يعيش المهجرون من المدن السورية في مخيمات اللجوء في مدينة جرابلس ومحيطها في ظروف سيئة، حيث أغلب المعيلين لعائلاتهم بلا عمل، كما أن أغلب العائلات بلا معيل، الأمر الذي دفع الكثير من الأطفال للبحث عن عمل وترك مقاعد الدراسة.
سامي طفل يبلغ من العمر 14 عاماً و هو عامل في أحد ورشات إصلاح السيارات قال : أعمل لتأمين لقمة العيش لأخوتي و أمي كوني أنا الأكبر بينهم بعد وفاة والدي نتيجة غارة لطيران الأسد. وكانت السيدة “فاطمة” وهي والدة سامي نازحة من دير الزور قد أكدت بأن طفلها الكبير ترك الدراسة نتيجة الوضع المعيشي المتردي نتيجة النزوح وفقدان المعيل (الأب).
وقال عصام وهو طفل آخر اضطر للعمل وترك المدرسة لإعالة أسرته “أنا نازح من قرية شرقي نهر الفرات و والدي عاجز غير قادر على العمل لذلك أنا أعمل في بيع الخبز على بسطة في الشارع الرئيسي لمدينة جرابلس رغم خطورة العمل هناك وذلك لأنني أقف على الشارع بالقرب من السيارات و الأهم من ذلك الاستهدافات المتكررة بالدراجات المفخخة و السيارات، في حين أن عمري 13 عاماً و من المفترض أن أكون في الصف السابع إلا أن اعالة الأسرة أهم في هذه الظروف الصعبة.
من جانبه أكد “عبد اللطيف المحمد” رئيس مكتب التربية والتعليم في المجلس المحلي لمدينة جرابلس بأن نسبة المتسربين من المدارس بلغت 15%، ممن يستطيعون العمل، أي ما فوق 11 عاما. وأضاف “أما عن المرحلتين الإعدادية و الثانوية فإن نسبة المتسربين ترتفع لتصل إلـى 45% لأن أعمارهم أكبر وقادرون على العمل بسبب ظروفهم المعيشية وهذا ما يرفع نسبة تسربهم”.
وحول الخطط التي يسعى إليها مكتب التربية والتعليم لتطبيقها للحد من ظاهرة عمالة الأطفال أوضح “المحمد” أن ذلك يكون عبر حملات توعية بين الأهالي لإظهار أهمية التعليم”، ولكنه في الوقت ذاته يرى أن ما تحتاجه المنطقة هو تنمية اقتصادية واجتماعية لرفع المستوى المعيشي لأهالي الأطفال المتسربين وبذلك يتمكنون من إرسال أطفالهم لمقاعد الدراسة.
ورأى المرشد النفسي “رضوان رمضان”: بأن عمالة الأطفال لها انعكاسات عدة على شخصية الطفل، ففي المجال العاطفي يمكن أن يصبح الطفل عدوانياً ويفقد حس الحنان مع أهله لأنه يقضي وقته في العمل.
وتابع “أما في المجال الأخلاقي والاجتماعي فقد ينعكس عمل الطفل على أخلاقه سلباً، وفي المجال المعرفي فالطفل الذي يعمل مبكراً سيفتقد للكثير من المعارف عن زملائه الذين بقوا في مقاعد الدراسة لأن العلم لا يتوقف عند حد معين، فالطفل العامل لا يمكنه تطوير مهاراته المعرفية، مضيفاً بأن يمكن أن يؤثر العمل على جسد الطفل بحيث قد يؤثر على حواسه و بصره بحسب العمل الذي يقوم به ،كما يمكن أن يتعرض لمخاطر كبتر الأطراف وغيرها من مخاطر العمل”.
واعتبر رمضان أن الأسباب التي تؤدي للعمالة كثيرة، منها العامل الاقتصادي وحاجة الأسرة إلى معيل فقد يكون الطفل هو المعيل الوحيد للأسرة في حال وفاة الوالد أو إصابته نتيجة ظروف الحرب، كما أن من الأسباب أيضا قلة التوعية و الحالة الاجتماعية و الاستغلال و قناعة الأطفال بالاعتماد على النفس.
ويرى رمضان أن الحد من هذه الظاهرة وإعادة الطفل لمقاعد الدراسة يتم عبر تأمين الدعم من المنظمات المختصة وجلسات توعية عن خطورة عمالة الأطفال ، كما يمكن تأمين عمل سهل للأطفال الذين لم يستطيعوا النجاح دراسياً، كما يجب على أصحاب المصالح وأصحاب المحال عدم استقبال الأطفال دون موافقة الأهل.
يشار إلى أن نسبة الأطفال المنخرطين في العديد من المهن الصعبة ترتفع عند المهجرين بسبب الظروف المادية التي تقف حاجزاً بينهم وبين الدراسة، خاصة في ظل تقاعس الجهات الإدارية من مجالس محلية وعسكرية عن القيام بواجباتها.