قبل انطلاق الثورة كان التعليم في المرحلة الابتدائية يتضمن تعليم اللغتين العربية والإنكليزية وباقي المواد، مثل العلوم والرياضيات، وكان مستوى التعليم متوسطًا، وكان التعليم متوفراً من حيث المناهج والكادر التدريسي”.
لكن هذا الوضع لم يستمر بعد احتدام الصراع، إذ تضرر قطاع التعليم بشكل مباشر في أغلب المناطق السورية، في ظلّ تدهور الوضع الأمني وتسرّب المعلمين وانقطاع الطلّاب عن المدارس.
وتشير احصائيات نشرتها منظمة “يونيسيف”، التابعة للأمم المتحدة، أنّ العامين الأولين من الثورة شهدا مقتل 222 معلمًا ومعلمةً في مختلف أنحاء سوريا، إضافة إلى تدمير نحو ثلاثة آلاف مدرسة، لكن هذا العدد تضاعف مرات عدّة منذ ذلك الوقت.
حتى عام 2014، كانت العملية التعليمية قد شهدت تخبطاً في مناطق سيطرة النظام، وانهياراً شبه كامل في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، ومع تشكيل “الحكومة المؤقتة” التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، أخذت وزارة التربية والتعليم تعمل بصعوبة على تحريك عملية التعليم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، عبر توفير مدارس ومناهج معدّلة وبدائل تعليمية وفق الخبرة و الإمكانات المتاحة.
ما إن ولدت العملية التعليمية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في سوريا حتى انتقلت إلى حالة الموت السريري الذي تعيشه منذ سبع سنوات، حيث تعاني من مشاكل عدة بدءا من عدم الاعتراف بها، وصولا إلى تعطل وتدمير معظم المدارس في المناطق الخارجة عن سيطرة قوات الحكومة السورية، أو تحويلها لمقرات عسكرية.
كما أن الفوضى وقضية توفير التمويل اللازم لاستمرار العملية التعليمية كان له دور كبير فيما وصلت إليه، والذي انعكس على المدرسين الذين فضل كثيرون منهم مغادرة سلك التدريس والبحث عن مهن أخرى تؤمن لهم ولأسرهم لقمة العيش، يضاف إلى ذلك الأحوال الإنسانية السيئة التي يعاني منها المدنيون، والتي دفعت بعضهم لإثناء أطفالهم عن التعليم والانتقال للعمل سعيا لتأمين قوت اليوم.
ويعاني الطلاب في مدارس المعارضة من نقص كبير في المستوى التعليمي، ولعل عدم توفر المناهج الدراسية أحد أهم الأسباب في ذلك، حيث يجد الطلاب صعوبة كبيرة في مراجعة دروسهم التي تلقوها في المدرسة لعدم توفر كتب لديهم، وفي كثير من الأحيان يجد المدرسون أنفسهم مضطرين للبحث عبر الإنترنت عن دروس يعلمونها لطلابهم لعدم توفر الكتب.
وذلك رغم أن الحكومة السورية المؤقتة في مدينة عنتاب اعلنت مرارا عن تأمين الكتب والمناهج الدراسية.
وهذا العام شهدت العملية التعليمية في مناطق ريف حلب الواقعة تحت السيطرة التركية، افتتاح العديد من المدارس لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الطلاب، إضافة إلى محاولات لإعادة الطلاب المنقطعين عن الدراسة، والعمل على افتتاح مراكز لمحو الأمية.
في ريف حلب الشرقي ازدادت عدد المدارس بشكل ملحوظ، حيث قامت المجالس المحلية بإعادة تأهيل سبع مدارس في مدينة “الباب، وبزاعة،وقباسين”، كما سيتم بناء مدرستين جديدتين في مدينة “بزاعة” تحت إشراف الحكومة التركية.
في حين يتولى العملية التدريسية في هذه المناطق بريف حلب، كوادر جرى تدريبهم في تركيا من خلال التنسيق بين الحكومة السورية المؤقتة ووزارة التعليم التركية.
وقال (صالح عقيل) مدير التربية والتعليم في مدينة “بزاعة”، إنّ”الكوادر التعليمية تنقسم إلى مدرسين ومجازين وطلاب معاهد، وتقوم مديرية التربية بإجراء دورات متتالية لهم بهدف رفع السوية التعليمية من الناحيتين التعليمية والتربوية وصقل مهاراتهم بشكل عام تحت إشراف أساتذة مختصين”.
وأضاف (عقيل) “تعتمد المدارس في التعليم على مناهج سورية معدلة من قبل الحكومة السورية المؤقتة، باشراف تركيا”.
يحاول مسؤولوا التعليم في مناطق ريف حلب إعادة الطلاب المنقطعين عن الدراسة إلى المدارس. وفي هذا الخصوص، قال (فوزي السايح) مسؤول التعليم في مدينة الباب، “نستقبل الطلاب المنقطعين في المدارس بعد إخضاعهم لفحص من أجل تحديد مستواهم التعليمي، وبحسب النتائج يتم وضع الطالب في الصف المناسب ليكمل تعليمه”.
وأضاف (السايح) “نقوم أيضاً بافتتاح مراكز لمحو الأمية، في كل مدرسة تحوي صفوف فارغة”.
الاستعداد للعام الدراسي
ومع اقتراب العام الدراسي الذي يبدأ في ريف حلب بـ 16 الشهر الجاري يحاول القائمون على العملية التعليمة إنهاء التحضيرات اللازمة لاستقبال الطلاب.
وأشار (أحمد العبدو) مدير مدرسة في مدينة الباب، إلى أنّ الاستعداد للعام الدراسي الجديد مستمر، مشيرا إلى الكوادر التعليمية أصبحت جاهزة، وكذلك تم تجهيز الصفوف والمقاعد.
وأوضح (العبدو) أنّ هذا العام شهد تزايداً في أعداد الطلاب لا سيما من قبل الطلاب المهجرين القادمين من الغوطة الشرقية ودرعا، لافتا إلى أنّ الإدارة في المدارس تحاول اتباع طرق للتخفيف من المعاناة الطلاب في حال عدم وجود أوراق ثبوتية أو مدرسية.
وبيّن أنّ “من لا يملك أوراق ثبوتية عليه أن يقوم بإخراج شهادة تعريف من المختار وبيان عائلي من إدارة الأحوال المدنيّة، في حين يتم اعتماد جلاء الطالب المدرسي أو شهادته لمعرفة الصف الذي يجب أن يدرس فيه، ومن لا يملك جلاء يخضع لامتحان تحديد مستوى، وعلى أساسه يتم قبوله في المدرسة”.
تخوفٌ من عدم الاعتراف
وتعتبر قضية الاعتراف بالشهادات التي تصدر عن المجالس المحلية بريف حلب،والمعترف عليها من قبل تركيا من أبرز مخاوف الطلاب عموماً، حيث لم يتم الحصول على اعتراف محلي أو دولي حقيقي بالشهادات،الأمر الذي يقف عائقاً أمام المئات من الطلاب لمتابعة دراستهم.
وقالت الطالبة (منال نمر)، “تقدمت لامتحان الثانوية العامة العام الماضي في مدينة الباب بريف حلب، وبعد حصولي على الشهادة الثانوية، حاولت التسجيل في الجامعة التابعة للحكومة السورية المؤقتة إلا أنّ الأخيرة لم تعترف بالشهادة”.
وأضافت “رغم إخبارنا أنّ الشهادة معترفٌ عليها، إلا أننا تفاجئنا بقرار الحكومة المؤقتة التي قالت إنّها لا تعترف بالشهادات الصادرة عن المجالس المحلية التي أقيمت تحت إشراف الحكومة التركية”.
ولفتت إلى أنّها لا تعرف حتى الآن إن كانت شهادتها سوف تلقى اعترافا تركيا حقيقيا أم أن متابعة الدراسة ستتحول إلى مجرد حلم.
عين تركية على المنهاج
يشير تقرير المناهج المعتمدة في مديريات وزارة التربية في “الحكومة المؤقتة” أنّ التعديلات التي أجريت على المناهج تراوحت بين الحذف والإضافة والتنقيح والاستبدال مع الحفاظ على المحتوى العلمي بشكل كامل (الفيزياء، الرياضيات، العلوم الطبيعية، الكيمياء، اللغتان الإنكليزية والفرنسية).
وطالت هذه التعديلات مواد التاريخ والجغرافيا والقومية، إذ ألغيت المادة الأخيرة بشكل كامل، وتمّ تنقيح منهاج التاريخ، من حيق التركيز حول فترة وجود العثمانيين في الوطن العربي، إذ تم، على سبيل المثال، إزالة أي كلمات تشير إلى “احتلال عثماني” واستبدالها بـ “حكم” عثماني.
إضافة إلى ذلك، لا تحتوي خرائط سوريا الموجودة في كتب المعارضة على لواء اسكندرون، الذي ضمته تركيا في ثلاثينيات القرن الماضي.
ويرتبط هذا التوجّه بكون تركيا هي المقرّ الأساسي لـ “الحكومة المؤقتة” ومكان طباعة المناهج المدرسية المرتبطة بها، كما يتم تدريس مناهج “الحكومة المؤقتة” في بعض المدارس السورية ضمن تركيا، فيما تبسط الأخيرة سلطة عسكرية في بعض مناطق الشمال السوري.
ثغرات الأرقام وغياب التحديث
إضافة إلى “التنقيح والتصحيح”، لم تقم وزارة التربية في “الحكومة المؤقتة” بعملية “تحديث أو تطوير”.
على سبيل المثال، استخدمت كتب الجغرافيا للحكومة المؤقتة شرحاً مماثلًا لشرح كتب حكومة النظام عن أسباب الهجرة، كالبحث عن فرص عمل وما شابه، دون التطرّق إلى أزمة “اللجوء” كإحدى أكبر أزمات الشعب السوري في الوقت الحالي، ومن المفترض أنّها أزمة تمسّ المعارضة السورية بشكل أكبر من حاضنة النظام.
كما لم يتم بذل جهد في إطار تحديث بعض الأرقام المرتبطة بالإحصائيات والتوزّع الديموغرافي للسكان، والزراعة والصناعة، وبقي الاعتماد على إحصائيات وأرقام قديمة، تمامًا كما هي الحال بالنسبة لمناهج حكومة النظام.
وتقوم مديريات التربية التابعة للحكومة المؤقتة بشكل دوري بنشر تعميمات على المدارس بشأن المطلوب والمحذوف من المناهج، وتتخلّص بذلك من “الحشو أو الفقرات غير الملائمة للوقت الحالي”، دون تعويضها أو استبدالها بمعارف أخرى.
كتاب واحد وسلطتان
تتحكم تركيا بشكل كامل بالعملية التعليمية في مناطق نفوذها المباشر في الشمال السوري، والتي تسمى مناطق “درع الفرات”، و “غصن الزيتون” أي في جرابلس وأعزاز شمالي محافظة حلب، ومدينة الباب ومنطقة عفرين وعلى الرغم من تدريس مناهج “الحكومة المؤقتة” ذاتها في مدارس هذه المناطق، تغيرت بعض المضامين والإشارات السياسية ضمن هذه المناهج.
وتحاول تركيا تطبيق نظامها التعليمي في هذه المناطق، الأمر الذي أكّده علي رضا ألتون إل، مدير برنامج “التعلم مدى الحياة” في وزارة التعليم التركية، في لقاء مع صحيفة “الشرق الأوسط” في أيلول الماضي، إذ قال إنّ“الوزارة تعمل على نقل تجربة التعليم في تركيا، وبخاصة نظام التعليم الإلكتروني إلى مناطق درع الفرات خلال فترة قصيرة”.
وتضم هذه المناطق نحو 500 مدرسة، يدرس فيها نحو 150 ألف طالب، وفق تصريحات وزارة التعليم التركية.
وأصدرت المكاتب التعليمية في مجلس محافظة حلب الحرة العام الماضي قراراً يقضي بإدراج اللغة التركية ضمن المناهج الدراسية ابتداءً من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الثانوية.
إضافة إلى ذلك، تسمّى العديد من المدارس بأسماء تركية، نسبة إلى قتلى في بعض المعارك خلال عملية درع الفرات، وغصن الزيتون فضلًا عن الجمع بين علَمي الثورة وتركيا على أغلفة “الجلاءات” المدرسية.
واعترفت الحكومة السورية المؤقتة من خلال تصريح لوزير التربية والتعليم فيها بأنّ المناهج يجري تعديلها لتتوافق مع سياسة الحكومة التركية. وأنّ التعديلات على المناهج لم تطل المادة العلمية، بل ما يتعلّق منها بالناحية العقائدية.
منطقة عفرين
بدأت “المجالس المحلية” التابعة لتركيا استعداداتها لاستقبال العام الدراسي الجديد في مدارس عفرين شمال سوريا، حيث سيتم تطبيق مناهج تعليمية اقرتها “حكومة الائتلاف في عنتاب” على طلاب المدارس وهي مواد دراسية تطبع تحت اشراف وزارة التربية والتعليم التركية وتبرز فيها دور تركيا وثقافتها كدولة عظمى وتمجد فترة الحكم العثماني للمنطقة.
وقال نائب رئيس “المجلس المحلي” في منطقة “شيا”، أحمد خليل، إنّ “اللجان التابعة للمجالس الموكلة من قبل تركيا تجري جولات على مدارس المنطقة لتفقّدها وتقدير الأضرار التي لحقت بها، ومن ثم البدء بإصلاحها”. علما أنّ الكثير منها تم تحويلها إلى مقرات عسكرية أو مراكز اعتقال.
وأضاف خليل أنّ “المدارس الغير مستولى عليها من قبل الفصائل السورية والقوات التركية ستكون جاهزة في غضون شهر، وسيتم تأمين كافة متطلبات التعليم و اللوازم الدراسية ،ويبدأ العام الدراسي الجديد مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم”.
وتابع نائب رئيس “المجلس المحلي” في منطقة “شيا” قائلا :إنّ “مدارس المنطقة ستطبق المناهج التعليمية التابعة لـ(وزارة التربية) في (الحكومة السورية المؤقتة)، كما سيتم تخصيص دروس باللغة التركية في هذه المدارس”، خليل تحدث عن إمكانية السماح بتدريس مادة واحدة فقط باللغة الكردية في بعض المدارس مع استحالة ذلك في ظل سياسة التتريك والتعريب التي تمارسها تركيا وفصائلها السورية في المنطقة .
من جهته قال نائب رئيس “المجلس المحلي” في ناحية “بلبلة”، محمد سيدو، إنّ “الاستعدادات جارية بهدف تأهيل الكوادر التدريسية، وسيتم الإعلان عن أسماء المدرسين الذين يقع عليهم الاختيار قريباً”.
وأشار سيدو إلى أنّه “سيتم افتتاح مدرستين ثانويتين في ناحية (بلبلة)، واحدة في البلدة ذاتها، والأخرى في قرية (كوتانا) التابعة لها، إلى جانب 5 مدارس إعدادية، و30 مدرسة ابتدائية في هذه المنطقة”.
مشيراً إلى “افتتاح 10 مدراس للتعليم العاجل (مدارس مخصصة لتعويض الطلاب الذين فاتهم العام الدراسي)، في الناحية ذاتها، بالتعاون مع (منظمة جودي) ومكتب التعليم التابع لـ(المجلس المحلي) في بلبلة”.
يشار أنّ الإدارة الذاتية في عفرين كانت قد اعلنت عن خطة دراسية قبل التوغل التركي تضمنت تأهيل 324 مدرسة، وبلغ عدد الطلاب 49 الف طالب/طالبة، وعدد الكوادر التدريسيّة تجاوز 2625 معلم/معلمة.
وفي مخيمي روبار والشهباء في عفرين بلغ عدد التلاميذ ( 889 تلميذ).
مليون طالب وطالبة يتوجهون إلى مقاعد الدراسة في مناطق الادارة الذاتية:
افتتحت مدراس شمال وشرق سوريا أبوابها لاستقبال الطلبة ضمن كافة مدارس في مدن ونواحي وقرى شمال وشمال شرق سوريا، وبدأ الطلبة البالغ عددهم قرابة ميلون طالب وطالبة بالتوافد إلى المدارس، ويتلقى الطلبة ضمن المدارس المناهج المعدة من قبل الإدارة الذاتية، حيث أنّ كل مكون يدرس بلغته الام.
ففي ناحية تربه سبيه التابعة لإقليم الجزيرة والتي يتواجد ضمنها الكرد والعرب والسريان، تدرس ضمن مدارس الناحية المناهج الثلاث الكردية والعربية والسريانية.
واستقبلت 158 مدرسة في ناحية تربه سبيه هذا العام 18 ألف طالب وطالبة من المكونات الثلاث الكرد، والعرب والسريان، بعد تحضير وتجهيز كافة المدراس بالكوادر التعليمية وخضوعهم لدوارات تدريبية مكثفة حول المناهج الدراسية كلٌ حسب لغته.
الدوام الإداري ضمن المدارس بدأ في 9 أيلول، وباشر الطلبة بالارتياد إلى المدراس في 11 أيلول، الاداري في المجمع التربوي لناحية تربه سبيه كاوى أوسي، وصف إقبال الطلبة على المدراس بالجيد، وبيّن إلى أنّ المجمع سيقوم بتوزيع كتب المنهاج على كافة الطلاب خلال الأسبوع المقبل.
وأوضح كاوى أوسي إلى أن المجمع حضّر 1300 معلم ومعلمة، لتعليم الطلبة ضمن مدراس الناحية، منهم 900 لتدريس المنهاج العربي و10 لتدريس المنهاج السرياني. أما البقية فتدريس المنهاج الكردي.