أكدت مصادر محلية في مدينة تل أبيض (كري سبي) بريف الرقة الشمال مقتل الشاب (صالح الشبلي) تحت التعذيب في أحد سجون فصائل الجيش الوطني السوري، بعد أن تم اعتقاله في 11 شباط \ فبراير بحجة تعامله مع قوات سوريا الديمقراطية.
حيث تم اقتحام منزله في قرية حويجة الواقعة جنوب شرق مدينة تل أبيض، ورافق ذلك إطلاق نار أدى لإصابة صالح بطلق ناري في منطقة الصدر، وأكد المصدر أن عملية الخطف كانت من قبل مجموعة يتزعمها (علي السراج) وهو أحد القاد الأمنيين في الجيش الوطني المدعوم من تركيا.
المصدر أشار أنهم كانوا على تواصل طيلة الفترة السابقة مع الخاطفين، وأنهم قالو لهم أن الشبلي موجود في أحد سجون الجيش الوطني في مدينة تل أبيض، وأبلغوهم بتوفير فدية مالية مقدارها (20 الف دولار) للافراج عنه، أو سيتم قتله.
وكانت الجبهة الشامية قد اعتقلت (على السراج) في 23 شباط\فبراير على خلفية قيامه مع عناصر مجموعته بالتحرش بمجموعة من النساء في مدينة تل أبيض، وذلك بعد هروبه ولجوئه للقاعدة التركية في المدينة التي رفضت بداية تسليمه، لكن مصير الشبلي والعشرات غيره من المختطفين ظل مجهولا حتى أكد المصدر اليوم نبأ وفاته تحت التعذيب بدون أن يحدد تاريخ وزمان ذلك.
وأصدر“مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا” تقريرا في 1 نيسان/أبريل 2020 حول واقع السجون في مناطق الشمال السوري الخاضعة لتركيا كشف فيه مقتل 87 شخصا تحت التعذيب في سجون ومعتقلات الفصائل والجماعات المسلحة التي تدعمها تركيا شمال سوريا كما وكشف أنّ هذه الفصائل اعتقلت ما لا يقل عن ( 6201 ) شخصا، منذ آذار 2018 وتعرض ( 789 ) شخصا منهم للتعذيب.
وجاء التقرير وسط قيام المركز بتوثيق المزيد من حالات التعذيب في السجون، رغم صعوبة الوصول إلى المعلومات، والحصول على تفاصيل متعلقة بهذا الشأن نتيجة قيام السلطات التركية بإغلاق المناطق التي احتلتها في شمال سوريا أمام وسائل الاعلام، وأمام المنظمات الحقوقية المحلية والدولية وهو ما يمنح الفصائل مزيدا من القوة والثقة في المضي بتعذيب المعتقلين في السجون دون مراعاة القواعد الاساسية التي تضمن حقوق المعتقلين. من الاحتجاز التعسفى كإحدى الانتهاكات الخطيرة، و“الحرمان من الحرية” بدون سند قانوني. حيث ينص الإعلان العالمى لحقوق الإنسان في مادته التاسعة على مايلي: “لا يجوز اعتقال أى شخص أو حجزه أو نفيه تعسفيا”. كما ينص فى مادته العاشرة على: “لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق فى أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظرا منصفا وعلنيا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أيّة تهمة جزائيّة توجه إليه”.
وكشف التقرير أنّ مصير نحو 3051 معتقلا من أصل 6201 معتقلا في ثلاث مدن رئيسية وهي عفرين وتل أبيض ورأس العين مازال مجهولا، حيث يُفترض أنّهم إما موتى أو لايزالون قيد الاحتجاز. فضلا عن ذلك، كما لقي حوالي 87 شخصاً “حتفهم تحت التعذيب”، في حين يموت الكثيرون جراء أوضاع تعتبر مزرية ومنهم من يموت بعد الإفراج عنه، فيما يمكن وصف ما يحدث “بالإبادة”.
,أشار التقرير أنّ عمليات الاختطاف والقتل التي ارتكبها النظام السوري حظيت باهتمام كبير في الغرب، لكن فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا احتجزت أشخاصاً كثر أيضا، وقتل الكثير منهم تحت التعذيب. ويبدو أنّ نظام السجون بات جزءاً لا يتجزأ من جهود السلطات التركيّة في تحقيق التغيير الديمغرافي، التي تتضمن تهجير من تبقى من السكان .
نزح أو هجر من عفرين قرابة \ 200- 250 ألف\ و 350 ألفا نزحوا من مناطق تل أبيض \ كري سبي ورأس العين\ سري كاني باتخاذ إجراءات عديدة تنفذها الفصائل التابعة لها من استيلاء على الملكيات العقارية والزراعية والتجارية إلى اعتقالات وخطف وقتل وتهديد وابتزاز واغتصاب. لعل صمت المجتمع الدولي عن جرائم الحرب التي ارتكبتها وتواصل ارتكابها الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا في عفرين كان حافزا لتقوم تركيا باطلاق هجومها البري لاجتياح منطقة شرق الفرات التي كانت مستقرة وآمنة ومتعايشة.
ورغم أنّ تركيا تمارس سياسة الصمت وترفض الرد على التقارير الحقوقية التي تتهم قواتها بارتكاب جرائم حرب في منطقة عفرين، فإنّ بعضا من بيانات الفصائل التي تدعمها تؤكد بالفعل حدوث انتهاكات، وهي تعترف ضمنيا باعتقال وموت العشرات وهم رهن الاعتقال، لا سيما مع اعلانهم اعتقال أعضاء ورؤساء بعض الأجهزة الأمنية وقادة وأعضاء الفصائل بتهم التعذيب والاغتصاب والفساد وغيرها أو تأتي كرد على بعض التقارير والصور والفيديوهات المسربة، تتضمن إقرار بأنّ الحادثة “حالة فردية” وأنّه سيتم معاقبة المتورطين، وهو العقاب الذي لا يتم….وكأنّهم يقولون “لقد ارتكبنا هذا، ولن يُعاقبنا أحد”، ضمن منهجية “التعذيب لمجرد التعذيب، التعذيب من أجل الثأر والقتل والحقد وإهانة الأفراد، وكسب الأموال ….”.
يعتبر نظام الاعتقال في سجون الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا شمال سوريا نسخة عن ذاك الذي بناه الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وابنه بشار الأسد. ففي سنة 1982، سحق الأسد الأب انتفاضة مسلحة للإخوان المسلمين في حماة، وسوّى جزءا كبيرا من المدينة بالأرض، كما اعتقل عشرات الآلاف من الناس؛ منهم الإسلاميين والمعارضين اليساريين السوريين بشكل عشوائي وذلك ردا على تمرد تنظيم الإخوان المسلمين طمعا في السلطة.
وعلى مدى عقدين من الزمن، اختفى حوالي 17 ألف محتجزا في غياهب سجون النظام الذي يمتاز بطرق تعذيب تمت استعارتها من المستعمرين والديكتاتوريين الإقليميين والنازيين.. وعندما خلف بشار الأسد والده في سنة 2000، أبقى نظام الاعتقال على حاله وحينما انشق عنه عناصر من المخابرات، وقادة من جيشه وموظفين وانضموا لصفوف المعارضة، أسسوا هناك نظاما يماثل النظام الذي انشقوا عنه، وبنفس الممارسات، حيث تم تأسيس أجهزة أمنية موازية كجهاز الشرطة العسكرية، وجهاز الأمن السياسي والجنائي والمخابرات وسجون ومعتقلات سرية ومتعددة وغير ذلك، لا بل كانت هذه الأجهزة هي الأسوأ كونها تفعل ما تشاء بدون رقابة ولا تخشى من العقاب وتمضي في ارتكاب المزيد من الانتهاكات، فلكل فصيل مسلح أجهزة أمنية خاصة به، يسيطر عبرها على قرى وبلدات يفرض فيها من يشاء.