اليوم مرور ثلاث سنوات على وفاة بنتي ميديا.
إلى كل مَن استبصر في وفاة ابنتي «ميديا مستو» بعقل معفّن
لا شكّ إنني أتمنّى الخير والسلامة لكلّ الناس، وأطلب الراحة والعودة إلى الاحتماء بالعقل والضمير الحيّ لكلّ السلبيين والخطّائين، إنّ أحداث هذه القصة التي سأسردها هنا هي أحداث واقعية، عايشتها، وأعيش معها أنا وعائلتي حتى الآن.
منذ تاريخ 13 أيار / مايو لعام 2017م قلبي وقلب عائلتي لازال مكتوياً بنار الألم والفراق والاشتياق والحسرة، على وفاة ابنتي وياسمينة روحي المغفورة لها «ميديا مستو»، التي توفيت داخل المنزل وهي ذات الخمسة عشر ربيعاً؛ جراء تسريب مواد كيماوية سامة من إحدى المصانع التركية المجاورة في حي «جاي محللسي – Çay Mahallesi» الذي أقيم فيه بمدينة مرسين.
إلى كلّ عزيز صادق صاحب ضمير حيّ وروح إنسانية:
قبل وفاة ابنتي بشهرين، كنّا نشمّ روائح كيماوية حادّة كانت تؤثر على تنفسنا، وتقلقنا بين الفينة والأخرى، في حي جاي محللسي. لقد قمنا مع مجموعة من جيراننا ممَن يشتكون أيضاً من تلك المواد بتقديم شكوى إلى بلدية «أكدنيز – Akdeniz»، وعلى أساسها جاء موظّفون من البلدية لحلّ القضية، لكن دون فائدة مرجوة.
وفي يوم الحادثة، كانت الرائحة قوية جدّاً، حيث دخلت يومها إلى المرحاض – التواليت، ومن بعدي دخلت ميديا، وبقيت فيه مدّة، إلى أن شعرنا أنّه لم يعد يصدر منها أيّ صوت أو حركة، وبعدما كسرنا الباب لإخراجها، وقعت ابنتي البكر «رويا» بالقرب منها؛ متأثرة بتلك الروائح القوية.
أسعفنا ميديا ورويا إلى مشفى «شاهير»، لتخرج رويا من المشفى مساء، بعد غسيل في المعدة، ولتبقى المرحومة ميديا في العناية المشدّدة، أسبوعاً كاملاً، أسبوعاً من البكاء والقهر والخوف والألم، لتفارق بعدها الحياة؛ لأنّ الروائح السامةّ كانت قوية، فقضت على كامل أعضاء جسمها.
لقد تم استدعائي – بعد وفاة ميديا – من قبل القاضي؛ لاستجوابي بشكل رسمي، لأنّي كنت قد قدّمت شكوى رسمية ضد المصنع، وسألني عن مجريات الأحداث، أخبرته حرفياً بأنّني لن أتنازل عن دعوتي وحقّي ودم ابنتي.
قامت جهات مختصّة في الطبّ الشرعي بتشريح الجثّة؛ ليعرفوا سبب الوفاة، إلى أن خرج تقرير من الطبيب الشرعي يقول فيه أنّ السبب هو ذاك السمّ.
بعد فترة تبيّن لنا وللحارة شيء آخر، كان شيئاً خطيراً، هو أنّ المصنع كان يستعمل السم لأغراض غير مرخّصة لم نفهمها، وعن طريق المجاري الصحية كان قد وصل السم إلى الحارة ومنها إلى بيتنا.
إنّ جميع مَن في الحارة كان يشكو من المصنع وأصحابه، لكن ولأنّ الفقراء كانوا يسكنون في الحي فلم تكن الدولة قد تمنحه اهتمامها الإنساني ورعايتها الخدمية، خاصة وأنّ الأحياء الفقيرة مليئة بهكذا نوع من المصانع.
أحياناً كانت هناك حالات فجائية تنقل إلى المشفى؛ نتيجة اختناق أو سعال مزمن، جراء تسريب تلك الرائحة، حتى صارت معنا فوبيا مزمنة من المصنع وكلّ مصنع كيماوي كنا نلتقي به.
وكّلت محامية وتدعى السيدة «سراب آنكاي – Serap Angay»؛ للأخذ بحقّي ومتابعة دعوتي، وتبيّن لنا أخيراً وبقرار قضائي من المحكمة أنّ المصنع هو المتسبّب الرئيسي في وفاة ابنتي، وأنّ إدارتها ستدفع جزاء فعلتها وانتهاكاتها.
ميديا، الفتاة الخلوقة المهذّبة المحبوبة الجميلة، صاحبة الروح النقي، كان الجميع يحبها ومتعلق بها، لدرجة أنّني كرمى عينيها وكرمى اشتياق لها، أزورها في مقبرة مرسين كلّ أسبوع مرّة أو مرّتين، أسقي ورودها وشجرة تُوتِها.
أخيراً، وربّما القارئ سيسأل عمّا أريد قوله، إنّ الغاية من سرد هذه القصّة الموجعة التي مضى عليها ثلاث سنوات هو ليعلم كلّ مَن استبصر بعقله العفن وروحه الخبيثة وقلبه النابض بالأمراض المجتمعية البالية، وشكّك دون ضمير أو أخلاق بمجريات حدوثها أنّ الوفاة جاءت نتيجة تلك الأسباب المذكورة آنفاً.
ياسين مستو أبو دجوار / فيسبوك
مرسين – تركيا
13 . 05 .2020
— VdC-NsY (@vdcnsyEnglish) May 14, 2020