على رغم كثرة تجارب الوقوع ضحايا لعصابات التهريب أو لعناصر «الجندرما» التركي، لايزال طيف من السوريين يسعى بجدّ للوصول إلى أوروبا عبر الأراضي التركية. لكن دون هذا العبور مصاعب ومخاطر جمّة، قد تجعل الطامحين إليه عالقين، في نهاية المطاف، في منطقة وسطى، لا سكن فيها ولا مصدر رزق، إن لم يصطدْهُم رصاص حرس الحدود التركي، الذي يُقدَّر عدد ضحاياه منذ بداية الحرب بالمئات
أصيب عدد من الشبّان المتحدّرين من مناطق شرقي الفرات في ريف دير الزور الشرقي، ليل السبت الفائت، برصاص الـ«جندرما» التركي، خلال محاولتهم العبور نحو تركيا. وقَبْلهما، قُتل، خلال الأسبوع الماضي، فتية دون الثامنة عشرة من عمرهم، بإطلاق نار مباشر عليهما، فيما شهدت مناطق أخرى تعرُّض شبان لتعذيب شديد قبل إجبارهم على العودة إلى سوريا. وكان تهريب البشر قد مَثّل، في أوقات سابقة،فتيلاً لاشتعال معارك محدودة بين الفصائل الموالية لتركيا في رأس العين وجرابلس. فتنازُع السيطرة على البوّابة الحدودية في رأس العين استدعى، مطلع العام الحالي، توتّراً أمنياً متكرّراً بين «فرقة الحمزة» وقيادة ما يسمّى «الجيش الوطني»، الذي تُعدّ «الحمزة» جزءاً منه. كما احتدّ الصراع أكثر من مرّة بين قيادة «الوطني» و«حركة أحرار الشام» بسبب الخلاف على طرق التهريب.
ويتمّ العبور من مناطق «قسد» بإحدى طريقتَين: الأولى تنتهي فيها مهمّة المهرِّب بنقل زبائنه إلى مناطق سورية تسيطر عليها القوّات التركية في أرياف الحسكة – الرقة – حلب، عبر معبرَين رئيسَين هما العون وأم جلود، الواقعَين إلى الشمال الغربي من مدينة منبج، مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 200 و300 دولار عن الشخص الواحد. وتتمّ تلك العملية بالتنسيق مع حواجز تتبع الفصائل الموالية لتركيا، ولا يمكن العبور إلّا من خلالها خشية الوقوع في حقول الألغام على كامل خطوط التماس. أمّا الطريقة الثانية، فتتمثّل في نقل المهاجرين نحو الأراضي التركية مباشرة، باستخدام أنفاق تَعبُر من تحت جدار عزل الحدود، الذي أنشأته تركيا على امتداد حدودها مع سوريا بحجّة منع تسلّل مَن تصفهم بـ«العناصر الإرهابيين».
والطريقة الأخيرة هذه، مكلفة مادّياً، إلّا أنّها أكثر أمناً، بالنظر إلى أنّها تتمّ بالتنسيق بين المهرّبين ودوريات الـ«جندرما»، الذي تُدفع لعناصره رشاوى مالية ضخمة. ولذا، قد تصل تكلفة السفر للشخص الواحد إلى نحو 3000 دولار أميركي، وفقاً لـ«أبو عدنان»، وهو أحد المهرّبين النشطين في مدينة القامشلي، إذ يقول: «تنتهي مهمّتي حين وصول الزبون إلى كراج نصيبين التركية، ويوضع المبلغ عند طرف ثالث موثوق من قِبَل الزبون ومن قِبَلنا، ويتمّ تسليم المبلغ باتصال الزبون بالطرف الثالث من داخل الكراج ليبلغه بوصوله سالماً».
ودائماً ما يتكرّر حجز بعض العابرين في المناطق التي نُقلوا إليها مع عدم القدرة على العودة إلى نقاط انطلاقهم. فعدد كبير من العوائل المتحدّرة من دير الزور أو الرقة، والتي حاولت الوصول إلى تركيا هرباً من المعارك التي شهدتها المنطقة بين عامي 2017 و2018، اضطرّت للسكن في مدن تسيطر عليها القوّات التركية في شمال حلب مثل جرابلس وعفرين، وإنفاق ما ادّخرته لتحقيق «الحلم الأوروبي» في تأمين سكن ومصدر للرزق، وذلك بسبب وقوعها ضحايا لنصب عصابات التهريب، أو خوفها من اجتياز الحدود بطريقة غير آمنة قد تجعلها رقماً مضافاً إلى ضحايا نيران الـ«جندرما».
وتُبيّن مصادر مطّلعة، أنّ عملية استهداف «عابري الحدود» من قِبَل عناصر الـ«جندرما» تتمّ من دون إنذار مسبق، تبعاً لأوامر صادرة من قياداتهم العليا، فيما تتذرّع الحكومة التركية باستخدامها القانون لحماية أراضيها، وينتفي وجود جهة يمكن الادّعاء لديها ضدّ أنقرة، أو ضدّ العناصر المنفّذين للاستهداف.
وتُعدّ مناطق الشريط الحدودي في ريف حلب الشمالي الغربي وصولاً إلى ريف إدلب، الأكثر تسجيلاً لحالات الاعتداء على المدنيين من قِبَل حرس الحدود التركي. لكن ليست ثمّة إحصائيات دقيقة حول عدد ضحايا الـ«جندرما» منذ بداية الحرب في سوريا، حيث تختلف الأرقام بين جهة وأخرى؛ إذ يقول مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا، إنّ عدد الضحايا المسجّل حتى نهاية أيلول يصل إلى 510 أشخاص، بينهم 96 طفلاً دون سنّ 18 عاماً، و67 امرأة، فيما يصل عدد الجرحى والمصابين بطلق ناري أو اعتداء جسدي إلى 945 شخصاً.
المصدر جريدة الأخبار