ما أن اعلنت قوات سوريا الديمقراطية السيطرة على آخر معاقل داعش حتى بدأت تركيا بتهديد مناطق شمال شرق سوريا جهاراً نهاراً, فما هو الخطر الذي شكلته قوات سوريا الديمقراطية على النظام التركي على الرغم من عدم تعرض حدودها لأية مضايقات طيلة ثماني سنوات؟ ولماذا هاجمت مناطقنا عقب هذا الانتصار الساحق على فلول داعش؟ ما الذي كانت تتأمله تركية من داعش؟
من المعروف على الصعيد العالمي ان التنظيم الارهابي داعش والذي كان ومازال يشكل خطرا على كل العالم، طالما استخدم الحدود التركية كممر للعبور الى الاراضي السورية فكانت هذه المعابر مفتوحة أمامهم وتسهل امورهم لوجستيا وتجاريا وممراً للذهاب والاياب، حيث أننا وجدنا جميع الارهابيين ومن كافة دول العالم كانت تتوافد الى مطارات تركيا ومن ثم ينتقلون بطرق آمنة وعن طريق الاستخبارات التركية الى معابر الحدود دون ان يصيبهم أية أذى، أو أن يتعرضوا للمساءلة, فما يدل على تعامل تركيا مع داعش والفصائل الارهابية هي: المعابر التركية كانت تستخدم من اجل انطلاق الارهابيين الى العالم، والقيام بالتفجيرات وخلق كابوس من الخوف والرعب في جميع أرجاء العالم، فقد استخدمت تركيا هذه الفصائل المسلحة وداعش لتحقيق أهدافها ومصالحها، فالتفجيرات التي حدثت في اوربا والتي راحت ضحيتها المئات من الابرياء تبنتها داعش رسمياً وأعلنت مسؤوليتها عن هذه العمليات.
-وكذلك ما حدث في سوريا من عمليات التفجير وقطع الرؤوس وتعليقهم على الطرقات كل ذلك يدل على الفكر داعشي المتعشش في هذه الفصائل حيث لا تختلف في الطريقة والأسلوب. وقد اعترف عديد من قادة داعش بصلتهم الوثيقة بتركيا, واعترفوا بذهابهم الى تركيا والمعالجة في المشافي التركية والانطلاق من هناك من خلال جوازات السفر التركية او السماح لهم بالعبور أو الاقامة بعد التأكد من حقيقتهم.
-كما أننا نجد أن حادثة مقتل ابو بكر البغدادي وابو حسن المهاجري ومعاونيه الاخرين تمت في المناطق الحدودية التي تحت سيطرة تركيا وبمسافات قريبة جداً من حدودها، كل هذا يظهر ان تركيا كانت حريصة على حماية داعش وقياداتهم كتحد سافر للعالم المتحد ضد الارهاب سواء كتحالف عسكري او تحالف قوى ديمقراطية علمانية مدنية محبة للخير والسلام .
-التبادل التجاري بين داعش وتركيا من خلال بيع النفط والحبوب وغيرها من المواد.
والسؤال الذي يطرح نفسه ما هو مصلحة تركيا من حماية داعش والحفاظ عليهم ودعمهم وتسهيل امورهم على مختلف الصعد؟ يظهر من كل هذا انها تريد من خلال هذه المنظمات الارهابية ان تخلق وتصنع الرعب والارهاب وتنشره في العالم لكي تجبر العالم على تقديم تنازلات لها، ولكي تتحول الى عامل حاسم في المعادلة الدولية من خلال اللعب على الورقة داعش، اذا هي تصنع الارهاب لضغط على العالم, مثلما بعض الدول تتسلح بالأسلحة النووية لتهديد العالم وممارسة الضغط لتحقيق مآربها، تسعى تركيا للعب بورقة الارهاب هذه، فموقف العالمي متحد تجاه هذين السلاحين (الارهاب والاسلحة النووية المحرمة دوليا).
وكما هو معروف لدى العالم ان الذين قاموا بتصفية داعش والقضاء على الارهاب عسكرياً في سوريا وتحرير كل المناطق بدءاً من كوباني ووصولاً الى باغوز كانت قوات سورية الديمقراطية وما زالت مستمرة في مكافحتهم ايديولوجياً وامنياً، وهي مستمرة في محاربة الخلايا النائمة لهذه التنظيمات الارهابية على كافة الصعد حتى لا يتمكنوا من العودة مرة اخرى. وقد شاركت قوات سوريا الديمقراطية بتنسيق مع قوات الامريكية بعملية عسكرية وذلك بتصفية زعيم داعش الارهابي ابو بكر البغدادي وابو حسن المهاجري، وتلقت الشكر والثناء من كل العالم على الجهود التي بذلتها، وحتى ان العملية تمت بدون علم تركيا وبدون التنسيق معها رغم أن العملية حدثت في مناطق تحت سيطرة تركيا خوفا من تسريب المعلومات وتغيير مكان البغدادي وافراغ العملية التي تعتبر على مستوى العمليات العالمية. ولكن ما يلفت الانتباه ان تركيا صرحت من خلال رئيسها اردوغان بانها تمتلك الحق في تصفية معارضيها، واشارت الى قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي الذي كان له الدور الاساسي في التخطيط وجمع المعلومات لقتل وتصفية ابو بكر البغدادي بعدما قضوا عليهم عسكريا.
إن التصريحات التركية بعد مقتل البغدادي وبانها ستقوم بتصفية الاخرين تعتبر بمثابة انتقام لداعش وقياداتها، فهي ترى بأن قوات سورية الديمقراطية تشكل عائقا امام تحقيق مصالحها في سوريا والمنطقة والعالم لانهم قضو على الاداة والوسيلة التي من خلالها كانت تعمل على تحقيق مخططاتها، وما تدخلها المباشر مع الفصائل المرتزقة في شمال وشرق سورية لهو خير دليل على دعمهم لداعش وتريد اعادة بناء داعش بأسماء جديدة، حيث لم تكتف تركيا بإيواء داعش ودعمهم لوجستيا وتسهيل المعابر لتنقلاتهم دوليا، بالإضافة الى معالجة قيادتهم في مشافيها واخفاء الاخرين في مناطق الواقعة تحت سيطرتها مثل ابو بكر البغدادي وابو حسن المهاجري والان تقوم بإعادة تنظيمهم بطريقة جديدة بعد ان اصبح العمل من خلالهم بمثابة ورقة محروقة ، وما تقوم بها تركيا الان في مناطق شمال وشرق سوريا من خلال الغزو والعدوان والاحتلال والتمركز في المنطقة هو تشكيل منطقة لداعش باسم جديد على الحدود ، ففي البداية كان مخططهم ان يحولوا كل المنطقة الحدودية الى منطقة للفصائل الارهابية ولتتدخل من خلالهم في جميع الملفات المحلية والاقليمية والدولية وبعد ان جوبهوا بردود الفعل الدولية وخلط الاوراق من قبل قوات سوريا الديمقراطية انحصروا في منطقة مابين راس العين وتل ابيض رغم عدم تخليهم عن اطماعهم التوسعية في المناطق الحدودية، لذلك تجهز هذه القوات لأداء المهمة بدلا من داعش، وما يثبت ذلك الاسماء والصور التي تظهر على صفحات التواصل الاجتماعي وتوليهم لمهام ووظائف في كل من راس العين وسلوك وتل ابيض أنها كانت شخصيات تنتمي لداعش والنصرة سابقاً، ارتكبت كثير من الجرائم في فترات السابقة سواء في سوريا او العراق او في اوربا ولم يتغير فيهم شيء سوى الثوب والاسم، وهذا ما أكده المرصد السوري لحقوق الانسان.
واذا نظرنا الى الخريطة التي تضعها تركيا امامها والتي تشمل مناطق شمال وشرق سوريا التي تحررت من داعش فماذا يريد اردوغان طالما انها تحررت من داعش والارهاب والعالم شاهد على ذلك وقامت بتهنئة هذه القوات التي انقذت العالم من هذا الخطر العالمي، وقد انتشرت بطولات هذه القوات في كافة ارجاء العالم، وبدأت حملات التأييد العالمي لهم بأن جعلوا ايام خاصة ليوم التضامن العالمي مع كوباني ومع شمال وشرق سوريا بالمقابل نرى تركيا هي الدولة الوحيدة التي تتهم هذه القوات بالإرهاب وتحاربها منذ نشؤها لأنها كانت سبباً في إفشال مخططاتها لهذا هي تستهدف هذه المناطق، وما كان الموقف العالمي تجاه اردوغان الا دعم لهذه المناطق وهذه القوات التي قدمت الالاف من الشهداء والجرحى، فهذا يدل على أن الضمير العالمي مازال حيا لا يقبل بالظلم.
فأبناء شمال وشرق سوريا مازالوا يقدمون الشهداء في سبيل كرامتهم ولكن هذه المرة في مواجهة الارهاب الذي تقوده تركيا، أي ان تركيا والارهابيين يقفون في خندق واحد ضد قوات سوريا الديمقراطية، بمعنى ضد كل قوى الانسانية في هذا العالم، وما هي سوى تبادل للأدوار، من كل هذا يظهر اننا امام انتقام تاريخي لقوى الشر والظلام بقيادة اردوغان.
ومجابهة هذه القوى الظلامية لن يتم إلا بالمقاومة والدفاع وتمتين وتقوية الجبهة الداخلية والخارجية من خلال رص الصفوف بين كل القوى المحبة للخير والسلام والمعادية للارهاب لنتجه نحو عالم خالي من الارهاب والكره والحقد عالم يسوده المحبة والسلام والاحترام والديمقراطية .
حسن محمد علي