تظل قضية لمّ شمل الأسرة الشغل الشاغل للعديد من اللاجئين في ألمانيا، خاصة بعد صدور تقارير كثيرة، أشارت إلى أنّ تصاريح لم شمل العائلات الصادرة من السلطات المختصة بألمانيا أقل بكثير من الحد القانوني المسموح به.
كثيراً ما أدت عراقيل ومشاكل إلى افتراق أفراد الأسر اللاجئة خلال رحلة اللجوء وبحثهم عن وطن آخر يأويهم ويحميهم من شر الحرب التي فروا منها، لكن في أحيان كثيرة لم يتوقف الأمر عند حدود الافتراق، بل إلى شتات أسري يذهب ضحيته الأبناء.
قبل خمس سنوات قدم أبو شيركو من دمشق صوب ألمانيا، بحثا عن الأمان له ولأسرته. رحلة التهريب المكلفة دفعته للقدوم وحيداً، تاركاً وراءه زوجته وطفلين وطفلتين، وكان الأبناء الأربعة قاصرين حينها.
كانت رحلة اللجوء قاسية، مر خلالها أبو شيركو بكل من تركيا وإيطاليا وبلجيكا وهولاندا وصولا إلى ألمانيا. بعد سنتين ونصف من وصوله، حصل أبو شيركو على إقامة، مما مكنه من بدء إجراءات طلب لم شمل أسرته التي كانت قد نزحت إلى مخيم “باردا راشي” أولا وبعده إلى مخيم “غوربوسكي” بإقليم كردستان – العراق.
“عُرْقِلَ ملف لم الشمل لوقت طويل، وطال انتظاري إلى أن أصبحت بناتي “نودم” و”ايه” فوق السن القانون المسموح بلم شملهما مع باقي أفراد أسرتي”، يقول أبو شيركو. “بعد قدوم أمهما والطفلين الآخرين، ظلت بناتي لوحدهما في مخيم اللاجئين، حتى أقربائي لم يعد منهم أحد هناك، فكل العائلات السورية تشتت في مختلف دول العالم”.
وعن حالة الأم بعد اضطرارها لترك بناتها يقول أبو شيركو “كانت حالتها النفسية يرثى لها من كثرة خوفها على مصير الفتاتين، خاصة في ظل عيشهما بمفردهما في مخيم لاجئين”، يقول الأب، لذلك اضطرتا إلى المغادرة مرة ثانية نحو سوريا، وقررت الأسرة أن تقوم بالمجازفة وتدبر لهما رحلة لتتمكنا من اللحاق بالأسرة عن طريق التهريب.
مرت رحلة نودم وشقيقتها آيه بين سوريا وتركيا بسلام، لكن عند محاولتهما اختراق الحدود البلغارية، تم إلقاء القبض عليهما معاً وبصمتا هناك، لكن الرغبة في الوصول إلى ألمانيا للاجتماع بالوالدين، جعلتهما تحاولان الوصول إلى رومانيا. في الحدود تم إلقاء القبض عليهما للمرة الثانية، وحوكمتا بالسجن لمدة 6 أشهر، حصل ذلك قبل شهر من الآن تقريبا.
يقول الأب “أولا دمرتنا الحرب، وبعدها تلكؤ الإدارات والبيروقراطية التي حرمتني من ابنتاي وحرمتهما من أسرتهما وجعلتهما تخوضان رحلة شاقة وخطيرة لوحدهما، كان ذلك أقسى مما عشناه في سوريا”.
يقول أبو شيركو بنبرة فاقدة للأمل “تواصلت مع أكثر من محامي وأخبروني إنّه لا حل أمامي وأمام ابنتاي، ستنهيان فترة سجنهما وتخرجان لتنتظرا رداً بخصوص لجوئهما في بلغاريا”. ويرى الأب المكلوم أنّه لا حل أمام ابنتيه لتجتمعا بالأسرة سوى عن طريق التهريب.
قانون لم الشمل لا يسعف دائماً:
إلى جانب أبو شيركو، ينتظر ما يقرب 11 ألف شخص من أقارب المهاجرين في ألمانيا، مواعيد في البعثات الألمانية في الخارج للحصول على تأشيرات والانضمام إلى عائلاتهم. نشرت هذه المعلومات في رد الحكومة الألمانية على سؤال برلماني، نشرتها مجموعة فونكه الإعلامية اليوم الثلاثاء (22 يونيو/حزيران).
ويمنح قانون الإقامة الألماني الحق بلم الشمل العائلي فقط مع الزوج أو الزوجة والأطفال القصر العازبين (لم الشمل مع الأبوين) و لم الشمل العائلي للأبوين مع طفلهم القاصر والغير مرافق الحاصل على الحماية.
وبحسب موقع وزارة الخارجية الألمانية الرسمي، لا يشمل هذا الحق القانوني لم الشمل العائلي للأبناء أو البنات البالغين للسن القانوني و/أو المتزوجين أو الأشقاء مع أهلهم كما لا يشمل لم الشمل العائلي للأبوين مع الابن/الابنة البالغة للسن القانوني (18 عاماً). ويكون لم الشمل العائلي في هذه الحالات فقط ممكناً في حالات استثنائية.
لكن هذا القانون لا يأخذ بعين الاعتبار أنّ ملف الكثيرين مثل أبو شيركو، يتضمن طلبا للم شمل أطفال قاصرين، يضطرون للانتظار سنوات إلى أن يتجاوزوا السن القانوني، ويصبح مصيرهم مبهماً.
كورونا.. “ملح على جرح”:
أدت أزمة كورونا إلى حدوث تباطئ كبير في عمليات لم شمل العائلات الموجودة في الخارج مع أقاربهم المقيمين في ألمانيا. وتشير الأرقام الرسمية الألمانية إلى أنّ الجائحة ساهمت بتقليل عدد التأشيرات الممنوحة لنسب ضئيلة جدا مقارنة لنفس الفترة خلال العام السابق.
وكشفت وزارة الخارجية الألمانية التأثير الكبير لجائحة كورونا على لم شمل العائلات. وفي رد منها على سؤال حول هذا الموضوع من وكالة الأنباء الألمانية قالت وزارة الخارجية إنّ عدد التأشيرات الخاصة بهذا الغرض، التي أصدرتها البعثات الدبلوماسية لألمانيا في الخارج، تراجع كثيراً في السنتين الماضيتين.
وأضافت الوزارة أنّ “مكاتب الجوازات والتأشيرات التابعة للعديد من البعثات الدبلوماسية لم تتمكن من العمل منذ جائحة كورونا إلا بشكل مقيد أو طارئ بسبب قيود السفر وحظر الطيران وقيود الحياة العامة المرتبطة بالجائحة في أوطان العائلات”.
تقارير أثبت عقبات تسبب شتات أسر اللاجئين:
دقق تقرير لم شمل الأسرة للمستفيدين من الحماية الثانوية صادر عن منظمتي JUMEN و PRO ASYL، بعنوان “العائلات الممزقة”، في المعاناة التي تعيشها عائلات لاجئة من مختلف البلدان.
وخلص التقرير إلى استنتاج “مرير” بشأن موضوع لم شمل الأسرة بالنسبة للمستفيدين من الحماية الثانوية، وكشف عقبات غير دستورية في القانون المعتمد لهذه الفئة، أدت إلى “تشتت آلاف العائلات بشكل دائم منذ سنوات، وليس لدى الكثير منها أيّة فرصة على الإطلاق للالتقاء” حسب ملخص التقرير. ويذكر أنّ اللاجئين السوريين والإريتريين أكثر المتضررين من القيود المفروضة على لم الشمل، ممن لا يمكنهم العودة إلى بلدانهم للعيش معاً كعائلة.
ويتكرر تذمر اللاجئين الذين تتواصل معهم مهاجر نيوز في كل مناسبة من البيروقراطية الألمانية، إذ يعتبرون أنّ الوقت الذي تتطلبه المعاملات الإدارية يسلبهم الكثير، كما أنّ ما تطلبه السلطات الألمانية من وثائق يعجز اللاجئون على توفيرها أمر يسبب مشاكل كثيرة. ويرون أنّ عدم أخذ ظروف اللاجئين من بلدان الحروب بعين الاعتبار، يسبب خللا كبيراً في سيرورة تحصيل موافقة لم الشمل والكثير من المعاملات الإدارية بخصوص مواضيع أخرى مثل الاعتراف بالشهادات الدراسية على سبيل المثال لا الحصر.
“صحيح أنّ بناتي “نودم” و”ايه” في السجن حالياً لا تعانيان من أي تضييق أو تعامل سيء، لكن حالتهما النفسية تتدهور، لم نتوقع أن يتحول حلمنا باللقاء إلى كابوس فراق تسجن فيه ابنتاي وهما في هذا العمر”، يقول أبو شيركو.
وشدد الأب أنّ “كل ما أريده أن تصل ابنتاي إلى حضن أسرتهما، لا أريد مالا أو دعما من الدولة”، مؤكدا أنّه منذ وصوله إلى ألمانيا وهو يدرس ويعمل، وقادر على توفير كل ما يلزم لأسرته، و”لا أريد سوى أن تجتمع أسرتي وتنضم بنتاي إلينا”.
المصدر: مهاجر نيوز