تحاول القوات المسلحة التركية، وبالتعاون مع المسلحين السوريين الذين تدعمهم بالمال والعتاد والسلاح ، إعادة رسم الخريطة الثقافية والدينية في منطقة ما تسمى “درع الفرات” و “عفرين” وذلك على مساحة تصل حوالي 400 كيلو متر مربع من خلال التركيز على دعم قطاع بناء المساجد تحت رعاية الجماعات الدينية التي تعمل في ظل حكومة العدالة والتنمية والتي يطلق عليها اسم “رئاسة الشؤون الدينية والمعروفة أيضا بإسم ديانت، هي الجهة الرسمية المسؤولة عن إدارة الشؤون المتعلقة بالدين الإسلامي في تركيا حيث تسعى هذه المؤسسة إلى أدلجة المناهج التعليمية بما يتناسب مع مخطط صبغت بالطابع التركي على المستويات العسكرية والأمنية والمدنيّة بوصفها قوة” الاحتلال” حيث توغلت هذه المؤسسة في المؤسسات التعليمية في مناطق جرابلس والباب واعزاز وعفرين من خلال فرض مناهج اعدتها بما يتوافق مع النظرة السياسية التركية للإسلام إلى جانب تحول الجوامع إلى مدارس تنتهج فكر العدالة والتنمية وجذب المزيد من الأطفال، هذا اضافة إلى دورها في اختيار أئمة المساجد وتدخلها في صياغة خطبة يوم الجمعة التي يلقيها إمام الجامع على المصلين.
مئات الجوامع لخدمة المنهج التركي:
نشرت رئاسة الشؤون الدينية التركية تقريراً حول أنشطتها في مناطق بشمال سوريا.
ووفقاً للتقرير فقد قامت بترميم 108 مسجد في مناطق جرابلس، والباب، وأعزاز والراعي، ومارع، واحتميلات، واخترين. وبلغت تكلفة ترميم المساجد في المناطق المذكورة أكثر من 10 ملايين ليرة تركية.
كما أشار التقرير إلى أنّ رئاسة الشؤون الدينية أنهت أعمال الكشف والاستطلاع لترميم 160 مسجداً بتكلفة تبلغ نحو 5 ملايين ليرة تركية.كما خصص مبلغ 360 ألف ليرة لبناء مقرات الإفتاء ومدارس شرعية يتم الإشراف على هذه النشاطات طبقاً للتقرير من خلال 5 أئمة أتراك توكل لهم كذلك مهمة الف و 19 إمام وخطيب ومؤذن ومعلم قرآن في المناطق المذكورة، اعتباراً من شهر مارس/ آذار العام الماضي.
وكشف التقرير أنّ وقف الديانة التركي يدفع كل شهر رواتب العاملين،وبلغت قيمة الرواتب التي قامت بدفعها خلال الفترة من مايو 2017 إلى يونيو 2018 5 ملايين و465 ألف ليرة تركية.
الإيزيديين أمام خيار الإسلام أو الاعتقال والقتل:
منذ سيطرت الفصائل السورية الموالية للقوات المسلحة التركية على مدينة عفرين، سلكت طريقها بصورة مباشرة في إجبار المكون الإيزيدي على اعتناق الإسلام، وتفرض عليهم التوجه للمساجد الإسلامية للعبادة، في الوقت الذي كانت هذه المساجد منازل للسكان المحليين، حيث تمت مصادرتها وتحويلها إلى جوامع ينشد فيها الآذان والأناشيد الإسلامية .
وتبعاً للسكان المحليين والنازحين الذين هربوا من الحرب التي شنتها القوات المسلحة التركية على عفرين، فإنّه سجلت العشرات من انتهاكات حقوق الإنسان التي طالت الإيزيديين، منها تدمير أماكن العبادة والمزارات المقدسة وسرقة محتوياتها، وتهجير السكان واعتقالهم، فقد أجبر “فيلق الشام” أطفال قرية باصوفان التابعة لناحية شيراوا في عفرين على ارتياد المساجد واعتناق الإسلام وقراءة القرآن عنوةً.
وقد كشفت منظمة العفو الدولية في تقرير لها خلال هذا العام، بأنّ جماعات مسلحة موالية لتركيا، من بينها “الفرقة 55″، و”الجبهة الشامية”، و”فيلق الشام”، و”السلطان مراد”، “وأحرار الشرقية”، تقوم بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد السكان المحليين في عفرين، وهو أمر يتطابق مع رواية السكان المحليين الذين قالوا في الوقت السابق إنّ “فرقة الحمزات” حوّلت مدرسة قوية في ناحية موباتا إلى مدرسة شرعية يتم تدريس الديانة الإسلامية فيها.
ويتوزع الإيزيديون في عفرين ضمن 22 قرية، ولا توجد إحصائيات دقيقة لأعدادهم في سوريا، ولكن وفقاً لإحصائيات غير رسمية يبلغ تعداد الإيزيديين في كل من عفرين وحلب حوالي مئة ألف نسمة، وقد تناقصت أعدادهم في السنوات الأخيرة نتيجة الاستهداف المتكرر لقراهم، مما دفع بالكثير منهم للنزوح أو اللجوء إلى خارج سوريا.
انتهاكات كثيرة بحق الإيزيديين الذين بات تعدادهم الحالي نحو 15 % فقط، نتيجة تهجيرهم من قراهم، والاستهزاء بديانتهم، وإجبارهم على اعتناق الإسلام، إلى جانب عمليات الاعتقال والاختطاف، وبناء مساجد في القرى الإيزيدية، وغيرها من الانتهاكات طالت الأموات والأحياء والمعتقلين، وكذلك المزارات والمراقد الدينية الإيزيدية.
ما تمكنا من توثيقه في “مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا ” في ظل التعتيم الإعلامي المفروض على عفرين، هو قيام الفصائل السورية الموالية لتركيا ببناء مسجدين في قرية باصوفان وقرية قسطل جندو في عفرين، وإجبار سكانها الإيزيديين على حضور الدروس الدينية وتأدية الصلاة بعد اخضاعهم لدورة شرعية في المدارس الشعرية في القرى، وفي قريتي برج حيدر وقرية غزوة (الملاصقتين لباصوفان)، تتكرر نفس الممارسات.
وقالت المصادر المحلية والتي تراقب وضع المكون الايزيدي في عفرين، بأن القوات التركية قامت بتدمير معظم المزارات الدينية للإيزيديين في عفرين كما جرى سرقة محتوياتها وتخريبها. لافتا “حسب ما نقله علي عيسو وهو يدير موقع إعلامي” أنّ مسلحي المعارضة أحرقوا في أذار الماضي شجرة في قرية كفرجنة تقع أمام مزار ديني مقدس يدعى مزار قره جورنه (مزار هوكر)، كما قاموا بسرقة ونبش القبر في مزار شيخ جنيد في قرية فقيرا وهو مدمر الآن من الداخل”.
تحويل المدارس إلى ثكنات عسكرية:
وفي السياق تحويل المدارس إلى مقرات عسكريةو أمنية، فقد أشارت منظمة «العفو الدولية» بأنّ القوات التركية ومقاتلين سوريين متحالفين معها استولوا على مدارس في عفرين، الأمر الذي يمنع آلاف الأطفال من مواصلة تعليمهم، فقد أصبح الوصول إلى المؤسسات التعليمية أمراً شبه مستحيل لأهالي عفرين منذ يناير/كانون الثاني 2018؛ فقد ذكر بعض الأهالي لمنظمة العفو الدولية أنّه منذ مارس/آذار لم يعد بمقدور الأطفال تلقي التعليم المدرسي إلا في مدرسة واحدة بمدينة عفرين، بينما أغلقت جامعة عفرين تماماً بعد ما تعرضت لها من الدمار والنهب. وقال معلمون سابقون ممن نزحوا إلى منطقة الشهباء إنّ القوات التركية والجماعات المسلحة السورية الموالية لها تتخذ مدرسة أمير غباري مقراً عسكرياً. وقد اطلعت منظمة العفو الدولية على صور التقطتها الأقمار الاصطناعية منذ 20 إبريل/نيسان 2018، تظهر فيها العديد من المركبات المدرعة ومنشأة حديثة البناء، ولم تكن هذه المركبات ولا المنشأة قائمة في الموقع قبل سيطرة القوات التركية والجماعات المسلحة على عفرين في 18 مارس/آذار 2018.
وقالت مصادر إعلامية محلية وبعض الأهالي إنّ القوات التركية والجماعات المسلحة قامت بتحويل المدرسة الحكومية في شارا إلى مقر للشرطة في يونيو/حزيران 2018. كما ذكر الأهالي أنّ القوات التركية تستخدم مدرسة أخرى في جنديرس كمستشفى ميداني.
ورصد مركز توثيق انتهاكات في شمال سوريا أيضاً، قيام الجيش التركي والمجموعات المسلحة التابعة له، بتحويل مدرسة “ابتدائية شرا” في قرية خربة شرا إلى مقر للشرطة العسكرية التابعة للجيش التركي، حيث يوجد فيها حالياً ما يقارب 150 عنصراً، إضافة إلى تحويل مدرسة” أمير غباري” ومدرسة ثانوية في شرا إلى مقرات استخباراتية، يتم فيه تعذيب المدنيين.
وتسعى الحكومة التركية بدورها إلى فرض نظامها التعليمي على مناطق “درع الفرات” وعفرين، بحيث تحتوي على الصبغة التركية ودفن كل ما يمت صلة بالهوية العربية والكردية في المنطقة، الأمر الذي أكّده علي رضا ألتون، مدير برنامج “التعلم مدى الحياة” في وزارة التعليم التركية، في لقاء مع صحيفة “الشرق الأوسط” في أيلول الماضي متماشياً مع إصدار المكاتب التعليمية في مجلس محافظة حلب التابع للدولة التركية، العام الماضي، قراراً يقضي بإدراج اللغة التركية ضمن المناهج الدراسية ابتداءاً من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الثانوية.
إضافة إلى ذلك، سمّيت العديد من المدارس بأسماء تركية، نسبة إلى قتلى في بعض المعارك خلال عملية “درع الفرات”، فضلًا عن الجمع بين علَمي القوات المسلحة السورية وعلم التركي على أغلفة “الجلاءات” المدرسية في حين تعتبر قضية الاعتراف بالشهادات التي تصدر عن المجالس المحلية بريف حلب، والمعترف عليها من قبل تركيا من أبرز مخاوف الطلاب عموماً، حيث لم يتم الحصول على اعتراف محلي أو دولي حقيقي بالشهادات، الأمر الذي يقف عائقاً أمام المئات من الطلاب لمتابعة دراستهم.