فور احتلال جيشها لمنطقة عفرين الكوردية في شمال سوريا في آذار الماضي، باشرت الحكومة التركية تنفيذ سياسة ممنهجة تقوم على تغيير الطابع القومي والاجتماعي والثقافي والديني في المنطقة، بما يخدم اطماعها التوسعية في شمال السوري، وما يوافق الايديولوجية الرسمية للدولة التركية بنزعتها الشوفينية العنصرية و التي تمجد العرق التركي وتلغي الأعراق الأخرى .
في هذا الاطار لا تكتفي تركيا بالغاء مسألة كوردستان الشمالية “كوردستان تركيا” وهذه قضية تخصها لا شأن لنا بها، ولكنها تعادي المسألة الكوردستانية في ايران والعراق وسوريا، وهذه ليست تهمة تلصق زورا بتركيا، بل هي شعار رسمي يتفاخر بترديده علانية كبار مسؤولي الدولة التركية” سنحارب الكورد على المريخ”.
ولا أدل على ذلك أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان كي يلغي الملف الكوردي في سوريا انقلب راسا على عقب، وأدار ظهره للثورة السورية التي اعتبر نفسه أبا لها، وذلك من خلال تنمية الجماعات الإسلامية المتطرفة التي الحقت افدح الأضرار بالثورة السورية، ولم يكتفي اردوغان بذلك بل وضع يده بيد روسيا وايران حلفاء نظام الاسد، وكانت الصفقة أن تغض تركيا النظر عن سيطرة النظام على حلب مقابل السماح لها بالدخول الى مناطق في شمال سوريا لضرب وحدات حماية الشعب الكوردية YPG , وكانت معركة حلب سببا اساسيا في انهيار المعارضة عسكريا في انحاء سوريا.
ونال اردوغان مكافئة غدره بالثورة السورية، بالسماح له بارسال جيشه الى جرابلس والباب وعفرين وادلب، ولم تكن القضية محاربة YPG أو قطع الطريق على الكورد لبناء دولة على حدود بلاده الجنوبية ! بقدر ما كانت محاولة استرداد “ولاية حلب” العثمانية.
وقد توضحت نوايا تركيا بعد احتلالها لمنطقة عفرين، اذ لم يعد هناك حزب الاتحاد الديمقراطي PYD او YPG حتى تتذرع بهما تركيا في تنفيذ سياستها القذرة في عفرين، فممارساتها تتعدى الجانب الامني” ملاحقة الخلايا النائمة” لمقاتلي YPG ، بل هي ممارسات لها أبعاد سياسية عميقة ترمي إلى القضاء على الهوية الكوردية لعفرين، وذلك بالايعاز إلى قادتها العسكريين هناك وإلى الفصائل السورية الموالية لها، للعمل على تخريب الهوية الكوردية، وتعريب وتتريك واسلمة المنطقة.
بخصوص التعريب والاسلمة هذه مسالة قد تثير حساسية بعض السوريين، ولكن علينا توضيح الامر، عفرين منطقة سورية ولكنها ليست عربية اذ الغالبية المطلقة لسكانها من الكورد، وعليه لا يجوز المساس بطابعها القومي، بالنسبة للدين غالبية سكان المنطقة مسلمون من السنة و العلويين، ولكن يوجد كورد ايزديين و مسيحيين في عفرين ، ولم تكن الطائفية والمذهبية يوما ما مشكلة للكورد، وحين نقول الأسلمة لا نقصد الإساءة إلى الاسلام كدين، بل رفض فرض أي نوع من أنواع الإسلام السياسي على الكورد، في هذا الجانب تعتمد تركيا على الفصائل السورية التي دخلت على ظهر دباباتها إلى عفرين، ومهما كانت تسميات هذه الفصائل فهي من بقايا التنظيمات الإرهابية، التي بدات تفرض المذهب السلفي المتطرف على الآهالي، ومن ذلك إجبار المرأة على التزام الحجاب و اضطهاد الايزديين لاجبارهم على ترك دينهم والدخول في الإسلام، فلماذا تريد تركيا من كورد عفرين التخلي عن إسلامهم المعتدل والمتسامح، وتبني الإسلام السياسي السلفي، ما لم تكن تعمل على نشر الفكر الإرهابي بينهم لصرفهم عن الانشغال بقضيتهم القومية وزجهم في الأنشطة الإرهابية، وباي حق تعمل تركيا على إجبار الايزديين للتخلي عن دينهم، من الواضح أنها تعمل على محو كل مظهر ثقافي و اجتماعي طبيعي يحمل طابع كوردي في عفرين، فاين هذه الممارسات من إدعاءات تركيا ” محاربة PYD” ما علاقة إجبار الايزيدي على ترك دينه، وإجبار المرأة العفرينية على ارتداء الحجاب بمحاربة PYD.
حقيقة يجب الإشارة إليها وهي أن تركيا بدات بمشروع القضاء على هوية عفرين الكوردية مع أول طلقة أطلقتها لاحتلال المنطقة ذلك من خلال القصف الوحشي للمراكز البشرية لإجبار الآهالي على النزوح، حتى أن الأوابد الأثرية لم تسلم من عمليات القصف، فهل كانت التماثيل من قيادات YPG .
وبعد الاحتلال أطلقت تركيا يد الفصائل في المدن والأرياف التي قامت بالسلب والنهب ، ومن ثم السماح لها بالاستيلاء على منازل الآهالي و ممتلكاتهم، ولم تكن عملية إجلاء الفصائل من الغوطة الشرقية إلى عفرين اعتباطية، بل كانت متفق عليها من قبل، حيث وافق اردوغان على سقوط الغوطة مقابل احتلال تركيا لعفرين وجلب المكون العربي إليها في سياق سياسة تغيير تركيبتها السكانية، وما يحدث الآن هو أن تركيا تطبق سياسة التتريك بجلب عناصر من تركمان آسيا الوسطى وتوطينهم في عفرين، وبنفس الوقت تسمح للفصائل السلفية التابعة لها بتعريب وأسلمة المنطقة، إن ما يهم تركيا هو تخريب الهوية الكوردية لعفرين تتريكا وتعريبا.
وتتابع تركيا سياسة التغيير الديمغرافي في عفرين، حتى أنها بدات مؤخرا بتغيير الأسماء الكوردية للمعالم الحضارية والطبيعية بأسماء تركية وعربية، وبات اسم مشفى افرين مشفى عفرين، و تغيير اسم دوار كاوى إلى دوار الشهداء، ودوار نيروز إلى دوار صلاح الدين الأيوبي، علما أن كتابة أسماء المعالم على الشاخصات تكون بالتركية والعربية، فيما منعت الكتابة عليها باللغة الكوردية.
وهذا يعيد إلى الأذهان سياسة التعريب والصهر القومي التي طبقها نظام البعث الأسدي على القومية الكوردية قرابة نصف قرن، اذ لا فرق بين سياسة الأسد الشوفينية وسياسة ارودغان وثواره! السوريين، الذين زادوا على التعريب أسلمة سلفية.
زاغروس عثمان