يعد من متسعٍ للرصاص في جسده النحيل. وأخيراً قتلت زوجة الشيخ أيضاً؛ بعد أن تركت برهة من الزمن تنزف روحها أمام هول المشهد.. وعبارات التشفي تمرّ على مسامعها دون أن تعيها ربما..ارتمت تذرف القهر على جثّث زوجها وأبنائها التي لم تبرد بعد، بضعُ طلقاتٍ كانت كفيلةً بأن تلحق بعائلتها إلى العالم الآخر”
ويروي محمد أمين في شهادته ” في اليوم التالي عمد المسلحون إلى تفجير مسجد “الرسول الأعظم”، و”حسينيّتين” لإحياء المناسبات الدينية، وإحراق منازل من سموهم ب“الكفار” دون استثناء. آخر من تمّ إعدامهم هو الحاج عيسى خلف الهلال (90 عام)، وهو من منطقة”الرجا”، تمّ رمي جثّته عن سطح منزله، وسحل إلى الحفرة الجماعية التي خصصت لحرق كل الجثث حتى نقطة الحياة الأخيرة!.
ويقول علاء من الذين تمكنوا من الهروب والنجاة ” تجاوز عددنا الألف خرجنا هائمين على وجوهنا، سرنا مسافاتٍ طويلةٍ في صحراء الدير اللاهبة، حتى وصلنا إلى قريةٍ قرية “الجفرة” حيث استقبلنا اهاليها ومنهم مختارها “الحاج خلف أبو أحمد” يضيف ”كنا خائفين من وصولهم الينا ….لا نستطيع اجتياز الطريق البرّي لأيّ جهة؛ فنحن محاطون بالمسلحين من كل جانب.. ”.