أسطورة «داعش» انتهت.. كيف تحولت «أرض الخلافة» من مساحة بحجم إنجلترا إلى قريتين صغيرتين في الصحراء؟
قبل أربعة أعوام بالضبط كانت جنود الخلافة يحاصرون المقاتلين الأكراد في مدينة كوباني وكان العالم يترقب لحظة سقوطها. التنظيم سيطر على 95 % من المدينة. لكن الامور انقلبت ليتلق التنظيم الذي كان في أوج قوته أول هزيمه التي بدأت في كوباني واستمرت لتشمل عاصمته الرقة والآن هو محاصر في آخر جيب في بلدة صغيرة صحراوية بريف دير الزور.
الخبر القادم من عما يجري في الجيب الأخير لداعش هو أنّ جنود الخلافة متحصنون في مساحة ضيقة لا تتجاوز ال6 كم مربع ويحتجزون عدد كبير من المدنيين الذين تم تجميعهم في المباني المقابلة لقوات سوريا الديمقراطية وهو ما يعيق تقدم الأخيرة، بالإضافة لوجود عدد كبير من عائلات مقاتلي التنظيم.
مصادر قالت إنّ التنظيم طرح التفاوض مع قسد على أن يتضمن اعلان الاستسلام واقترحوا منطقتين للذهاب هما تركيا أو إدلب، الا أنّ قسد رفضت ذلك.
وأن العشرات منهم سلموا أنفسهم وأغلب المتواجدين هم من المهاجرين بجنسيات أجنبية ( القادمين من خارح سوريا والعراق).
وإنّ كل ما يحاول التنظيم القيام به حالياً هو تأجيل نصر قوات سوريا الديمقراطية حيث أنّ المنطقة محاصرة وضيقة وهناك تجهيزات لاقتحامها من محاور عدة وتاجل الاقتحام بسبب الظروف الجوية.
صحيفة The Washington Post الأمريكية نقلت عن مسؤولين أمريكيين وقادة أكراد، إنَّ قريتين صحراويتين هما كل ما تبقى من مساحة الأراضي «الشاسعة» التي كان يطلق عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) سابقاً «أرض الخلافة»، مشيرين إلى أنّ «الهزيمة الإقليمية الكاملة للمجموعة المتشددة باتت وشيكة».
ويخوض بضع مئات من مقاتلي تنظيم داعش الأكثر تعنتاً بصمود معركتهم الأخيرة في قريتي المراشدة والباغوز فوقاني على ضفاف نهر الفرات على بعد بضعة أميال من الحدود العراقية جنوب شرق سوريا. مع وجود الجيش السوري على الضفة الأخرى من النهر، فإنّ المجموعة، التي كانت تسيطر على أرض بحجم «إنجلترا»، أضحت محاصرة في رقعة لا تتجاوز أربعة أميال ( 6 كيلومتر) من قبل «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة.
يقول مسؤولون عسكريون إنَّها مسألة أسابيع أو ربما أيام قبل اجتياح القريتين، والقضاء على تنظيم داعش الذي كان يتباهى بإقامة دولة في العراق وسوريا. سيزيد إنهاء الحرب، التي دامت لأربعة أعوامٍ ونصف، أيضاً من الإلحاح المتعلق بالسؤال حول موعد وكيفية سحب الولايات المتحدة لقواتها من سوريا تنفيذاً لأمر صدر الشهر الماضي عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي قال في وقت لاحق إنَّ «القوات ستبقى حتى انتهاء القتال ضد تنظيم داعش»، ولم يُحدَّد موعداً بعينه لانسحابها حتى الآن.
القوات الأمريكية لم تغادر سوريا بعد بالرغم من سحب العتاد
المتحدث باسم الجيش الأمريكي في بغداد، الكولونيل شون رايان، حذَّر من أنَّ نهاية الحرب على الأرض لن توقف التهديد الذي يشكله تنظيم داعش، الذي يحاول إعادة تنظيم صفوفه كقوة متمردة في العديد من المناطق التي فقد سيطرته عليها. وهو ما أكده كذلك قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني في لقاء أخير أجرته معه وكالة فرانس بريس. وأضاف رايان أنّه رغم سحب الجيش الأمريكي لبعض عتاده، لم تغادر أيٌّ من القوات ولم يُحدد موعد نهائي لسحبها. في الوقت الراهن ستركز القوات الأمريكية على تدريب «شركائها المحليين وإحلال الاستقرار في المنطقة لردع عودة المقاتلين». قال رايان: «في ما يتعلق بالأراضي تُعتبر النهاية قريبة، لكنهم سيواصلون تنظيم صفوفهم وكما شهدنا في الأسبوعين الماضيين ابتكار أحداث استعراضية»، في إشارةٍ إلى التفجير الانتحاري في مطعم بمدينة منبج هذا الشهر الذي تسبب بمقتل أربعة أمريكيين، وأتى الهجوم بعد أكثر من ثلاث سنوات على طرد تنظيم داعش من تلك المنطقة. تتضمن المعاقل في القريتين الصحراويتين بعضاً من «أكثر المتطرفين ولاءً»، والذين بقوا في ساحة المعركة رغم الفرص العديدة التي أُتيحت لهم للهروب أو الاستسلام، ومن المتوقع أن يقاتلوا حتى النهاية.
أضاف رايان أنَّه إذا استمرت الحملة التي تشنها القوات التي تدعمها الولايات المتحدة كما فعلت في الأيام الأخيرة، فقد ينتهي الأمر في فترة قصيرة تصل إلى أسبوعين. في حين، يقول مظلوم كوباني، قائد قوات سوريا الديمقراطية، لوكالة الأنباء الفرنسية، يوم الجمعة 25 يناير/كانون الثاني، إن الأمر لن يستغرق أكثر من شهرٍ واحد.
قال كوباني: «أعتقد أنَّه خلال الشهر المقبل سيكون هناك إعلان رسمي لانتهاء الوجود العسكري على الأرض لما يسمى الخلافة». ووفقاً للمتحدث باسم «وحدات حماية الشعب» والتي تعد العنصر الأكبر في قوات سوريا الديمقراطية، فإنَّ المقاتلين الباقين يشملون بعض كبار قادة تنظيم داعش و»إرهابيين مشهورين».
ولا يعتقد المسؤولون الأمريكيون وقادة أكراد أنَّ أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش، موجودٌ بينهم. يقول المتحدث باسم YPG «سيكون غبياً إذ بقي في آخر المعاقل حتى النهاية، لابد أنَّه هرب منذ فترة طويلة قبل تدهور الوضع بالنسبة للتنظيم إلى هذا الحد. لم يمت، وهو ليس في هذه القرى أيضاً». يشكّل الأجانب نسبة كبيرة من المقاتلين الباقين، وقد توافدوا إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم داعش عندما كان في ذروة قوته عبر الحدود التركية التي ظلت مفتوخة أمامهم دون معوقات. وبسبب ملامحهم، كانوا ليبرزوا بين السكان المحليين إذا حاولوا الاندماج مع المدنيين الفارين من ساحة المعركة، كما فعل بعض المقاتلين المحليين. يقول المتحدث: «ليس لديهم خيار سوى القتال حتى النهاية أو الاستسلام». وأضاف أنَّ هناك عشرات الأجانب بين الأعداد الكبيرة من المقاتلين الذي استسلموا أو قُبض عليهم وهم يحاولون الفرار في الأيام الأخيرة. معظم الأجانب من العراقيين، ولكن هناك أوروبيون وأمريكان وآسيويون أيضاً بينهم. وتابع أنّ آلاف المدنيين كانوا أيضاً يتدفقون من المنطقة ويسلمون أنفسهم عند نقاط التفتيش التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، حيث يخضعون لفحص لمعرفة ما إذا كانوا من مقاتلي داعش ويحاولون الاختباء بين المدنيين.
لمن تكون السيطرة على أراضي شرق الفرات؟
زار مسؤولون أمريكيون العاصمة التركية أنقرة هذا الشهر لمناقشة إقامة تركيا «منطقة آمنة» شمال شرق سوريا. حيث يتحالف الأكراد في وحدات حماية الشعب، مع الولايات المتحدة، وقالت تركيا إنّها ستنشر قواتها عبر حدودها مع سوريا لمنع الأكراد من شن هجمات على تركيا عبر الحدود بمجرد رحيل القوات الأمريكية وهو مايرفضه الأكراد الذين قالوا إنّ مناطقهم آمنة ولم يحدث أن شنوا أية هجمات ضد تركيا والتي تهدد أمنهم وتتوعد بشن حملات وتقصف وتقنص المدنيين على طول الحدود واحتلت مدينة عفرين التي ظلت آمنة ولم تشكل أي تهديد ضد تركيا. مع ذلك، تخشى المجموعات الكردية والعربية من هجوم تركي كبير، لذا فإنَّهم خططوا للبدء في مفاوضات بوساطة روسية مع الحكومة السورية وطالبوا بنشر الجيش السوري لحماية الحدود من العزو التركي المحتمل.
يقول نيكولاس هيراس، من مركز الأمن الأمريكي الجديد، إنَّ أي فراغٍ في السلطة سيعطي تنظيم «داعش» الفرصة لإعادة تأسيس نفسه بين السكان المحليين الذين تنقسم ولاءاتهم بشدة بين القوى المتعددة المتنافسة على السلطة. وأضاف: «نهاية الخلافة هي بداية المهمة الطويلة المتمثلة في معرفة كيفية الحفاظ على الاستقرار في واحدة من أكثر المناطق القبلية المضطربة في سوريا. ستكون المهمة شاقة، ولن يكون سهلاً على أي دولة أجنبية، لا الولايات المتحدة، ولا روسيا، ولا إيران، ولا تركيا، إبعاد داعش لفترة طويلة».