روسيا تنضم للحملة الإعلامية ضدّ الكرد شمال سوريا

بدأ كلّ من الإعلام التركي والقطري بإشراف مخابراتي، تكثيف الجهود بهدف إثارة الفتنة بين العرب والأكراد في شمال سوريا في كلّ من منبج وشرق الفرات تمهيداً لعملية عسكرية تركية جديدة ضدّ قوات سوريا الديمقراطية.
لكن من المُلفت أيضاً انضمام روسيا للحملة الإعلامية، حيث اتهمت صحافتها الأكراد وبالتعاون مع الولايات المتحدة بسرقة النفط والغاز السوري وتهريبه خارج البلاد، وسط تساؤلات عن سرّ وأبعاد هذا التزامن، وربطه بالحديث عن عودة موسم الصفقات والمُقايضات بين أنقرة وموسكو، حيث تزداد التكهنات حول مُقايضة جديدة تُتيح لدمشق السيطرة على إدلب وما حولها، مُقابل اجتياح تركيا للمناطق التي تُسيطر عليها قوات كردية في سوريا.
وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية نقلت بالفعل عمّا أسمته “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان”، والذي يبدو أنّه لا يتمتع إلا بمصداقية أنقرة وحزب العدالة والتنمية الإسلامي، أنّ قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق آلاف السوريين شرقي البلاد، بغطاء من التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش.
وأضاف المرصد (من جنيف)، أن تلك الجرائم مستمرة حتى هذه اللحظة، بدعم وتنسيق غير مبررين من قوات التحالف، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وأوضح، وفقاً للأناضول، أنّ أخطر تلك الانتهاكات حاليًا هو التجنيد الإجباري الذي تفرضه قوات “قسد” على المواطنين وبينهم أطفال لم تتجاوز أعمارهم الـ18 عامًا للمشاركة في الحرب بين تلك القوات.
وذكرت وكالة الأناضول للأنباء أنّ المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان حصل على مقطع فيديو يظهر جنديًا ملثما من “قسد” وهو يضرب فتاة ورجلًا بعد تقييدهما وتوجيه الشتائم إليهما؛ لرفضهما الذهاب إلى معسكرات التجنيد الإجباري. وأوضحت أن المقطع المصور أظهر أحد أفراد “قسد” وهو يتلفظ بشتائم مسيئة للعرب، خلال حديثه بلغة كردية، قبل أن يقتل الزوجين. وهو الفيديو الذي فنّدته مؤخراً “أحوال تركية” وفقاً لما وثّقه المرصد السوري لحقوق الإنسان.
من جهة أخرى، وتحت عنوان “السيل السوري”، كتب أنطون لافروف في صحيفة “إزفستيا” الروسية، يقول إنّه “في الصحراء السورية، وفي وادي الفرات وما وراء الفرات، بدأ تهريب النفط السوري يكتسب زخماً مرة أخرى. يحدث ذلك بعد هزيمة داعش. فالآن، عندما يعاني سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة من نقص حاد في موارد الطاقة، يتدفق الذهب الأسود السوري مرة أخرى إلى الخارج من منطقة الاحتلال الأميركية. في السابق، كان دفق البترودولارات يغذي الآلة الدعائية والعسكرية للإرهابيين. والآن، توفر حقول النفط السلاح للجماعات المناهضة للحكومة والثروة الشخصية لقادتها”.
وصرّح رئيس إدارة العمليات العامة التابعة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، الفريق أول، سيرغي رودسكوي ، بأن الشركات العسكرية الأميركية الخاصة، التي يفوق مجموع عناصرها 3.5 ألف شخص، تنهب منشآت النفط السورية تحت غطاء التحالف الجوي.
وجاء في المقال الذي ترجمته للعربية “روسيا اليوم”: إنّ التهريب اليوم، أكثر سرية. يقال إن النفط يذهب من المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة إلى تركيا بآليات فردية وليس بقوافل لا نهاية لها. بعد أن تم إخراج الدواعش من المناطق الحدودية، تكثف التهريب إلى العراق، وخاصة إلى منطقة كركوك. فهناك تسهل قوننة النفط السوري تحت ستار عراقي.
ورأى الصحفي الروسي في مقاله أنّ ربع الأراضي السورية والجزء الأكبر من مواردها النفطية ما زالت تحت سيطرة القوات التي تدعمها الولايات المتحدة. في الواقع، أصبحت هذه المناطق محمية عسكرية، أو مجرد منطقة احتلال أميركي. ووفقا للقوانين الدولية، فإن هذا يعني أنهم مسؤولون عن كل ما يحدث في هذه المناطق، بما في ذلك التعدين غير القانوني وتهريب موارد الطاقة من البلاد.
وبالفعل تسيطر قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، ومُكوّنها الرئيس وحدات حماية الشعب الكردية، المدعومة من التحالف الدولي على نحو ثلث مساحة سوريا الواقعة في مناطق شرق نهر الفرات بعد استعادتها من قبضة تنظيم “الدولة الاسلامية”.
ووفقا لدراسة اقتصادية لـِ (بي بي سي)، فإنّ “قسد” تُسيطر على نحو 90 في المئة من الثروة النفطية بالإضافة إلى 45 في المئة من إنتاج الغاز في سوريا، فضلاً عن ثروة مائية ضخمة.
وتنتج هذه المناطق معظم احتياجات سوريا من القمح والشعير والعدس إضافة إلى القطن وخاصة في محافظة الحسكة بفضل المساحات الشاسعة من الأراضي الخصبة ووفرة الأمطار وخاصة تلك التي تقع بالقرب من الحدود التركية.
كما توجد في مناطق شرق الفرات أحد أكبر معامل إنتاج الاسمنت في سوريا، ويقع بالقرب من مدينة كوباني وتملكه شركة لافارج الفرنسية.
ونقلت أنباء الأناضول عن المرصد “الأورومتوسطي” مُطالبته مجلس الأمن بالتدخل العاجل لوقف انتهاكات قوات “قسد”، والإيعاز إلى التحالف الدولي لوقف الدعم المادي واللوجستي ووقف أشكال التنسيق كافة بينه وبين تلك القوات.
ودعا المرصد الأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة تحقيق خاصة لبحث تلك الانتهاكات والأشخاص المتسببين بها تمهيدًا لتقديمهم للمحكمة الجنائية الدولية لارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق مدنيين، بينهم أطفال ونساء.
وكانت “أحوال تركية” ذكرت الاثنين، أنّه بالتزامن مع التهديدات التركية المُتزايدة باجتياح المناطق الكردية شمال سوريا، كثّفت المُخابرات التركية بالتعاون مع الإعلام القطري، من حملتها الإعلامية ضدّ قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وذلك عبر فبركة انتهاكات بحق المدنيين العرب من قبل المُسلحين الأكراد، بهدف نشر الفوضى في منبج ومناطق شرق الفرات، وخلق فتنة عربية- كردية تسهل على أنقرة تنفيذ مخططاتها بالاجتياح العسكري لتلك المناطق.
وتتواصل عمليات الفبركة الإعلامية من قبل جماعات موالية لتركيا من النشطاء السوريين وبالتعاون مع تقنيين أتراك، لتصوير مشاهد تُظهر عناصر على أنهم من قوات سوريا الديمقراطية يعذبون وينكلون بمواطنين سوريين.
ومن آخر عمليات الفبركة هذه، التي كشف عنها المرصد السوري لحقوق الإنسان، وفنّدها بالتفصيل شريط مصور يظهر عنصرا يرتدي زي “قسد” ويتكلم باللغة الكردية يقوم بتعذيب عائلة عربية وضربهم وشتمهم والقيام بأفعال مخلة بالآداب، بينما يظهر بالشريط سيارة تابعة للأسايش وراية “قسد” بجانبها، الأمر الذي لاقى ردود أفعال غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وهناك دلائل كثر تثبت فبركة الشريط هذا وعدم صحته كلياً، فالشريط يظهر المتحدث ويقول إنّ هؤلاء هاربين من التجنييد الإجباري، إلا أنه لا يوجد تجنيد إجباري للنساء ضمن قسد، كما أن مسؤولية ملاحقة الفارين من التجنيد هي على عاتق الشرطة العسكرية ولباسهم مغاير للباس قسد المتعارف عليه، كما أن السيارة التي تظهر تابعة للأسايش وهم أيضاً لباسهم يختلف عن لباس “قسد”، كذلك العنصر الذي يقوم بالضرب يرتدي لثام وهو أمر ممنوع في “قسد”، كما أن الشريط جرى تداوله على أنه في منبج حيث سيطرة مجلس منبج العسكري وهناك لا تواجد لرايات “قسد” وسياراتها.
موسكو تُروّج لتدابير تركية موجعة للولايات المتحدة
بعكس غالبية تحليلات وآراء الخبراء العسكريين، ترى الصحافة الروسية أنّه إذا تمّ إغلاق كافة القواعد الأميركية في تركيا، “والشائعات والأحاديث تدور حول هذا الأمر منذ فترة طويلة”، فإنّ هذا سيكون بلا شك مُفيدا لكل من أنقرة وموسكو.
وتفقد التهديدات التركية أهميتها نظراً لتكرارها لأغراض دعائية أولاً، فضلاً عن أن أنقرة ستكون الخاسر الأكبر بنظر المحللين على الصعيد العسكري في حال إغلاق القواعد الأميركية، خاصة وأنّ لدى الولايات المتحدة بدائل كثيرة في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فإنّ تركيا من سيدفع الثمن فيما تُهدّد بذات الوقت باجتياح عسكري لمناطق شرق الفرات في سوريا بينما لا تزال القوات الأميركية متواجدة هناك بقوة.
وحول ذلك، نشرت “فوينيه أوبزرينيه” الروسية، مقالاً يتحدث عن تدابير جوابية موجعة تنظر فيها أنقرة ضدّ الولايات المتحدة.
وبدأت تركيا في تسلم شحنات من منظومة إس-400 هذا الشهر ما دفع الولايات المتحدة إلى البدء في استبعاد شريكتها في حلف شمال الأطلسي من برنامج إنتاج الطائرة المقاتلة الشبح إف-35 الأميركية لأسباب أمنية.
ومنذ أيام، تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب للصحفيين في البيت الأبيض، حول عقوبات بلاده على تركيا بسبب التعامل مع الجيش الروسي، حيث قال “نبحث وضع تركيا بأكمله… إنه وضع صعب… أنا لا ألوم تركيا لأن هناك ملابسات كثيرة”.
وأظهرت الصحافة الروسية بشكل عام احتفاءها بنجاح الرئيس بوتين بإبعاد تركيا عن حلفائها الغربيين أوروبا والولايات المتحدة بسبب الملف السوري وصفقة “إس-400”.
وجاء في المقال الجديد الذي ترجمته للعربية “روسيا اليوم”: يبدو أن الولايات المتحدة لم تتوصل بعد إلى الاستنتاجات الصحيحة من شراء أنقرة “إس-400″، فهم لا يفهمون أن تهديداتهم لم تعد تعمل حتى مع الذين كانوا حتى وقت قريب من أقرب الحلفاء، ويحولونهم ببطء إلى أعداء مستقبليين.
وتُروّج الصحافة الروسية إلى أنّ تركيا بصدد اتخاذ إجراءات جوابية، لم تطلقها بعد، ولكن يجري الحديث عنها. فقد أعلن أردوغان أنّ تركيا قد تتخلى عن شراء 100 طائرة من طراز بوينغ، تبلغ قيمتها حوالي 10 مليارات دولار.. وفي المكان نفسه الذي يقتنون فيه وسائط الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة: ناقشت روسيا وتركيا تزويد تركيا بالطائرات، وكذلك التجميع المشترك للمروحيات.
ومن بين الردود التركية وفقاً لموسكو، هناك أشياء أخرى غير سارة للولايات المتحدة. وهي بالتحديد تدابير عسكرية. فقد قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، مؤخرا، في مقابلة مع إحدى القنوات التلفزيونية المحلية: “إذا استمرت أميركا في سلوكها المعادي لنا في هذا الشأن، فكما قلنا لهم، وليس لدينا أسرار، سوف نتخذ تدابير مضادة. هذا ليس تهديدا، ولا خدعة، هذه حقيقة… نحن الآن نطلق العملية، وقد يكون ذلك إنجرليك وكوريتشيك، وقد تكون هناك تدابير أخرى”.
ويرى المقال أنّه سيكون من المزعج جدا للولايات المتحدة الأميركية طردها من إنجرليك، من وجهة نظر اعتبارية، “ناهيكم بالمشاكل (فكم يساوي سحب كل واحدة من B61)، والنفقات، والسيطرة على تركيا، التي سوف تضيع”.
وأما الطرد من كوريتشيك، فليس أسوأ، كما جاء في المقال الروسي، فهذه المحطات، بشكل عام، لن تساعد كثيرا في مهام الدفاع الصاروخي، لأن الولايات المتحدة لم تنشئ بعد نظاما فعالا للدفاع الصاروخي. ولكنها مفيدة وضرورية بالنسبة لواشنطن كمحطات تزود الجيش الأميركي بمعلومات قيمة حول عدد من جوانب نشاطنا الصاروخي.
وتُعدّ قاعدة إنجرليك في جنوب تركيا أحد المراكز الرئيسية للعمليات الجوية الأميركية في المنطقة، كما تضم أسلحة نووية تكتيكية أميركية. ويعد موقع رادار الدفاع الصاروخي كورسيك بالقرب من ملاطية في شرق الأناضول جزءً مهمًا من شبكة دفاع الناتو التي توفر درعًا ضد الصواريخ البالستية.
من جهته رأى الأكاديمي إدوارد جي ستافورد، الذي عمل في أقسام تابعة للشؤون الخارجية الأميركية، أنّ ردّ ترامب على شراء تركيا صواريخ إس-400 يعكس المصالح الأميركية، فالعقوبات الشديدة التي من شأنها أن تشل الاقتصاد التركي أو تلحق الضرر الشديد به ستعمل على تعزيز روابط أردوغان مع روسيا والصين، وقد تسبب أضراراً جسيمة للمصالح الأميركية.
وأوضح في مقال له في “أحوال تركية” أنّه يمكن للعقوبات الاقتصادية الشديدة أن تدفع الاقتصاد التركي إلى دوامة هبوط سحيق، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط الكبير، وهذا بالتأكيد لا يصبّ في صالح الولايات المتحدة.

المصدر

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك