“ما زلت أتذكر ملامح الشخص الذي قطعها حينما كانت شجرة”…هي العبارة التي رددتها “هيفين محمد” وهي تخبرنا عن أشجار والدها التي قامت عائلات عناصر فصيل “أحرار الشرقية” بقطعها، وتكويمهاً تمهيدا لنقلها إلى الأسواق لبيعها كحطب أو فحم.
مع اقتراب فصل الشتاء عادت ظاهرة قطع الأشجار إلى منطقة عفرين في ريف حلب، والخاضعة لسيطرة القوات المسلحة التركية، الأمر الذي يهدد ما تبقى من الغطاء النباتي و الأحراج الطبيعية، والأشجار المثمرة ومن أهمها الزيتون.
منذ التوغل التركي في المنطقة، تم قطع واحتطاب نحو 30 % من أشجار المنطقة، والقطع نشط العام الماضي، ثم تجدد أخيرا، قبل أن تصدر تعاميم من الفصائل المسلحة بتوجيه من تركيا، تمنع قطع الأشجار، لكن ذلك القرار لم ينفذ لا العام الماضي ولا الحالي.
الكثير من الفصائل التي تتقاسم السيطرة على عفرين، وعوائلهم باتوا تتخذون من “قطع الأشجار” كمصدر للربح والتجارة والتمويل الذاتي، وهو أمر يتم بإشراف من قادة الفصائل الذين يشغلون عناصرهم بقطع الأشجار وتحويلها لفحم او خشب تدفئة وبيعه…لأنهم لا يوفرون لعناصرهم رواتب تكفيهم لتأمين إطعام عائلاتهم، فراتب العنصر في الفصائل نحو 200 ليرة تركية، وهو مبلغ زهيد ولا يتم دفعه في بعض الأحيان بحجة قلة التمويل من تركيا”.
أصحاب الأرض من الكرد لا يستطيعون القيام بأي فعل رغم أن الشجر له مكانة خاصة لديهم، هم لا يسطيعون منع الفصيل أو المحسوبين عليهم من قطع اشجارهم، ومن جني ثمارها…يكتفون بالمراقبة وإن سنحت لهم الفرصة يصورون ما يصفونه “مجزرة الزيتون”.
المحامي “عبد الوهاب عبد الحنان” كتب في صفحته على الفيسبوك “وجدت عند زيارتي لبستاني في عفرين 27 من أشجاري مسروقة الثمار… رغم عدم نضجها. بقناعتي الى حين وقت القطاف لن يبقى من الموسم شيء”.
الأخشاب يتم استخدامها كوقود للتدفئة كبديل للمازوت في المنطقة، والذي يباع اللتر الواحد منه بنحو 175 ليرة، وهو من نوعية رديئة جدا”، قطع الأشجار يستهدف بشكل رئيسي شجر الاحراج، وخاصة البلوط، والزيتون والسنديان والصنوبر، وأن خشب أشجار الزيتون هو الأغلى وبعض الأشجار يصل عمرها إلى نحو 100 عام، ولا يوجد حسيب أو رقيب لمحاسبة المجرمين، حيث أصبح هناك أشخاص متخصصون بقطع الأشجار، وهم يشغلون مجموعات من الشباب لصالحهم وغالبهم محميين من قادة الفصائل مقابل حصة من الأرباح، بالإضافة .
أحد تجار الحطب في عفرين، والذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، إن مجموعات تنتمي إلى الفصائل المسلحة في المنطقة تجلب الأشجار المقطوعة إلى مستودعاتها. “غالباً ما يكون الحطب المباع نصف جاف، وأهمه الزيتون، وهو الأغلى ثمناً، إضافة إلى البلوط والسنديان والصنوبر، حيث قال :أنقل يومياً نحو 40 طناً من الأخشاب إلى مناطق خارج عفرين، وأدفع إتاوات للحواجز”.
تاجر آخر قال بمحادثة عبر غرفة التلغرام:
“أنا قادر على توفير كميات كبيرة من الحطب النصف جاف والجاف من أشجار الزيتون والسنديان والصنوبر والبلوط ، وأن خشب أشجار الزيتون هو الأغلى”.
أضاف إنه ينقل يوميا قرابة 50 طن من الخشب من عفرين، ويوزعها لمناطق أخرى بدون مشاكل، لكنه يضطر لدفع رشاوي للحواجز التي تسيطر عليها فصائل الجيش الوطني، كما أنه أشرك قادة من الجيش الوطني كشركاء لحماية أعماله، كما وأن هذه التجارة مزدهرة في إدلب كذلك.
فصيلان في “الجيش الوطني” يعترفان بتورط عناصرهم في قطع أشجار عفرين:
أعترف فصيل “لواء السلطان سليمان شاه” والذي يعرف أيضا بـ “العمشات” بأن عناصره متورطون في عمليات واسعة لقطع مساحات كبيرة من أشجار الزيتون، والأشجار الحراجية في منطقة انتشاره في الشيخ حديد.
الاعتراف جاء بعد إصداره لبيان تضمن تحذيرا لعناصر الفصيل بالتوقف عن عمليات قطع الأشجار الخضراء.
وبحسب القرار، فإن اللواء “يمنع عناصره منعًا باتًا من قطع الأشجار الخضراء في ناحية الشيخ حديد التابعة لمنطقة عفرين شمال غرب حلب، ومن يخالفه من عناصر اللواء يعرض نفسه للمساءلة القانونية.
وأضاف القرار، أن العقوبة للمخالف تتمثل بالغرامة المالية والسجن، مبررًا ذلك بأن “الأشجار هي رمز للعطاء وهي ثروة حقيقية، حيث تعطينا الكثير من الفوائد، فهي مصنع للأكسجين لذا يجب المحافظة عليها، وذلك بحسب نص القرار”.
واختتم اللواء قراره، بالطلب من المدنيين، تقديم شكوى رسمية للمكتب الأمني، ليتم محاسبة الفاعل في حال شاهدوا أي محاولة لقطع الأشجار، بعد تعميم القرار.
كما أصدر فصيل “أحرار الشرقية” تعميما لعناصره بالتوقف عن قطع الأشجار بعد انتشار صور وفيديوهات تكشف تورط الفصيل إلى جانب فصائل أخرى في قطع أشجار الزيتون “سواء للأهالي الغافلين أو البعيدين عن بساتينهم، أو حتى استغلال غياب مالكي الأراضي المشجرة”
وسبق أن عمم “تجمع أحرار الشرقية” بتاريخ 27 آب الماضي أمرا إداريا يمنع منعا باتا قطع الأشجار ونقل الحطب بشكل مطلق في الريف الشمالي تحت طائلة المسؤولية القانونية والشرعية وحجز الحطب المنقول والآلية أيضا وإحالة المسؤول إلى القضاء أصولا لكنها ظلت القرارات حبرا على ورق.