مخرجات المنتدى السنوي الرابع للضحايا في شمال سوريا – تشرين الأول/أكتوبر 2025

المنتدى السنوي الرابع للضحايا في شمال سوريا

تحت شعار: «نحو عودة آمنة وعدالة شاملة للضحايا»
القامشلي/قامشلو – 17 تشرين الأول/أكتوبر 2025


المقدمة
انعقد المنتدى السنوي الرابع للضحايا في شمال سوريا بتاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2025 تحت شعار «نحو عودة آمنة وعدالة شاملة للضحايا»، وشكّل محطة بارزة في مسار تعزيز صوت الضحايا وترسيخ حضورهم كشركاء فاعلين في رسم ملامح المرحلة المقبلة وصياغة مستقبلهم على أسس العدالة والمساءلة.

أُقيم المنتدى في مدينة القامشلي/قامشلو وعبر الإنترنت، بتنظيم مشترك بين رابطة تآزر للضحايا، ومنصة أسر المفقودين/ات في شمال وشرق سوريا (MPFP-NES)، وشبكة ضحايا انعدام الجنسية في الحسكة (NSVH).

جاء هذا المنتدى في لحظة مفصلية من تاريخ سوريا المعاصر، كونه يُعقد للمرة الأولى بعد سقوط نظام الأسد، في ظل مرحلة انتقالية حساسة لم تتضح ملامحها النهائية بعد.

ورغم مرور أكثر من عشرة أشهر على هذا التحول الكبير، ما يزال مئات الآلاف من المهجّرين/ات قسراً عاجزين عن العودة إلى مناطقهم الأصلية، لا سيّما في رأس العين/سري كانيه وتل أبيض/گري سپي وعفرين، وسط غياب بيئة آمنة وشروط واقعية للعودة الطوعية والكريمة، وتأخر إطلاق مسارات فعلية للعدالة الانتقالية تضمن حقوق الضحايا وتمكينهم من المشاركة في رسم مستقبل البلاد.


المشاركون والجهات المنظمة
استضاف المنتدى 11 متحدثاً ومتحدثة، وشارك فيه أكثر من 70 شخصاً من الضحايا والناجين/ات، والناشطين/ات، والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان، وممثلي منظمات المجتمع المدني، كما حظي بتغطية من أكثر من 14 وسيلة إعلامية محلية وإقليمية.


محاور النقاش الأساسية
ناقش المنتدى قضايا محورية تمسّ مستقبل العدالة وحقوق الضحايا في سوريا، أبرزها:

  1. العودة الآمنة والطوعية والكريمة: بحث الشروط والإجراءات العملية اللازمة، مثل وقف الانتهاكات، وضمان الأمن والحماية، ومنع التمييز، واسترداد الحقوق والممتلكات، وجبر الضرر.
  2. العدالة الانتقالية وقيادة الضحايا: تقييم التقدّم في مسارات العدالة الانتقالية، من المساءلة والتقاضي إلى الحق في الحقيقة والذاكرة، وجبر الضرر، وإصلاح المؤسسات، وضمانات عدم التكرار، مع تأكيد ضرورة أن يكون الضحايا في موقع القيادة والتأثير في رسم أولوياتها.
  3. النوع الاجتماعي والفئات المتأثرة: التركيز على أوضاع النساء الناجيات، وأسر المفقودين/ات، وضحايا انعدام الجنسية، وضمان مشاركة عادلة وشاملة لجميع الضحايا في تصميم البرامج والسياسات.

أعاد المنتدى التأكيد على أن مسار العدالة في سوريا لا يمكن أن يُبنى دون قيادة الضحايا ومشاركتهم الفعلية، فهم ليسوا مجرد متضرّرين، بل أصحاب حق وشركاء أساسيون في صياغة المستقبل.


خلفية عامة
يُعقد المنتدى السنوي الرابع للضحايا في شمال سوريا في سياق وطني معقّد يتّسم بمرحلة انتقالية هشة بعد انهيار النظام السابق، وسط غياب بيئة آمنة ومستقرة وتباطؤ في إطلاق آليات العدالة الانتقالية.

ما يزال مئات الآلاف من المهجّرين/ات قسراً غير قادرين على العودة إلى مناطقهم الأصلية، فيما تستمر الانتهاكات والتمييز، وتتفاقم الهشاشة المعيشية والخدمية، خاصة بالنسبة للفئات الأكثر ضعفاً، مثل النساء الناجيات، وأسر المفقودين/ات، وضحايا انعدام الجنسية.

وتؤكد التجارب المقارنة أنّ العدالة الانتقالية الشاملة لا تقتصر على المساءلة القانونية فحسب، بل تشمل الحق في الحقيقة والذاكرة، وجبر الضرر، وإصلاح المؤسسات، وضمان عدم التكرار. ويُشكل غياب خارطة طريق شاملة يقودها الضحايا تهديداً بإطالة أمد المعاناة، ويُضعف فرص بناء سلام شامل ومستدام قائم على العدالة والمساءلة.

وفي هذا السياق، شكّل إعلان “الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية” بموجب المرسوم رقم (20) الصادر عن الحكومة الانتقالية المؤقتة في 17 أيار/مايو 2025، محطة تلقّتها روابط الضحايا ومنظمات المجتمع المدني وحقوقيون بمزيجٍ من الأمل والقلق: أمل لأنها تفتح نافذة طال انتظارها نحو مسار وطني للعدالة الانتقالية؛ وقلق لأنها بصيغتها الراهنة قد تُفضي إلى عدالةٍ انتقائية تُقصي فئاتٍ من الضحايا وتُقيّد المساءلة بجهة واحدة فقط، متجاهلة الانتهاكات التي ارتكبتها أطراف متعددة خلال سنوات الصراع.

هذا التوجّه، إن استمر، من شأنه أن يُعمّق التمييز بين الضحايا ويُقوّض أسس العدالة الشاملة والمصالحة الوطنية، بما يتعارض مع مبادئ الإعلان الدستوري والالتزامات المنصوص عليها في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

كما يبرز تحدٍ آخر يتمثل في ضعف وعي الضحايا بحقوقهم وآليات الدفاع عنها، ما يجعلهم أكثر عرضة للانتهاكات المتكررة، في ظل استمرار الإفلات من العقاب.

ومن هنا، يهدف المنتدى إلى تعزيز صوت الضحايا كممثلين لأنفسهم، وتوفير مساحة للتنسيق والتشبيك بين المجموعات المتأثرة، سعياً إلى بلورة رؤية موحّدة للعدالة والعودة.

وقد أسهمت المنتديات السابقة في تطوير مقاربات عملية وتعزيز مستوى التنسيق والمناصرة، وترسيخ حضور قضايا الضحايا في المحافل الحقوقية والإعلامية، مما جعل المنتدى الرابع تأكيداً جديداً على الالتزام الجماعي بمبادئ العدالة الشاملة، وجبر الضرر، وضمان عدم التكرار.


الجلسات والمحاور التفصيلية

  1. الجلسة الأولى: الحق في العودة الآمنة والطوعية والكريمة
    ناقشت هذه الجلسة العوائق الأمنية والسياسية والاجتماعية أمام عودة المهجّرين/ات، وأكّدت على أن العودة لا يمكن أن تتحقق دون ضمانات واضحة للحماية والمساءلة، واستعادة الحقوق والممتلكات. كما شدّد المشاركون على ضرورة وضع خطة وطنية شاملة للعودة تُصاغ بالتشاور مع الضحايا والمجتمعات المتأثرة.
  2. الجلسة الثانية: العدالة الانتقالية ودور الضحايا في قيادتها
    استعرضت هذه الجلسة التحديات التي تواجه مسار العدالة الانتقالية في سوريا، وخاصة خطر حصرها في أطر شكلية أو سياسية. وتم التأكيد على أن العدالة الحقيقية لا تتحقق إلا بإشراك الضحايا في تصميم وتنفيذ سياساتها، وبضمان شمولها لكل أطراف النزاع والانتهاكات، دون استثناء أو تمييز.
  3. الجلسة الثالثة: الفئات المتأثرة والنوع الاجتماعي
    ركّزت الجلسة على قضايا النساء الناجيات من العنف، وأسر المفقودين/ات، وضحايا انعدام الجنسية، وناقشت سبل دعم مشاركتهنّ في الحياة العامة، وتمكينهنّ من الوصول إلى العدالة والموارد والخدمات الأساسية.

التوصيات والنتائج الختامية
اختُتم المنتدى بعدد من التوصيات العملية الموجّهة إلى السلطات المحلية والجهات الدولية ومنظمات المجتمع المدني، أبرزها:

  1. ضرورة وضع خطة وطنية شاملة للعدالة الانتقالية بمشاركة فعلية للضحايا في كل مراحلها.
  2. ضمان عودة آمنة وطوعية وكريمة للمهجّرين/ات، عبر تهيئة بيئة آمنة وإزالة أسباب النزوح.
  3. إطلاق برامج جبر ضرر وتعويض مادي ومعنوي للضحايا، وتوثيق الانتهاكات وفق معايير دولية.
  4. إشراك النساء والناجين/ات وأسر المفقودين في عمليات صنع القرار المتعلقة بالعدالة والمصالحة.
  5. دعم منظمات وروابط الضحايا بوصفها صوتاً مستقلاً وممثلاً شرعياً لضحايا النزاع.
  6. ضمان المساءلة وعدم الإفلات من العقاب على جميع الانتهاكات بغض النظر عن الجهة المسؤولة.
  7. تعزيز الوعي المجتمعي بالحقوق وآليات الإنصاف عبر برامج تدريب وتوعية وتعاون مؤسسي مستدام.

الخاتمة
أكد المنتدى السنوي الرابع للضحايا في شمال سوريا أن بناء السلام والعدالة في البلاد لا يمكن أن يتحقق إلا بإشراك الضحايا كشركاء أساسيين في صياغة المستقبل، وأن تحقيق العدالة الشاملة يتطلب مساراً وطنياً شفافاً، قائماً على الاعتراف والإنصاف والمساءلة، دون استثناء أو تمييز.

بهذه الرسالة، جدّد المنتدى التزامه بمواصلة العمل من أجل سوريا يسودها العدل والكرامة والحرية، حيث تُصان حقوق جميع أبنائها وبناتها دون استثناء.