تتزايد معاناة من عاد من أهالي ناحية شيه، بريف عفرين إلى منزلهم، بالرغم من انتهاء العمليات العسكرية، التي سيطر على إثرها الأتراك والفصائل المسلحة المدعومة منهم عليها، خصوصاً من يعرفون بـ”العمشات” إذ مازال السكان يتعرضون للعديد من الانتهاكات أبرزها التضييق والابتزاز.
يقول ابن الناحية “م. ج.”: “نزحت مع عائلتي من بلدتي بسبب الأعمال العسكرية، وبعد سيطرة الأتراك والفصائل على المنطقة، عدت إلى منزلي خوفاً من مصادرته، لكنّهم منعوني من دخوله بحجة انتمائي إلى حزب العمال الكردستاني، بالرغم من أنّي لا أنتمي إليه، لكنّهم كانوا قد أسكنوا العديد من عائلات الفصائل النازحة في منازل السكان الأصليين”. يضيف: “لجأت إلى مختار المجلس المحلي التابع لهم أشكو له حالي، وبعدما سأل الفصيل المسيطر، طلب مني أن أدفع 1500 دولار أميركي حتى أدخل إلى المنزل، وكان ذلك الخيار الوحيد. وبالرغم من دفع المبلغ حملت العائلة التي كانت في المنزل كلّ ما كان فيه من أثاث وسلمته لي فارغاً، ثم عادوا إليّ بعد نحو 5 أشهر وهددوني بالاعتقال مع الاعتداء عليّ بالضرب، وطلبوا مني 1000 دولار لتجنب الاعتقال”.
من جانبه، يقول ابن ريف شيه “أ. ش.”، “في بداية الأزمة السورية ذهبت إلى تركيا للعمل وإعالة عائلتي، لكن عقب سيطرة الأتراك والفصائل، عدت إلى ناحية شيه بمدينة عفرين، لكي أهتم بشأن عائلتي في غياب الأمان، لكنّ الفصيل المسيطر طلب مبلغ 1800 دولار من دون أي سبب، ودفعت لأنّي لا أريد الدخول في مشاكل. وبعد مرور عدة أشهر جرى اعتقالي وضربي بوحشية، بالإضافة إلى سيل من الإهانات، ثم دفعت ألف دولار مقابل إطلاق سراحي”، لافتاً إلى أنّ هناك عشرات الأشخاص ممن تعرضوا لحوادث مشابهة.
من جانبه، يقول مدير صفحة “عفرين ورنكينا” أبو جوان، وهي صفحة إعلامية على موقع “فيسبوك”: “تتسم الحياة اليومية للسكان الأكراد بالخوف والرعب، إذ لا زيارات في ما بينهم، خصوصاً أنّ مقاتلي الفصائل وعائلاتهم نفذوا عمليات نهب وسرقة لمحتويات وأغراض المنازل من أثاث وملابس، كما سرقوا زيت الزيتون وهو أساس رزقهم، فأصاب الأهالي الفقر، إذ لا عمل دائماً لهم ولا مصدر دخل”. يضيف: “ترافق ذلك مع تراجع الخدمات، فمثلاً ليست هناك أيّ نقطة طبية في الناحية، بل إنّ الأهالي مضطرون للذهاب إلى مدينة عفرين، وبالرغم من إعادة فتح المدارس، يعاني الأهالي من عدم توافر الكتب المدرسية، وغياب المعلمين الفعليين، كما تدرّس في المدارس مواد اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا فقط وذلك بكتب مناطق النظام، بالإضافة إلى تعليم اللغة التركية”. يتابع أنّ “المجموعة المسيطرة على ناحية شيه، معروفة باسم العمشات، و تسيطر على عدة قرى، هي: قرميتلق، جقلا فوقاني، جقلا تحتاني، جقلا وسطاني، ألكانا، خليل، حج بلال، والمرك”. يوضح أنّ قرية قرميتلق عاد إليها عدد قليل من سكانها الأصليين، وجرى توطين عدد من عائلات المقاتلين، وهذه القرية يسكنها قائد لواء السلطان سليمان شاه (العمشات) محمد الجاسم الملقب، بأبو عمشة”.
يلفت أبو جوان إلى أنّه “في الآونة الأخيرة، ارتفعت وتيرة الانتهاكات بحق الأهالي الأكراد، خصوصاً الشباب والنساء، إذ اعتقل في منتصف شهر مارس/ آذار الجاري، عدد كبير جداً من الأهالي فاق عددهم 100 شخص بتهمة أنّهم كانوا مجندين لدى الإدارة الذاتية، أو موظفين في إحدى المؤسسات المدنية، أو أنّ أولادهم يعيشون في الخارج أو في مدينة حلب. وفي المجمل خضع هؤلاء إلى تسوية أوضاعهم لدى الفصائل بعد دفع مبالغ مالية كبيرة للمرتزقة لعدم التعرض لهم”.
تشير المعلومات إلى أنّ مركز ناحية شيه، عاد إليه نحو نصف سكانه الأصليين، وتسكن فيه عائلات مقاتلين، يقطنون في منازل السكان الذين لم يعودوا إليها بعد، أما قرية جقلا تحتاني فبالكاد عاد إليها 30 في المائة من سكانها الأصليين، في وقت تجاوز فيه من عاد إلى قرية جقلا وسطاني 60 في المائة، كما عاد إلى قريتي جقلا فوقاني وحج بلال نحو نصف سكانهما الأصليين.
ويقول مستوطن نزح من الغوطة الشرقية إلى عفرين: “عندما أتينا إلى عفرين مهجّرين، لم نكن نحمل معنا سوى قليل من الملابس، ووجدنا المنازل خالية من سكانها، ونحن أيضاً خلفنا منازلنا بكلّ ما فيها من أثاث، فسكنّا في تلك المنازل بإشراف الفصائل المسلحة، وكثير من العائلات النازحة إلى المنطقة جرى إخراجها أكثر من مرة من المنازل التي سكنت فيها، ومنهم من عاد واستأجر منزلاً إما عن طريق مالكي المنازل الأصليين أو المختار أو حتى الفصائل”. يضيف: “المشكلة هي غياب الإدارة المسؤولة في المنطقة، لتتبع لها الفصائل المسلحة، إذ تحولت كلّ منطقة إلى دولة شبه مستقلة، فإذا أخذت موافقة على أمر ما أو تسوية من فصيل، لا يعترف بها فصيل آخر في منطقة أخرى. ولا تقتصر الانتهاكات على السكان الأصليين بل تمتد إلى النازحين، إذ يجري إخراجهم من المنازل لكثير من الأسباب منها دفع مبالغ مالية لهم من مالكي المنازل أو من أطراف ثالثة”. يلفت إلى أنّ “الناحية تعاني من فقدان الأمن، إذ هناك قضايا خطف وسلب، واعتقالات تعسفية، مع غياب الجهات القضائية المسؤولة عن تحصيل حقوق الناس”.
المصدر: العربي الجديد