ريف حلب الخاضع لتركيا: “المكولكون” يتملقون اردوغان

ربما لم تُسعُف “الثورة السورية” كثيراً من المتصدرين لمشهدها بأن يحوزوا وعياً ذاتياً يقيهم الوقوع مرة أخرى في مظاهر التقديس والولاء للسلطة، وحتى عبادة الفرد. فالتربية البعثية على مر عقود طويلة، أسهمت بانتاج وعي اجتماعي مداهن يتملّق السلطة، أي سلطة، ومهما كان ترتيبها الهرمي، بغرض تحقيق المكاسب، مهما كانت هزيلة.

خلال العامين الماضيين، نشأت في مناطق المعارضة في “درع الفرات” و”غصن الزيتون” في ريف حلب، طبقة من المسؤولين السوريين المتقرّبين من الجانب التركي، وبات يطلق عليها اسم “المكولكة”. وإذ لا يخفى على أحد الجهود التركية لإعادة بناء الشمال السوري، وتأهيل بناه التحتية، وتخديمه بالطاقة، وتمويل المشاريع فيه وحماية سكانه، إلا أن لـ”المكولكين” أهدافاً أخرى تتعدى الامتنان للجانب التركي، وتتعلق بالمداهنة والمبالغة بإظهار الولاء طمعاً بغايات شخصية.

ويتوزع “المكولكين” على الإدارات المدنية والخدمية والمجالس المحلية، وكذلك على قيادات الصف الأول في الفصائل المسلحة والشرطة والأمن العام، وبقية القطاعات العامة والخاصة المستفيدة بشكل أو بأخر من الدعم التركي. ورغم عدم الطلب منهم، ينبري هؤلاء المسؤولين لإشهار مظاهر الولاء للجانب التركي، في المناسبات والاحتفالات المحلية، وأثناء مراسم تدشين وافتتاح المراكز الخدمية التعليمية والصحية والدينية التي تدعمها تركيا في ريف حلب. ويبالغ بعض رؤساء المجالس المحلية في رفع الأعلام التركية وصور الرئيس التركي، ولا يخجل بعضهم من عقد حفلات الدبكة في مواسم الانتخابات التركية في الوقت الذي يرفضون به أي تعامل ديموقراطي محلي. ويغالي “المكولكة” بشكل لافت بالاحتفال بالمسؤولين الأتراك المنتدبين من الحكومة التركية للإشراف على الإدارات والمؤسسات الخدمية في ريف حلب.

في الاحتفالات والمناسبات ومراسم تدشين المرافق في مدن الباب وإعزاز وصوران وعفرين ومارع عادة ما يكون عدد الأعلام التركية المرفوعة، ضعف عدد أعلام الثورة السورية. ولا يتخلّف كثيرون من رؤساء المجالس المحلية وقادة الفصائل المعارضة بإرسال برقيات التهنئة للجانب التركي في مختلف المناسبات.

ويسود اعتقاد بين الأهالي في ريف حلب، بأن كثرة الأعلام التركية وعبارات التآخي، في بعض مدن وبلدات المنطقة، تشير إلى الحظوة التي يتمتع بها أولئك المسؤولين المحليين لدى الجانب التركي. فكلما كانت المظاهر واضحة ومبالغاً فيها يكون الدعم أكبر، ما ينعكس بشكل إيجابي على عموم الخدمات نوعاً وكماً، بحسب الاعتقاد الشعبي.

ويرافق هذا الاعتقاد لدى الأهالي، اعتقاد أكثر خطورة؛ لا يمكن المطالبة بتغيير هذه الطبقة “المكولكة” من المسؤولين السوريين بعدما حازت على الرضا التركي، حتى وإن عرف عن بعض أفرادها الفساد الإداري والمالي والتقصير في العمل، والتمسك بالسلطة برغم انتهاء مدة جلوسهم في مناصبهم. في إعزاز لم تنجح محاولات التغيير في الربع الأخير من العام 2018 إلا بعدما أعلن المتظاهرون عن الاضراب، ونصبوا خيام اعتصام مفتوح أمام مقر المجلس المحلي، لأكثر من شهر. الأمر في إعزاز لم ينسحب على بقية المناطق، ففي مارع فشلت كل المطالب بتغيير المجلس المحلي، وبقيت الشخصيات المتحكمة ذاتها مع إجراء بعض التغييرات الشكلية وضم عناصر جديدة.

وفي مدينة الباب فشلت محاولات التغيير، وأظهر رئيس المجلس المحلي جمال عثمان، تمسكه بمنصبه رغم الضغوط الشعبية التي طالبت بإقالته. واستفاد عثمان من علاقته الجيدة بالفصائل المسلحة التي تهيمن على المدينة؛ “فرقة السلطان مراد” و”فرقة الحمزة”؛ الفرقتان المسلحتان اللتان دعمتا مظاهرة كبيرة في الباب في 29 أذار/مارس، رداً على الحراك السلمي الذي انطلق في المدينة المطالب بإجراء تغييرات في المؤسسات الأمنية وكف يد الفصائل عن التدخل في القضاء ومختلف قطاعات العمل المدني في الباب.

“الحمزة” و”السلطان مراد” تعمّدتا رفع لافتات كتب فيها عبارات تتهم بشكل مباشر ناشطي الحراك السلمي في الباب بمناهضة الوجود التركي، في افتراء بالغ وصيد في الماء العكر. كتب في بعض اللافتات: “لا يطعن بوجود الأتراك في منطقتنا إلا بشار وعصابته والشبيحة الجدد” و”الأتراك أخوة لنا ولن يدخل بيننا أصحاب اللحى الكاذبة وطامعي المناصب”، و”امتزجت دماء الجيش الحر والجيش التركي عندما تخلى عنا أبناء جلدتنا”. اتهامات مفبركة رغم أن المطالبين بالتغيير والقضاء على الفساد، لم يذكروا في حراكهم أي شيء بخصوص الوجود التركي. وهو ما لم يمنع الفصائل والمسؤولين المتمسكين بمناصبهم من اللعب على هذا الوتر لمواجهة مناهضيهم.

ولا يطلب المسؤولون الأتراك من المجالس المحلية والدوائر الخدمية في ريف حلب إبراز مظاهر التقرب، إذ تعود غالبية مظاهر الموالاة لاجتهادات شخصية من “المكولكة” الذين يعتقدون بأن ذلك يسهم في بقائهم في مناصبهم ويعزز من قوتهم في مواجهة أي مطالب شعبية محتملة لإزاحتهم عن مناصبهم.

سياسة التقرب وإظهار الولاء للحكومة التركية لا تقتصر على المؤسسات الرسمية في ريف حلب. حتى الجمعيات والمنظمات الدينية والتعليمية التي تنشط في المنطقة تبالغ هي الأخرى في إظهار الولاء، ويديرها في الغالب إسلاميون معارضون، وتستغل هذه الجمعيات المناسبات والأنشطة التي تقدمها لإشهار ولائها لتركيا، مثلها مثل رؤساء المجالس المحلية وقادة الفصائل.

ياسر نجار/ المدن

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك