أفادت مصادر محلية في مدينة عفرين الخاضعة لسيطرة جماعات مسلحة مدعومة من تركيا بأنّ مجهولين قاموا بحرق مزار ديني للإيزيديين بعد سرقة محتوياته، ليلة البارحة في سهل ميدانيات بناحية راجو شمال غرب حلب.
ووفقاً للشهادات، قام مجهولون بتخريب واسع في المزار المسمى “بنت الحسن” في منطقة سهل ميدانيات وسط مقبرة. تحيط بها أشجار البلوط وفي الموقع أعمدة حجرية أثرية ضخمة منتشرة، تذكرنا بالأبنية الرومانية والبيزنطية ثم قاموا بحرقها.
ويقع هذا المركز الديني المقدس للطائفة الإيزيدية وسط قرى ميدانيات، وهي مباركة لدى الأهالي، وكثيراً ما يسمون أولادهم باسم صاحبها المسمى شيخموس الذي يستبشرون منه الخير والبركة والسلام. وقد نقشت على باب المزار كتابة عثمانية تعود إلى عام 1300هـ/1882م، وصاحب المقام هو ( شيخموس عنزلي ).
حرق مزار ديني آخر للإيزيديين في عفرين بعد سرقة محتوياتهhttps://t.co/zBsfTDXNae pic.twitter.com/JLLdvzQPCt
— VdC-NsY (@vdcnsyEnglish) July 28, 2020
وحول الاسم (عنزلي): هناك للإيزديين سبعة سناجق ( رايات ) يرمز كل واحد منها إلى ملاك، أعظمهم سنجق (العنزل)، والعنزلي من شيخ إبراهيم العنزلي أحد مشايخ الإيزديين. ولربما لقب شيخموس بالعنزلي لكونه من أتباع شيخ أبراهيم العنزلي.
والمنطقة يسيطر عليها مسلحون من ميليشيات ( فيلق الشام ) كانوا عناصره قد نشروا قبل أيام مقاطع فيديو وصور مع عبارات أنّ المزار هو مركز للشرك بالله والكفر والضلال ليتم حرقه لاحقا.
وكانت منطقة عفرين تكتظ بالمزارات والأماكن الدينية “المقدسة” وقد يوجد في بعض القرى أكثر من مزار ، يرمز إليه. ببناء أثري قديم ، أو منزل في طرف القرية ، وقد يكون صخرة كبيرة بجانب مصدر للمياه أو في مكان أثري قديم يعتقد ببركتيها أو شجرة. وهي منتشرة على الجبال يحيط بها مجموعة من أشجار، أو شجرة كبيرة، و في وسط الحقول أو في الجبال الجرداء أو سفوح الجبال والوديان حيث تظللها الأشجار القديمة الموجودة حولها.
ولهذه المزارات معتقدات خاصة للناس سواء أكان للمسلمين أو المسيحيين أو الايزيديين وغيرهم، فقد كانت أماكن للعبادة أو رمزاً تاريخياً لشخصية معروفة، و يستجدى على أعتابها شفاء المرضى أو تحقيق الآماني . حتى أنّ بعضهم يوقدون الشموع وقناديل الزيت في ليالي الجمعة ، لعدم جواز ترك المزار دون إضاءة في تلك الليلة. ولايستبعد أن يكون لهذه الطقوس علاقة بإشعال النار في المعابد الزردشتية. وغالباً ما تكون المزارات بجانب مقبرة، بداخلها أضرحة على هيئة قبور يتبارك بها الناس ، تمثل مقاماً لأحد الصالحين. وسنتعرض هنا لأهم المزارات العامة المعروفة في المنطقة
ونذكر عدد آخر من تلك المراكز التي تعرضت للنبش والنهب والحرق والتدمير بعد سيطرة الجيش التركي وجماعات المعارضة السورية المسلحة:
مزار حنان:
يقع مزار حنان أو عبد الحنان جنوبي قرية ( مشعلة ) ، بجانب الطريق العام حلب – عفرين، وهو مزار معروفة لدى سكان المنطقة.
كان البناء الأساسي القديم لمزار حنان صغيراً، فيه ضريح. وفي عام 1964 وسع المرحوم الدكتور نوري ديرسمي مبناها ، وبنى مناراتها ، وأحاطها بسور وحولها إلى مسجد، وجهز لنفسه ولزوجته قبرين داخل السور، ودفنا هناك بعد وفاتهما.
وعن هوية المزار يقول ابن الشحنة: (( بقرية مشحلا، من عمل اعزاز، قبر أخي داود عليه السلام، وهذه القرية فيها بساتين ونهر جار…) إشارة إلى قرية مشعلة الحالية.
وعلى بعد نحو مائة متر إلى الشمال والغرب منها ، مزار أخرى ذات مبنى صغير تسمى مزار (بير جعفر) ، يدل اسمه أنّه يخص الدين الإيزدي. أما مزار (منان) وهو شقيق حنان فتقع على قمة جبل كفرجنة ، وهو مزار معروفة أيضا في تلك الناحية.
مزار محمد علي:
تقع مزار محمد علي في وادٍ بين قريتي ( هوليلو وكوران ) في ناحية راجو، تحيط بها أشجار البلوط والزيتون، وبجانبها مقبرة قديمة و شجرة مزينة بآلاف القطع الصغيرة من أقمشة المتباركين والناذرين. الزيارة عامة ومعروفة، ويومها المقبول هو الأربعاء. واسم محمد علي منتشر بكثرة في القرى المحيطة بالمزار، تيمناً باسم صاحب هذا المزار غير المعروف.
مزار قره جورني:
تقع هذا المزار جانب الجسر المقام على وادي ( قره جرنى ) الرائع الجمال بجدوله الرقراق وأشجار الدلب الضخمة. وهو مزار تقليدي من حيث البناء، يؤمها المتباركون يوم الأربعاء. تاريخ هذه الزيارة غامض، إلا أنّ هناك لوحة مثبتة على واجهتها، كتب عليها: (( إنّ هذا المزار يعود إلى شهيد اسمه ( هوكر ) ، وهو من أحفاد أحد الكهنة الزردشتيين من قرية عين دارا، وكان أحد قادة عماد الدين زنكي، قتل في القرن الحادي عشر لدى عودته من تحرير مدينة الرها من البيزنطيين )). وقد استمد المزار اسمه من جرن كبير من حجر البازلت الأسود كان بجانبها، ولم يعد موجود حاليا.
مزار سلطان شيخ موس:
تقع هذه الزيارة في سهل ميدانيات وسط مقبرة. تحيط بها أشجار البلوط. وفي الموقع أعمدة حجرية أثرية ضخمة منتشرة ، تذكرنا بالأبنية الرومانية والبيزنطية. يقع المزار وسط قرى ميدانيات، وهي مباركة لدى الأهالي، وكثيراً ما يسمون أولادهم باسم صاحبه المسمى شيخموس . وقد نقشت على باب المزار كتابة عثمانية تعود إلى عام 1300هـ/1882م، تذكر بأنّ صاحب المقام هو ( شيخموس عنزلي ).
وحول الاسم (عنزلي): هناك للإيزديين سبعة سناجق ( رايات ) يرمز كل واحد منها إلى ملاك، أعظمهم سنجق (العنزل)، والعنزلي من شيخ إبراهيم العنزلي أحد مشايخ الإيزديين. ولربما لقب شيخموس بالعنزلي لكونه من أتباع شيخ أبراهيم العنزلي.
مزار عبد الرحمن :
يقع هذه المزار الشهير شمالي قرية ( شيخ عبد الرحمن ) . وهناك تل أثري بجانب المزار، وبجواره مقبرة قديمة وشمالها نبع ماء غزير. مبنى المزار واسع مؤلف من قسمين، في غرفته الغربية ضريح، بجواره حجر قديم كتب عليه بالعثمانية: (…مقام عبد الرحمن بن عوف…). تيمنا بذلك الصحابي.
مزار قازقلي:
يقع مزار (قازقلي) على قمة جبل قازقلي المشهور. قمة الجبل مغطاة بأشجار الصنوبر. أما المزار فهي عبارة عن غرفة صغيرة مربعة الشكل وسط مقبرة أثرية قديمة وآثار اغريقية، ويتسمى الناس باسمها كثيرا.
وحول اسم المزار، فإنّ ( قازق ) تعني العمود بالتركية والكردية و لي لاحقة تركية بمعنى العائدية أو صاحب الشيء، والمعنى كاملاً ( عمودي ) ، والعموديون جماعة من الرهبان المسيحيين، كانوا يتعبدون على الأعمدة، وأولهم سمعان العمودي في قلعة سمعان الشهيرة . وأسلوب العبادة هذا كان موجوداً في المنطقة إلى القرن الخامس عشر الميلادي. والاحتمال الغالب أن يكون للمزار واسمه علاقة براهب عمودي، كان يتعبد على عموده ودفن هناك.
مزار شيخ جمال الدين:
يقع شمالي غربي قرية جويق بنحو 1كم، بناؤها تقليدي يشترك في تبجيلها أبناء القرى المجاورة، مثل ( داركير وكوكاني وجويق ) . واسم جمال الدين منتشر بين سكان تلك القرى. ويقال إنّ شيخ جمال الدين هذا هو الجد الرابع للشيخ إبراهيم خليل، قائد الحركة المريدية في جبل الأكراد في الربع الثاني من القرن العشرين.
مزار الشهيد مراد:
يقع هذا المزار في سهل دريميه جنوب قرية كركان في السهل، بجانب نبع دريميه، وهو مزار معروف في تلك الأنحاء.
المزارات في شيخ الحديد:
مزار ( سارُه بابا ) يقع المزار قرب القرية بجانب الطريق العام، لها مبنى تقليدي لايزال قائماً، وبجانبها شجرة دلب ضخمة.
مزار ( خضر ) في وسط المقبرة الكبيرة للبلدة.
وقد ذكر ابن الشحنة في الدر المنتخب ص127، (( إنّ قبر يوسف بن أسباط يقع في قرية شيخ الحديد )). وهذا القبر غير معروف الآن ، وقد تكون لإحد هذين المزارين علاقة بالقبر الذي ذكره ابن الشحنة.
السلطان بعبروش :
يقع هذا المزار على تل أثري شمالي بلدة المعبطلي . وهو خاص بأتباع الطائفة العلوية. والمزار عبارة عن مبنى تقليدي بجانبه نبع ماء غزير. اليوم الخاص للمزار هو الأربعاء، حيث تقدم فيه الذبائح والنذور.
مزار شيخ بركات :
تعتبر هذا المزار من أهم المزارات الإيزدية حاليا. يقام بجانبها احتفال رأس السنة الإيزدية. تقع في قمة جبل شيخ بركات، واسم هذا الجبل في اليونانية كان قديما (كوريفه أو كوريفوس ) ، بمعنى ( القمة )، وهو يقع جنوبي مدينة عفرين بمسافة 30كم ، وارتفاع قمته 870 م. على قمة الجبل مساحة مستوية من الأرض مربعة طول ضلعها 68م ، يحيط بها سور تهدمت أحجاره الضخمة، وفي الجهة الشمالية توجد أحجار بناء كبيرة، تشاهد على بعضها نقوش وصلبان. والمزار عبارة عن غرفة مربعة الشكل، تعلوها قبة، وتحت الغرفة قبو يوصل إليه بأربع درجات.
وتقول المصادر الكتابية عن هذا المزار، بأنّه مقام إسلامي بعدما كان معبد من العهد اليوناني مكرس للرب ( زيوس ) إله الصاعقة لدى الإغريق، وهو زوج الإلهة ( ريا ).
ورد في المعجم الجغرافي السوري أنّ بقايا معبدين قديمين للإلهين ( جوبيتر) و ( سيلينة ) من الفترة الرومانية والقرن الأول الميلادي وأنّ الجبل أخذ تسميته نسبة إلى مجاهد استشهد أثناء الفتوحات الإسلامية، يسمى محمد نوفل بركات.
أما شيخ حسين شيخ إيزديي عفرين، فيقول عن المزار: إنّه خاص بالإيزديين، وله صلة بـ ( مير إبراهيم أدهم بن دوريش )، الشخصية الدينية الغامضة للإيزديين. وقد يكون الأسم الشيخ أبو البركات صخر بن صخر بن مسافر، وهو ابن أخ الشيخ عدي بن مسافر صلة باسم هذا المزار.
ويعتبر المزار مقدسا لدى أبناء الطائفة الدرزية أيضا.
مزار جيل خانه :
تقع هذا المزار في جبل ليلون جنوبي قرية عرش قيبار، في واد صخري عميق يحمل اسمه، وهو محفور في جرف صخري، أبعاده من الداخل وسطياً ( 4 م طولا، 2.5 م عرضا، 2 م ارتفاعا ) . في أرضيته بعض الحفر الطبيعية، تتجمع فيها المياه التي ترتشح من نوازل صغيرة في سقف المزار، وعلى بابها شجرة عرعر مزينة بمئات قصاصات الأقمشة الملونة، تعلق من قبل زوارها على نية تحقيق أمنيات لهم .
أما اسم ( جيل خانه ) فهو مؤلف من كلمتين، (جيل) بمعنى أربعين ، و ( خان ) بمعنى دار أو مكان. ويقول الإيزديون إنّها كانت مكاناً لمن يرغب بالتصوف والعبادة من الإيزديين، ولمن يرغب صوم الأربعينية وجاء اسمه منه، أي (منزل أو دار أو مكان صوم الأربعين)، وتقول رواية غير مؤكدة إنّ شيخ آدي صام فيها إحدى الأربعينات. وكانت هناك بعض القبور بجانب باب هذا المزار، ربما كانت لهؤلاء المتعبدين في المغارة، توفوا هناك، ودفنوا بجانبها. ويقصد المزار أناس من مختلف الأديان والفئات.
مزار ملكادي :
يقع على جبل ليلون جنوبي قرية عرش قيبار، على مسافة 300م فوق مزار. اسمه / ملك آدي /، يعتقد أنّه مستمد من شيخ آدي ( عدي بن مسافر ) . موقعها شديد الوعورة، مبناها تقليدي بجانبها المقبرة القديمة والحالية ( للإيزديين ).
كان لمزار (ملك آدي) أهمية كبيرة لدى الإيزديين في السابق. حيث كانت تصبغ خرقة الإيزدي الفقير ( الناسك الزاهد ) بجواره ، وهو طقس ديني تصبغ فيه ( خرقة الفقير) باللون البني الغامق.
ومن المعالم الهامة الأخرى لموقع ملكادي ، برج يسمى ( برجا جندي ) ، ولايزال أطلال البرج موجودة. أما ( جندي ) فهو أحد الإيزديين المعروفين قديماً، ويقال إنّ البرج بني بالتراب المجبول بالحليب الذي كان يجمع بالتناوب من القرى الإيزدية المجاورة ، لأنّ الحليب موثوق في طهارته، بينما يبقى الماء عرضة للتلوث . وكان للبرج وظيفة دينية هامة، حيث يعتقد أنّه استخدم مخزناً لـ ( خرقه ) المقدسة التالفة، كما استعمل لدفن بعض الإيزديين المهمين.