طرحت دراسة تحليلية أصدرتها منظمة برجاف للإعلام والحريات مقترحات لوقف التهديدات التركية في المناطق المتوترة الواقعة في شمال شرق سوريا.
ونشرت المنظمة دراسة منهجية في أعقاب الهجمات التركية على أهداف في مدينة كوباني وتل أبيض وفي الحسكة في مؤشر على تصاعد حدة التوترات في المناطق الكردية مما ينعكس سلباً على الاستقرار الذي يتطلع اليه السكان المحليون بعد سنوات من الصراع والمعارك.
وتعتبر المنطقة شمال شرق الفرات واحدة من أكثر الساحات تعقيداً في الصراع السوري المستمر منذ سبع سنوات نظراً لتعدد الاطراف المنخرطة في النزاع بصورة مباشرة وبالأخص تركيا التي تدعم جماعات سورية معارضة تقاتل بضراوة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد.
وقالت هيئة الدراسات والتحليل التابعة لبرجاف في تقرير إنّ القصف التركي الأخير على كوباني “يعرض الأمن المجتمعي” في المدينة إلى الخطر.
واستندت الهيئة في تقريرها إلى إفادات من شهود عيان قالوا فيها إنّ الضربات التركية لم تستهدف أي ثكنة عسكرية إنّما نقاط حراس يرابط فيها مجندون الزامياً.
وجاء في التقرير أيضاً إنّ القصف التركي يخلق نوعاً من “الخوف في المستقبل” خاصة وأنّ المدينة تستضيف مئات الآلاف من النازحين لاسيما من عفرين.
وسيطرت تركيا وحلفاؤها في آذار مارس الماضي على مدينة عفرين الواقعة في شمال غرب سوريا بعد معارك مع الوحدات الكوردية استمرت ثمانية أسابيع وهو ما فجر موجة نزوح.
وجاء في التقرير “إذا كان هجوم النظام (السوري) على إدلب يؤثر على حياة ثلاثة ملايين من المدنيين… فإن القصف (التركي) اذا استمر (فإنّه) ينذر بكارثة انسانية بحق مليون و300 الف مدني” في كوباني ومحيطها.
واقترحت برجاف عدداً من الحلول التي قالت إنّ من شأنها أن تساعد في رأب الصدع بين الكورد والأتراك وكذلك بين الكورد أنفسهم في سوريا.
ويشتمل أحد المقترحات على “حل داخلي” ويتمثل بـ”تفعيل حوار مجتمعي – سياسي لخلق نوع من الثقة وتفعيل المشهد السياسي – المدني، وذلك لتفعيل اتفاقات بين القوى الكوردية، ويمكن أن تلعب رئاسة اقليم كوردستان دوراً فعالاً في مسألة التماسك الاجتماعي”.
وأضاف تقرير برجاف أنّ قيادة إقليم كوردستان يمكنها أن توجه دعوة إلى كل الأحزاب الكوردية السورية لـ”عقد اجتماع تاريخي للخروج بخطاب قابل للقياس وواقعي، والبحث عن أدوات العمل مع القوى الوطنية السورية ومسألة حسن الجوار مع تركيا”.
اما الحل الآخر فيتمثل بـ”مقترح خارجي” موجه للتحالف الدولي، الذي يقول التقرير إنّ عليه تقع مسؤولية، “خلق نوع من الإطمئنان للناس، كون الناس وثقوا به… وإنّ أيّ تهديد لمناطق شمال شرق سوريا يؤثر فعلياً ليس على محاربة الإرهاب فحسب إنّما على الاستقرار”.
وطرحت برجاف في تقريرها “حلاً اممياً” دعت فيه المبعوث الأممي إلى سوريا تسليط الضوء على الخلاف التركي – الكوردي ورعاية اجتماع بين الطرفين وحل “الخلاف الواهي”.
وقالت الدراسة التحليلية إنّ الناس يفضلون أن تنتشر قوات أممية على الحدود بين سوريا وتركيا لطمأنة الطرفين اللذين يتنازعان في إطار “صراع تاريخي له مدلول قومي” بين الأتراك والكورد.
وخلصت الدراسة التحليلية إلى أنّ ما يجري الآن على الحدود “لا يساهم في بناء الاستقرار ولا يخدم القرار الاممي 2254 وينذر بكارثة إنسانية فضلاً عن مساهمته في إعادة الإرهاب إلى المنطقة”.
كوباني، كري سبي(تل أبيض): نُذر الكارثة الانسانيّة
برجاف تنفرد بنشر تقرير يسلط الضوء على المشهد العام وكيف أن القصف يؤثر لا على الحرب و الارهاب فحسب إنما يؤثر على الاستقرار ، فضلاً على ان القصف لا يخدم القرار الأممي ٢٢٥٤ ، وتعرجت لطرح الحلول بواقعية للانطلاق بمرحلة جديدة على مستوى الكُردي الكُردي والذي بإمكان الرئيس البارزاني لعب دور مهم بذلك وعلى مستوى الوطني السوري وعلى مستوى حسن الجوار مع تركيا، كما دعت الامم المتحدة رعاية اجتماع بين الكُرد والأتراك ونشر مخافر للعناصر الأممية على طول حدود الكُرد مع تركيا وذلك لخلق الإطمئنان على طرفي الحدود.
والنص الكامل أدناه:
2 November 2018
دون سابق إنذار، وبينما كان الناس يتحدثون عن بدأ عمليّة سير الدوريات المشتركة بين الأتراك والتحالف في منبج، وما إذا كانت هذه الخطوة ستؤثرعلى مصالح الناس، وتخل بالاستقرار في المنطقة التي اشغلت المنظمات الإنسانيّة والمدنيّة والمجالس المدنيّة على بناء الإستقرار، وإعادة النازحين واللاجئين والإنخراط في الحياة العامة تماشياً مع الشروط والظروف في عمليّة بناء السلام، وإنسجاماً مع ما يعمل عليه مكتب المبعوث الخاص والقرار2254 وقوات التحالف على تجاوز مرحلة الحرب والمباشرة في عمليّة سد الطريق أمام الفوضى والحرب، تفاجئ الناس بالقصف التركي الشديد الوطأة، خلق حالات من الرعب والخوف، وكان في الساعة الثامنة من ٢٨ أوكتوبر.
المشهد العام:
كوباني، وكري سبي(تل أبيض) منطقتين حدوديتين مع تركيا التي بنت جداراً إسمنتياً عالياً من داخل الحدود مع المنطقتين بعمق ما يقارب خمسون متراً؛ الناس منهمكون في حياتهم اليوميّة، طووا صفحة وجود داعش، وأسسوا لأنفسهم بيوت ومنازل بعد أن حصل الدمار. كل يوم يحدُثْ تغييراً في حياة الناس، هم منخرطون في الزراعة، وأيضاً في كل مجالات العمل، وخاصة في التجارة. وصل متر الأرض في كوباني إلى ٣ آلاف دولار، يعني الأسعار من ٢٥٠ -٣٠٠٠ دولار هذا الرقم يؤشر على أنّ الناس يرون في المستقبل أياماً جميلة.
ثمة تعايش يسود المنطقتين، العلاقات في كري سبي جيدة وهناك انخراط كبير في العمل إدارياً ومعيشياً بين المكونات مثل الأرمن والتركمان والكُرد والعرب. شراكات ومصالح مشتركة. وفي كوباني العلاقات جيدة بين العرب والكُرد، وعاد اللاجئين إلى الشيوخ(اقصى غرب كوباني على جانب من نهر الفرات)، قريّة غالبيتها من العرب، بحدود مائة واربعون عائلة، قبل مجيئهم احدثت لهم البلديات ومصالح للخدمات البلديّة.
وضع كوباني مازال سيئاً من الناحيّة الاجتماعيّة، حيث هجوم داعشي المباغت في ٢٠١٥، سموها الكوبانيين “ليلة الغدر” وقاموا بنحر عائلات بالكامل، وهناك من تم ذبح رب البيت أمام عائلاتهم، في آخر تقرير لنا نحن برجاف؛ هناك ما يقارب ألف امرأة في حاجة ماسة الى الرعاية والدعم، وهذه النسوة هنّ زوجات وضحايا مختطفون لدى داعش وارامل ” ليلة الغدر”.
تقديرات برجاف انّه حوالي مليون وثلاثمائة يعيشون في منطقتين مع النازحين من عفرين وهناك نازحين من داخل سوريا مازالوا يعيشون في كوباني وتل أبيض، ومازالت منظمات مدنيّة وإنسانيّة تستجيب إلى احتياجاتهم لكن بشكل متواضع وخجول بعد أن غيّرت الولايات المتحدة الأمريكيّة وبعض المنظمات الأوربيّة من أهداف تمويلها ومكان عملها، مع أن المنطقة مازالت بحاجة إلى الكثير.
آثار القصف الأخير:
على مستوى الضحايا: نتج عن القصف في ٢٨ اوكتوبر في قرى شمال غرب كُوباني عنصر من “حرس الحدود”، وإصابة مدنيين بجروح وحالات الفزع والخوف والرهب بين الناس، والذي استهدف قرى حدوديّة: زورمغار، جارقلي، آشمة،قران، سيلم، كورعلي، سفتكي. فيما كان الضحايا، في معبر كري سبي(تل أبيض)، عنصر من “الحرس الحدود” وإصابة عنصر آخر، وقيل لراصد برجاف بأن عدد الجرحى الاثنين، وكان القصف حوالي ساعة ١١ مساء ٣٠ أوكتوبر. بيد أنّ ضحايا يوم ٣١ من اوكتوبر كانت أكثر وطأة وشدةً حيث ٨ مدنيين جرحى لتأتي الضحيّة الكبرى في العمليّات القصفيّة طفلة اسمها سارة رفعت مصطفى عمرها ١١ عاما بينما كانت تعود من المدرسة حسب ما قيل لراصد برجاف وذلك في ١ تشرين الثاني، هي من قريّة تلفندر ٦ كم غرب كري سبي(تل أبيض).وهذا الامر متنافي كلياً مع القانون الدولي الإنساني .
وفي لحظة كتابة تقريرنا وصلنا الخبر بأنّ الاتراك استهدفوا مجموعة من الاعلاميين،كانت في جولة إعلاميّة، وأصيب 2 من إعلاميي وكالة “هاوار” بجروح بليغة.
حالات النزوح:
مع الساعات من بدايّة القصف، شهدت غالبيّة القرى الحدوديّة (١٢ قريّة) حالة من النزوح الداخلي، وشمل النزوح المرضى من الرجال والنساء والاطفال واتجهوا إلى قرى الداخل وكوباني المدينة، وهناك من ترك من خلفه البذار للقمح والشعير كون هذه الأيام أيام الزراعة، حيث يقوم المزارعين بزراعتهم في أواخر الخريف، وحتى لحظة كتابة تقريرنا عاد بعض من العائلات إلى منازلهم، لكن في حالة من الحذر الشديد.
الأمن المجتمعي:
أحد القرويين قال لراصد برجاف، بأنه” اذا تركيا تقوم بالقصف بسبب امنها القومي، فاننا نرى الامور بعيوننا على شكل: ان القصف التركي يعرّض الامن المجتمعي في كوباني وطول الخط الحدودي للتهديد والخطر”، وينقل راصد برجاف بأنه ليس هناك تمركزات عسكريّة في كل القرى المستهدفة، انما هناك نقاط حراسيّة على مفارق الطرق وعناصر من “الأسايش”، وهناك نقاط حراسيّة حدوديّة أغلب عناصرها من “الخدمة الزاميّة”، ولا يتراءى للنظر أي ثكنة عسكريّة، عدا زورمغار وهي قريّة تقع في زاويّة آقصى شمال غرب كوباني المتاخم لجرابلس التي تسيطر عليها قوات “درع الفرات” والاتراك، ومن الملفت للنظر تخلو الحدود من جانب سوريا مع الاتراك من ثكنات العسكريّة فسرّ لراصد برجاف على انّ هذه الخطوة كنوع من مبادرة لحسن النيّة تجاه الاتراك، وأيضاً كنوع من عدم اثارة المشاكل معهم، على الحدود مع مناطق “درع الفرات” حيث يتواجد العسكر بشكل كثيف.
وتعرض نتيجة القصف المنطقتين، عدا الأمن المجتمعي، الى نوع من الخوف من المستقبل، خاصة إن المنطقتين تثقلان بالسكان، وإن الناس عانوا من ويلات الحرب مع داعش ومع تنظيمات الراديكاليّة الأخرى الإسلاميّة، فإذا كان هجوم النظام على إدلب يؤثر على ٣ ملايين من المدنيين وتحدث الكارثة فإن القصف اذا استمر ينذر بكارثة إنسانيّة بحق مليون وثلاثمائمة مدني اغلبهم استقروا في بيوتهم وأسسوا لأنفسهم مصالح وشروط العيش المؤقت منتظرين”إعادة الإعمار”.
الحلول:
داخليّاً:يجب بلورة فكرة التماسك الاجتماعي وتفعيل حوار مجتمعي-سياسي لخلق نوع من الثقة وتفعيل المشهد السياسي-المدني، وذلك لتفعيل اتفاقات بين القوى الكُرديّة، ويمكن أن تلعب رئاسة اقليم كُردستان دوراً فعالاً في مسألة التماسك الاجتماعي ودعوة كل الأحزاب لعقد اجتماع تاريخي ومسؤول لخروج بخطاب قابل للقياس وواقعي وبحث عن ادوات العمل مع القوى الوطنيّة السوريّة ومسألة حسن الجوار مع تركيا.
خارجيّاً:على مستوى التحالف الدوليّ فيقع على مسؤوليّة التحالف الدوليّ خلق نوع من الإطمئنان للناس، كون الناس وثقوا به، ويرون فيه نوع من الإطمئنان، وإن أي تهديد لمناطق شمال شرق سوريا فعليّاً تؤثر ليس على الحرب على الإرهاب فحسب إنّما على بناء الاستقرار طالما نادوا به.
أمميّاً:على مكتب المبعوث الخاص الاهتمام والعناية الخاصة، بمسألة الخلاف التركي والكُردي، وإنه على المبعوث الخاص رعاية اجتماع بين الطرفيين، وحل “الخلاف الواهي”، وحسب ما نقل لراصد بأنّ” الناس يتطلعون إلى مخافر حدوديّة عناصر من الامم المتحدة لانتشار في حدود مع تركيا” لخلق الاطمئنان بين الطرفين،خاصة ان ما يجري في جانب من جوانبه هو نتيجة الصراع تاريخيّ له مدلول قومي بين الاتراك والكُرد.
خاصة كل ما يجري لا يخدم ولا يساهم في تنفيذ القرار الدولي 2254
برجاف
هيئة الدراسات والتحليل