خلصت دراسة حديثة صادرة عن منظمة Impact أن منطقة الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا شهدت تطورا ملحوظا في مجال عمل منظمات المجتمع المدني، وأن مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية الأفضل مقارنة مع المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا شمال غرب سوريا ومنطقة إدلب الخاضعة لسيطرة تنظيم “هيئة تحرير الشام” ومناطق سيطرة الحكومة السورية.
التقرير أشار أن الوجود والتأثير الذًين تمارسهما القوات التركية في شمال وشرق حلب، وموجات النزوح الكبيرة من وإلى المنطقة، والتغيرات الديموغرافية الناجمة عنها، خلق سياقا مختلفا عن السياق الذي لوحظ في بقية المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال الغربي.
وأن ذلك أحدث تغير مشهد المجتمع المدني فيً المنطقًة بعد عمليتي “درع الفرات” و “غصن الزيتون”.
الدراسة كشفت أن غالبية الجهود الإنسانية المبذولة في تلك المنطقة يجري تنسيقها وإدارتها إمّا من قبل الهيئات الإنسانية التركية أو نظيراتها الدولية، مثل آفاد، والهلال الأحمر التركي، ووكالات الأمم المتحدة، وتملك هذه الجهات شراكات مع مجموعة محدودة من المنظمات الإنسانية غير الحكومية السورية. بالإضافة إلى ذلك، تسعى العديد من المؤسسات الخيرية التي كانت تمارس نشاطها في مناطق جغرافية مختلفة إلى توسيع عملياتها، مع أن ذلك لن يكون دون قيود معينة، إلى منطقة درع الفرات.
وإن أبرز الأنشطة التي تديرها منظمات المجتمع المدني تتمثل في تقديم الخدمات في قطاعي التعليم والصحة. ومعظم هذه التدخلات تديرها منظمات غير حكومية كبيرة ومعروفة تعمل عن بعد، ولا سيما من تركيا.
التقرير أشار أنه من بين 514 منظمة مجتمع مدني شملها المسح البياني، أدرجت 61 منظمة منطقة درع الفرات ضمن مناطق عملياتها، مع الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من هذه المنظمات (53 منظمة) تتخذ تركيا مقرا لها.
وأنه لا يسُمح لمنظمات المجتمع المدني بممارسة نشاطاتها في المنطقة إلا إذا كانت مُسجّلةً رسميا في تركيا أو كانت تملك تصريح عملًٍ يتم الحصول عليه لهذا الغرض خصيصا من والي هاتاي، أو كيليس، أو غازي عنتاب.
وانه قد تأثرتً كذلك مساحة العمل في المجتمع المدني في هذه المنطقة بسبب الحملة التًي قادتها الحكومة التركية ضد بعض منظمات المجتمع المدني الدولية والسورية التي تتخذ من تركيا مركزا لها، ولا سيما في محافظة غازي عنتابٍ في الجنوب عام 2017.
كما أشار البحث أن منظمات المجتمع المدنيٍ المحلية الشعبية غائبةً إلى حدٍّ كبير، باستثناء عدد قليل من الفرق والمبادرات التطوعية التي تعمل على نطاق صغير وبدعم محدود، ويعزى ذلك عموماً إلى صعوبة تسجيل هذه المنظمات والحصول على تراخيص العمل المذكورة أعلاه.
أدلب:
التقرير أشار أن “هيئة تحرير الشام” / التي يشكل مقاتلوا جبهة النصرة التي تعتبر فرع لتنظيم القاعدة في سوريا عمودها الفقري من خلال “مكتب شؤون المنظمات” هي المسؤولة عن تنظيم عمل منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في إدلب وأن المكتب يمارس كثيرا من التدخلات في شؤون منظمات المجتمع المدني ولا سيما التي تعمل منها في المجال الإنساني. ومن بين الأمثلة على هذا التدخًل هناك العديد من الحوادث المتكررة بما فيها مضايقة أعضاء منظمات المجتمع المدني واحتجازهم، فضلاً عن ممارسة الاستغلال والابتزاز ضدهم. وأن لسيطرة “حكومة الإنقاذ” التابعة ل “تحرير الشام” على عدة لجانٍ محلية الأثر المباشر على عمل منظمات المجتمع المدني المحلية.
وتحدثت الدراسة إن آثار هذه التغييرات في سياق المناطق الخاضعة لسيطرة قوى المعارضة يمكن ملاحظتها كذلك على الجبهة الخارجية، فالعديد من الجهات المانحة الدولية الكبرى باتت تفكر في قطع التمويل عن هذه المناطق متخوفة من أن التمويل من شأنه أن يذهب إلى جماعات إرهابية (وتعني هيئة تحرير الشام) ويشكل هذا التوجه مصدر قلق كبير بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني العاملة في المنطقة، ولا سيما مع غياب خيارات بديلة للتمويل بالنسبة لغالبيتها.
وإن كل هذه التغيرات انعكست على شكل تحديات جديدة بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني العاملة في المنطقة وعلى مختلف المستويات، بما في ذلك إمكانية حصولها على التمويل وحريتها في العمل.
قوات سوريا الديمقراطية:
تحدث التقرير عن غياب نشاط المجتمع المدني في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة داعش حتى أوائل عام 2017، أي الرقة ودير الزور، وإنه طوال فترة هذه السيطرة توقف أي نشاطٍ للمجتمع المدني بسبب الاضطهاد الذي كان الناشطون يتعرضون له في هذه المناطق. وفي أواخر عام 2017، وفيما بدأت قوات سوريا الديمقراطية بالسيطرة على المنطقة وطرد مقاتلي داعش تدريجيا، شرعت مساحة العمل المدني تنفتح أمام الناشطين للعودة إلى النشاط المدني وإعادة التأسيس. وأن شهر مايو من عام 2018 شهد تًشكيل وترخيص 20 منظمة مجتمع مدني في محافظة الرقة وحدها، وما لبث هذا العدد أن ارتفع بشكلٍ كبيرٍ إلى أكثر من 35 منظمة بحلول نهاية العام، يضُاف إليها كذلك العديد من منظمات المجتمع المدني السورية التي وسعت نطاق عملياتها لتشمل الرقة. ولدى استهلالها لأنشطتها في هذه المدنية التي تعرضت لدمارٍ هائلٍ ونقص حادٍ في الخدمات الأساسية.
وأن منظمات المجتمع المدني التي تم تأسيسها حديثا في الرقة بدت أقّلّ قدرًةً من حيث هيكلياتها وتخطيطها الاستراتيجي من منظمات المجتمع المدني الأكثر خبرة في مناطق أخرى من سوًريا، في صغر الحجم وانخفاض كفاءات الموظفين، حيث أشارت 23 من أصل 35 منظمة مجتمع مدني في الرقة إلى عدم وجًود أي موظفين حاصلين على التدريب المطلوب في مجالات عملهم.
كذلك الأمر بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني التي بدأت تتشكل في مدينة دير الزور بعد استعادة أجزاء من المدينة من سيطرة داعش ،حيث بلغ عدد منظمات المجتمع المدني المؤّسّسةِ حديثاً ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية 11 منظمة بحلول نوفمبر 2018 ، وبدورها تعمل هذه المنظمات في الغالب في مجال الإغاٍثة والخدمات الأساسية، وتمارس أنشطتها بقدرات وموارد محدودة.
وإن تغير خارطة السيطرة في هذه المناطق تجّلّى في تشكيل هياكَلَ جديدة للحكم المحلي مثل مجلس الرقة المدني في مايو 2017 ومجلس دير الزور المدني سبتمبر 2017 . ولدى مجلس سوريا الديمقراطية وحدة خاصة تعرف باسم مكتب المنظمات غير الحكومية، وهي مسؤولة عن تنظيم شؤون منظمات المجتمع المدني بما في ذلك مسائل التسجيل وتراخيص العمل.
الحكومة السورية:
التقرير تحدث عن تقلصّ المساحة المتاحة لمنظمات المجتمع المدني لممارسة أنشطتها في المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة السورية، وأن المجتمع المدني في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية ما يزال يواجه التحدي الهائل المتمثل في العمل تحت سقفٍ منخفضٍ من الحريات، بما في ذلك: (القيود الهائلة على الترخيص والتمتع بوضع قانوني، غياب فرص التمويل، والخوف من التواصل مع الجهات الخارجية، المخاوف الأمنية المتعلقة بالموظفين والمستفيدين والمسائل المتصلة بأمن البيانات.
وإن منظمات المجتمع المدني في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية تجهد غالبا للعمل دون لفت الأنظار، وتتخذ شكل الفرق والمبادرات التطوعية، أو الشبكات السرية من الناشطين، أو المؤسسات الخيرية، مًع ميلٍ أكبرَ للعمل في القطاعات ذات الصلة بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر تمكين المرأة والمبادرات المحلية والأعمال التجارية الصغيرة، بدلاً من المجالات المرتبطة تقليدياً بالحكومة مثل مجالي التعليم والصحة.
واوصى البحث الجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية الدولية لمنح الأولوية لاحتياجات منظمات المجتمع المدني والمجتمع المًحلي السورية، اضافة لدعم جهود التطوير الداخلي للمنظمات، ودعم الجهود السياسية وجهود المناصرة التي يقودها المجتمع المدني حيث دعا أصحاب المصلحة الدوليين بالاعتراف بصوت المجتمع المدني السوري ومنحه مساحة أكبر على الصعيد السياسي الدولي، وضمان التمثيل العادل لمنظمات المجتمع المدني المحلية وإيصال صوتها إلى صانعي السياسات.
وشجع أصحاب المصلحة الدوليين على اتخاذ التدابير اللازمة للتواصل بشكل دائم مع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني على الصعيدين المحلي والإقليمي، وذلك لضمان إدارة أنشطة التمويل بكفاءة، ومراعاة الأصوات والاحتياجات المحلية لدى تصميم استراتيجيات التدخل والمشاريع المرتبطة بها.
كما اوصى بضرورة توسيع نطاق دعمهم بحيث يشمل المبادرات المحلية وأنشطة المجتمع المدني المحلي.