تركيا وحرف مسار الثورة ومحاولات وأدها منذ بدايتها:
وأنا أتابع في إحدى ليالي شهر ديسمبر من العام 2012 حديثاً متلفزاً للواء سليم إدريس، من مدينة انطاليا، بعيد انتخابه رئيسا لهيئة الأركان في الجيش السوري الحر، وهو يقول ما معناه: إن الدول التي اختارتني لهذا المنصب تعي تماماً ماذا تريد!
صدمني تصريحه اللامسؤول ذاك، وأنا أتساءل في قرارة نفسي:
ما الذي دفعه لقول تلك الحقيقة المرة؟ هل ذلك نتيجة لقلة خبرته السياسة التي دفعته لفضح الأنظمة التي تتحكم إلى اليوم في مصير سوريا؟ أم كلمته تلك كانت رسالة واضحة من تلك الدول، وتحديدا تركيا، للشعب السوري الثائر:
نحن من نوجهكم ونقرر عنكم، وعليكم الطاعة والثناء والشكر على ما أنتم فيه.
تلك الصفعة لم تكن الأولى لي، كنت أردد دائما لزملائي وأصدقائي ممن يجهرون بالقول ” شكرا تركيا”، أن النظام التركي هو الذي منع الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة من اتخاذ قرار بحق النظام السوري، وذلك عندما أوفد وزير خارجيته أحمد داؤود أوغلو إلى سوريا، وأكد هو وسفير بلاده في سوريا أن النظام السوري قام بسحب عناصره و معداته العسكرية ودباباته من حماه، بل إنه من سبب قلقاً وشيكاً عند المعارضة السورية وهو مانلمسه في لقاء سابق للدكتور أسامة القاضي مع دويتشه فيليه، والذي وصف فيه موقف أوغلو آنذاك بالخذلان. الأمر الآخر الذي عزز لدي، ولدى كثيرين سواي مثل هذه القناعة، كان عندما تم تسليم الضابط حسين الهرموش للنظام السوري عبر بعض العملاء، من دون المطالبة الجادة باستعادته، والمطالبة بضمان حياته.
لاحقاً، وبعد أن باءت المحاولات التركية بالفشل، كما أشار إليها مفتي النظام في نوفمبر 2018، بقوله إن أردوغان حمّله بداية العام 2011 رسالة للأسد بقبول شراكة الأخوان، إلا أن الأسد وكما كل محاولة تركية سابقة كان يرفض فكرة قبول الأخوان في بلاطه، وكان ذلك سبب سخط أردوغان على الأسد.
ويتضح من السرد السابق، بأن تركيا ومنذ البداية، أعلنت نفسها لاعباً في سوريا، وبدأت تمارس الضغط على النظام، إما بالرضوخ لمطالبها أو تسليط الفصائل التي ستنشق عن النظام على الأخيرة وتسخيرهم لخدمة السياسة التركية والاستفادة من إطالة عمر الأزمة لتحقيق هذه المكاسب.
لعبة داعش سوريا :
أتذكر حديث ذلك السياسي السوري الذي كان يهمس في أذني قائلاً:
لقد أنشئ داعش في سوريا، ليملأ الفراغ الواصل بين الجزيرة وكوباني وبين كوباني وعفرين ويمنع وحدة الربط –جغرافياً- بين هذه المناطق الكردية، وكان يقصد بأنها لعبة تركية. لا أعلم فيما إذا كان ذلك السياسي قد قال كلمته تلك بناء على معلومات موثقة أم معطيات معينة؟، وفي كلتا الحالتين فقد كان لتلك الكلمة صدى كبير في قلبي، كيف لدولة أن تطلق العنان لمنظمة إرهابية باستهداف شعب، بل ومنعه من التواصل؟
كوباني ثم عفرين:
فشلت مساعي داعش ومن دفعها لاحتلال كوباني من تحقيق الشرخ الجغرافي الكبير المنشود بين كورد الجزيرة وعفرين. ومع بدء العد التنازلي لداعش، بدت حالة التخبط واضحة في السياسة التركية حيال الوضع في سوريا، وبدأت تعد العدة لدخول عفرين.
أيقنت تركيا بأن الفصائل الإسلامية غير قادرة لوحدها لدخول عفرين، حيث ثمة محاولات عديدة سابقة قوبلت برد عنيف، بدءً من الحصار وانتهاءً بمحاولة الهجوم المباشر والاصطدام.
ولأن السياسة التركية غدت واضحة، حيث تلجأ إما لروسيا أو أمريكا، أو أن تترنح وتنوس بينهما لتحقيق مكاسبها على الأرض، واستنادا على التنسيق القائم بين الإدارة الذاتية وروسيا في عفرين، فقد لجأت تركيا إلى طرح مسألة السيطرة على عفرين مقابل إنهاء ملف الغوطة الشرقية المحاصر منذ سنوات وتسليمه للنظام، وبذلك يتم قطع العلاقة بين المعارضة ومحيطه العربي وتحديداً دول الخليج كالسعودية، وتم ذلك في محادثات سوتشي نوفمبر 2017 بين تركيا وروسيا وإيران.
قرر الروس وبناء على تفاهمات سابقة مغادرة قاعدتها في معسكر الطلائع في كفرجنة والتي لم تدم سوى 6 أشهر فقط، وتم ذلك بشكل سريع وخلال دفعتين في 19 يناير 2018. ليبدأ القصف التركي، وتسليط المأجورين من السوريين، ممن خانوا ثورة شعبهم وأهدافها النبيلة.
نهب عفرين والتغيير الديمغرافي:
ما إن وطأت أقدام الفصائل السورية المأجورة من قبل تركيا، مدنسة أرض عفرين، وهي بالتأكيد لاتمثل لا السوريين ولاثورتهم، حتى بدا واضحا بأن الطبع والتطبع لديهم سيان، وبدأوا بعمليات النهب والسرقة، وكانت تلك شارة النصر الأولى لهم، وفضحهم آنذاك الصحفي التركي في وكالة فرانس برس بولنت قليج، والذي يقوم بالتغطية حالياً في منطقة الباغوز في ريف دير الزور.
أسكن أردوغان مئات الآلاف من السوريين ممن لجؤوا إلى تركيا رغبة وترهيبا في عفرين، وعلى إثر ذلك إضطر مئات الآلاف من أبناء المنطقة لإخلاء مناطقهم وهجرة بيوتهم، وهؤلاء المهجرون من عفرين باتوا يقيمون في مخيمات وأماكن عديدة منها الشهباء، وبذلك يكون أردوغان قد أقدم على جرم لم يتمكن نظام بشار الأسد رغم إجرامه من تحقيقه خلال فترة حكمه.
لاحقا تحدثت تقارير ومنها تقرير للمرصد السوري لحقوق الانسان، عن إقدام النظام التركي على محو تاريخ المنطقة وسرقة الآثار، حيث شوهدت وبحسب مصادر للمرصد آليات ومعدات تركية على تلة جنديرس، كما تم إغلاق كل الطرق القريبة منها، وتكرر ذلك في منطقتي تل علي عيشة وتل زرافكة.
المصدرنفسه يتحدث عن عزم قائد فيلق الشام التنقيب عن الآثار، في منطقتي ميدانكي والنبي هوري.
يذكر مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا عن إقدام الفصائل الموالية لعفرين على مقتل 717 مدني بينهم مستوطنين في عفرين، منهم 18 شخصا قضى تحت التعذيب، وكما اعتقلت هذه الفصائل وبحسب نفس المصدر 4680 شخص منهم 580 تعرضوا للتعذيب، وأن حالات الاختطاف والتي يطالب الخاطفون بفدية لقاء إطلاق سراحهم بلغت 326 حالة.
مستقبل عفرين:
الكورد بعكس مايخطط له القادة الأعداء، تدفعهم انكساراتهم -المؤقتة – دائما للنهوض مجددا للمطالبة والكفاح من أجل حقوقهم، ولولا تلك العزيمة، لما كانت تجربة كردستان العراق واقعية الآن، ولما قاد حزب كردي، رغم الأخطاء التي يرتكبها بحق منافسيه وأبناء شعبه حتى في بعض مناطق عفرين يوما ما، من مشاركة بعض الأطراف القريبة منه من الكرود وباقي المكونات كالعرب والتركمان في إدارة روج آفا وبعض المناطق السورية بدء من ديريك وريفها وحتى كوباني ومنبج. ومهما بذلت تركيا وأدواتها ومن والوها من السعي لتغيير حقيقة ومعالم وتراث عفرين، فلن يفلحوا في ذلك، ونحن نشاهد منذ يومين فرقة فلكلورية من عفرين ترتدي الزي التراثي لأهالي عفرين تؤدي بعض الرقصات في حديقة شاندر في أربيل / هولير عاصمة كردستان العراق.
الكوردي تراه واثقاً من عودة عفرين إلى محيطه الحقيقي وأناسه الأصليين، ولذلك نراه يتحرك على أرضه من خلال مقاومة ذلك الاحتلال بشتى الوسائل، وكذلك يحاول في الخارج فضح افتراءات المحتلين وتبيان حقيقتهم وأسباب وجودهم هناك.
فائق يوسف/ المانيا
المصدر:ايلاف
fayq87@gmail.com