لم ينسى الاحفاد المجازر التي ارتكبها العثمانيون بحق آبائهم وأجدادهم، ظلوا يتناقلون قصصهم من جيل لجيل، رغم المحاولات التركية لطمس معالم المجازر، و محوها من ذاكرة الشعوب والتاريخ والثقافة، كما تدأب على نكرانها، وتعتبرها حدثا عابرا جاء ضمن سياق الحروب في المنطقة.
“الجريمة الكبرى” او “الابادة الجماعية” التي ارتكبها العثمانيون ضد الشعب الأرمني وتسببت بمقتل مليون ونصف المليون أرمني، اعدموا وقتلوا ذبحاً ونُكّل بجثثهم، وتعرضت نساؤهم للاغتصاب ولاجتثاث الأعضاء، كما يقول الأرمن، نقلاً عن أجدادهم الذين نجوا من المذابح وعاشوا في لبنان وسوريا والعراق.
ويحيي الأرمن في الرابع والعشرين من أبريل (نيسان) من كل عام، ذكرى الإبادة، بالنظر إلى أنه في هذا التاريخ، صدر أمر عثماني باعتقال جميع المثقفين الأرمن والعاملين في السياسة، وإعدامهم شنقاً، رغم أن جذور «التطهير العرقي» لم تكن في 24 أبريل 1915، بل بدأت قبل ذلك بأكثر من نصف قرن.
وتصف أرمينيا عمليات قتل مئات الآلاف من الأرمن على أيدي قوات الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، بالإبادة، وهذا ما تنفيه تركيا. واعترفت برلمانات 20 بلداً والبرلمان الأوروبي والفاتيكان، بطابع الإبادة الجماعية لتلك الأحداث. ويحصي الأرمن مقتل مليون ونصف المليون شخص، وتطهيرهم من «أرمينيا الغربية» التي تمتد حالياً من جبل أرارات إلى كيليكيا، وأضنة وهضبة الأناضول، وجرى تهجيرهم منها. ويقولون إن هذه الأراضي «محتلة الآن من قبل تركيا».
واقع الحال رغم مرور 103 عاما لم يتغير كثيرا، فالتهديد الترركي مازال يهدد “الأرمن” ومختلف شعوب المنطقة، لقد شاهدوا الفظائع وجرائم الحرب التي ارتكبتها القوات التركية وميليشياتها السورية المسلحة في منطقة عفرين، ومناطق اعزاز والباب وجرابلس، كما يتابعون كيف تحمي الدولة التركية تنظيم جبهة النصرة وكيف دعمت ومولت وفتح الحدود لعناصر تنظيم الدولة الإسلامية.
تقول هيفين غريب وهي أرمنية كانت تسكن عفرين واضطرت للهروب منها بعد فرض تركيا سيطرتها على المدينة: جدي وجدتي اضطروا للهجرة والهروب باتجاه الاراضي السورية هربا من “الابادة” واستقروا في قرية حج خليل في عفرين”. وتضيف” العثمانيين قتلوا أجدادنا، وبوحشية قتلوا أكثر من مليون ونصف المليون أرمني، وهم اليوم يعودون لتكرار المجازر وحملات الابادة والتهجير بحقنا وحق الشعوب لتطبيق التغيير الديموغرافي”.
حنيفة غريب قالت “العثمانيون أقدموا على حرق ودفن أجدادنا أحياء في الآبار والكهوف، وبأساليب عديدة وحشية يعجز اللسان عن وصفها، ونخشى أن يعود احفادهم الأتراك لتكرار ذات المجازر”.
عائلة مانوك بعض أفراد منها من الإبادة، ووصلوا الى داخل الحدود السورية بعد رحلة شاقة، أحد أفراد هذه العائلة غرابت مانوك، 64 عاماً، يقول “هاجرت عائلتي عام 1940 من ناحية ساسون التابعة لمدينة إيله في تركيا إلى شمال سوريا واستقرت في قرية جوخا التابعة للقامشلي”
يضيف”قُتل قرابة 260 شخصاً من عائلة مانوك في مذابح الدولة العثمانية، ومن وقع في يد العثمانيين أُجبر على تغيير دينه واعتناق الإسلام” وحول سياسات العثمانيين قال غرابت مانوك: ” كان جدي يبلغ 11 عاماً عندما ذهب إلى ديار بكر وتوجه من هناك إلى قامشلو …ولدت فيها كانت جدتي تخبرني بالأحداث التي جرت معهن، لقد تم إجبار 3 من أعمام والدي على اعتناق الإسلام وتم تغيير أسمائهم. السياسات العنصرية للدولة العثمانية كانت السبب وراء قتل الملايين من الكرد والأرمن واليزيديين والسريان”.
وأشار مانوك إلى أن الدولة التركية، وريثة الدولة العثمانية، تواصل تطبيق سياسات العثمانيين العنصرية على كافة المكونات وتابع بالقول: ” تغض دول العالم النظر عن انتهاكات الدولة التركية والمجازر التي تقوم بها بشكل يومي وقتلها للأبرياء، وكل ذلك وسط صمت دولي، لم تحرك أي من دول العالم ساكناً إلى الآن لأنها لا تهتم إلا بمصالحها.
عائلة ديكران خزاريان نزحت من ناحية ساسون في مدينة إيله في تركيا إلى مدينة قامشلو. قُتل العديد من أفراد العائلة في الإبادة الجماعية.
ديكران خزاريان احد الناجين من العائلة قال “أهداف الدولة العثمانية بإبادة الأرمن لم تتحقق. لن ننسى هذه الإبادة، الدولة التركية تستمر في سياسة الدولة العثمانية وتقف ضد إرادة المكونات. نحن هنا نمارس ديانتنا بكل حرية، الدولة التركية لا تريد أن نعيش بأمن وأمان هي تلاحقنا حتى في خارج حدودها”.
الطبيب الأرمني أبراهام قره كوليان المقيم في كوباني منذ أعوام عديدة قال “الأرمن تعرضوا للقتل العام لأنهم طالبوا أن يكونوا مثل غيرهم من الشعوب ..ان يتمتعوا بحقوقهم السياسية والمدنية، وأضاف “هذه المطالب والحقوق التي طلبها الأرمن كانت جريمة لا تغتفر عند الترك فحصل ما حصل من قتل وتهجير بيد الفاشية الطورانية”.
يقول أبراهام مقارناً بين الحالة الأرمنية والوضع القائم في عفرين “بعد 100 عام يتكرر المشهد اليوم في عفرين، فهذه العقيدة، عقيدة القتل العام والتهجير، مبدأ الأتراك منذ وجودهم في المنطقة”.
المواطن محي الدين غريب وهو أرمني الأصل نزح والده من تركيا إبان المجزرة، وتوجه صوب سوريا واستقر في منطقة راجو في قرية حاج خليل حيث تبنته عائلة كردية. وحينها كان يبلغ من العمر 12 عاماً. يقول “اليوم وبعد أكثر من مائة عام اضطر هو وأولاده مرة أخرى للنزوح من منازلهم هذه المرة أيضاً على يد أحفاد الدولة العثمانية”.
اضاف “إن الدولة التركية تسببت بتهجير الآلاف من الأرمن من مناطق إلى مختلف أرجاء العالم بعد المجزرة التي ارتكبت بحقهم… “هذه المجازر لم يشهد التاريخ الإنساني لها مثيلاً”.
عضو المجمع الكاثوليكي وعضو مجلس سوريا الديمقراطية جوزيف قبلان قال “تركيا تمثل الكيان العثماني وتعتمد على سياسة إبادة الشعوب، وتابع حديثه قائلاً: “لا شك أن الكيان العثماني منذ القدم يتميز بأنه قاتل الشعوب.. مبيد للشعوب… ويسحق الحضارات فليست لهم سمات تخدم البشرية سوى القتل والتعذيب، فلم نشهد من خلال دراستنا للتاريخ العثماني سوى الإبداع في القتل والتهجير”.
وبما يخص وجه التشابه بين مجازر عفرين والأرمن، أوضح جوزيف أن أحفاد العثمانيين ما زالوا ينتهجون نفس الخط الذي انتهجه العثمانيون “مازال أحفاد العثمانيين يسيرون على خطى أجدادهم العثمانيين بإعلان الحروب لقتل الأهالي وضرب المكونات وارتكاب المجازر. ..مازالوا يواصلون ارتكاب مثل هذه الأفعال المشينة بعفرين من قتل وتهجير لتغيير ديمغرافي المنطقة وإعلانها منطقة تركية”.
ووجه جوزيف رسالة إلى أردوغان قائلاً “ليعلم أردوغان جيداً أننا كمسيحي وأرمني حلب إلى جانب جميع المكونات دائماً نستنكر ونذكر العالم بهذه الإبادة الجماعية القديمة في تركيا والجديدة في عفرين، إلا أن المجتمع الدولي بموقفه يؤكد لنا ضلوعه ومشاركته بهذه المجازر لتحقيق أهدافهم الخسيسة في أرض الحضارات أرض الشعوب المضطهدة”.
وأكد جوزيف، أن التاريخ لن يسامح أردوغان على أفعاله في عفرين من تدمير كنائسنا التاريخية ومنها (رأس مرمرون، براد، الشيخ سليمان، مشبك، الشيخ سمعان).
واضاف” أن قيام عناصر الجيش التركي باعتقال المواطن الأرمني كسبار كسباريان 35 سنة، واقتياده إلى جهة مجهولة وبعد التأكد من هوية المختطف، تم إعدامه”
وأضاف جوزيف “جد كسبار يدعى هوسيب كسباريان وهو أحد ضحايا مجازر الأرمن في تركيا، لكن ابنه تمكن من النجاة من تلك المجازر والوصول إلى عفرين آنذاك، فقتلته القوات التركية لأنه أرمني وبهذا التاريخ يعيد نفسه”.