لم يكتف نظام رجب إردوغان بدعم التنظيمات الإرهابية بالمال والسلاح، وإمدادها بالمعلومات الاستخباراتية، ونقل المقاتلين عبر الأراضي التركية، بل حول مؤسسة القضاء إلى ماكينة لتبييض سجلات عناصرها المتطرفة.
مؤامرة قذرة يحيكها إردوغان، لاستخدام العناصر التكفيرية في تنفيذ مخططاته في سورية والعراق، وأخيرا في ليبيا، بمنح القضاء التركي الإرهابيين والقتلة من عناصر “داعش” والقاعدة” الذين تلطخت أياديهم بدماء المدنيين العرب، صكوك البراءة، وإطلاق سراحهم، لاستئناف عمليات الذبح والقتل.
وثائق استخباراتية سرية نشرها موقع نورديك مونيتور السويدي، الأربعاء، كشفت عن إفراج نظام إردوغان عن غالبية المقاتلين الأجانب الذين ألقي القبض عليهم في تركيا، بين عامي 2014 و2016، للاشتباه في نشاطهم الإرهابي.
الوثائق اشتملت على بيانات إحصائية سرية، احتفظ بها قسم الاستخبارات بقوات الدرك التركية، بدءا من 1 يناير 2014 إلى 30 يونيو 2016، وأوضحت أن المحاكم التركية لم تدن سوى 224 شخصًا، بنسبة 37% من إجمالي 607 معتقلين.
وفي الفترة ذاتها، ألقت قوات الدرك، التي لديها صلاحيات واسعة، باعتبارها وكالة إنفاذ قانون في المناطق الحدودية والقروية، القبض على 311 إرهابيًا تركيًا، ولم يدن القضاء التركي سوى 39% منهم، وأطلق سراح الباقين.
تساهل
الموقع السويدي لفت إلى أن تلك الأرقام تمثل جانبا ضئيلا من الأعداد الحقيقية، في ضوء افتقار الوثائق الاستخباراتية لبيانات الحصر الشامل لعدد المعتقلين، والتي يعدها قسم الشرطة.
لم تذكر البيانات أي معلومات عن عدد المعتقلين الذين أُطلق سراحهم أثناء المحاكمة، فيما يشير “نورديك مونيتور” إلى أن غالبية الأفراد الذين اعتُقلوا رسميا بتهمة الانتماء لتنظيمي داعش والقاعدة في تركيا، أُفرج عنهم على نحو سريع، أثناء سير الإجراءات القانونية في المحكمة.
وأكد أن عدد الإدانات الحقيقية للإرهابيين، في نظام العدالة الجنائية التركي، قليل للغاية، بسبب البيئة السياسية المتساهلة التي يوفرها نظام العدالة والتنمية، ولفت إلى أن السلطات قدمت صورة للأرقام الحقيقية المستندة على السجلات الرسمية، حول ما حدث في تلك السنوات، فيما يتعلق بالأجانب الذين وصلوا إلى تركيا، في طريقهم للالتحاق بالتنظيمات الإرهابية الناشطة في سورية والعراق، خصوصا “داعش” و”القاعدة”.
ترانزيت الإرهاب
الموقع السويدي أكد أن الفترة من 2014 إلى 2016 شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في عدد المقاتلين الأجانب الذين قدموا إلى تركيا، في طريقهم للالتحاق بالتنظيمات الإرهابية في سورية، وأضاف، في عام 2014، وصل ثمانية أشخاص فقط إلى أنقرة، قادمين من مقدونيا وكوسوفو وألبانيا وأذربيجان، وتم اعتقالهم على يد قوات الدرك، وفي العام التالي، وصل الرقم إلى 499 شخصًا، واتسعت قائمة البلدان التي قدموا منها، لتشمل الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا والسويد وفنلندا واليابان والصين وروسيا والهند، وغيرها.
الوثائق المخابراتية قسّمت المعتقلين الأجانب إلى إرهابيين، متعاونين، متعاطفين، ومحرضين، ولم تحتوِ على أية معلومات حول كيفية قيام الجيش التركي بتسجيل المعتقلين بحسب التصنيفات المختلفة، وما هي المعايير المستخدمة للتمييز بينهم.
تشير الأرقام إلى أن عدد المعتقلين الأجانب والأتراك وصل إلى 700 رجل، فيما بلغ عدد النساء 202 سيدة، و16 طفلًا.
السماح بالتهريب
الوثائق السرية التي حصل عليها موقع نورديك مونيتور، فضحت تواطؤ القضاء التركي مع أحد أخطر العناصر الإرهابية، يدعى إلهامي بالي، والذي قاد شبكة لتهريب المقاتلين إلى سورية للالتحاق بالتنظيمات التكفيرية التي تقاتل الجيش السوري.
نورديك مونيتور قال إن بالي، واسمه الحركي أبو بكر، أصبح مسيطرا على الحدود التركية – السورية، مهمته تيسير وتنظيم حركة المقاتلين الأجانب والمحليين في المنطقة الحدودية، ذهابًا وإيابًا، وأشار إلى أنه ظل لفترة طويلة، تحت مراقبة سلطات العدالة والتنمية، عبر التنصت على هاتفه بشكل منتظم، بأمر من المحاكم الجنائية.
سبق أن تمت إدانة بالي من جانب محكمة تركية، في تحقيق حول الحرب السورية، عام 2011، بتهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة، وحكمت عليه بالسجن لثلاث سنوات، وفي الفترة ما بين 2 أبريل و19 سبتمبر عام 2012 احتجز في الحبس الاحتياطي، بتهم الانتماء للتنظيم الإرهابي الدولي، لكن سلطات أنقرة أطلقت سراحه على ذمة القضية، وفي نوفمبر 2015 عندما حكمت محكمة أخرى عليه بالحبس ست سنوات وثلاثة أشهر، تمكن من الهرب إلى سورية، هو وشريكه حسن أيدين، الذي حكم عليه بالسجن بنفس المدة، لكن السلطات أفرجت عنه في 3 ديسمبر 2012.
في 16 ديسمبر 2014 أصدرت محكمة في مدينة غازي عنتاب، أمرًا بإلقاء القبض على بالي، بتهمة مسؤوليته عن ثلاث هجمات إرهابية عام 2015 في أنقرة، أودت بحياة 142 شخصًا.
بعد ذلك بعام، أصدرت محكمة جنائية أمرًا آخر باعتقال بالي لدوره في تفجيرات أنقرة، في 10 أكتوبر 2015، والتي أودت بحياة 120 تركيًا، واستهدفت المنظمات غير الحكومية وأنصار الأحزاب اليسارية، والموالية للأكراد، الذين احتشدوا في مسيرة تدعو إلى السلام في سورية، وترفض التدخل التركي في الحرب.
وقعت التفجيرات قبل أسابيع من الانتخابات البرلمانية، التي أجريت في نوفمبر عام 2015، وتسببت في زيادة شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم، حسبما اعترف رئيس الوزراء آنذاك أحمد داود أوغلو.
خلية أضنة
في 13 فبراير الماضي، فضح موقع نورديك مونيتور تغاضي نظام إردوغان عن الأنشطة الإرهابية لخلية تابعة لتنظيم داعش في محافظة أضنة الحدودية، جندت الآلاف من الشباب، تمهيدا لنقلهم إلى سورية.
الخلية تأسست في ضاحية يشيل باغلار، زعيمها يدعى حسن شيفتجي، ويعمل في مقهى للإنترنت، وتضم في عضويتها كلا من، محمود أوزدان، معروف بأنه أحد أمراء داعش في أضنة، ويعمل كممول لمواد البناء، وعلى شيفتسورين، أحد عناصر التنظيم، تولى الثلاثة تجنيد مئات المسلحين وإرسالهم إلى سورية، وكذلك نقل مصابي العمليات إلى تركيا، لتلقي العلاج.
بدأت التحقيقات مع عناصر خلية شيفتجي، عقب كشف معلومات استخباراتية عزمها شن هجمات إرهابية داخل تركيا.
سلطات العدالة والتنمية التي تخشى انقلاب ذئاب “داعش” المنفردة التي تحتضنها منذ سنوات، أطلقت يد الشرطة للقبض على عناصر الخلية، والتي نجحت في مهمتها بعد تمشيط محافظة أضنة، ولكن سرعان ما أُطلق سراحهم، قبل إجراء المحاكمات، وتمت تبرئتهم في ختام الإجراءات القضائية.
منشورات إرهابية
في 29 أكتوبر 2017 اعتقلت الشرطة مُسلحين تابعين للخلية، وهما محمد فرقان شان أوغلو (26 عاما) وصامد ألكوش (31 عاما)، عثر المحققون في منزل الثاني على منشورات تحمل شعارات”داعش” ، لكنه أنكر أثناء المحاكمة صلته بها، وادّعى أنها تخص والده “الذي ربما حصل عليها عندما ذهب إلى المسجد للصلاة”، حسب قوله.
تقرير تحقيقات الشرطة أكد مصادرة مجلات تدعى “شهيد” و “الحياة النبوية” و”تبليغ” من منزله، وجميعها تدعو للانخراط في الجماعات الإرهابية.
وأثناء تفتيش منزل ألكوش عثرت الشرطة كذلك على مجلة تسمى “أوميد شهيد”، حظرت محكمة الصلح الجزائية في مرسين بيعها، ونشرها، في 2 فبراير 2016، بموجب الحكم رقم 2016/6873.
براءة الإرهاب
في 30 أكتوبر 2017 أبلغ أحد الأشخاص الشرطة عن نفسه، أنه عضو في خلية أضنة الإرهابية، وأنه تمكن من الهرب بصعوبة، محذرا من خطورتها، وكشف نيتها شن هجمات إرهابية داخل تركيا.
استخدم المدعون تلك المعلومات لإدانة شان أوغلو وألكوش، لكنها لم تكن كافية بنظر المحكمة الجنائية العليا الثالثة عشرة في أضنة، والتي قضت بعدم كفاية الأدلة، لإدانة مسلحي داعش، وقضت بإطلاق سراحهما.
محاكمة زعيم الخلية الداعشية في أضنة، أكدت فساد قضاء أنقرة، وتدخلات حكومة العدالة والتنمية، لإنقاذ أصدقاء إردوغان، شيفتجي قضى خمسة أشهر في الاعتقال قبيل المحاكمة، وسرعان ما دانته المحكمة الابتدائية، وحكمت عليه بالسجن لمدة ستة أعوام وثلاثة أشهر، ولكن محكمة الاستئناف الإقليمية أسقطت هذه الإدانة، وأمرت بإعادة محاكمته. المحكمة أدركت الرسالة الموجهة لها، وحكمت ببرائته، في يناير 2019، رغم أنه لا يزال مطلوبا على ذمة اتهامات جنائية في قضايا أخرى، لكنه حر طليق، يمارس إدارة خليته المتطرفة تحت سمع وبصر أجهزة إردوغان.