يتداول نشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي صوراً مأساوية وحزينة لحال نهر الفرات، أكبر أنهار سوريا بعد أن تراجع منسوب تدفق المياه فيه إلى أقل من النصف.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان في الرابع من الشهر الجاري إنّ منسوب نهر الفرات انخفض بمعدل خمسة أمتار لأول مرة في التاريخ بسبب حجب الجانب التركي لمياه النهر بحيث بات لا يتجاوز 200 متر مكعب في الثانية، وهو ما يشكل انتهاكاً صارخاً للاتفاقية الموقعة بين سوريا وتركيا عام 1987؛ حيث التزمت تركيا بإطلاق 500 متر مكعب في الثانية على الأقل يتقاسمها العراق وسوريا.
وحذر المرصد السوري من كارثة وشيكة تهدد حياة وسبل معيشة أكثر من ثلاثة ملايين سوري يعتمدون على النهر في تأمين مياه الشرب والكهرباء والري.
نهر دولي:
ينبع “الفرات” من تركيا ويعبر الأراضي السورية ليجري في الأراضي العراقية حيث يلتقي في جنوبها مع نهر دجلة، ليشكلا شط العرب.
وبعد دخوله سوريا عبر مدينة جرابلس في ريف حلب يمر النهر في محافظة الرقة وبعدها بدير الزور ثم يخرج من الأراضي السورية عند مدينة البوكمال ليدخل العراق عبر مدينة القائم في الأنبار.
بعد ذلك يدخل النهر في محافظتي بابل وكربلاء ثم إلى النجف والديوانية فالمثنى ثم ذي قار ليدخل بعدها منطقة الأهوار جنوب العراق، وفي الجنوب يلتقي نهر دجلة فيشكلان شط العرب الذي تجري مياهه مسافة 120 كيلومترا جنوبا ليصب في الخليج.
وقعت سوريا اتفاقية مع العراق (دولة المصب) عام 1989 ونصت بأن تكون حصة الأخيرة الممررة لها عند الحدود السورية العراقية 58 بالمئة من مياه الفرات مقابل 42 بالمئة لسوريا من أجمالي الكمية التي تردها من تركيا.
لكن مع تراجع كمية المياه المتدفقة إلى سوريا قالت “الإدارة الذاتية” التي تحكم مناطق شمال وشرق سوريا إنّها خفضت حصة الجانب العراقي.
وتقول الإدارة إنّ تركيا بدأت بتقليل الوارد المائي من نهر الفرات إلى سوريا منذ أواسط العام الماضي بشكل تدريجي إلى أن انخفض إلى هذا المستوى.
وتراجع الوارد المائي خلال الأشهر الماضية أدى إلى تراجع مخزون المياه في بحيرتي سد تشرين و سد الفرات بسبب تشغيل عنفات (توربينات) توليد الكهرباء على السدين.
وأخرج هذا الانخفاض الشديد مؤخراً في مياه بحيرتي السدين معظم عنفات توليد الكهرباء المقامة على السدين من الخدمة، بسبب عدم توفر المياه. واضطرت الإدارة الذاتية التي يُهيمن عليها الأكراد إلى تقنين الكهرباء لساعات طويلة.
وتعتمد محافظات الحسكة والرقة ودير الزور على الطاقة الكهربائية الواردة من السدين.
ونقلت صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر يوم 5 مايو/ أيار الجاري عن مدير السدود في الإدارة الذاتية محمد طربوش قوله إنّ منسوب التخزين الاسمي لبحيرة سد الفرات الواقعة في بلدة الطبقة غرب محافظة الرقة هو 304 أمتار عن سطح البحر واليوم المنسوب هو 298.85 مترا، ومن واقع الأرقام نشاهد انخفاضاً في المنسوب يتعدى 5 أمتار شاقولية، بينما يبلغ في بحيرة سد تشرين مستوى التخزين الاسمي 325 متراً عن سطح البحر لكنه اليوم انخفض إلى 321 مترا وهذا يعني انخفاض البحيرة 4 أمتار شاقولية.
وأكد أنّ “اقتراب كلا البحيرتين من المنسوب الميت والذي يعني إيقاف التشغيل للسدود بشكل تام للحفاظ على ما تبقى من مياه للشرب أولا وللري ثانياً، تسبب بتوقف توليد الطاقة الكهربائية من السدود”.
إنّ تراجع منسوب المياه في نهر الفرات أدى إلى خروج مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية عن الخدمة مما يهدد سبل معيشة نسبة كبيرة من أبناء شمالي وشرقي سوريا الذين يعتمدون على الزراعة.
وتوقف العديد من محطات ضخ المياه الخاصة بالشرب أو الري في العديد من المناطق بسبب ابتعاد مجرى النهر عنها. وقد عمد العديد من البلدات إلى محاولة رفع منسوب المياه عبر ردم مجرى النهر بكتل اسمنتية كبيرة، كي تصل المياه إلى المضخات التي تغذي البلدات والمدن الواقعة على ضفاف النهر.
وفي محافظة حلب تعتمد مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية على مياه نهر الفرات، ومع استمرار تراجع منسوب المياه في بحيرة سد الطبقة قد تخرج محطات الضخ التي تروي عشرات آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية عن الخدمة.
وتبلغ الطاقة التخزينية لبحيرة سد الفرات المقام عند مدينة الطبقة في محافظة الرقة 14 مليار متر مكعب، لكن الكمية الفعلية الموجودة في البحيرة أقل من ذلك بكثر، حيث ذكر أحد المسؤولين المحليين إنّ كمية المياه في البحيرة أواسط عام 2020 لم تكن تتجاوز ربع طاقة البحيرة وبالتالي فإنّ المخزون الحالي قد يكون أقل من ذلك.
كما تعتمد مدينة حلب، كبرى المدن السورية قبل الحرب، على نهر الفرات في الحصول على مياه الشرب.
يُذكر إنّ تركيا أقامت 5 سدود عملاقة على نهر الفرات في إطار مشروع الغاب الذي بدأت العمل فيه في سبعينيات القرن الماضي ومازال العمل جار في سدين أخرين.
ومن بين السدود المقامة على النهر سد أتاتورك العملاق الذي انتهت من العمل به عام 1990. وتبلغ الطاقة التخزينية لبحيرة السد 48 مليار متر مكعب.
ولاتزال تركيا ماضية في بناء المزيد من السدود على نهري الفرات ودجلة اللذين يمثلان شريان الحياة لسوريا والعراق.
وأدت المشاريع التركية إلى تراجع حصة العراق من النهرين بنسبة 80 في المئة حتى قبل الأزمة الحالية بينما حصة سوريا انخفضت بنسبة 40 في المئة.
وحسب القانون الدولي فإنّ نهر الفرات هو نهر دولي لأنّه يعبر عدة دول.
وكان النهر عبر التاريخ مصدرا للنزاعات بين سوريا والعراق وتركيا.
في سنة 1987، تم إبرام اتفاق مؤقت بين تركيا وسوريا يقضي بأن تحصل سوريا على ما لا يقل عن 500 متر مكعب في الثانية.
وصمد هذا الاتفاق على أرض الواقع حتى عام 2012 عندما فقدت حكومة الأسد السيطرة على شمال شرق البلاد حيث أصبح انقطاع المياه على الضفة السورية من نهر الفرات أكثر تواترا.
وبعد استعادة “قوات سوريا الديمقراطية” السيطرة على المنطقة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية في أكتوبر/تشرين الثاني 2017، تراجع مستوى تدفق المياه من تركيا إلى سد تشرين من 690 متر مكعب في الثانية في بداية عام 2020 إلى 226 متراً مكعباً في شهر ديسمبر/ كانون الأول، حسب تقرير لمقاطعة الجزيرة التابعة للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا.
وتواجه سوريا أزمة مياه أكثر حدة من العراق وتركيا، فقد دمر الجفاف الذي بدأ في عام عام 2006 الزراعة في سوريا وأجبر أعداداً كبيرة من أبناء الريف على النزوح إلى المدن. وقد ربط بعض الباحثين ذلك بالاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي أدت لاحقا إلى الحرب الأهلية في سوريا.
وبحلول عام 2011 وصل إجمالي استهلاك المياه السنوي في سوريا كنسبة مئوية من وارداتها من المياه المتجددة الداخلية إلى 160 في المئة مقارنة بـ 80 في المئة في العراق و20 في المئة في تركيا، حسب تقديرات الخبراء.
المصدر : BBC