أحداث القامشلي 2004، أو كما يعرف باسم (الانتفاضة الكردية)
وقعت هذه الأحداث بتاريخ 12 مارس / آذار عام 2004 في مدينة القامشلي السوريّة (أقصى شمال شرق سوريا) إثر مباراة كرة قدم كانت مقررة ضمن الدوري السوري بين فريق المدينة نفسها (الجهاد) وفريق المحافظة المجاورة دير الزور (الفتوة) على الملعب البلدي في المدينة. إلا أنّ اشتباكات وقعت بين الجمهور “مشجعي الفريقين” في الملعب حيث بدأت بشعارات استفزازية من الجمهور الضيف وحدث تراشق بالحجارة وانتهت بعدد من القتلى والجرحى سقطوا على يد قوات الأمن والشرطة، الذين استهدفوا مشجعي “نادي الجهاد” ومنهم من أصيب نتيجة تدافع الجمهور، تأخرت قوات الأمن السورية في التدخل وفض الاشتباك وعندما تدخلت استخدمت الرصاص الحي ضد مشجعي نادي الجهاد الذين كانوا محاصرين بعد اغلاق منافذ الخروج في المدرجات. فسقط المزيد من القتلى، والمصابين امتدت الاضطرابات إلى شوارع المدينة وتم سلب ونهب قرابة 70 محلا تجاريا من قبل مشجعي ناظي “الفتوة” الذين كانوا بأعداد كبيرة وبعضهم مسلحا، امتدت الاحتجاجات لتشمل المدن والتجمعات الكردية في سوريا وتركيا والعراق (اقليم كردستان) وإيران.
تعتبر هذه الأحداث من أسوأ الاضطرابات التي شهدتها مناطق شمال شرق سوريا في تلك الفترة، وكانت حصيلتها 25 قتيلا وفق حصيلة رسمية سوريّة، (40 وفق مصادر محلية) ومئات الجرحى، ونحو 4000 معتقل كردي تعرضوا للتعذيب من قبل أجهزة الأمن السورية، وما رافقها من هجمة إعلامية موجهة.
وأرسل الجيش السوري قوات إضافية بعد تمدد المظاهرات وبدأ الكرد في عموم سوريا بالتظاهر بعدما بلغتهم أنباء الاضطرابات في القامشلي والحسكة حيث كانوا في حالة غليان وتظاهروا في الشوارع في مختلف مدن محافظة الحسكة وكوباني و حلب المدينة وجامعتها ومدينة عفرين كما وامتدت إلى دمشق وتركزت في التجمعات الكردية عامة كحي زورافا وركن الدين وفي جامعة دمشق وساحة الأمويين واتجهت منها تظاهرة طلابية نحو القصر الجمهوري حيث مقر إقامة الرئيس السوري بشار الأسد لكن قوات الأمن منعتها واعتقلت غالب المشاركين فيها، كما امتدت المظاهرات لتشمل مدن كردية في اقليم كردستان وتركيا وايران وأوروبا.
طالبت الأحزاب السورية والهيئات المدنية في بيان أصدرته بوقف حملة الاعتقال وكل أشكال العنف ودعت الحكومة لإطلاق سراح المعتقلين، كمقدمة لا بد منها لوأد الفتنة، والمسارعة إلى تشكيل لجنة تحقيق وطنية نزيهة تتقصى حقيقة ما جرى وتحدد المسؤولية عن سبب وقوع هذه الأحداث وتطورها، وانصاف أسر الضحايا والمتضررين ورأب الصدع بمعالجة أسبابه السياسية ودانت الإساءة إلى علم البلاد أهم رموز وحدتها الوطنية.
الخلفية:
القامشلي هي أكبر مدينة في محافظة الحسكة، وتقع في شمال شرق سوريا. تعتبر مركز ثقل النضال الكردي السوري حيث تتجمع فيها مراكز الأحزاب والجمعيات الكردية وتشكل تكتلا اجتماعيا وسياسيا وسكانيا للكورد بموازاة جهود كثيرة بذلتها الحكومات السورية منذ وصول حزب البعث إلى السلطة تهدف إلى تعريبها وتطبيق مخططات وسياسات التغيير الديمغرافي والتهجير /التطهير العرقي والتجريد من الهوية السورية فيها وبلغت ذروة تلك الممارسات مع اعتماد “مشروع الحزام العربي” فيها في عام 1962، عندما قامت الحكومة السورية بإعداد إحصاء سكاني واستبعدت منه العديد من الكرد. ما خلّف عنه هو تركهم بدون جنسية وعدم الحق في الحصول على وظائف حكومية أو امتلاك عقارات. وفجأة أصبح الكرد بلا جنسية، يحملون بطاقات هوية حمراء اللون “أجنبية” مدوّن عليها “مكتومي القيد”. ومن بين الخطوات الأخرى التي اتخذتها الحكومة السورية والتي غذت التوترات، إعادة توطين العرب من مناطهم (عرب الغمر) كما يسمون، تسمى الخطوة بالحزام العربي. والتي عززت الكراهية بين الكرد والعرب.
البداية:
في 12 مارس “آذار” 2004، أثارت مباراة كرة قدم في القامشلي بين نادي مدينة قامشلو “الجهاد” ونادي “الفتوة” من دير الزور في جنوب شرق سوريا اشتباكات عنيفة بين مشجعي الأطراف المتنازعة التي امتدت إلى شوارع المدينة. وركب مشجعوا الفريق العربي حول المدينة في حافلات قبل المباراة قدرت ب 12 حافلة كبيرة للركاب، وبدأت هذه الجموع بالتظاهر في شوارع القامشلي، رافعة صور الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، مناديين بحياته، وموجِّهةً الشتائم والسباب للكرد وقادتهم (طالباني، بارزاني، أوجلان)، واصفين إيَّاهم بالخونة والعملاء لأمريكا كل ذلك كان يجري بعلم الأجهزة الأمنية وفروعها السبعة في المدينة. ورغم تواجد قوات من الشرطة على أبواب المعلب البلدي في المدينة، استطاعت الجموع الغوغاء الدخول إليه، بدون تفتيش وكان بحوزتهم العصيّ والسكاكين والحجارة. وفورا دخولهم الملعب وقبيل اعلان صافرة البداية بين الناديين زادت حدة الاحتقان، وارتفعت وتيرة الشعارات، حيث واصل جمهور الفتوة استفزازاته. تصاعدت التوترات بين المجموعتين، وبدأو بالاشتباكات في المدرجات وبدا جمهور الفتوة بالقاء الحجارة، والعصي وضرب جمهور نادي الجهاد، ما عقد الأوضاع هو تدخل القوى الأمنية عبر اطلاق الرصاص الحي باتجاه مدرجات جمهور نادي الجهاد وقتل 4 أشخاص على الفور.
وبثَّ برنامج الرياضي “ملاعبنا الخضراء” في الإذاعة السوريّة، نبأ توقُّف مباراة بين فريقي الجهاد والفتوَّة، نتيجة اشتباك بين جمهور الفريقين. وذكرت: إنّ ثلاثة أطفال قتلوا دهساً تحت الأقدام. وكان لهذا الخبر أثره البالغ في غليان المدينة، ووضعها على حافة الانفجار. واتضح فيما بعد، إنّه كان خبراً كاذباً وملفَّقاً.
فور أنتشار الخبر توجه الآلاف من الأهلي نحو المعلب، كي يعرفوا ماذا جرى لأبنائهم، لكن قوات الأمن حالت دون دخلوهم إليه. وأصوات الصراخ والشجار والأعيرة الناريَّة كانت تصدر من داخل المعلب. واستمرَّ الغليان في تصاعده، إلى أن وصل محافظ الحسكة، سليم كبّول، (وهو رئيس اللجنة الأمنيَّة التي تضمُّ أفرع المخابرات في المحافظة)، إلى المكان، وأمر بإطلاق الرصاص الحيّ على الجموع المحتشدة، وقيل إنّه “باشر إطلاق النار من مسدسه الشخصي على المدنيين العزَّل”. وهنا بدأت المجزرة، وسقط العديد بين قتيل وجريح، ولم تنم القامشلي ليلتها، نتيجة عمليات كرٍّ وفرٍّ بين المتظاهرين ورجال الأمن والشرطة، وحملات الاعتقال والمداهمات العشوائيَّة.
وفي اليوم الثاني 13 آذار \ مارس 2004، نزل أكثر من 200 ألف كردي لشوارع القامشلي لتشييع جنازات شهداءهم الأربع، الذين سقطوا في اليوم الأول. وتدخلت القوى الأمنية مجددا مطالبين بنزع الاعلام الكردية عن جثامين الضحايا، وسط غليان شعبي، وبعد رفض الاستجابة لهم من قبل المتظاهرين الغاضبين، ورفع سقف الشعارات والمطالب بدأت القوى الأمنية مجددا باطلاق الرصاص، تم استهداف المشيعين مباشرة، فسقط ضحايا جدد. ليحدث الانفجار الكردي، الذين تحول لانتفاضة عارمة امتدت إلى مختلف المدن الكردية في محافظة حسكة وحلب (عامودا، درباسية، تربه سبيه، معبده، ديريك، رأس العين، كوباني، عفرين) وجامعة حلب وحي الشيخ مقصود والاشرفية والعاصمة دمشق. حيث خرج الآلاف في مظاهرات غاضبة، يقودها الاحتقان والإحساس بالغدر والظلم، تجوب الشوارع، وتهاجم مراكز الشرطة والمخابرات ومقرَّات حزب البعث وبعض المؤسسات الخدمية أيضاً.
ساهمت عوامل عديدة في تحويل الحادثة من احتجاج وخلاف بين جماهير لناديين متنافسين إلى انتفاضة شعبية، حيث بدت الإجراءات الأمنية التي اتخذت لمعالجة القضية من قبل الحكومة في دمشق، وقد أججت مشاعر الغضب لدى الشارع الكردي لا سيما وأنّ الكرد اتهموا قوات الحكومة السورية، بالوقوف مع جمهور الفريق الآخر، ومنحه مساحة ودعم كامل للاعتداء عليهم، داخل أسوار الملعب، وخارجه، لا سيما بعدما تم حجز جمهور نادي الجهاد في أسوار الملعب وهم يتعرضون للضرب بالحجارة، التي يبدو أنّهم كانوا قد تسلحوا بها قبل قدومهم، وفتح بوابات الخروج لجمهور الفتوة، الذي خرج يتعدي على من في الشارع، ويقتحم المنازل والمحلات من تدمير وتكسير والضرب دون اعتراض أو رادع من قبل قوات الأمن.
أضف أنّ عدم توفر الاحتياطات الأمنية اللازمة في الملعب، والتي تتخذ عادة في هذه المناسبات، مثل تواجد قوات حفظ النظام في الملعب إلى ما بعد دخول الجمهور ساهم في تأجيج الأوضاع إلى جانب عدم وجود خبرة من القادة الأمنيين للتصرف بسرعة في مثل هذه الحالات الطارئة والتي تستدعي اتخاذ القرارات المناسبة والصحيحة بشكل عاجل. حيث قام أفراد من الشرطة وقوات الأمن بإطلاق الرصاص الحي مستهدفين جمهور نادي الجهاد واغلقوا منافذ خروجهم من المدرجات، وهو ما أدى لسقوط قتلى وخروج الأوضاع عن السيطرة، علما أنّ الأحداث المماثلة يجري التعامل معها عادة، عن طريق إطلاق الغاز المسيل للدموع واستعمال خراطيم المياه، وإطلاق الرصاص المطاطي في أسوأ الأحوال.
كما وساهم الاعلان الذي بثته (إذاعة دمشق) ضمن برنامج ملاعبنا الخضراء أثناء الأحداث، عن وفاة ثلاثة أطفال دهسا بالأقدام في توتر وهيجان لدى الأهالي في المدينة خارج الملعب ليتبين إنّه خبر كاذب. وشكل الصمت الأمني لاستفزازات جمهور فريق الفتوَّة للأكراد، وشتمهم لهم ولرموزهم في شوارع القامشلي، قبل دخول الملعب وإدخالهم للحجارة والعصي والآلات الحادَّة لساحة المعلب، تحت أنظار الشرطة دافعا لتأجيج الوضع.
أضف أن إطلاق الرصاص على المتظاهرين بشكل عشوائي، (إصابات الضحايا كانت في الصدر والرأس). وحجم التعتيم والتشويه الإعلامي للحدث، وإظهاره على إنّه من منعكسات الاحتلال الأمريكي للعراق، وإنّه غذَّى الشعور القومي لدى الأكراد كانت من الأسباب الأخرى التي دفعت لتعقيد الأزمة.
نتج عن أحداث اليومين 12 و 13 آذار ، جرح العديد من المتظاهرين الذين نقلوا إلى المشافي، من بينهم 30-35 إصابة ناجمة عن المشاجرات والتراشق بالحجارة استقبلها المشفى الوطني، وقد أجريت لهم الإسعافات اللازمة وغادروا المستشفى ، والآخرون أصيبوا بعيارات نارية في مناطق مختلفة من أجسادهم، أغلبها يتركز في مناطق البطن والصدر.
تم إسعاف الجرحى في البداية في مدينة القامشلي ،إلى المشافي الخاصة والعامة على السواء، لكن فوجئ ذوي الجرحى بدوريات شرطة وسيارتن إسعاف جالت المشافي الخاصة، وأجلت الجرحى عنها وحولتهم إلى المشفى الوطني واخضعتهم للحراسة المشددة، على الرغم من اعتراض الأهالي على هذه الخطوة، لرغبتهم في أن يتلقى أبناؤهم العلاج في مشافي خاصة.
أحرق المتظاهرون الكرد المكاتب المحلية لحزب البعث، في قامشلو، وعامودا ومدينة كوباني. وبلغت الأحداث ذروتها عندما قام الكرد في القامشلي بإسقاط تمثال حافظ الأسد. تدخل الجيش السوري بسرعة، ونشر الآلاف من القوات مدعومة بالدبابات وطائرات الهليكوبتر.
الموقف الرسمي الحكومي:
ذكر التلفزيون السوري مساء يوم 12 آذار، إنّه تم تشكيل لجنة تحقيق في ما قال إنّها “الأعمال التخريبية” التي وقعت في مدينة القامشلي. وقال التلفزيون إنّ أعمالا مفتعلة قام بها بعض الغوغائيين في محافظة الحسكة ضد استقرار الوطن والمواطن وأمنهما، وهما من ثوابت المصلحة الوطنية ولا يجوز العبث بها تحت أي ذريعة). وأضاف أنّ (استغلال ما جرى في الملعب البلدي من قبل بعض المدسوسين للقيام باعمال شغب تخريبية طالت بعض الممتلكات الخاصة والعامة هو ترجمة لافكار مستوردة). وتابع (أن ذلك هو من الأعمال المخالفة للقانون التي تخضع للمساءلة والمحاسبة وقد شكلت لجنة للتحقيق بالحادث وملابساته).
ومنه نجد أنّ الموقف الرسمي السوري وصف الأحداث على أنّها جريمة جنائية من فئة خالفت القانون وارتكبت أعمال تخريب. وهو موقف جاء كذلك عبر وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” عبر تقرير قالت فيه إنّ “الهيئات الاجتماعية والرسمية في مدينة القامشلي السورية” استنكرت “أعمال الشغب التي بدأت في الملعب البلدي وطالت بعض المنشآت والممتلكات العامة والخاصة”.
وأضاف التقرير “في اجتماع ضم عشائر المنطقة من جميع الأطياف أتفق الجميع على أنّ ما جرى غريب عن نسيج المنطقة القائم على الانسجام الاجتماعى الوطني والحضاري الذي يجمع التنوع في إطار وحدة وطنية بنيت البلاد وحمت استقلالها وصانت سيادتها عبر قرون وتاريخ”.
وقال “في إطار المصلحة الوطنية العليا بدأت لجنة التحقيق أعمالها لكشف ملابسات ما جرى وضبط الأعمال الجرمية المخالفة للقانون التى وقعت بحق الشعب وممتلكاته وأمنه واستقراره”، مؤكداً أنّ “أهالي القامشلي يعودون إلى حياتهم الهادئة وإلى تفاعلهم الحي يستنكرون ما جرى من شغب مدسوس ويطالبون الحكومة بمعاقبة مرتكبيه أشد العقاب لأنّ من يتطاول على امن واستقرار البلاد يرتكب افظع الجرائم خاصة وأنّ ما جرى جاء متوازناً مع تحركات خارجية حاولت استغلاله للتشويش على موقف سورية الوطني والقومي”.
الموقف الكردي :
سعت الأحزاب إلى تهدأة الأوضاع المضطربة وطالبت بتحديد سقفها إلى مطالب معقولة، وطالبت في بيان أصدرته بوقف حملة الاعتقال وكل أشكال العنف ودعت الحكومة لإطلاق سراح المعتقلين، كمقدمة لا بد منها لوأد الفتنة، والمسارعة إلى تشكيل لجنة تحقيق وطنية نزيهة تتقصى حقيقة ما جرى وتحدد المسؤولية عن سبب وقوع هذه الأحداث وتطورها، وإنصاف أسر الضحايا والمتضررين ورأب الصدع بمعالجة أسبابه السياسية ودانت الإساءة إلى علم البلاد أهم رموز وحدتها الوطنية.
موقف إقليم كردستان:
على الرغم من أنّ جزء أساسيا من أسباب ما جرى في 12 آذار 2004، كان متعلقا بإقليم كردستان وبالتحديد رئيسها مسعود البارزاني، إلا أنّ المسؤولين في اقليم كردستان فضلوا الصمت، وتجنَّب تغطية الحدث في وسائل إعلامه، إلا بعد مضي أربعة أيام، وبعدها بدأت مواقفه تظهر تباعا وكانت في مجملها تُحذِّر “دمشق” من خطورة اتباع الأسلوب الأمني في التعاطي مع المشكلة، وطالبها بالتوقف عن قتل المدنيين، وتشكيل لجنة تحقيق مع تلميحات بأنّها ستحرك فرقة من قوات البشمركة للتدخل إن استمرّت قوات الأمن السورية في ممارساتها القمعية. كما وتبنت حكومة اقليم كردستان(السليمانية، هولير) الكثير من الطلاب المفصولين من كلياتهم في حلب ودمشق وقامت بتسجيلهم في جامعاتها.
مابعد عام 2004
بعد أحداث 2004 في القامشلي، فر الآلاف من الكرد السوريين إلى المنطقة الكردية في العراق. وأنشأت السلطات المحلية هناك ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووكالات الأمم المتحدة الأخرى مخيم موقبالية في قاعدة عسكرية سابقة بالقرب من دهوك.
وبعد عدة سنوات، نقلت حكومة إقليم كردستان جميع اللاجئين، الذين وصلوا قبل عام 2005، إلى مساكن في مخيم ثانٍ، يُعرف باسم القامشلي. يتكون المخيم من مشروع سكني متواضع مع عشرات المنازل السكنية.
يضم المعسكر الأصلي في قلعة الجيش السابقة الآن حوالي 300 شخص. العديد من المنازل مصنوعة من كتل إسمنتية مغطاة بأقمشة مشمعة من البلاستيك. المراحيض والحمامات في مبانٍ منفصلة أسفل الشارع. توفر السلطات الكهرباء وشاحنات المياه والحصص الغذائية.
مظاهرات عام 2005
في يونيو 2005، تظاهر الآلاف من الكرد في القامشلي احتجاجاً على اغتيال الشيخ خزنوي، وهو رجل دين كردي في سوريا، مما أدى إلى مقتل شرطي وإصابة أربعة من الكرد. في مارس / آذار 2008 ، فتحت قوات الأمن النار على الكرد الذين كانوا يحتفلون بعيد النورو”العيد القومي للكرد-عيد رأس السنة الكردية”. مما اسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص من الكرد.
احتجاجات 2011
مع اندلاع الثورة السورية، وجد الأكراد الفرصة لإعادة إحياء انتفاضهم، وبالفعل شاركت غالبية المدن الكردية في وقت مبكر في تظاهرات تطالب بالحرية، وكانوا الأكثر تنظيما في مواجهة قوات الأمن والجيش السوري، الذي انسحب من مناطقهم الحدودية كونها كانت نقاط ضعف بالنسبة له، فكانت مدينة كوباني أول مدينة تخرج عن سيطرة الحكومة السورية في 19 \ 7 \ 2012 وتلتها المدن الأخرى تباعا.
كانت انتفاضة 12 آذار (ثورة) مبكرة في سوريا، وكسرت حاجز الخوف من الأفرع الأمنية التي كانت كابوسا على صدر السوريين، وتحولت لنقطة تحول في العمل النضالي الكردي في سورية. وبات نقطة علام ترسم مرحلتين تاريخيتين: قبل انتفاضة 12 آذار، وبعد انتفاضة 12 آذار.
وكشف الانتفاضة أنّ كل الحلول والتدابير الأمنية والديمغرافية والسياسية التي كانت تتبعها الحكومة السورية غير مجدية، مع سرعة وكثافة انتشار المظاهرات التي هزت أركان النظام برمته. وكشفت كذلك مدى التلاحم القومي الكردي عموما، في كل مكان، وتلك كانت ضربة ثانية تتلقاها تركيا ومعها إيران. كما وكشفت الانتفاضة هشاشة الحركة السياسيَّة الكرديَّة في سورية ورضوخها السريع أمام ضغوط السلطة، فعجزت غالبيتها عن استثمار الانتفاضة وتحويل معطياتتها إلى نتائج سياسيّة، محليّاً وإقليميّاً ودوليّاً.
يروي عدد من الشهود ما رأوهُ وحدث في 14 آذار 2004
شهادة من محمود حسن / وكان متواجد في المعلب
بدأت الأحداث أولاً قبيل البدء بالمباراة حيثُ شهدت شوارع قامشلو يومها حركة مرورية غير طبيعية، ووجود العديد من العربات والسيارات الغريبة وكان جمهور فريق الفتوة القادم من دير الزور يطلقون صيحات وشعارات محرضة مثلا” فلوجة، يحيا صدام حسين” وما إلى هناك من شعارات عنصرية استفزازية. وقبل البدء بالمباراة توجهنا إلى المعلب لنشاهد المباراة التي كان من المقرر أن تقام بين فريقي الجهاد، والفتوة التابعة لمدينة ديرالزور، وأثناء دخولنا إلى المعلب كان هناك تشديد في التفتيش علينا من قبل شرطة النظام، واللافت حينها أنّ اجراءات التفتيش لمشجعي فريق الفتوة وهم من عرب ديرالزور لم تكن مشددة وأغلبهم دخلوا دون تفتيش قط، الأمر الذي أثارَ فينا الفضول والتساؤل، ولكن لم نكن نعرف مايهدفون إليه”.
مشجعي الفتوة كانوا يحملون أوعية للمياه والتي يطلق عليها باللغة العامية”ترمز” فقد بدت لنا منظرهم هذا غير طبيعي، ولكن أدركنا فيما بعد أنّ أوعية المياه هذه كانت مليئة بالحجارة وأدوات حادة وليست مياهاً، وذلك استعداداً منهم بشكل مسبق للإعتداء على الكرد.
مع البدء بالمباراة حاول فريق الفتوة استفزاز فريق الجهاد بشعارات وإطلاق الكلام البذيء، ليس هذا فحسب، بل كان الجمهور المشجع لفريق الفتوة أيضا يستفزُ جمهور الجهاد ومع إحراز فريق الجهاد الهدف الأول، باشروا بإخراج الحجارة وقذفها صوبنا بالإضافة أنّهم أحضروا أيضاً سكاكين وأدوات حديدية حادة ووقتها بدأ عناصر الأمن بإطلاق الرصاص علينا في المدرجات حيث فقد العديد من الشبان الكرد لحياتهم وأصيب الكثيرون.
كنتُ قريباً من البوابة ولكن نتيجة الإزدحام الذي حدث جراء الاعتداء بات الوصول إلى المخرج أمراً صعباً وخصوصاً وأن الرصاص الحي كان يرش على المدنيين بشكل عشوائي.
شهادة عبد الكريم إسماعيل خالد \ أحد المتواجدين في الملعب:
أثناء دخولنا إلى الملعب لاحظنا أنّ أجواء المعلب غير عادية ووجوه جمهور الفتوة تحمل غضباً وحقداً، وأيضاً كانوا يستفزوننا بشعارات وهتافات غير عادية كـ”تحيا فلوجة ويحيا صدام حسين” فأدركنا أنّ شيئاً غير طبيعي سَيحدثُ في هذا اليوم، وجلسنا على المدرج لنشاهد المباراة ومع بدء المباراة بدأت الأحداث تجري بتدافع الجمهور نحو الخارج وفجأة سمعتُ أحدهم يقول إن؟ هناك أشخاص أصيبوا أثناء قذف الحجارة من قبل العرب الشوفينين على الكرد فهرعتُ إلى الخارج وسمعت أصوات أعيرة نارية داخل الملعب.
كان الشارع مكتظاً بالناس ومن هناك بدأت قوات النظام البعثي بإعتقال الشبان الكرد بشكل عشوائي، ولذا سارعنا بالعودة إلى الحي هرباً من بطش النظام وهمجيته”.
شهادة خليل محمد/ فقد بصره واستشهد ابنه أحمد في الملعب يوم المباراة:
كنّا نعتقدُ أنّ المباراة ستكون مباراة رياضية تجري بين فريقين بروح رياضية عالية ولكن تبين أنّ القصة أكبر من هذا بكثير فكانت تحمل في طياتها الكثير من ألاعيب والمؤامرات، في يوم 12 آذار كان أهالي قامشلو جميعاً شاهدين على الحدث فمع دخول فريق وجمهور الفتوة القادم من مدينة ديرالزور إلى المدينة توقفوا عند سكة الحديد عند مدخل مدينة قامشلو وملؤوا أوعية المياه بالحجارة، وبعد دخولهم المدينة بدؤوا بترديد الشعارات المستفزة للشعب الكردي.
كنت أعمل حينها في بيع الخضار على بسطة فوق الجسر على نهر جقجق، وحين عدت إلى البيت أخبرتني زوجتي أنّ أحداث غير طبيعية تجري في الملعب وسمعنا أنّ أطفالاً فقدوا حياتهم جراء التدافع نتيجة، وكان ابني أحمد حينها في الملعب أيضاً . ما إن سمعت هذا الكلام حتى هرعتُ إلى الملعب وأثناء الوصول شاهدت مجزرة حقيقة ترتكب بحق شبان الكرد، العشرات من الجرحى والعديد من الشهداء على الأرض، شاهدت ولدي مع أحد أقاربنا يدعى راكان كانوا يساعدون الجمهور العالقين في المعلب للخروج، فقلت له تعال لنخرج من هنا لننقذ حياتنا من هذه الفوضى وكانت زوجتي خارج الملعب قد أغمي عليها من شدة الخوف، فردَّ علي بهذا الكلام” لا لن أخرج من هنا حتى أنقذ الجميع”، حاولت كثيراً معه لكنه أبى الخروج من الملعب و في تلك الأثناء كانت أصوات الرصاص تملأ المكان، حيث كان ولدي الشهيد أحمد.
خرجت بصعوبة من الملعب وبعد مضي مدة قصيرة سألت الجميع عن أحمد ولكن لم يشاهده أحد، عدت إلى المنزل فقلت لوالدته هل عاد أحمد فردت علي لا لم يعد بعد، عدت إلى الشارع العام واستقليت سيارة أجرة تقلني مرة أخرى إلى الملعب حيث كان في السيارة شاب كان يخبر السائق إنّه شاهد قبل قليل سيارة إسعاف وصلت إلى مشفى عزيز فرمان يسعف أحد الجرحى من الملعب كانت حالته لا تبشر بخير حيث كان يرتدي بزة رياضية سوداء ذو قامة طويلة ممشوقة، وما إن سمعت هذا الكلام حتى صرخت بصوت عالي أنّه ولدي.
لم أتمكن من الوصول إلى الملعب لأنّ الرصاص لم يفسح المجال لأحد من الاقتراب و كان الحال يشهدُ حالة من الفوضى العارمة، توّجهت فوراً إلى مشفى فرمان وبصعوبة بالغة وصلت إلى هناك ومع وصولي سمعت صراخ الأمهات والشبان يبكون، توّجهت إلى الطبيب لأسأله عن اسم المصاب فقال بصوت مرتفع ليهدأ الجميع سوف اقرأ اسماء الضحايا الذين وصلوا إلينا حيث كان اسم الشهيد الأول اسم ولدي أحمد خليل محمد فأغمي علي لبرهةٍ من الزمن.
وبعدها نقلنا جثمان الشهيد أحمد إلى جامع صوفي عيسى في الحي وفي الصباح الباكر وبعد مراسم دينية قمنا بدفنه في مقبرة حي هليلية. وفوق كل هذا وقبل دفن شهدائنا منعتنا قوات النظام البعثي حيث أقدموا على إطلاق الرصاص علينا وحينها أصيب ابن شقيقتي بجروح بليغة.
جوان لزكين \ديريك \اعتقلته قوات الأمن أربعة أشهر:
في صبيحة يوم 13 آذار تجمع عدد من شباب مدينة ديرك وسط المدينة، وبدؤوا بترديد الشعارات التي تحيي مقاومة قامشلو وتنادي بحياة الشهداء، لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى ازداد عدد المتظاهرين السلميين، تجمع الآلاف من الشباب والنساء والرجال. ومع تزايد حالة الغضب توّجه المتظاهرون نحو المراكز الحكومية لإيصال رسالتهم إلى النظام”. عندما وصلنا إلى المراكز الحكومية أطلقت قوات النظام الرصاص الحي علينا.
عندما تظاهر الأهالي أمام مركز أمن الدولة أطلقت قوات الأمن النار على الأهالي ممّا أدى إلى استشهاد أحد الشباب وهو الشباب حسين نوري أحمد كما أصيب عدد آخر بجروح، الأمر الذي أثار غضب وسخط الأهالي، فهاجم الأهالي على المراكز الأمنية وأحرقوها، وفي هذه الأثناء فقد شاب آخر حياته أمام مركز الأمن السياسي وهو الشاب وليد بدري شاهين.
قوات النظام اضطرت إلى الفرار وإخلاء مراكزها بعد أن رأت ردّة فعل الأهالي وحالة الغضب التي سادت بين الجماهير وسقوط قتلى.
في صبيحة يوم 14 آذار شيّع الآلاف من أهالي المدينة جثماني الشهيدين وليد وحسين إلى مقبرة مدينة ديرك. وبعد عدّة أيام حشد النظام أعداداً كبيرة من قوات الجيش والأمن مدعومة بالدبابات والمدرعات في مدينة ديرك لتبدأ حملة اعتقالات واسعة طالت العديد من المدنيين من الرجال والنساء كنت بينهم.
شهادة عزيز علي \ الحسكة:
بعد خروج انصار الفتوة من الملعب بدأت في نهب المحلات وتكسير وتدمير المرافق الخدمية، نهبوا قرابة 70 محلا تجاريا.
عمر نجيم\ميكانيسيان
انا صاحب محل لتجارة السيارات، أحرقت في وقتها مشجعوا الفتوة محلي وجميع السيارات التي كانت ضمنه.
هاجموا محلنا ودمروه، أحرقوا جميع السيارات والتي كانت عددها 6، وكسروا بعضها، استخبارات النظام كانوا يرشدوهم لمحالنا نظراً لأنّنا كرد، وفتح أبواب السيارات و إطلاق الأعيرة النارية عليها، وبعد أحراقهم للسيارات تم سلب جميع أغراض المحل، كما أحرقوا مكتبنا، توجهنا لهناك بغاية إخماد النار، إلا أنّهم قالوا لنا اذهبوا من هنا وإلا سيحلُ بكم ما حلّ بمكتبكم.
عبدالله الأسعد \80 عام معتقل:
تم ضربي وتسبب ذلك بكسر أسناني، كانت السجون مرعبة، شاهدت كيف تم كسر ظهر أحد الشبان من مدينة سريه كانيه أمام عيني، كما أن؟ العديد من الشبان كانوا يعودون من التحقيق منهكين من الضرب “لدرجة لا يستطيعون المشي”.
عناصر النظام أقدموا على ضربي أثناء الاعتقال، وشاهدت بأم عيني أطفالاً يبلغون العاشرة من العمر في السجون يتعرضون لأشدَّ أنواع التعذيب.
مصطفى قشلة\عفرين:
بعد أن سمعنا ماجرى في مدينة قامشلو في 12 آذار، وارتكاب النظام ومرتزقته مجزرة بحق أهلنا فيها أثار هذا الأمر صخب وغضب الشارع الكردي في مدينة حلب ومقاطعة عفرين، حيث خرجنا بأعداد هائلة إلى الشوارع وساحات مدينة حلب وعفرين. وهاجمنا جميع المراكز التابعة لقوات النظام فيها. قمنا بحرق سيارات الشرطة وعربات الإطفاء، وإزالة كل شيء متعلق بالنظام السوري، في عفرين.
وأثناء الانتفاضة في مدينة حلب فقد كل من المواطنة فريدة رشيد، آري ولو، غيفارا حسن وإبراهيم محمد صبري لحياتهم برصاص قوات النظام السوري والشاب جلال كمال في مدينة عفرين.
بعد تهدئة الأوضاع في عموم المقاطعة وقبل مباشرة عناصر النظام بالحملة أحسست أنّ هناك أمر ما سيحدث، وفي نفس الليلة داهم حوالي ستين عنصراً من قوات النظام منزلنا وبدؤوا بضربي بأخمص السلاح. ثم اعتقلوني مع شقيقي الأكبر، ومع أحد عشر شخصاً آخرين من أبناء الناحية بينهم ثلاثة نسوة”. واقتادنا عناصر النظام إلى مركز الأمن الجنائي في مدينة عفرين وعصبواً أعيننا وربطوا أيدينا بالسلاسل. وباشروا بفتح تحقيق معنا، ومارسوا أبشع وأشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي علينا.
وبعد يومين اقتادونا إلى سجن المسلمية بمدينة حلب وكان معنا 330 معتقلاً من أبناء مقاطعة عفرين في السجن بينهم عشرات النساء. وبعد شهر ونصف قسمونا إلى مجموعات وأرسلونا إلى فروع ” أمن الدولة والمخابرات الجوية، والسياسية” بمدينة حلب لمتابعة التحقيقات، وبعد فشل قوات النظام من الحصول على المعلومات منا وعدم اعترافنا بشيء، أطلق سراحي مع أخي، بعد شهرين من التعذيب الجسدي والنفسي.
كيلو عيسى \ كوباني:
بدأ الاضراب في مدينة كوباني حيث توقفت حركة السوق والمشاة نهائياً, إلا أنّ الشبان لم يستطيعوا ضبط نفسهم, فخرجوا في الشوارع وقاموا بالانتفاضة و النظام تحرك وبدأت حملة الاعتقالات/ حيث لم تتوقف قوات النظام في مكانها, بل كانت تراقب حركة المدينة وكل شخص فيها إلى أن قامت بحملة الاعتقالات بتاريخ 31 آذار واعتقل على إثرها 18 شخصاً من كوباني.
في 31 آذار اعتقل النظام 18 شخصاً تم اعتقال أخ لي ويدعى مصطفى ، وفي صبيحة اليوم التالي قرابة الساعة 4 فجراً حاصروا بيتنا مرة أخرى وطالبوا والدي بتسليم أخي عبدالقادر, وبعدها عادوا اعتقلوا والدي عيسى عبد الرحمن, ثم أخذوا الأخ الآخر بوزان ثم رمزي الذي اتهم بقتل العنصر الأمني, ثم اعتقلوني مع اثنين من أخوتي، ووزعونا في فروع الأمن في حلب والشام وكل منهم سجن مدة من 3 إلى 4 أشهر.
لقد كانت فترة صعبة بالفعل فقد مارسوا ضدنا شتى أنواع العذاب والعنف النفسي والجسدي حتى أنّهم كانوا يضعون صور الرموز الكردية والقادة ويخيروننا أيهما نفضل والذي نختاره يجبروننا على شتمه والبصق عليه, حتى أنّهم كانوا يجبروننا على شتم شعبنا وأهلنا، مع شتمهم لهم أيضاً”.
التهم الموجه لي كانت ثلاثة أولاً مشاركة الأحزاب الكردية في إخراج البيان والمشاركة في الاشتباكات مع قوات الأمن وأيضاً مع الشبان في التظاهرة”.
جوان محمد:
جماهير نادي الفتوة بدير الزور توجهت إلى القامشلي بالآلاف باسم حضور المباراة الرياضية مع نادي الجهاد، كانت تخطط لعملية استفزازية ضد الشعب الكردي على خلفية التطورات الجارية في العراق ، ومن أجل ذلك رفعت صور الطاغية صدام حسين أثناء تجوالها في شوارع القامشلي قبل المباراة ، ورفعت الشعارات التي تمجد الديكتاتور المنهار والهتاف باسم مناضلي الفلوجة ، وإطلاق الألفاظ البذيئة بحق بعض الرموز الكردستانية ، وتابعت استفزازاتها أثناء دخولها الجماعي إلى الملعب ، وذلك في تحد واضح لتحويل المباراة إلى مناسبة لتنفيذ مخططها المرسوم ، و تحت أنظار الجهات الأمنية التي لم تعمد إلى تفتيش جمهور نادي الفتوة الذي كان يحمل جعب الحجارة والأسلحة الخفيفة ، وتأخرت عناصر الأمن عن حضور الملعب رغم معرفتها المسبقة بالماضي المليء بأعمال الشغب لجمهور النادي المذكور ، كما أنّها لم تلجأ إلى ردع أفراده أثناء عملية التحرش بجماهير الجهاد ، التي ما أن ردت على تلك التحرشات حتى استنفرت قوات الأمن في مواجهة جماهير القامشلي العزل وأطلقت الرصاص الحي عليها ، مما أوقع بينها العديد من القتلى وعشرات الجرحى ، وتسببت في إحداث مجزرة لم تشهد القامشلي قبلها ذلك.
الأمور كانت مبيتة من قبل جماهير الفتوة التي اتت المدينة قبل المباراة وبدأت بتحطيم واجهات المحلات التجارية والاعتداء على المارة .. اذ جاؤوا قبل المباراة بساعات مع العصي واختاروا مكانهم بجانب جمهور الجهاد مما فاقم الوضع ..
وبدأ الفتوة يرشق جماهير الجهاد بالحجارة وبرفع صور صدام حسين والهتافات المؤيدة له فبدأت جماهير الجهاد بترديد الشعارات المؤيدة لمسعود البارزاني في انعكاس مباشر للوضع العراقي وأمام هذا الوضع لم تستطع قوى الشرطة السيطرة على الموقف فتوقفت المباراة وعندما غادر الجمهور الملعب حصل تدافع وعلى إثره جرح أشخاص وأما سكان القامشلي الذين سمعوا الخبر عبر اذاعة دمشق وأنّ هناك قتلى فقد توجهوا مباشرة صوب الملعب فحصلت اشتباكات مع قوات الشرطة التي أطلقت بداية النار في الهواء لتفريق المتظاهرين ولكن الامور خرجت عن السيطرة واتسعت الاشتباكات مما أدى إلى سقوط تسعة قتلى بداية وعشرات الجرحى ..
محمد عبدو حمو (برادوست آزيزي) \ دمشق:
في تمام الساعة العاشرة ليلاً من اليوم الأول لأحداث القامشلي، وسط جو محتقن جداً، قرّرنا الخروج من حرم المدينة الجامعية، وكان عددنا لا يتجاوز 800 طالباً جامعياً، ولكن دوريات الأمن كانت موجودة بشكل مكثف على الباب الرئيسي للمدينة الجامعية. توجّهنا نحو الباب ونحن نردّد الشعارات، واخترقنا الحاجز الأمني من دون حدوث اصطدام مع قوات الأمن واتجهنا نحو ساحة الأمويين، ولكن أين نذهب؟
العديد من الأصدقاء اقترحوا أن نعتصم أمام مقر الامم المتحدة، وبعد مرور بضع دقائق من وقوفنا في ساحة الأمويين انتشرت قوات حفظ النظام من حولنا، ولكنهم لم يستطيعوا السيطرة على هيجان وحماس الطلبة على الرغم من عددهم الكبير. واعتُقل أثناء ذلك طالب جامعي، ولكن استطعنا بعد ذلك من الإفلات به بعد تطويق السيارة التي حُجز فيها. في تلك اللحظة رأينا وفداً مكوناً من (عمار ساعاتي) رئيس اتحاد طلبة سوريا و(جمال عباس) أمين فرع حزب البعث في جامعة دمشق، وهم يطالبون التفاوض مع الطلبة. اتفقنا جميعاً على العودة إلى المدينة الجامعية والتفاوض وتقديم مطالبنا. وفعلاً عدنا بشكل جماعي إلى المدينة، واجتمعنا أمام مبنى مدير المدينة الجامعية، ودخلنا على رأس وفد طلابي مكون من 8 طلاب، وعند دخولنا لمكتب المدير رأينا أعداداً كبيرة من الأمن الجوي والأمن السياسي والكثير من أزلام الأمن، ولكن كان الأمر بالنسبة لنا طبيعياً، لأن كل شئ كان (عالمكشوف)، ولم نخجل من مطالبنا العادلة.
استيقظنا صباحاً حيث استقبلت القامشلي يومها الثاني بأعداد كثيرة من الشهداء والجرحى، واستمر نزف الدم الكردي.. تجمّعنا ثانية في ساحة المدينة الجامعية، كنا نتابع آخر المستجدات الساخنة هناك عبر أجهزة الخليوي، في تمام الساعة 11 صباحاً قررنا الخروج من المدينة والتظاهر أمام البرلمان السوري، و استطعنا للمرة الثانية الخروج، وللأسف العديد من الطلبة غيروا مسار المظاهرة نحو وادي المشاريع على أساس أن أهالي وادي المشاريع قد انتفضوا ويجب أن نساندهم. بالقرب من مشفى المواساة اصطدمنا بقوات حفظ النظام وعناصر الأمن الذين قابلونا بالضرب واستخدام القوة لتفريق المتظاهرين، وكانت أعداد قوات حفظ النظام تتجاوز أكثر من ألف عنصر بالإضافة إلى عناصر الأمن والمخابرات المدنية.. أثناء ذلك أُغمي علي بسبب الضرب المبرح، وما تعرضنا له من رشق بالحجارة من قبل المخابرات المدنية. جُرحت أنا وسيبان سيدا وخلات جمعة، وتمّ نقلنا إلى مشفى المواساة، وأما بقية الطلبة فقد عادوا إلى الحرم الجامعي واعتصموا في ساحة المدينة.
عندما نقلنا إلى المشفى، احتل حرم المشفى الضباط وعناصر المخابرات، وتعرّضت للضرب المبرح من قبلهم، وأنا ملقى على السرير، وأثناء ذلك حدثت مشادة كلامية بين الطبيب وعناصر الأمن حيث أنّه طلب منهم إخلاء المشفى كي يتسنى لهم معالجتنا، ولكن لم نجد إلا أنْ أمر الضابط باعتقال الطبيب الذي زُج بعد ذلك في سجن المزة.
استخدموا آليات جديدة للقمع التي طالت الجميع من دون استثناء وإنزل الآلاف من المخابرات المدينة في النقاط والساحات العامة، وقاموا بتفتيش هويات المارة وإن كان مكتوباً على الهوية من مواليد (القامشلي أو عفرين أو الحسكة) فكان مصيره التوقيف وزجه في إحدى السجون عبر سيارات النجدة!
سجن المزة والأمن الجنائي – فيحاء:
بالنسبة لأهالي وادي المشاريع، كانت العقوبة جماعية وتمّ تطويق الحي وإفراغ الحي من سكانه، وزجهم في السجون عبر اقتحام المنازل بشكل همجي ولا إنساني.
استقبلنا الجلاد بالسياط، وكان السجن ممتلئاً تماماً.، كان مخصّص لكل واحد منا بلاطين ونصف بلاط للجلوس. ورأيت شيوخاً ونساءً وأطفالاً، وأصدقائي الطلاب والطالبات، في اليوم التالي تم نقلي مع سيبان والمرحوم تمر مصطفى مع ستة شباب آخرين، بعد أن أخذ منا بصمة الإبهام والصورة الشخصية من كل الجوانب، إلى سجن مديرية الأمن الجنائي. ولم يمر طويلاً إلا أن امتلأ السجن بالموقوفين الجدد.
امتلأ السجن، ورأينا غرفاً مخصصة للنساء الكرد أيضاً، . في هذا السجن رأينا تحقيق روتيني وأخذ بصمة الإبهام والصورة الشخصية، وبعد مرور عدة أيام أُطلق سراح الجميع، ولكن بقيت مجموعتنا لوحدها في السجن (نفس المجموعة التي تمّ نقلها من سجن المزة إلى الأمن الجنائي)، ونحن لا نعرف المصير الذي ينتظرنا.. بعد ذلك تمّ تحويلنا إلى فرع الأمن السياسي في الفيحاء، حيث أنّ علي مخلوف كان بانتظارنا في ساحة السجن، وانضم إلينا بعد ذلك مجموعات تمّ فرزها من سجن المزة، حتى وصل العدد الإجمالي إلى 120 سجين. كان مخلوف متعطشاً لرؤيتنا، وهو يحمل في يديه كبل رباعي، عند نزولنا من الباص العسكري ونحن مقيدين بشكل محكم. بدأ يستخدم لغته الخاصة، استقبلنا بضربات متتالية وعشوائية.. في هذا السجن كان المشهد مخيفاً، ولكن بعد ذلك أصبح التعذيب والكهرباء والإهانة شيئاً عادياً، وأصبح الكابل جزءاً من جسدنا العاري. كان سقف صالون التعذيب مفتوحاً حيث بإمكانك أن تشاهد ليلاً نجوم السماء، كان مغطى فقط بشبك حديدي، وأرضية الصالون كانت مليئة بالدم الأحمر، وصراخنا يملأ السماء .. وكان الجلادون يتناوبون عن بعضهم البعض من أجل ضربنا…
كان السجن مكوّن من كتلتين بينهما ساحة كبيرة.. لسوء حظي إنني كنت أول اسم يقرأه المخلوف، وطلبني لمكتبه، بعد ذلك قال لي بلهجة عنيفة: (اركع يا ابن الكلب).. كنت مستاءً جداً، وإلى جانبي جلادان اثنان ينتظرون إشارة واحدة منه. طلب مني أن اعترف بكل شيء وفي المقابل سوف يتمّ إطلاق سراحي. لا اعرف عن ماذا أعترف؟ قلت له بأنني شاركت بالمظاهرة وطالبت بإيقاف إطلاق الرصاص الحي الموجّه صوب المدنيين، وفجأة ركلني برجله، وطلب من جلاديه أن يسيطروا عليّ بشدة حتى أن أدخل حذائه في فمي. كنت مقهوراً جداً، وداخلي بركان يلتهب.. نعم حتى في مكتبه تعرضت للتعذيب والضرب حتى أن شحطوني شحطاً إلى صالون التعذيب.. الكل تعرّض للتعذيب، ولكن كنت أخاف أن يصيب صديقي مسعود صحافة بنوبة عصبية أو بصدمة نفسية مزمنة.. كان يرتجف كالعصفور، وعلى الرغم من استخدام أشد أنواع التعذيب بحقه إلا أنّه لم يصرخ أو يتلهف بكلمة (آخ).. وقد تعرّض بما فيه الكفاية للتعذيب في سجن المزة، كان جسده مغطى تماماً بالدم. لم يصرخ أبداً، .. فجأة دخل طفل في ربيع عمره، فتى في الثانية عشر من عمره وهو يبكي.. هذا الطفل لا يتحمّل الضرب والكبل، فبدأ يعترف بأشياء لم يقم بها أصلاً، كي يتجنّب أدواتهم التعذيبية. كان صالون التعذيب لوحة مأسوية لا أستطيع أن أعبّر عنها بسهولة.. كان التعذيب يبدأ مع غروب الشمس حتى شروقها، كنا نتقاسم رغيف الخبز بيننا ونحن مرهقين. هل سنبقى هنا إلى أجل غير مسمى أم إنّهم سيحولوننا إلى محكمة أمن الدولة العليا، هذا ما كان يخطر في بالنا آنذاك.
قبل إطلاق سراحنا، أي بعد مرور أيام على التعذيب، تمّ جمعنا في ساحة السجن، وجاء غازي كنعان وهو يشتم الأحزاب الكردية وقياداتها، وقال لنا بالحرف الواحد: “لقد اكتفينا بفصل عدد من الطلبة لكي يكونوا عبرة للآخرين، والذي يشارك في أي عمل سياسي أو يعمل مع أي حزب كردي فسيكون مصيره محكمة أمن الدولة العليا، وأنتم تعرفونها جيداً”، وأضاف أيضاً: “إنّ سيادة الرئيس قرّر إطلاق سراحكم لأنكم أبناء هذا البلد”.
من خلال كلام كنعان استنتجت بأنّ قرار فصل الطلبة كان من قبل القيادة القطرية أو أيّة جهة حزبية، وأن ّهذا الحزب الشمولي يثبت باعتراف من غازي كنعان، تدخّل حزب البعث بشؤون الجامعة، وأنّ جامعاتنا ليست سوى أسيرة هذا النظام. أما الشق الثاني من كلامه فكان مضحكاً وسأترك التعليق لكم.
أُطلق سراحنا، وكنت أنا و سيبان سيدا حافي القدمين ونحن نمشي على جسر الرئيس مع لحية طويلة ورائحة مزيجة من الدم والعرق. لم نملك أجرة التكسي للعودة إلى المنزل لأنّ كل ما كنت أملكه اشتريت به سجائر في سجن المزة، وكل سيجارة كنا نشتريها ب 50 ليرة سورية. انتظرنا لبضع الوقت إلى أن أتى إلينا صديقنا المفصول أيضاً ابراهيم مراد الذي قال لنا بأننا فُصلنا من الجامعة، ولا يحقّ لنا دخول الحرم الجامعة بعد ذلك.
كالعادة من أجل أن يعطي البعث صفة شرعية وقانونية، نجد بأنّ اللجنة الكرتونية تتشكّل، ويتم الاتفاق على قرار صادر مسبقاً من قبل قيادة هذا الحزب الذي احتل هذه الجامعات بكل معنى الكلمة.
فقد فُصل من الجامعة جرّاء هذا النشاط 11 طالباً جامعياً فصلاً نهائياً مع فصل 50 طالباً آخر فصلاً مؤقتاً ترواح بين الفصل لمدة سنة وستة أشهر والفصل من المدينة الجامعية، علماً بأنّ العديد من الطلبة فُصلوا وهم معتقلين، وعُلّق بعد ذلك قرار الفصل ونُشر في جميع الجامعات، عُلّق في جامعة حلب واللاذقية، وكان هدف حزب البعث من ذلك تهديد الطلبة ثانية وتحذيرهم من أي عمل أو نشاط سلمي مستقبلي.
لم يكن هناك أمامنا خيرات كثيرة سوى المنفى، وذلك لأنّنا كنا نتعرض لتهديدات غير مباشرة، ونحن مشردون بين قرية وأخرى، وكان يتعرّض زميلنا المفصول محمد بشار إلى تهديدات يومية عن طريق الجهاز الخليوي من قبل عناصر أمن الدولة، وبعد ذلك طُلبنا للجيش والخدمة الإلزامية. قررنا نحن جميع الطلبة المفصولين نهائياً أن نختار منفى لنا، حيث عبرنا الحدود السورية – العراقية في منتصف الليل متوجهين إلى كردستان العراق، وبعد تقديم الأوراق اللازمة، قُبلنا في جامعة السليمانية. والعديد من الأصدقاء أتمّوا تحصيلهم العلمي ومازال البقية في السنوات الأخيرة.