قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته من سوريا، أعاد إلى مائدة التفاوض مشروعاً عمره أربع سنوات طرحته أنقرة لإقامة «منطقة آمنة» في شريط شمال سوريا في محاذاة حدود تركيا، وأطلق مفاوضات أميركية – تركية من جهة، وروسية – تركية من جهة ثانية، وبين الأكراد ودمشق وموسكو من جهة ثالثة، للوصول إلى ترتيبات عسكرية وإدارية شمال شرقي سوريا.
ترامب في شكل مفاجئ، 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلن نيته سحب نحو ألفي جندي أميركي، ثم دعا إلى إقامة «منطقة آمنة» عرضها 32 كلم في سوريا على طول الحدود التركية بدون أية تفاصيل، وأعلن أردوغان أنّ قواته ستتولى إقامة هذه المنطقة بين الحدود التركية ومواقع «وحدات حماية الشعب»، التي تدعمها واشنطن مستغلا الاعلان الأمريكي، كطوق نجاة لا سيما وأنّ ترامب توعد بتدمير الاقتصاد التركي لو هاجمت على الأكراد الذين تدعمهم واشنطن.
سارعت موسكو، في 16 يناير، إلى رفض إقامة هذا الاقتراح. وقال وزير الخارجية سيرغي لافروف «نحن على قناعة بأنّ الحل الوحيد والأمثل هو نقل هذه المناطق لسيطرة الحكومة السورية وقوات الأمن السورية».
– عقد منذ إعلان ترمب الانسحاب، انطلقت محادثات بين أنقرة وواشنطن؛ تضمنت اتصالات بين ترامب وأردوغان ومحادثات بين رئيسي الأركان التركي يشار غولار والأميركي جوزيف دانفورد في بروكسل، قبل أيام بعد محادثات مستشار الأمن القومي جون بولتون ودانفورد في أنقرة.
ويواصل جاويش أوغلو المحادثات بلقائه نظيره الأميركي مايك بومبيو في السادس من الشهر المقبل، بعد محادثات كبار الموظفين في البلدين بواشنطن في الخامس من الشهر المقبل. كما يطلع إردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، الأربعاء المقبل، على نتائج المحادثات مع الجانب الأميركي.
وحسب المعلومات نشرتها الشرق الأوسط، فإنّ المحادثات الثلاثية تتناول العُقد الآتية:
أولاً، عمق المنطقة: تريد أنقرة أن يمتد عمق «الشريط الأمني» إلى 32 كيلومتراً شمال سوريا بطول 460 كيلومتراً من جرابلس إلى كردستان العراق (طول الحدود السورية – التركية يبلغ 900 كلم)، قائد «وحدات حماية الشعب» سيبان حمو طالب أن تكون المنطقة في الطرف التركي من الحدود. لكن أنقرة انقرة لديها خطط خبيثة بأن تتوغل قواتها المسلحة حتى عمق 32 كيلومتراً، وهو يعني سيطرتها على كافة المدن الكردية وبالتالي تهجهير الكرد ضمن استمرارية عملية تطهير عرقية نفذتها تركيا على طول المدن الكردية الحدودية ضمن حدودها ونفذتها في عفرين وكذلك جرابلس واعزاز أي أكثر مما سمح به «إتفاق أضنا» بين دمشق وأنقرة في منتصف عام 1998.
ثانياً، حماية المنطقة واسمها: تريد تركيا أن تكون المنطقة «آمنة»، أي تتضمن حظراً جوياً. لكن موسكو تقبل «منطقة عازلة» من دون حظر جوي، فيما طالب الأكراد بـ«حظر جوي» لحمايتهم من تركيا. ووعد الفرنسيون بالبقاء شرق سوريا بعد انسحاب أميركا، لكن هناك صعوبة بذلك ما لم يحافظ التحالف الدولي على الحظر الجوي وقاعدة التنف واتفاق «منع الاحتكاك» مع روسيا.
ثالثاً، وجود الدولة السورية: تتمسك أنقرة برفض أي وجود لقوات الحكومة السورية. وتقترح موسكو انتشار قوات الحكومة على الحدود ضمن مبدأ السيادة السورية وهو ما لا يعارضه الأكراد الذي سبق وأن طلبوا انتشارا للجيش على الحدود التركية في عفرين قبل سيطرة الجيش التركي عليها بمعارك استمرت شهرين، كما وطالبت وحدات حماية الشعب من الجيش الانتشار لحماية مدينة منبج، والانتشار على طول الحدود السورية التركية كإحدى وظائف الجيوش وهو حماية حدود الدولة. كما قال أكثر من مسؤول روسي إنّ «الحكومة يجب أن تنتشر مكان القوات الأميركية»..
رابعاً، الأكراد: في 23 من الشهر الماضي، اتصل ترامب بأردوغان لضمان «حماية الأكراد» بعد انسحاب أميركا. كما أنّ بولتون حذر من الهجوم على الأكراد وإنّ تركية تذبحهم، الأمر الذي أغضب أردوغان. وتقول أنقرة إنّ «وحدات حماية الشعب» لا تمثل كل الأكراد لكن بالمقابل هي تعلن استهدافها كل الأكراد، فيما تتمسك موسكو بالوصول إلى ترتيبات تتضمن مصالح وحماية الطرفين: تركيا والأكراد. وتتخوف «الوحدات» من أنّ المنطقة الآمنة ستجعل المناطق الكردية مثل كوباني ورأس العين (سري كانيه) ضمن النفوذ التركي. وتقترح أنقرة أن تكون المنطقة خالية من «وحدات حماية الشعب»، ثم تشكيل قوى للأمن الداخلي بإشراف وتنسيق مع الجيش التركي.
خامساً، إدارة المناطق: تقترح أنقرة تشكيل مجالس محلية تضم أشخاصاً موالين لها، وهي من تختارهم. وتوافق عامة على فكرة المجالس المحلية ولم ترفض التعاون مع المشكلة حاليا في منبج ودير الزور وغيرهم، يقول الأكراد إنّ المجالس الموجودة شرق الفرات منتخبة من محليين وهي تمثل حكومات محلية وفرت الخدمات للناس والأمن والاستقرار ويذكرون بالفوضى والفلتان الأمني والفساد الذي خلفه الاحتلال التركي لمدينة عفرين وباقي المدن في الباب وجرابلس واعزاز حيث شكلت تركيا مجالس محلية وربطتها بولاياتها فرضت اللغة والهوية التركية وهجرت الكثير من الأكراد من مدنهم، وإنّ لتركيا خطط احتلال وسلخ هذه المدن لضمها لتركيا إضافة إلى الفوضى الأمنية والاقتتال بين الميليشيات وحالات التعذيب والاعتقالات….
سادساً، علاقة المناطق بالمركز: تريد أنقرة إجراءات وترتيبات تبعد هذه المناطق عن سلطة الدولة المباشرة، بحيث تكون مرتبطة إداريا وأمنيا وعسكريا بتركية فيما تتمسك موسكو تأييداً لدمشق بعودة كاملة لسلطة الحكومة على هذه المناطق. ويقترح الأكراد الإعتراف بـ«الإدارة الذاتية» وتشاركية في الثروات الطبيعية وبرنامج لإدماج «الوحدات» و«قوات سوريا الديمقراطية» في الجيش الوطني.
– ترتيبات
ويعتقد أن التفاهمات الممكنة بين موسكو وأنقرة ستكون حاسمة في مستقبل «الشريط العازل» وشرق الفرات. وبموجب تفاهماتهما السابقة، حصلت تركيا على إقامة منطقة «درع الفرات» بين غرابلس والباب شمال حلب في نهاية 2016 وعلى السيطرة على عفرين بداية 2018 وعلى خفض التصعيد في إدلب في سبتمبر (أيلول) 2018، ما شكل «شريطاً عازلاً» شمال سوريا يمتد من غرابلس إلى اللاذقية. كما انتشرت 12 نقطة مراقبة تركية في ريف إدلب وصلت إلى نقطة قريبة من شمال حماة في عمق سوريا. لكن كل ذلك لم يحقق الامن والاستقرار لسكان تلك المناطق مقارنة مع مناطق الادارة الذاتية.
وفي حال أنجزت ترتيبات ثلاثية أميركية – روسية – تركية، ستحصل أنقرة على «شريط عازل» يمتد من كسب على البحر المتوسط إلى فيش خابور شرق سوريا، ما سيجعلها تشكل منطقة نفوذ، وسيتراف ذلك مه هجرة مئات الالاف من سكان تلك المدن، وستكون اكبر عملية تطهير وتهجير عرقية في المنطقة برمتها \ يسكن قرابة 3-4 مليون فيها \ وستعود انقرة لتلعب دورا اكبر في الملف السوري، والمنطقة خاصة وانها سبق وان قامت بعمليات تهجير وتطهير عرقية للاكراد ضمن حدودها في المناطق الحدودية.