اعترف الرئيس الأميركي، جو بايدن، السبت، بالمجازر التي ارتكبها العثمانيون ضد الأرمن على إنّها “إبادة جماعية”، ليصبح بذلك أول رئيس للولايات المتحدة يعترف رسميا بالإبادة الأرمنية.
وقال بايدن في بيان صادر عن البيت الأبيض بمناسبة الذكرى السادسة بعد المئة لتلك المجازر، إنّه “في هذا اليوم من كل عام، نتذكر أرواح جميع الذين ماتوا في الإبادة الجماعية للأرمن في العهد العثماني ونجدد التزامنا بمنع حدوث مثل هذه الفظائع مرة أخرى”.
نانسي بيلوسي ، رئيسة مجلس النواب الأمريكي أشادت بالخطوة وذكرت بأنّ تركيا اليوم ترتكب المزيد من المجازر، وأنّها لم تتوقف عن ارتكاب أعمال وحشة : “إذا تجاهلنا التاريخ ، فعندئذٍ محكوم علينا أن نشهد تكرار لأخطاء الماضي، والهجمات الأخيرة التي شنها الجيش التركي ضد الشعب الكردي هي تذكير صارخ ووحشي بالخطر في عصرنا.”.
وتعرف الإبادة الجماعية للأرمن أو مذابح الأرمن أو المحرقة الأرمنية بأنّها عملية القتل الجماعي الممنهج وطرد الأرمن التي حدثت في أراضي الدولة العثمانية على يد حكومة جمعية الاتحاد والترقي خلال الحرب العالمية الأولى. مع أنّ مجازر متفرقة قد ارتكبت بحق الأرمن منذ منتصف العام 1914م، فإنّ المتفق عليه أن تاريخ بداية الإبادة هو 24 أبريل 1915م، وهو اليوم الذي جمعت فيه السلطات العثمانية مئات من المثقفين وأعيان الأرمن واعتقلتهم ورحلتهم من القسطنطينية (إسطنبول اليوم) إلى ولاية أنقرة حيث لقي أغلبهم حتفه.
نُفذت عملية الإبادة على مرحلتين وقد أمر بها الباشاوات الثلاثة بصفتها جزءاً من سياسة التتريك المفروضة بالقوة. في المرحلة الأولى قُتل الذكور البالغون جماعياً، في المرحلة الثانية، أجبرت النساء والأطفال والشيوخ، حسب قانون التهجير، على المشي في مسيرات موت حتى بادية الشام في عامي 1915 و1916م حيث تعرضوا لعمليات نهب واغتصاب وقتل دورياً، وتشير التقديرات إلى أنّ عدد من أجبر على هذه المسيرات يتراوح بين 800 ألف حتى 1.2 مليون أرمني وبأنّ 200 ألفاً منهم على الأقل كانوا لا يزالون على قيد الحياة في نهاية العام 1916م. وفق بعض التعريفات، فإنّ الإبادة تمتد أيضاً لتشمل عمليات القتل الجماعي لعشرات الألوف من المدنيين الأرمن خلال الحرب التركية الأرمنية في عام 1920م.
تتراوح تقديرات الوفيات حول العدد الإجمالي للضحايا الأرمن الذي قضوا نتيجة لسياسات الحكومات العثمانية والتركية بين عامي 1915 و1923 بين 600 ألف إلى أكثر من مليون ونصف نسمة، وتتحدر مجتمعات الشتات الأرمني أغلبها حول العالم من ناجين من هذه الإبادة. يُشير بعض المؤرخين إلى أنّ الإبادة الجماعية للآشوريين ولليونانين التي حصلت في تلك الفترة نفسها كانت جزءاً من سياسة موحدة اتبعتها تلك الحكومات مع هذه المجموعات الإثنية، يرى العديد من الباحثين أنّ هذه الأحداث هي جزءٌ سياسية موحدة انتهجتها حكومة تركيا الفتاة ضد مجموعات إثنية متنوعة.
كانت هذه العملية سبباً رئيساً دفع المحامي رافاييل ليمكين في عام 1943م لتعريف الإبادة الجماعية على أنّها جريمةً تشمل الإبادة الممنهجة لشعب ما. تتفق غالبية الباحثين والمؤرخين على أنّ ما حصل للأرمن كان إبادة جماعية، في حين ترفض الجمهورية التركية حتى اليوم الاعتراف بهذه الجريمة. وقد وصفت الحكومات والمجالس النيابية، في عام 2019م، لاثنين وثلاثين بلداً بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وألمانيا هذه العملية على أنّها إبادة جماعية بالإضافة لتجريم بعض من هذه الحكومات عمليات إنكار حدوثها
وتمكن قسم كبير من الأرمن والسريان الذين نجوا من المجزرة من التوجه نحو سوريا ، والعيش مع سكانها في المناطق الحدودية شمال سوريا وغالبهم من الكرد .
ماذا عن مجازر أحفاد العثمانيين اليوم؟
استذكر المجلس الاجتماعي الأرمني وقوات الأرمن العسكرية المجازر التي ارتكبت على يد العثمانيين بحق أبنائهم وأجدادهم، وطالبوا المجتمع الدولي بمحاسبة تركيا وإعادة فتح ملف المجازر بصورة تضمن تحقيق العدالة.
ونُظمت فعالية الاستذكار في قرية تل كوران التابعة لناحية تل تمر في الحسكة، بحضور عشرات العائلات الأرمنية وأعضاء المؤسسات المدنية وقوات مجلس حرس الخابور الآشوري وكتيبة الشهيد نوبار أوزانيان للأرمن التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، وزُيّن مكان الاستذكار بصور لمجازر العثمانيين بحق الأرمن وعبارات تطالب بالاعتراف بها ومحاسبة تركيا وأنّ ذلك سيضمن عدم تكرارها ” تركيا تظن نفسها قوية حينما تتجاهل بعض الدول اعمالها الاجرامية ، وتصمت عن جرائمها”.
القيادي في كتيبة الشهيد نوبار أوزانيان، مانويل ديمير قال في كلمته “نحن الشعب الأرمني يعني لنا هذا التاريخ الكثير… قبل 106 أعوام قام العثمانيون وعلى مرأى دول العالم بارتكاب أبشع مجزرة بحق شعبنا الأرمني راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف مليون شخص، بالإضافة إلى اعتقال وقتل جميع العلماء والمفكرين الأرمن”.
وأضاف ” وإن عدنا إلى التاريخ سنجد أنّ تركيا أسست دولتها على دماء الشعوب التي أبادتها ومن خلال المجازر التي ارتكبتها”.
ولفت ديمير “نجد أنّ تركيا باتت تحاول إعادة ارتكاب تلك المجازر من خلال تدخلاتها الإقليمية وصراعاتها في الشرق الأوسط واستهدافها لجميع المكونات”.
وأضاف “نحن أرمن سوريا أسسنا كتيبة الشهيد نوبار أوزانيان كقوة عسكرية، وكان الهدف منه جماية شعبنا من إبادة ثانية ..”.
وقال “أغلبنا يعلم أنّ المجزرة الأرمنية هي الأولى في القرن العشرين، وجرت أحداثها أمام الدول العظمى دون أن تتحرك لإيقافها، نُفذت على مرحلتين بعدما استطاع سلطان الفاشية عبد الحميد أن يسيطر على تركيا الفتاة ويبث نفوذه في كافة الإمبراطورية العثمانية الظالمة”.
سريانيات يروين قصصاً عن مجازر سيفو:
المواطنة السريانية، صباح شابو، التي نزح أجدادها هرباً من المذابح واستقروا في مدينة قامشلو، استذكرت بعض القصص التي كانت تسردها جدتها لهم وهم صغار حول تلك المجازر وقالت:” عندما كنا صغاراً كانت تسرد لنا جدتي بعض القصص عن تلك المجزرة، وكانت تقول إنّه أُطلق اسم “سيفو” على المجازر التي ارتكبت، لأنّ العثمانيين كانوا يستخدمون السيف لقتل وذبح الشعب السرياني والأرمني وشق بطن النساء الحوامل”.
وأكدت صباح أنّ المرأة في تلك الأحداث تعرضت لأبشع وأشنع الأفعال الإجرامية من قبل الجنود العثمانيين، وقالت نقلًا عن ما كانت ترويها لهم جدتها إنّ العثمانيين كانوا يجردون النساء من ثيابهن بهدف إذلالهن قبل قتلهن، ثم يتم صلبهن لينزفن حتى الموت، وقالت: “توجد صور توثق ما أتحدث عنه، بالإضافة إلى تهجيرهن من مناطقهن، وما كن يتعرضن له من جوع وخوف مع أطفالهن ورجالهن، فهذه القصص سمعناها من أجدادنا الذين عاشوا تلك الأحداث”.
وعن أساليب أخرى في التعذيب وقتل النساء، ذكرت صباح على لسان جدتها إنّ “أحد أنواع التعذيب بحق المرأة في تلك المجازر كان إقدام الجنود العثمانيين على المراهنة على جنس الجنين الذي في بطن الأم الحامل، وبعدها يقومون بثقب بطن المرأة الحامل وإخراج الجنين وقتله مع أمه”.
وتابعت صباح: “ومن القصص المعلقة في ذاكرتي قصة “قطار الموت” التي كانت ترويها لنا جدتي والتي كانت تسميها بالسريانية “تريندو موتو” أي “قطار الموت” حيث كانوا يضعون الأطفال والنساء والرجال بداخله، ثم يغلقون عليهم البوابة، ويرسلون القطار إلى المناطق المتجمدة شمالًا، وهم جياع وعراة ليموتوا هناك من البرد والجوع”.
وتشير صباح إلى أنّ تركيا حفيدة العثمانية لاتزال تتّبع الأساليب نفسها، في محاولات صهر وإبادة الشعوب، ومتابعة نهجها الدموي وقالت: “خير مثال على ذلك احتلالها للعديد من مناطق شمال سوريا كعفرين وسري كانيه وكري سبي وما ترتكبه فيها من جرائم كالقتل والتهجير والتغيير الديمغرافي ونهب وسلب الممتلكات، للكرد والسريان والأرمن وباقي المكونات في تلك المناطق المحتلة، فكل هذه الأفعال تعيد إلى ذاكرتنا ما تعرضت له شعوبنا على يد العثمانية في مجازر سيفو وغيرها”.
المواطنة السريانية، نورا حنا سردت بعض ما سمعته من أجدادها عن تلك المجازر، وبدأت حديثها بذكر أساليب القتل التي تعرض لها الشعب السرياني والأرمني قائلة:” اختلفت طرق القتل الجماعي التي ارتكبها العثمانيون آنذاك، حيث كانت المذابح تجري بقطع الرأس بالسيف، أو شنقاً أو رمياً بالرصاص أو حرقاً أو بجرعات من السم أو الدفن وهم أحياء، وتعددت أساليب القتل والمجرم واحد”.
وأضافت نورا: “تركيا قتلت مئات الآلاف من الشعب السرياني والأرمني وحطمت طموحاتهم وآمالهم بالعيش بسلام، فلو كان من قتلوا في المذابح موجودين لكان عدد السريان والأرمن قد وصل إلى الملايين، ولم نكن الآن من الأقليات الموجودة في المنطقة”.
وبيّنت نورا حنا في نهاية حديثها أنّ: “تركيا قديماً وحديثاً هي دولة إرهابية شوفينية تمارس الإرهاب والتتريك بامتياز وتمارس نهج الإبادة والانتهاكات، وحتى هذا اليوم لاتزال ترتكب تلك الأفعال، وهي واضحة في كل من عفرين وسري كانية وكري سبي وغيرها من المناطق المحتلة من قبل تركيا”.
“بوتوس” يستحضر كيف تمكن والده من النجاة بالاختباء تحت جثمان والدته
قبل 106 أعوام كان برصوم بشير يختبئ تحت جثمان والدته وهو طفل صغير لينجو بنفسه من المجزرة التي ارتكبها العثمانية بحق الأرمن. ابنه بوتوس استذكر الحادثة في يوم الابادة بالكثير من الحزن والأسف بأنّ العدالة لم تتحقق حتى اليوم لأكثر من مليون أرمني تم قتلهم وتهجير من تمكن من النجاة باعجوبة.
برصوم بشير وهو سرياني واحد من الذين نجوا بالصدفة من تلك المجزرة. برصوم كان عمره ستة أعوام عندما ارتكبت المجزرة. قتل والداه و6 من أخوته وأخواته في المجزرة العثمانية.
ابن برصوم بشير، بوتوس بشير ( 64 عاماً ) يكبر على قصص المجازر التي سمعها من والده. يصر بوتوس على التحدث مع أولاده الثمانية بلغته الأم.
ويقول بوتوس عن المجزرة ” أرادوا الإفناء لكنهم لم يحققوا مسعاهم. أبصرنا النور في قامشلو ولكن لنا وطننا. والدي كان يتكلم دائماً عن الوطن. كانت رؤية الوطن حسرته وهي حسرتي الكبرى أيضاً. عائلتي تعرضت للكثير من الضغوط. والدي كان يخبرني على الدوام إنّهم تعرضوا للمجزرة، أرجو الله ألاّ تعانوا مثلنا. ما رآه والدي رأيته أنا خلال الهجمات التركية واحتلال سري كانيه. هذا عديم الأخلاق، أردوغان يهوي القتل لا يميز كرديا عن عربي أو أرمني أو سرياني. في شمال وشرق سوريا ارتكبت ذات المجازر ولكن بشكل مغاير. تلك المؤسسات التي تدعي حماية حقوق الإنسان هي أيضاً شريكة في المجازر”.
وتؤكد سيلفي باشورة، وهي أرمنية تعتيش في قامشلو ،كذلك بأنّ “هدف الدولة العثمانية من المجازر التي ارتكبتها بحق الأرمن هو إضعافهم من خلال تشرذم وتقسيم صفوفهم لتنشئ ثغرات دينية وثقافية وروحية بينهم، مؤكدةً أنّ الإبادة الجماعية التي حدثت كان هدفها التطهير العرقي.
وتضيف ” احتلال تركيا لمدينة عفرين عام 2018 ومدينتي رأس العين وتل أبيض عام 2019، ما هو إلا تكرار للسيناريو القديم الذي اقترفته الدولة العثمانية بحق الأرمن والسريان والكلدان والآشور من مجازر”.
ومضت سيلفي في حديثها قائلة: “تركيا تسعى إلى تفرقة مكونات المنطقة من خلال أجندتها، والتغلغل في أراضي شمال وشرق سوريا لاحتلالها ونهب خيراتها، السياسة التي انتهجتها الدولة العثمانية الزائلة سابقاً يعاد إحياؤها ضمن مناطقنا من جديد”.
وأضافت: “المجتمع الدولي لا يتخذ موقف جاد حيال انتهاكات الدولة التركية التي تقترفها منذ عهد العثمانيين وحتى الوقت الحالي، وخير دليل على ذلك ما ارتكبته من انتهاكات بحق أبناء رأس العين وتل أبيض عبر مرتزقتها أو ما يسمى الجيش الحر الذين ينتهجون فكر داعش، أمام مرأى المجتمع الدولي”.
وقالت سيلفي: “إنّ تركيا تنكر ما ارتكبته الدولة العثمانية بحق الأرمن والسريان والآشور والكلدان من مجازر، وكأنّها لم تقدم على ذبح وقتل ملايين الأشخاص الأبرياء”، مطالبة تركيا بالاعتراف بمذابح الأرمن، وضرورة تحمّل مسؤولياتها وعدم التهرب.
وأكدت سيلفي أنّ السبيل الوحيد لسد الطريق أمام المحتل ومنعه من إحياء السيناريوهات والمجازر القديمة هو الوحدة، داعية أبناء المنطقة إلى ضرورة تأريخ الأحداث التاريخية والثقافية لتكون بمثابة مرجعية للأجيال القادمة، وترسيخ الأفكار التي تعزز التلاحم بين مكونات المنطقة.
صبحي إلياس نوّه إلى أنّ المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن على يد العثمانيين لم تنته بل طالت مكونات أخرى كالكرد والسريان والإيزيديين، وأبناء شمال وشرق سوريا.
وتابع: “لاتزال تركيا مستمرة في شن هجمات على مناطق شمال وشرق سوريا عقب احتلالها مدينتي سري كانيه وكري سبي، سعياً لضرب الإدارة الذاتية، مشكلة بذلك خطراً على كافة مكونات المنطقة سواء كانوا من المكون الأرمني أو الكردي أو العربي”.
وتساءل إلياس بتعجب” كيف لدولة أن تحتل دولة أخرى دون أن يُتخذ أي موقف جدي من قبل الدول العالمية التي تنادي بالإنسانية وحماية حقوق الإنسان، ونحن في القرن الواحد والعشرين؟!”.
وانتقد إلياس صمت الدول والمنظمات الإنسانية والحقوقية حيال المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن على يد العثمانيين، والانتهاكات التي يتعرض لها أبناء شمال وشرق سوريا من قبل الاحتلال التركي، وقال: “القوى العالمية أفسحت المجال لتركيا بالتمادي والتغلغل في مناطقنا”.
ودعا إلياس المكون الأرمني في كافة أرجاء العالم إلى ضرورة التلاحم والمطالبة بحقوقهم المسلوبة في المحافل الدولية ليتم الاعتراف بالمجازر التي ارتكبت بحقهم.
وشدد إلياس على ضرورة أن يتم تعزيز التلاحم بين مكونات شمال وشرق سوريا، وتحقيق الوحدة من خلال التنظيم والتكاتف مع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا لنيل حقوقهم وضمان الأمن والاستقرار للمكون الأرمني وكافة مكونات المنطقة في المستقبل.
للمزيد من المعلومات تفضل بزيارة مدونتنا