خلوصي أكار وزير الدفاع التركي قرر أن يقود حرب التصريحات ضد الأكراد في سورية، بعد أن تلق رد فعل أمريكي واضح سواء أكان من الرئيس الأمريكي نفسه، حينما توعد تركيا بتدمير اقتصاديا، أم من مستشار الأمن القومي جون بلتون، الذي كان واضحا في رسالته للأترتك… اكار عاد ليتوعد باقتحام شرق الفرات، وهو التهديد المكرر لمئات المرات على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان…
خلوصي قال خلال لقاء عمال أحد المصانع العسكرية في ولاية أسكي شهير أمس الإثنين إنّ القوات المسلحة التركية مستعدة بكافة الأشكال، لتنفيذ المهام الملقاة على عاتقها، والأنشطة المطلوبة منها في منبج وشرق الفرات عندما يحين الوقت، متهما من وصفهم بالخونة بالتضليل، واعتبار العملية موجهة ضد الأكراد والعرب.
ليست المرة الأولى التي يهدد فيها بتوجيه ضربة عسكرية إلى مناطق في سورية، في 25 ديسمبر الماضي أعلن أكار عن الانتهاء من خطة اقتحام شرق الفرات.
تصريحات أكار تتناقض مع إعلان الرئيس التركي نفسه الذي قال أنّه أرجئ الهجوم على وحدات حماية الشعب تزامناً مع قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته من سورية وترك مهمة قتال ما تبقى من داعش لأنقرة.
وكالة الأناضول نقلت عن وزير الدفاع حينها قوله “أعددنا الخطط كاملة” مشيراً إلى أنّ عملية اقتحام شرق الفرات ستتم “وفقًا للزمن المحدد لها”، وهو ما أكده وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو بقوله إنّ تركيا عازمة على العبور في أسرع وقت ممكن.
تهديد وزير الدفاع جاء بعد ساعات قليلة من تصريح أردوغان “سنحقق السلام والاستقرار والأمن في شرق الفرات قريبا، كما حققناه في مناطق أخرى وننسق مع أمريكا وروسيا بهذا الشأن استعداداً للخطوات القادمة على الأرض”.
المتحدث باسم الرئاسة الروسية “الكرملين” دميتري بيسكوف أعلن أمس الأول أنّ ” أي عمليات عسكرية تركية داخل الأراضي السورية يجب أن تراعى بدقة وصرامة سلامة ووحدة التراب الوطني في هذا البلد”.
الوهم التركي في اقتحام الشمال السوري يصطدم بالعديد من الصعوبات، أولها إعادة الجيش السوري الحكومي انتشاره في منطقة منبج في ريف حلب.
الحكومة السورية استبقت المحاولات التركية للتدخل في شمال البلاد، بفتح قنوات اتصال مع الأكراد، وفق نائب وزير خارجية دمشق فيصل المقداد الذي قال :إنّ حكومة بلاده فعلت اتصالاتها مع الأكراد في ضوء التدخل التركي، منوها بأنّه لا مناص من الحوار مع الفصائل الكردية…
روسيا أبدت قناعة “بأن الحل الوحيد والأمثل هو إخضاع هذه المناطق لسيطرة دمشق، وقال وزير خارجيتها سيرجي لافروف إنّ مستقبل الأكراد يمكن ضمانه تحت سيطرة الحكومة السورية.
من جهته، أكد المسؤول الكردي بدران جيا كرد أنّه لا مفر من التوصل لحل مع دمشق إزاء مستقبل الإدارة الذاتية، وأنّ الإتفاق يجب أن يشمل بقاء المقاتلين الأكراد في مناطقهم مع إمكانية انضوائهم في صفوف الجيش السوري، وكذلك تتالت تصريحات القادة الأكراد ومنها تصريحات للقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، أعلن فيها رفضه أي دور تركي في ما يسمى بالمنطقة الآمنة دون أن يستبعد الحوار مع أنقرة، على أن يتم بضمانات… وأنّ أيّة منطقة آمنة يجب أن تكون تحت رعاية من التحالف الدولي أولا.. كذلك تزور رئيس مجلس سوريا الديمقراطية في هذه الأثناء واشنطن، والتقت قادة في الكونغرس ومجلس الشيوخ، وجمعها لقاء قصير مع الرئيس ترامب أكد فيها ترامب التزامه بحماية الأكراد وهو التاكيد الذي نقله بولتون إلى أنقرة وأثار غضب أردوغان وقتها..
كل هذا وماتزال الولايات المتحدة ومعها فرنسا وبريطانيا والمانيا تدرس مسالة الانسحاب الأمريكي، وأنّه لن يكون نهائيا، وإنّ المعركة ضد داعش لا تنتهي بهزيمته عسكريا وهو ما يفرض مزيد من الدعم والتنسيق والحماية لمناطق شرق الفرات.
وفي الملف السوري، كلف أردوغان أكار بالإشراف على العمليات التركية في سورية، إضافة إلى التعاون مع الجيش الأميركي للقيام بعمليات مشتركة في منبج بريف حلب، وبعد لقاء بين أكار ونظيره الأميركي بداية نوفمبر الجاري، أكدت وزارة الدفاع الأميركية أهمية تسيير دورية مشتركة في منبج، بحجة خفض التوتر في المنطقة وضمان أمنها واستقرارها.
أوكل أردوغان لأكار تنفيذ المهمات القذرة في سورية، فأقام المذابح للأكراد في عفرين، وكون شبكة قوية من العلاقات مع تنظيم داعش الإرهابي ليحصل من خلاله على النفط المسروق وينعش الخزانة التركية الفارغة بالمليارات في الوقت الذي يشرف فيه على صفقات الأسلحة للجماعات الإرهابية في الدول العربية ولا سيما ليبيا التي يدير فيها من مكتبه المعارك على الأرض، أما زوجته أخصائية التغذية فتعمل على تحسين قوام السيدة الأولى أمينة إردوغان، الأمر الذي جعلها تظهر برفقتها في كثير من الأوقات.
وهنا نجد أنّ الرئيس التركي رجب أردوغان بدأ يفتش في أوراقه القديمة بحثا عن أدلة مزيفة تغطي أطماعه في العراق وسورية، فمرة يتحدث عن معاهدة لوزان 1923 لاحتلال حلب والموصل، وتارة أخرى عن إتفاقية أضنة 1998 لإعطاء مشروعية لتدخله شرق الفرات، فيما ارتدت سهام الوثائق إلى صدره وطالبت دمشق باستعادة لواء إسكندرون المحتل من أنقرة.
مثل قديم يقول: “إذا أفلس التاجر فتش في دفاتره القديمة”، هكذا فعل إردوغان قبل أيام، حين استدعى اتفاق أضنة الموقع بين أنقرة ودمشق لحماية حدود البلدين، خلال زمن السلام القديم، بهدف دق “مسمار جحا” التركي في الخريطة السورية، بديلا عن الخطة التركية – الأمريكية لإقامة منطقة عازلة بعد الرفض الروسي.
حكومة إردوغان تقول إن الاتفاق يمنح تركيا حق ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني بعمق 5 كيلومترات في شمال سورية، وينص على التخلي عن أية مطالبة بحقوق دمشق في لواء إسكندرون المحتل، فضلا عن إعلانها الحزب الكردي الذي يناضل من اجل الحكم الذاتي بزعامة عبد الله أوجلان “تنظيما إرهابيا”.
رد دمشق
حكومة دمشق ردت في بيان شديد اللهجة على إردوغان، وقالت وزارة الخارجية السورية في 26 يناير الجاري :”بعد التصريحات المتكررة وغير المسؤولة من النظام التركي حول نواياه العدوانية، تؤكد الجمهورية العربية السورية أنها مازالت ملتزمة بالاتفاقيات المتعلقة بمكافحة الاٍرهاب”.
البيان أضاف: “النظام التركي منذ عام 2011 كان ولا يزال يخرق الاتفاق، بدعم الإرهاب وتمويله وتدريبه وتسهيل مروره إلى سورية، وباحتلال أراض من خلال المنظمات الإرهابية التابعة له، وعبر الجيش النظامي بشكل مباشر”.
الخارجية السورية أكدت على أن “أي تفعيل للاتفاق يكون عبر إعادة الأمور على الحدود كما كانت، وأن يلتزم النظام التركي ببنوده ويتوقف عن دعمه وتمويله وتسليحه وتدريبه للإرهابيين، ويسحب قواته العسكرية من المناطق التي يحتلها”.
لجم الطماع
سفير سورية لدى تركيا -المقيم في دمشق- نضال قبلان أكد أن طرح تركيا اتفاق أضنة محاولة ضمن مشروعها التوسعي، لافتا إلى أن أي وجود عسكري تركي في سورية يسقط تلقائيا لو استطاعت بلاده ضمان أمن الحدود بالتعاون مع الجانب الروسي.
قبلان قال في تصريح لوكالة سبوتنيك الروسية الأحد الماضي إن “اتفاق أضنة كان حصرا بشان مكافحة الإرهاب، ولا علاقة له بلواء إسكندرون السليب لا من قريب ولا من بعيد”، وحول تجنب إيران التعليق على الأمر أضاف :”هناك اتفاق على الخطوط العريضة بين طهران وموسكو ودمشق، بمقتضاه تتولى روسيا لجم أطماع إردوغان”.
السفير تابع: “لا شيء ينص على أنه لا يحق لسورية أن تطالب بلواء إسكندرون، هذه أرضنا المغتصبة ومثبت ذلك في المحافل الدولية، وبالتالي لا يمكن أن يلغي في أي اتفاقية أمنية سابقة أو لاحقة، ولا توجد سلطة لأي حكومة سابقة أو حالية أو قادمة في التخلي عن جزء من الوطن”.
الدبلوماسي السوري مضى قائلا إن “اتفاق أضنة ينص على أنه ليس هنالك مطامع لأي من البلدين في الدولة الأخرى”، مضيفا :”تركيا ليست بحاجة للاتفاق لتقدم على الاحتلال أو يكون لها أطماع توسعية في دول الجوار، كلنا يعلم أن لها أجندتها الخاصة التي أحيانا تنسجم مع دول وقوى متآمرة مثل أمريكا، وأحيانا تتنافر معها، ما يفسر الكثير من حالات التأزم التي شابت علاقاتها مع عدد من الدول”.
تركيا تحتل لواء إسكندرون، البالغ مساحته 47 ألفا و800 كيلو متر مربع، منذ العام 1939، وأطلقت عليه اسم ولاية هاتاي، كأحد تداعيات اتفاقية لوزان عام 1923، والتي وقعتها عقب انهيار الدولة العثمانية.
سورية عادت للمطالبة بأحقيتها في اللواء المحتل بعد توتر العلاقات مع أنقرة، وفي أغسطس 2018 طالب وزير الخارجية وليد المعلم باسترداده، ووضعت وزارة التربية والتعليم السورية في سبتمبر الماضي الإقليم على خريطة الأحياء والبيئة في مقرر الصف الثانوي.
سري وباطل
محللون يؤكدون أن تركيا نقضت اتفاقية أضنة عام 2011 ، عندما فتحت الحدود أمام الإرهابيين للتسلل إلى سورية، وجاءت دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لانسحاب أنقرة من الأراضي التي احتلتها، والتعاون مع الجيش العربي السوري في حماية الحدود، ليدحض مزاعمها في استغلال الاتفاق من طرف واحد لأهداف خبيثة.
أكبر المفاجآت حول الإتفاقية كشفها أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة، وأكد لوكالة “سبوتنيك” في 26 من الشهر الجاري أنّها كانت “سرية”، وأن مثليتها لا يعتد بها أمام الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة -منها محكمة العدل الدولية- والتي يلزم ميثاقها (مادة 102) بإيداع المعاهدات لدى الأمانة العامة للمنظمة، ما لم يحدث في حالة “أضنة”.