عملية اغتيالٍ جديدة تشهدها مدينة الباب الواقعة في الريف الشرقي لحلب، ورغم أنّها تندرج في سياق عام لحالة فلتان واختراق أمني مستمر، إلا أنّها تختلف في طريقة التنفيذ وبالتوقيت أيضا، فالقتل لم يعد كالسابق ليلاً وفي مناطق غير مأهولة، ليتحول إلى قتلٍ في وضح النهار، ووسط أبرز الشوارع والأحياء المأهولة بالسكان.
وتعتبر “الباب” أبرز المدن الخاضعة لسيطرة مسلحين موالين لأنقرة، وتنشر فيها كذلك فرق من الجيش والمخابرات التركية. مع ساعات صباح يوم (18 نوفمبر 2020) شهدت حادثة اغتيالٍ لشاب يدعى “حسين الجبلي”، إذ أقدم مسلحان ملثمان على إطلاق النار عليه وسط شارع حيوي، ما أدى إلى مقتله على الفور.
“عمار نصار” ناشط إعلامي مقيم في مدينة الباب، وهو صديق الشاب القتيل يقول: “القتل أصبح جهارا نهارا في مدينةٍ كالباب، وفي شارع حيوي (…) أي جرأة لدى المجرم وأي وضع أمني نعيشه”.
ويضيف “نصار” إنّ الشاب القتيل ينضوي في جهاز “الشرطة الوطنية” التابع لفصائل “الجيش الوطني” ويحمل رتبة “ملازم”، وتمت عملية اغتياله في شارع جامع “فاطمة الزهراء”، والذي يعتبر من أبرز المناطق المأهولة بالسكان في ريف حلب.
منذ سنوات من السيطرة التركية على المدينة لم تهدأ عمليات الاغتيال فيها، وإلى جانبها باتت التفجيرات بالعبوات الناسفة والسيارات والدراجات المفخخة مشهدا يوميا، ولا يقتصر على المنطقة المذكورة فقط، بل كان قد امتدّ إلى منطقة عفرين المسماة بمنطقة “غصن الزيتون”، وصولا إلى المنطقة التي كانت قد سيطرت عليها تركيا على الحدود شمال شرقي سوريا، والمسماة بمنطقة “نبع السلام”.
والنقطة التي ماتزال محط جدل بين سكان المناطق المذكورة سابقا، هو أن عمليات الاغتيال والتفجيرات تتم وسط حشود عسكرية وأمنية كبيرة، من الطرفين “الجيش الوطني السوري” والجيش التركي، والتي تعتبر المناطق السورية الحدودية مع أراضيه منطقة عمليات أمنية بحتة، ما فتح باب تساؤلات عن الأسباب التي تقف وراء هذا الاختراق الأمني؟ إلى جانب إشارات الاستفهام تتعلق بالدوافع التي تقف وراء عدم اتخاذ أي إجراءات “حازمة” لوقف هكذا عمليات، تدحض بصورتها العامة مسمى “المناطق الآمنة والمستقرة”.
ثلاثة أسباب
منذ مطلع شهر نوفمبر الحالي شهدت مدينة الباب بريف حلب الشرقي ثلاثة تفجيرات، قتل إثرها أربعة أشخاص، بينهم عناصر من جهاز “الشرطة الوطنية” الذي كانت تركيا قد أشرفت على تشكيله وتدريبه ضمن أراضيها وتدفع رواتب عناصرها.
وتنوعت التفجيرات بين الدراجات المفخخة والعبوات الناسفة، وتبنى تنظيم “داعش” إحداها، ولاسيما تلك التي استهدفت عناصر من “الشرطة” في أثناء محاولتهم تفكيك عبوة ناسفة كانت مزروعة وسط مدينة الباب.
ماجد عبد النور صحفي مقيم في ريف حلب، حدد ثلاثة أسباب تقف وراء استمرار حالة الفلتان والاختراق الأمني في مناطق الإدارة التركية، شمالي سوريا.
السبب الأول وفق الصحفي يرتبط بالمؤسسات الأمنية التي تقود المنطقة، والتي تعتبر “غير كفؤة” في عملها، موضحا: “الأفراد الذين يقودون المؤسسات الأمنية اتبعوا دورات لمدة 15 يوما داخل تركيا، ومن ثم استلموا زمام المنطقة أمنيا وعسكريا بشكل مباشر”.
ويشير الصحفي إلى أن السبب الثاني يتعلق بتعدد “الفصائلية”، بمعنى وجود عشرات بل مئات المجموعات العسكرية، التي يعمل كل منها على حدة، ودون أي تنسيق.
ويتابع عبد النور: “يوجد أكثر من 100 فصيل، ما يقود إلى اختراق أمتي ضخم، ولاسيما أن كل فصيل يرمي بالمسؤولية على نظيره دون أن يتحملها”.
وينضوي ضمن “الجيش الوطني” ثلاث فيالق، وكل فيلق يتبع له عدة فصائل تنتشر في مناطق متفرقة من ريف حلب، وإلى جانبهم كانت تركيا قد أشرفت ورعت في العامين الماضين تشكيل جهازين للشرطة: الأول هو “الشرطة الوطنية” والآخر يسمى بـ “الشرطة العسكرية”.
وإلى سبب ثالث حدده الصحفي، يقول إن الفلتان والاختراق الأمني يقف وراءه أيضا “الدور السلبي للمحاكم في ريف حلب الشمالي”، وهي محاكم قضائية كانت الفصائل قد شكلتها أيضا بعد سيطرتها على المنطقة، وبرعاية وتنسيق تركي.
ويوضح عبد النور: “الكثير من عناصر داعش يتم إطلاق سراحهم دون أي حكم قاسي (…) يوجد فساد في بعض المحاكم، وهذا أمر مهم.. الذي يقتل وينفذ عمليات الإجرام لا يجد أمامه أي رادع، لذلك يعود ليكمل جريمته من جديد”.
خلايا متحركة لعدة أطراف
في سياق ما سبق وضمن الحديث عن حالة الفلتان الأمني التي تعيشها مناطق الإدارة التركية في الريف الشمالي لحلب، يربط العقيد المنشق، زياد حج عبيد حالة الاختراق الأمني الحالية بتعدد الأطراف المسيطرة على المنطقة، خلال السنوات الماضية.
ويقول العقيد المنشق، المقيم في غازي عينتاب: “المنطقة شهدت دخول عدة أطراف مسيطرة، نتج عنه حالة الفلتان الأمني التي تعيشها المنطقة حاليا، وهناك أسباب أخرى مغذّية تتعلق بتعدد الفصائل المسيطرة، وغياب المؤسسة الأمنية الواضحة القادرة على ضبط هكذا عمليات”.
ووفق استطلاع لآراء مدنيين يقيمون في ريف حلب فإنهم لا يعرفون “طعم الاستقرار” في حياتهم اليومية، من مدينة الباب شرقا إلى عفرين في أقصى الشمال الغربي.
وباتت الاغتيالات والتفجيرات هاجسا يوميا لدى مئات الآلاف منهم، حتى بات البعض يتفقد وبشكل لا إرادي سيارته أو حتى مداخل حارته كل صباح، تحسبا من عبوة ناسفة أو لاصقة قد تكون مزروعة هنا أو هناك.
المصدر : موقع الحرة