أبدى خبير في الشأن التركي استغرابه مساعى أنقرة لتفعيل إتفاق أضنة، الذي تتنافى بنوده مع أطماع تركيا التوسعية، ولم يستبعد أن يكون ذلك “مراوغة” من الرئيس التركي.
وقال الخبير في الشأن التركي محمد نور الدين في حديث مع “إذاعة النور” اللبنانية إنّ حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن إتفاق أضنة “مفاجئ بعض الشيء”.
وأوضح أنّه في حال طبقت هذه الاتفاقية الآن فإنّ “هذا يقتضي إنسحاب الجيش التركي من عفرين ومثلث درع الفرات وإدلب وتمركزه على كامل الحدود السورية مع تركيا”.
مؤكدا أنّ “هذا يتعارض مع الأطماع التركية في سوريا وقد يكون هذا التعاون من أجل المراوغة أو تراجع عن سياسات مارستها تركيا في سوريا أو دعاية انتخابية وهروبا من مشكلات داخلية”.
ويؤكد نورالدين أنّ جعل إتفاق أضنة نافذاً مرهون بمبادرات تركية عملية مشيرا إلى أنّ “تنفيذ الاتفاق اليوم أمر غير واقعي، ويمكن له أن يشكل أرضية مناسبة لكن لا بد من تعديله لاحقا.”
وقال “إذا ما كان الرئيس التركي جاداً بإعلانه حول إتفاق أضنة أم لا، الثابت في كلتا الحالتين أنّ مشروع إردوغان التوسعي في سوريا مني بخسائر جسيمة لم تعد تنفع معها دعوات لتفعيل إتفاق من هنا أو هناك”.
وكانت الحكومة السورية أعلنت التزامها الكامل ببنود إتفاق أضنة مع تركيا، لكنها اتهمت في الوقت ذاته الجانب التركي بخرق بنود الإتفاقية من خلال “دعم الإرهاب” وتمويله وتسهيل مروره إلى أراضيها.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد طرح تفعيل هذا الإتفاق بعدما لم تبدي موسكوا قبولا بشأن خطة المنطقة الآمنة التي أبدت أنقرة أنّها مستعدة لتنفيذها في شمال سوريا عقب طرح الرئيس الأمريكي لها مع إعلان سحب قواته من سوريا.
يذكر أنّ إتفاقية أضنة التي أبرمت بين الجانب التركي والسوري بوساطة إيرانية مصرية في أواخر التسعينيات، بمحافظة أضنة جنوب تركيا، هي إتفاقية حالت بدورها بين حدوث صدام عسكري مباشر بين تركيا وسوريا بسبب ازدياد حدة التوتر في العلاقات بين الجارتين إنذاك ، لدعم دمشق المتواصل لتنظيم حزب العمال الكردستاني، وإيواء قاداتهم “والتي تعتبره أنقرة الخطر الأكبر علي أمنها القومي وتصنفه كجماعة إرهابية”.
وضم الإتفاق 4 ملاحق تضمنت المطالب التركية والتعهدات. كما نص على احتفاظ تركيا بممارسة حقها الطبيعي في الدفاع عن النفس، وفي المطالبة بـ”تعويض عادل” عن خسائرها في الأرواح والممتلكات، إذا لم توقف سوريا دعمها لـ”حزب العمال الكردستاني” فوراً ، ووافقت فيه دمشق على كافة المطالب التركية.
الأوراق القديمة
يفتش الرئيس التركي رجب أردوغان في أوراقه القديمة بحثا عن أدلة مزيفة تغطي أطماعه في العراق وسورية، فمرة يتحدث عن معاهدة لوزان 1923 لاحتلال حلب والموصل، وتارة أخرى عن اتفاقية أضنة 1998 لإعطاء مشروعية لتدخله شرق الفرات، فيما ارتدت سهام الوثائق إلى صدره وطالبت دمشق باستعادة لواء إسكندرون المحتل من أنقرة.
مثل قديم يقول: “إذا أفلس التاجر فتش في دفاتره القديمة”، هكذا فعل إردوغان قبل أيام، حين استدعى إتفاق أضنة الموقع بين أنقرة ودمشق لحماية حدود البلدين، خلال زمن السلام القديم، بهدف دق “مسمار جحا” التركي في الخريطة السورية، بديلا عن الخطة التركية – الأمريكية لإقامة منطقة عازلة بعد الرفض الروسي.
حكومة أردوغان تقول إنّ الإتفاق يمنح تركيا حق ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني بعمق 5 كيلومترات في شمال سورية، وينص على التخلي عن أية مطالبة بحقوق دمشق في لواء إسكندرون المحتل، فضلا عن إعلانها الحزب الكردي الذي يناضل من أجل الحكم الذاتي بزعامة عبد الله أوجلان “تنظيما إرهابيا”.
رد دمشق
حكومة دمشق ردت في بيان شديد اللهجة على أردوغان، وقالت وزارة الخارجية السورية في 26 يناير الجاري :”بعد التصريحات المتكررة وغير المسؤولة من النظام التركي حول نواياه العدوانية، تؤكد الجمهورية العربية السورية أنّها مازالت ملتزمة بالاتفاقيات المتعلقة بمكافحة الاٍرهاب”.
البيان أضاف: “النظام التركي منذ عام 2011 كان ولا يزال يخرق الإتفاق، بدعم الإرهاب وتمويله وتدريبه وتسهيل مروره إلى سورية، وباحتلال أراض من خلال المنظمات الإرهابية التابعة له، وعبر الجيش النظامي بشكل مباشر”.
الخارجية السورية أكدت على أنّ “أي تفعيل للاتفاق يكون عبر إعادة الأمور على الحدود كما كانت، وأن يلتزم النظام التركي ببنوده ويتوقف عن دعمه وتمويله وتسليحه وتدريبه للإرهابيين، ويسحب قواته العسكرية من المناطق التي يحتلها”.
لجم الطماع
سفير سورية لدى تركيا -المقيم في دمشق- نضال قبلان أكد أنّ طرح تركيا إتفاق أضنة محاولة ضمن مشروعها التوسعي، لافتا إلى أنّ أي وجود عسكري تركي في سورية يسقط تلقائيا لو استطاعت بلاده ضمان أمن الحدود بالتعاون مع الجانب الروسي.
قبلان قال في تصريح لوكالة سبوتنيك الروسية الأحد الماضي إنّ “إتفاق أضنة كان حصرا بشان مكافحة الإرهاب، ولا علاقة له بلواء إسكندرون السليب لا من قريب ولا من بعيد”، وحول تجنب إيران التعليق على الأمر أضاف :”هناك إتفاق على الخطوط العريضة بين طهران وموسكو ودمشق، بمقتضاه تتولى روسيا لجم أطماع أردوغان”.
السفير تابع: “لا شيء ينص على أنّه لا يحق لسورية أن تطالب بلواء إسكندرون، هذه أرضنا المغتصبة ومثبت ذلك في المحافل الدولية، وبالتالي لا يمكن أن يلغي في أي إتفاقية أمنية سابقة أو لاحقة، ولا توجد سلطة لأي حكومة سابقة أو حالية أو قادمة في التخلي عن جزء من الوطن”.
الدبلوماسي السوري مضى قائلا إنّ “إتفاق أضنة ينص على أنّه ليس هنالك مطامع لأي من البلدين في الدولة الأخرى”، مضيفا :”تركيا ليست بحاجة للإتفاق لتقدم على الاحتلال أو يكون لها أطماع توسعية في دول الجوار، كلنا يعلم أنّ لها أجندتها الخاصة التي أحيانا تنسجم مع دول وقوى متآمرة مثل أمريكا، وأحيانا تتنافر معها، ما يفسر الكثير من حالات التأزم التي شابت علاقاتها مع عدد من الدول”.
تركيا تحتل لواء إسكندرون، البالغ مساحته 47 ألفا و800 كيلو متر مربع، منذ العام 1939، وأطلقت عليه اسم ولاية هاتاي، كأحد تداعيات إتفاقية لوزان عام 1923، والتي وقعتها عقب انهيار الدولة العثمانية.
سورية عادت للمطالبة بأحقيتها في اللواء المحتل بعد توتر العلاقات مع أنقرة، وفي أغسطس 2018 طالب وزير الخارجية وليد المعلم باسترداده، ووضعت وزارة التربية والتعليم السورية في سبتمبر الماضي الإقليم على خريطة الأحياء والبيئة في مقرر الصف الثانوي.
سري وباطل
محللون يؤكدون أنّ تركيا نقضت إتفاقية أضنة عام 2011 ، عندما فتحت الحدود أمام الإرهابيين للتسلل إلى سورية، وجاءت دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لانسحاب أنقرة من الأراضي التي احتلتها، والتعاون مع الجيش العربي السوري في حماية الحدود، ليدحض مزاعمها في استغلال الإتفاق من طرف واحد لأهداف خبيثة.
أكبر المفاجآت حول الإتفاقية كشفها أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة، وأكد لوكالة “سبوتنيك” في 26 من الشهر الجاري أنّها كانت “سرية”، وأن مثليتها لا يعتد بها أمام الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة -منها محكمة العدل الدولية- والتي يلزم ميثاقها (مادة 102) بإيداع المعاهدات لدى الأمانة العامة للمنظمة، ما لم يحدث في حالة “أضنة”.