بعدما رفض النظام الاعتراف بالوثائق المدنية الصادرة عن المجالس المحلية في الغوطة الشرقية خلال فترة سيطرة المعارضة، رفضت المجالس المحلية التابعة لتركيا في منطقة “درع الفرات” في شمال سوريا الاعتراف بأوراق مهجري الغوطة الشرقية الثبوتية الصادرة سابقاً عن مجالس الغوطة الشرقية المحلية.
مصدر في منظمة إغاثية بمدينة عفرين، قال “فوجئنا لحظة وصولنا إلى مدينة الباب في ريف حلب الشمالي بعدم اعتراف الجهات المسؤولة هناك بأي أوراق ثبوتية يحملها المُهجّرون”، لافتاً إلى أن عدم الاعتراف بالإثباتات الشخصية للمهجرين يعني حرمانهم من بعض الخدمات الخاصة بهم كتوزيع المعونات. الأمر الذي دفع المئات لاستخراج نسخ جديدة من وثائقهم من المجلس المحلي لمدينة عفرين، للحصول على الخدمات.
المعارضة السورية، وعلى رأسها “الحكومة السورية المؤقتة”، كانت قد أوجدت مؤسسات بديلة عن مؤسسات النظام في مناطق سيطرة المعارضة. وبدأ عمل السجل المدني والعقاري في الغوطة الشرقية منذ العام 2013، وتم توثيق عشرات آلاف الوقائع المدنية والعقود، خلال السنوات الخمس الماضية.
أربعة مدنيين مُهجّرين إلى مناطق “درع الفرات”، المدعومة من تركيا، ومصدران مسؤولان تابعان لجهات معارضة مُهجّرة من الغوطة الشرقية أكدوا عدم الاعتراف بالسجل المدني الصادر أثناء سيطرة المعارضة على الغوطة الشرقية، وأن المشكلة لم تحل رغم مضي نحو 4 شهور على وصول المُهجّرين إلى الشمال السوري.
محمد عبدالرحيم، 37 عاماً، قال: “وصلت إلى مدينة جرابلس قادماً من الغوطة الشرقية مطلع نيسان/أبريل، ورزقت بمولود جديد بعد تهجيري بأيام معدودة”. بعد شهرين حاول عبدالرحيم تسجيل إبنه في دائرة النفوس التابعة لمدينة جرابلس، وعند مراجعتهم قالوا له إنه لا يوجد مكتب للنفوس ضمن مجلس جرابلس.
توجه عبد الرحيم إلى مدينة الباب، وعند مراجعة المجلس المحلي للمدينة، قال للموظف: “أريد تسجيل مولودي الذي رزقت به ، ومعي دفتر عائلة صادر عن المجلس المحلي لمدينة دوما، وعقد زواج مصدق من المحكمة الشرعية فيها”. فردّ الموظف: “يجب أن توثق عقد زواجك من جديد.. عليك إحضار زوجتك مع شهود إلى المحكمة في مدينة الباب وتثبيت عقد زواجك، ومن ثم يجب أن تستخرج بيان قيد عائلي حتى تتمكن من تسجيل مولودك”. وقال الموظف لعبدالرحيم: “أوراق الغوطة الشرقية غير معترف بها”.
وتأكيداً على ذلك، مصدر رسمي من المجلس المحلي لمدينة دوما التابع لـ”الحكومة السورية المؤقتة”، قال : “تفاجأنا بطلبات المجالس المحلية والتعقيدات التي فرضوها على المُهجّرين، رغم عدم وجود أي ثغرة قانونية”. المصدر قال: “تواصلنا مع السجل المدني فأنكروا علاقتهم بعدم الاعتراف، وطلبوا مراجعة جهة أخرى، فقالوا إن عدم الاعتراف بناء على طلب القاضي الشرعي، وبعد أخذ وردّ اجتمعنا مع المستشار التركي”.
وأضاف المصدر: “خلال اجتماعنا مع المستشار أكد على عدم صحة السياسة المتبعة في الباب، وأن أي ورقة رسمية صادرة من الغوطة يجب أن يُعترفَ بها، ووعد بمعالجة الموضوع، ولكن حتى الآن لم يتغير الوضع”.
وعبّر المصدر عن استيائه إزاء رفض الجهات المختصة في ريف حلب الاعتراف بالسجل المدني الصادر عن مجالس الغوطة، وقال: “النظام رفض الاعتراف بالوثائق الصادرة عن مجلسنا التي يحوزها أهالي الغوطة الذين بقوا في مناطقه، وهذا مفهوم بالنسبة لنا وهو أمر سياسي”، مضيفاً أن الأوراق ودفاتر العائلة الصادرة عن المجالس التابعة للحكومة المؤقتة مطبوع عليها علم الثورة السورية، وعليها أسماء المجالس المحلية المعارضة ما يفسر رفض النظام القبول بها، “أما أن تُرفض الأوراق من أبناء جلدتنا رغم كل المحاولات فهو أمر مؤسف”.
الجهات المختصة في ريف حلب الشمالي، تعترف بالوثائق الصادرة عن النظام، حتى وإن كانت حديثة الصدور. مصدر قال إن شريحة لا بأس بها من المدنيين كانت توثق معاملاتها المدنية خلال فترة حصار الغوطة الشرقية لدى دوائر النظام، عبر وسطاء أو محامين سماسرة، أو عبر أقاربهم في العاصمة دمشق، وهذه الأوراق جميعها معترف بها في مناطق النظام والمعارضة على حد سواء.
وكان النظام قد رفض آلاف العقود المدنية لأهالي الغوطة الشرقية بعدما بسط كامل سيطرته عليها في الفترة ما بين منتصف آذار ومنتصف نيسان، فضلاً عن رفضه أكثر من 9000 عقد بيع وشراء صادر عن السجل العقاري في دوما ومحيطها، بحسب ما ذكره مصدر من السجل العقاري في تلك المدن .
وطلب النظام إعادة توثيق كل الأوراق المدنية والعقارية الصادرة عن المعارضة في دوائره الرسمية، ودفع الرسوم المالية المفروضة على تلك المعاملات. مصدر محلي قال “إعادة عملية التسجيل للسجل المدني ليست بسهولة تسجيلها بوقتها”، مشيراً إلى أن عملية إعادة تسجيل حوادث ولادة أو زواج، في غير وقتها، يتم عبر محاكم النظام لا في دوائر النفوس.
من جهته، قال محامٍ في دمشق ، إن “إعادة تسجيل الولادات وعقود الزواج تتم عبر محاكم الدولة، ويتم رفع دعوى قضائية من الزوجة على الزوج، بأنها زوجة المدعو عليه، وأنه لم يوثق عقد زواجه لدى دوائر الدولة، وبعد ذلك يصدر حكم قضائي بتوثيق العقد، وعليه يمكنها تسجيل الولادات”.
مصدر مسؤول في مؤسسة إغاثية في ريف حلب الشمالي، قال إن ملف “الأوراق الثبوتية” في ريف حلب يمثل تحدّياً واضح لآلاف المدنيين، ويتسبب بفوضى تصيب كل الجهات والمنظمات ذات العلاقة المباشرة مع المهجرين من الغوطة. وأضاف المصدر: “عدم اعتراف المجالس المحلية بأوراقنا المدنية أوجد أكثر من جهة تصدر أوراقاً بديلة، ليست ذات قيمة قانونية”، مشيراً إلى أن المكتب الإغاثي في عفرين يعطي أوراقاً تُساعد المُهجّرين على التنقل، و”هيئة المهجرين في إدلب” تستخرج أوراقاً مماثلة و”هذا يؤدي إلى الوقوع في محظور قانوني أكبر من قضية الاعتراف بأوراقنا”.
وأوجدت حالة الفوضى في الأوراق المدنية آثاراً سلبية أخرى. المصدر في المؤسسة الإغاثية قال: “ما حصل من فوضى أوجد مشكلة أخرى، إذ لجأ بعض المهجرين إلى استخراج شهادات وفاة من المجلس المحلي لعفرين، لأشخاص غير متوفين، بهدف الحصول على كفالات لأيتام من المؤسسات المختصة في إغاثة الأرامل والأيتام”.
وتساءل المصدر: “كيف يمكن لمجلس في الشمال إصدار شهادة وفاة لواقعة في وقت سابق وبمنطقة لا تتبع لهم؟”، مشيراً إلى أن بعض المنظمات الإغاثية العاملة على خدمة الأرامل والأيتام رفضت تلك الكفالات “ليقع المدنيون مجدداً ضحايا لأزمة الأوراق الحاصلة”.